New Page 1

دخول يوسف السجن ودعوته فيه لعبادة الله تعالى

 

 

قال الله تبارك وتعالى: يذكر الله تعالى عن العزيز وامرأته وغيرهما أنهم بدا لهم وظهر لهم من الرأي سجن يوسف مع علمهم ببراءته إلى وقت، ليكون ذلك تخفيفًا لكلام الناس في تلك القضية، وليظن الناس بحبس يوسف عليه السلام أنه هو الذي راودها عن نفسها ودعاها إلى ذلك، ولذلك سجنوا يوسف الصديق ظلما وعدوانًا من غير جريمة اقترفها وارتكبها، ودخل السجن مع يوسف عليه السلام فتيان أحدهما رئيس سقاة الملك، والثاني رئيس الخبازين عنده، وكان الملك قد اتهمهما في دس السم له لاغتياله والتخلص منه، فسجنهما ورأى كل من ساقي الملك وخبازه في ليلة واحدة رؤيا شغلت فكرهما، أما الساقي فقد رأى كأن ثلاثة قضبان من الكرم والعنب قد أورقت وأينعت فيها عناقيد العنب فأخذها واعتصرها في كأس الملك وسقاه منها، ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضواري الطيور تأكل من السلة العليا، فقص كل من الساقي والخباز رؤيتهما على يوسف عليه السلام وطلبا منه أن يفسر لكل واحد منهما رؤياه ويعبرها لهما بعدما أعلمهما يوسف عليه السلام وأعلم أهل السجن بأنه يعبرُ الأحلام ويفسرها، وبعدما رأيا من يوسف الصديق في السجن من حسن السيرة وعظيم الأخلاق وكثرة عبادته لربه ما أعجبهما أشد الاعجاب، يقول تبارك وتعالى: .

فلما استمع يوسف عليه السلام إلى الرجلين وسمع ما رأيا في منامهما من رؤيا قال لهما: أي مهما رأيتما من حلم ومنام فإني أعبره وأفسره لكما قبل وقوعه فيكون كما أول، ثم أخذ النبي يوسف عليه السلام وهو في السجن يدعو إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فدعا الرجلين اللذين طلبا منه أن يفسر لهما رؤييهما إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام وأخذ يُصغر لهما أمر الأصنام ويحقرها لأنها لا تضر ولا تنفع وبين لهما أم ما هما عليه وءاباؤهم من عبادة أحجار هي عبادة باطلة لأن الله تبارك وتعالى هو وحده الذي يستحق العبادة لأنه هو المتصرف في خلقه وهو الفعال لما يريد الخالق لكل شىء، الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لقد أراد يوسف عليه السلام بحكمته أن يتحدث معهما في الأهم والأولى، وكانت دعوته لهما إلى عبادة الله وحده وإلى دين الإسلام في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما كانت مُعظمة ليوسف عليه السلام سهلة الانقياد على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب من نبي الله يوسف عليه السلام أن يدعوما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن يوسف عليه السلام وما قاله لصاحبيه في السجن: .

ثم قال لهما: .

بعد أن تحدث يوسف عليه السلام مع صاحبيه في السجن عن الأهم والأولى وهو دعوتهما غلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، أخبرهما بعد ذلك بتأويل رؤيهما فقال للأول وهو الساقي: أما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يبعث إليك الملك بعد انقضائها فيردك إلى عملك ساقيًا.

ثم قال للخباز: السلال الثلاث ثلاثة أيام ثم يبعث إليك الملك عند انقضائهن فيقتلك ويصلبك ويأكل الطير من رأسك، قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن يوسف عليه السلام: .

يقال: إن الرجلين لما سمعا تأويل رؤييهما وتعبيرهما من يوسف عليه السلام قالا: ما رأينا شيئًا فقال لهما: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.

وبعد أن عبر وفسر نبي الله يوسف عليه السلام رؤييهما طلب من الذي ظنه ناجيا من هذين الرجلين وهو الساقي: يعني اذكر أمري وما أنا فيه عند سيدك وهو الملك وأخبره أني محبوس ظلما، فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام، فلبث يوسف عليه السلام في السجن سبع سنوات، وكل هذا بمشيئة الله وإرادته.