Royaa20

                         
للأخبار                                                           
R                  شبكه رمضان

أعلى الصفحة
لآعلى

من الهجرة إلى المواطنة

بقلم: حسـام شـاكر (*)

ليس من اليسير استعراض واقع الوجود العربي في أوروبا بالدقة المأمولة. فأوروبا قارة متوزِّعة على أقاليم عدة تتقاسمها أكثر من أربعين دولة. ورغم بعض القواسم المشتركة بين هذه الأقاليم والدول؛ فإنّ لكل منها واقعه الخاص به، والذي يجعل إصدار حكم تعميمي على حالة الوجود العربي في هذه القارة بأسرها أمراً تعسّفياً.

ثم إنّ المصادر المتعلقة بأوضاع الجاليات أو الأقليات إجمالاً في البلدان الأوروبية، ومن بينها العرب؛ تتسم بقلّتها وعدم دقتها وغلبة التقديرات عليها وشيوع التضارب الواضح في ما بينها.

فالإحصاءات المتوفرة في بعض البلدان الأوروبية لأعداد المصنّفين على أنهم "أجانب" من هذه الفئة أو تلك؛ غالباً ما تكون متقادمة، أو أنها غير دقيقة لجهة تحديد المقصود بالعربي (الذي يُورَد فيها حسب انتمائه إلى قطر عربي محدّد)، فقد يُقصد به أحياناً حامل جنسية (مواطنة) قطر عربي ما؛ وقد يُقصد به أحياناً أخرى كونه عربيّ الأصل بغض النظر عن جنسيته، بحيث يدخل في ذلك حامل جنسية البلد الأوروبي الذي استقرّ فيه.

إلاّ أنّ الثابت على كل حال أنّ الوجود العربي في أوروبا قد تركّز في الشطر الغربي من القارة، وبخاصة في كل من فرنسا وبريطانيا ودول البينليوكس (هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ). وقد انعكست العلاقات الاستعمارية السابقة والارتباط اللغوي والثقافي على هذا الوجود. فبينما كان المهاجرون من المغرب العربي ولبنان وسورية يفضلون ابتداءً العيش في فرنسا، وجدنا المهاجرين من بلدان عربية أخرى، كاليمن والعراق ومصر وفلسطين؛ قد قصدوا العيش في بريطانيا.

كان ذلك هو ما عليه الأمر غالباً حتى الربع الأخير من القرن الميلادي العشرين، الذي شهد تحوّلات سريعة في طبيعة الهجرة واتجاهاتها وأنماطها.

فإثر تضييق منافذ الهجرة إلى أوروبا مع الأزمة الاقتصادية في أواسط السبعينيات؛ ومع تردِّي الأوضاع العامة في عدد من البلدان العربية؛ نشأت اتجاهات جديدة من الهجرة، أصبح من المألوف معها أن يستنفذ المهاجر العربي كل الفرص المتاحة له للعيش في أي بلد أوروبي غربي كان. من هنا تزايدت أعداد العرب في دول أوروبية لم تكن وجهات تقليدية للهجرة العربية، كدول الشمال الاسكندنافية، والمنطقة الناطقة بالألمانية (ألمانيا، النمسا، سويسرا)، كما ينشأ حالياً وجود عربي مستقرّ في عدد من بلدان وسط أوروبا وشرقها، محاولاً الاستفادة بصفة خاصة من التحول الاقتصادي الذي مرّت، وتمرّ به، هذه البلدان، واغتنام انتعاشها الاقتصادي الحالي والمرتقب مع التحاق عدد منها بقاطرة الوحدة الأوروبية.

وإذا ما تطرّقنا إلى المؤثرات؛ فإننا سنلاحظ تأثير عامل القرب الجغرافي على طبيعة منابع الهجرة العربية إلى أوروبا. فالحضور العربي في اليونان وقبرص، مثلاً؛ نبع أساساً من بلاد الشام كما من مصر، بينما انعكس القرب الجغرافي بين إيطاليا من جهة؛ وليبيا وتونس من جهة أخرى؛ على حضور المهاجرين والاستثمارات من هذين البلدين العربيين في إيطاليا (مع ملاحظة أنّ ليبيا كانت في السابق مستعمرة إيطالية). وبوسعنا كذلك أن نرى في حجم الحضور الليبي في مالطا وحجم الحضور المغربي في أسبانيا؛ شاهديْن على تأثير القرب الجغرافي على حركة الهجرة من العالم العربي.

ومع ذلك؛ فإنّ هذه الاتجاهات لا تكشف لنا عن طبيعة التنوّع في أغراض الهجرة ومراميها من البلدان العربية إلى أوروبا. فالعوامل التي أدّت إلى الهجرة متعدِّدة، بما طبع الحضور العربي المهاجر بطابع خاص مميّز بين بلد أوروبي وآخر.

يبقى القول إنّ مصطلح "المهاجرين العرب في أوروبا" بات من الناحية الفعلية بالياً ومجافياً للواقع. فما شهدناه ونشهده هو انتقال لا مناص عنه لأولئك الموصوفين بـ "المغتربين" من طور الهجرة إلى مسارات المواطنة، بما يصحب ذلك من مخاضات عسيرة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. ومن هنا؛ فإنّ المصلحة الجماعية تقتضي التركيز على تمكين "مهاجري الأمس" من فرص المواطنة الصالحة، وإعانتهم على مواجهة صعوبات الحاضر وتحدِّيات المستقبل.

 حسام شاكر

(*) باحث وإعلامي، فيينا 

 

أضف تعليق

أقراء الأراء الأخرى

الصفحه الرائيسيه

 

 

مقالات و أبحاث أحرى للكاتب

""""""""""

من هو الأوربى
===========

مسلمو أوربا . ثمرات التنوع و تحدياته
===========

الأحتلال هو الأحتلال
=============

فضائيه الحرة .. أهى حرة
 حقاً

=============

ً ويسألونك عن "إسراطين
=============

أي علمانيه تقصدون  بالضبط
============

الدين فى أوربا
===========

أوروبا قديمة .. وأخرى جديدة
================

بين الانفتاح الإعلامي والغيتو الثقافي
=============

كبار رجال الدولة يحتفلون مع مسلمي النمسا
============

 

مشاهد "سي بي إس" ليست الحقيقة كلها
===============

هل أخفقت "القرية الكونية"؟
 
=======

أوروبا الدول .. وأوروبا الشعوب

المؤتمر الأول للأئمة في النمسا

اللغة ليست أداة للتواصل بالضرورة .. بل قد تكون عائقاً أحياناً

ديمقراطية السقف الأدنى  وإصلاح دون مستوى الإصلاح

لاستعمار يطلّ برأسه من جديد

هدم منازل غزة.. عقلية إسرائيلية استعلائية

تصلّب في شرايين الجمعيات؟

مرحلة شائكة .. وحصانة متآكلة

من الهجرة إلى المواطنة

شخصنة المؤسسات

 

 

جميع الحقوق محفوظه لشبكه رمضان