New Page 1

رؤيا الملك وخروج يوسف من السجن

 

 

يقول الله تبارك وتعالى:

قدر الله تبارك وتعالى بتقديره الأزلي أسبابًا لخروج نبيه يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصر رأى في منامه سبع بقرات سمان خرجن من البحر وخرجت في ءاثارهن سبع يقرات هُزال ضعاف فأقبلت على البقرات السمان فأكلتهن، فاستيقظ الملك من نومه مذعورًا، ثم نام ثانية فرأى سبع سنبلات خضر وقد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلتهن حتى أتين عليهن، فدعا أشراف قومه فقصها عليهم وطلب منهم أن يفتوه في رؤياه هذه، ولما لم يكن فيهم من يُحسن تعبيرها قالوا له: أي أخلاط أحلام من الليل وما نحن بتأويل الأحلام التي هذا وصفها بعالمين أي أنهم لا خبرة لهم بذلك، ولما سمع الناجي من السجن وهو ساقي الملك برؤيا الملك ورأى عجز الناس عن تعبيرها تذكر أمر يوسف عليه السلام وما اوصاه به، قال تعالى: أي تذكر بعد مدة من الزمان وهي بضع سنين التي قضاها يوسف في السجن ، فأرسلوه إلى يوسف عليه السلام فلما جاءه وقص عليه رؤيا الملك أجابه يوسف عليه السلام إلى طلبه فعبر منام الملك بوقوع سبع سنسن في الخصب والرخاء ثم سبع سنسن جدب وذلك تأويله قوله تعالى: يعني يأتيهم الخصب والعيش والرفاهية وأن ما كانوا يعصرون من الأعناب والزيتون والسمسم وغيرها. فعبر يوسف عليه السلام لهم رؤيا الملك ودلهم على الخير وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم، وما يفعلونه من ادخار الحبوب في السنين السبع الأولى التي يكون فيها الخصب في سنبله إلا ما يُرصد بسبب الأكل، لأن ادخار الحب في سنابله أبقى له وأبعد من الفساد، ثم يأتي بعدها سبع سنسن مجدبه يحصل فيها الجدب والقحط فتأتي على المخزون من السنسن السبع التي تقدمتها أي نصحهم عليه السلام أن يدخروا الحبوب في سنابله إلا ما يرصد للأكل حتى إذا حل الجدب والقحط وجدوا في مخازنهم ما يسد الرمق ويمسك عنهم الضيق، حتى يأتي الله بالخصب والغيث، ففسر عليه السلام البقرات السمان بالسنسن التي يكون فيها خصب، والبقرات العجاف بالسنسن التي يكون فيها قحط وجدب، وكذلك السنبلات الخضر والسنبلات اليابسات، يقول الله تبارك وتعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: .

وبعد تأويل يوسف رؤيا الملك قال الملك: ائتوني بالذي عبر رؤياي، وأمر بأحضاره إليه ليكون من جملة خاصته ومن المقربين إليه، فلما جاء رسول الملك إلى يوسف أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن حتى يتبين لكل واحد أنه حُبس ظامًا وعدوانًا وأنه برىء الساحة مما نسبوه إليه في شأن امرأة العزيز قال تعالى: .

أي ارجع إلى سيدك وهو الملك فاسأله أن يتعرف ما شأن تلك النسوة الاتي قطعن أيديهن فإن الله عليم بكيدهن ليعلم صحة براءتي، وإنما أشفق يوسف أن يراه الملك بعين الشاك في أمره أو متهم بفاحشة وأحب أن يراه بعد استقرار براءته عنده، فرجع رسول الملك إلى الملم وأخبره بما قاله يوسف، فدعا الملك النسوة الاتي قطعن أيديهن ومعهن امرأة العزيز وقال لهن: أي ما شأنكن وقصتكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ فأجبنه بأنه حاش لله ما علمنا عليه من سوء وأنكرن أن يكن علمن عليه سوءا، وأعلم النسوة الملك ببراءة يوسف من السوء الذي نسب إليه كذبًا وبهتانًا.

ولما رأت امرأة العزيز أن يوسف عليه السلام الذي زجت به في السجن ظلمًا وعدوانًا قد أكرمه الله تعالى لعصمته وطهارته حتى صار من اهتمام الملك به أنه يستدعيه ليستخلصه لنفسه اعترفت بما اقترفته وقالت الأن حصص الق أي ظهر الحق وصار واضحًا جليًا واعترفت بأنها هي التي راودته عن نفسه وطلبت منه فعل الفاحشة.