كشف الشبهات2 للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى - موقع كشف الشبهات
 
 

 كشف الشبهات 1 / 2

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ - أَيْضاً -: مَا حكَى اللَّهُ - تعالى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ - مَع إِسْلاَمِهِمْ ، وَعِلْمِهِمْ ، وَصَلاَحِهِمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كما لهم آلهة}( ) . وَقَوْلُ أُنَاسٍ مِن الصَّحَابَةِ ,اجْعَلْ لَنَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ - ذاتَ أَنْوَاطٍ- ، فَحَلَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ بنِي إِسْرَائِيلَ : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} . وَلَكِنْ لِلمُشْرِكِينَ شُبْهَةٌ يُدْلُونَ بِهَا عِنْدَ هَذِهِ القِصَّةِ ، وَهِيَ أَنَّهُمُ يَقُولُونَ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يكْفُرُوا بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ سَألُوا النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ ذَاتَ أَنْوَاطٍ لم يكفروا. فَالجَوَابُ أنْ تَقُولَ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائيِلَ لَمْ يَفْعَلُوا، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلُوا . وَلاَ خِلاَفَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَفَرُوا . وَ لاَ خِلاَفَ أَنَّ الَّذِينَ نَهَاهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ لَمْ يُطِيعُوهُ ، وَاتَّخَذُوا ذَاتَ أَنْوَاطٍ بَعْدَ نَهْيِهِ لَكَفَرُوا . وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب . وَلَكِنْ هَذِهِ الْقِصَّةُ تُفِيدُ : أَنَّ الْمُسْلِمَ - بَل الْعَالِمَ - قَدْ يَقَعُ فِي أَنْوَاعِ مِنْ الشِّرْكِ - لاَ يَدْرِي عَنْهَا. فَتُفِيدُ التَّعْلِيمَ وَالتَّحَرُّزَ ، وَمَعْرِفَةَ أَنَّ قَوْلَ الْجَاهِلِ : (التَّوْحِيدُ فَهِمْنَاهُ) أَنَّ هَذَا مِنْ أكْبَرِ الْجَهْلِ ، وَمكَائِدِ الشَّيْطَانِ . وَتُفِيدُ - أَيْضاً - أنَّ الْمُسْلِمَ الْمُجْتَهِدَ الَّذِي إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلاَمِ الْكُفْرِ - وَهُوَ لاَ يَدْرِي - فَنُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَتَابَ مِنْ سَاعَتِهِ أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ ، كَمَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَالَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَتُفِيدُ - أَيْضاً - أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْفُرْ فَإِنَّهُ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ الْكَلاَمُ تَغْلِيظاً شَدِيدًا ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَللْمُشْرِكِينَ شُبْهَةٌ أُخْرَى : يَقُولُوْنَ : إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ عَلَى أَسَامَةَ رضي الله عنه قَتْلَ مَنْ قَالَ : (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) ، وَقَالَ : ,أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ-( )، وَكَذَلِكَ قَوْلُه : ,أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ- ( )، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَهَا . وَمرُادُ هَؤلاَءِ الْجَهَلَةِ أَنَّ مَنْ قَالَهَا لاَ يَكْفُرُ ، وَلاَ يُقْتَلُ - وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ - . فَيُقَالُ لِهَؤُلاءِ الْجَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ : مَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَ الْيَهُودَ ، وَسَبَاهُمْ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ) ، وَأنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ ، وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيُّ بنُ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه بِالنَّارِ . وَهَؤُلاءِ الْجَهَلَةُ مُقِرُّونَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ كَفَرَ وَقُتِلَ - وَلَوْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ كَفَرَ وَقُتِلَ - وَلَوْ قَالَهَا - . فَكَيْفَ لاَ تَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ شَيْئًا مِن الْفُرُوعِ وَتَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ التَوْحِيدَ - الَّذِي هُوَ أسَاسُ دِينِ الرُّسُلِ ، وَرَأْسُهُ - . وَلكِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ مَا فَهِمُوا مَعْنَى الأَحَادِيثِ : فَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً ادَّعَى الإِسْلاَمَ بِسَبَبِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَا ادَّعَاهُ إِلاَّ خَوْفَا عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ . وَالرَّجُلُ إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا }( )، أَيْ تَثَبَّتُوا . فَالآيـَةُ تَدُلُّ عَلَى أنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُ ، وَالتَّثَـبُّتُ ، فَإِنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الإِسْلاَمَ قُتِلَ لِقَوْلِهِ {فَتَبَيَّنُوا} ، وَلَوْ كَانَ لاَ يُقْتَلُ إِذَا قَالَهَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّثَـبُّتِ مَعْنًى . وَكَذلِكَ الْحَدِيثُ الآخَرُ وَأَمْثَالُهُ ، مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ وَالتَّوْحِيدَ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ إِلاَّ أنْ يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ ,أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ-( )، وَقَالَ : , أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ- ( )، هُوَ الَّذِي قَالَ في الْخَوَارِج :, أيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ- ( ) ، ,لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ- ( ) مَع كَوْنِهِمْ مِنْ أكْثَرِ النَّاسِ عِبَادَةً، وتَهْلِيلاً ، حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ يَحْقِرُونَ صلاتهم عِنْدَهُمْ ، وَهُمْ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِن الصَّحَابَةِ . فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ) ، وَلاَ كَثْرَةُ الْعِبَادَةِ ، وَلاَ ادِّعَاءُ الإِسْلاَمِ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةُ الشَّرِيعَةِ . وَكَذلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِتَالِ الْيَهُودِ ، وَقِتَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بَنِي حَنِيفَةَ . وَكَذَلِكَ أرَادَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم أنْ يَغْزُوَ بَنِي الْمُصْطَلِقْ لَمَّا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ( )، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}( ) ، وَكَانَ اَلرَّجُلُ كَاذِباً عَلَيْهِمْ . فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الأحَادِيثِ التي احتجوا بها مَا ذَ كَرْنَاه .

