Royaa19

                         
للأخبار                                                           
R                  شبكه رمضان

أعلى الصفحة
لآعلى

 

مرحلة شائكة .. وحصانة متآكلة

بقلم: حسـام شـاكر، فيينا

ساهمت هجمات لندن المروّعة في الصيف الماضي في الاتجاه المتصاعد أوروبياً؛ الذي يقدّم النزعة الأمنية على ضمانات حقوق الإنسان. ومن الطبيعي أن لا يبدي الجمهور اعتراضاً ملموساً على ذلك، على اعتبار أنّ الأمن من ضرورات الحياة، بينما تأتي حقوق الإنسان، على أهميتها، في أولويات لاحقة.

إلاّ أنّ المُقلق بصفة خاصة؛ أنّ المسلمين هم أكثر قطاعات الجمهور في البلدان الأوروبية تضرّراً من أية تراجعات في مجال الحقوق والحريات، باعتبارهم موضوعين أساساً في بؤرة الاهتمام، أو أنهم يمثلون "كومة القش" التي ينبغي التفتيش عن "الإبر المؤذية" التي يُفترَض وجودها داخلها، ولا خيار هنا أحياناً سوى "النبش والبعثرة" بكل ما يعنيه ذلك.

يعني ذلك أننا نعايش في بعض الحالات الأوروبية، أو أننا قد نشهد على الأقل؛ صياغة ملامح بيئة قانونية وإجرائية استثنائية مختصة إلى حدٍّ ما بالمسلمين دوناً عن غيرهم. فيكون التحاق المسلمين ببعض مواقع العمل الحساسة، كالمطارات والموانئ مثلاً، أمراً مُستبعَداً بالمقارنة مع مواطنيهم الأوروبيين الآخرين. وقد يغدو التعامل مع الإمام المسلم استثنائياً عن السياق العام للتعامل مع "رجال الدين" في هذا البلد الأوروبي أو ذاك. وقد تصبح المدارس الإسلامية موضعاً للاشتباه في بعض البلدان الأوروبية، أو عرضة لوقف الدعم الرسمي عنها دوناً عن غيرها، بل وقد تكون مستهدفة بالإغلاق، كما جرى في ميونيخ مؤخراً بحق مدرسة عريقة مشهود لها بالاعتدال. هذا علاوة على القيود المفروضة على حق التلميذات في اختيار الزيّ، كما في فرنسا وغيرها. وفي الوقت ذاته؛ يتشكل الانطباع بأنّ الحصانة الدينية التقليدية للمساجد والأئمة في عدد من البلدان الأوروبية لم تعُد قائمة بالصورة السابقة، بغض النظر عن المسؤولين عن ذلك كلِّه.

وما يزيد القلق؛ أنّ ولوج هذا المنعطف يتساوق زمنياً مع التحوّل الملموس نحو ما يمكن تسميته بـ"العنصرية الانتقائية". فالظاهرة العنصرية التي استهدفت الأجانب في عدد من البلدان الأوروبية في سنوات خلت؛ آخذة بالتركيز الحصري على المسلمين، والتستر خلف لافتات "القلق من الإرهاب" و"الخشية من التطرّف الإسلامي"، وغيرها من شعارات المرحلة. أي أننا نشهد انعطافة من "رهاب الأجانب" (زينوفوبيا) إلى "رهاب الإسلام" (إسلاموفوبيا). وعادة ما يساهم مثيرو الهلع، ممن يُوصَفون بـ"الخبراء" أحياناً؛ في التحذير من الوجود المسلم في أوروبا بهذا الشكل أو ذاك.

وبين هذا التحوّل وذاك؛ يستشعر المرء أنّ المرحلة التي يعيشها مسلمو أوروبا غير مريحة، كما لا تبعث على الطمأنينة. فالهجمات المفزعة التي شهدتها العاصمة البريطانية قبل شهور، جاءت لتُضاف إلى سلسلة من التطوّرات الدامية المتبوعة بتداعيات استشعرها مسلمو أوروبا بشكل ملموس، فألقت بظلالها عليهم.

ولا جدال في أنّ الخطورة لا تكمن في تداعيات المأساة التي شهدتها لندن بصورتها المجرّدة وحسب؛ بل وفي سياقاتها أيضاً. فهذه الأحداث تأتي متصلة ـ بشكل أو بآخر ـ بالمرحلة التي يشهدها العالم منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، كما أنها جاءت ضمن الموجة المروِّعة من الهجمات التي تستهدف المدنيين في مناطق متفرقة من العالم.

أما السياقُ الآخرُ ذو الدلالة الذي ينبغي الانتباه له؛ فهو ما يتصل بربط الإسلام والثقافة الإسلامية قسراً بالإرهاب وترويع الآمنين واستباحة دماء الأبرياء، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يتعلّق بمكامن الخوف والقلق والتوجّس من المسلمين، ومن مسلمي أوروبا والغرب على وجه الخصوص.

ويبدو للمراقب أنّ هجمات لندن، وما سبقها في مدريد؛ إنما تصبّ ابتداءً في صالح المحرِّضين على الوجود المسلم في أوروبا، خاصة وأنهم يستدِلّون بها لتعزيز مقولاتهم ودعاواهم، ويشيرون إليها باعتبارها تأكيداً لما يذهبون إليه في العادة من تحذيرات.

ومهما تكن صعوبة المرحلة الشائكة؛ فإنها لا ينبغي أن تسمح باضطراب بوصلة الوجود المسلم في البلدان الأوروبية، فالأجيال المسلمة الجديدة في أوروبا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز فرصها لتحقيق الذات، والبرهنة على إمكانية الاندماج الإيجابي ونجاح نموذج المواطنة الصالحة، رغم كل العثرات والعراقيل التي يمكن تصوّرها.

  حسام شاكر

(*) باحث وإعلامي، فيينا

 

أضف تعليق

أقراء الأراء الأخرى

الصفحه الرائيسيه

 

 

مقالات و أبحاث أحرى للكاتب

""""""""""

من هو الأوربى
===========

مسلمو أوربا . ثمرات التنوع و تحدياته
===========

الأحتلال هو الأحتلال
=============

فضائيه الحرة .. أهى حرة
 حقاً

=============

ً ويسألونك عن "إسراطين
=============

أي علمانيه تقصدون  بالضبط
============

الدين فى أوربا
===========

أوروبا قديمة .. وأخرى جديدة
================

بين الانفتاح الإعلامي والغيتو الثقافي
=============

كبار رجال الدولة يحتفلون مع مسلمي النمسا
============

 

مشاهد "سي بي إس" ليست الحقيقة كلها
===============

هل أخفقت "القرية الكونية"؟
 
=======

أوروبا الدول .. وأوروبا الشعوب

المؤتمر الأول للأئمة في النمسا

اللغة ليست أداة للتواصل بالضرورة .. بل قد تكون عائقاً أحياناً

ديمقراطية السقف الأدنى  وإصلاح دون مستوى الإصلاح

لاستعمار يطلّ برأسه من جديد

هدم منازل غزة.. عقلية إسرائيلية استعلائية

تصلّب في شرايين الجمعيات؟

مرحلة شائكة .. وحصانة متآكلة

من الهجرة إلى المواطنة

شخصنة المؤسسات

 

 

جميع الحقوق محفوظه لشبكه رمضان