هل في الاستغاثة بغير الله تفصيل

وَلَهُمْ شُبْهَة أُخْرَى ، وَهِيَ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَغِيثُونَ بِآدَمَ ، ثُمَّ بِنُوحٍ ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ بِمُوسَى ، ثُمَّ بِعِيسَى فَكُلُّهُمْ يَعْتَذِرُون ، حَتَى يَنْتَهُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( ) . قَالُوا : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَيْسَتْ شِرْكاً . فَالْجَوَابُ أنْ تَقُولَ : سُبْحَانَ مَنْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِ أَعْدَائِهِ فَإِنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالْمَخلُوقِ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لاَ نُنْكِرُهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في قصة موسى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }( ) ، وَكَمَا يَسْتَغِيثُ إِنْسَانٌ بِأَصْحَابِهِ في الْحَرْبِ وَغَيْرِهِا من الأَشْيَاءَ التي يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْمَخْلُوقُ . وَنَحْنُ أنْكَرْنَا اسْتِغَاثَةَ الْعِبَادَةِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا عِنْدَ قُبُورِ الأَوْلِيَاءِ ، أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ اللَّهُ - تَعَالَى - . إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالاسْتِغَاثَة بِالأنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يُرِيدُونَ مِنْهُمْ أنْ يَدْعُوا اللَّهَ أنْ يُحَاسِبَ النَاسَ حَتَّى يَسْتَرِيحَ أهْلُ الْجَنَةِ مَنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أنْ تَأْتَيَ عِنْدَ رَجُلٍ صَالِحٍ ، يُجَالِسُكَ ، وَيَسْمَعُ كَلاَمَكَ ، تَقُولُ لَهُ : ادْعُ لِي ، كَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْألُونَهُ في حَيَاتِهِ . وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَاشَا، وَكَلاَّ أَنَّهُمْ سَألُوهُ ذَلِك عِنْدَ قَبْرِهِ بَلْ أَنكَرَ السَّلَفُ عَلَى مَنْ قَصَدَ دُعَاءَ اللَّهِ عِنْدَ قَبْرِهِ ، فكَيْفَ دُعَاؤهُ نفسه ؟ وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى ، وَهِي قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ اعْتَرَضَ لَهُ جِبْرَائِيلُ عليه السلام فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ : أَلَكَ حَاجَةٌ ؟. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ . قَالُوا : فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بِجِبْرَائِيلَ عليه السلام شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . فَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الشُّبهَةِ الأُولَى فَإِنَّ جِبْرَائِيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ - {شَدِيدُ اَلْقُوَى}، فَلَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهيمَ وَمَا حَوْلَهَا مِن الأَرْضِ ، وَالْجِبَالِ ، وَيُلْقِيَهَا في الْمَشْرِقِ ، أَوْ الْمَغْرِبِ لَفَعَلَ ، وَلَوْ أمَرَهُ اللَّهُ تعالى أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهِيمَ فِي مَكَانٍ بَعيْدٍ لَفَعَلَ ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَن يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَفَعَلَ . وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنِيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرَى رَجُلاً مُحْتَاجاً ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَن يُقْرِضَهُ أَوْ يَهَبَهُ شَيْئاً يَقْضِي بِهِ حَاجَتَهُ ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُحتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ ، وَيَصْبِرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ اللَّهُ بِرِزْقٍ لاَ مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ . فَأَيْنَ هَذَا مِنْ اسْتِغَاثَةِ الْعِبَادَةِ وَالشِّرْكِ - لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ - ؟

خاتمة مهمة

وَلْنَخْتِمْ الْكِتَابَ بِذِكْرِ آيَةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ تُفْهَمُ ممَا تَقَدَّمَ ، وَلكِنْ نُفْرِدُ لَهَا الْكَلاَمَ لِعِظَمِ شَأْنِهَا ، وَلِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِيهَا ، فَنَقُولُ : لاَ خِلاَفَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْقَلْبِ ، وَاللِّسَانِ ، وَالْعَمَلِ : فَإِنْ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَكُنْ الرّجُلُ مُسْلِماً , فَإِنْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُعَانِدٌ ، كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ ، وَأَمْثَالِهِمَا . وَهَذَا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَاسِ ، يَقُولُونَ : (هَذَا حَقٌ ، وَنَحْنُ نَفْهَمُ هَذَا ، وَنَشْهَدُ أَنهُ الْحَقُ ، وَلكِنْ لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَفْعَلَهُ ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلاَّ مَنْ وَافَقَهُمْ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَعْذَارِ . وَلَم يَعْرِفْ الْمِسْكِينُ أَنَّ غَالِبَ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ ، وَلَمْ يَتْرُكُوهْ إلاَّ لِشَيْءٍ مِنَ الأَعْذَار، كَمَا قَالَ تَعَالَى {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ ، كَقَوْلِهِ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ( ) . فَإِنْ عَمِلَ بِالتَّوْحِيدِ عَمَلاً ظَاهِراً - وَهُوَ لاَ يَفْهَمُه ، وَلاَ يَعْتَقِدهُ بِقَلْبِهِ - فَهُوَ مَنَافِقٌ ، وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْكَافِرِ الْخَالِصِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}( ). وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ تَبِينُ لَكَ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا فِي أَلْسِنَةِ النَّاسِ : تَرَى مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ ، وَيَتْرُكُ الْعَمَلَ به ؛ لِخَوْفِ نَقْصِ دنيَاهُ ، أَوْ جَاهِهِ ، أَوْ مُلْكِهِ . وَتَرَى مَنْ يَعْمَل بِهِ ظَاهِرًا لاَ بَاطِناً ، فَإِذَا سَألْتَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ إِذَا هُوَ لاَ يَعْرِفُه . وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِفَهْم آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى : أُولاَهُمَا : مَا تَقَدَّمَ ، وَهِي قَوْلُهُ {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}( ). فَإِذَا تَحقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ - الَّذِينَ غَزَوا الرُّومَ مَع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الَّذِي يَتكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، أوَيَعْمَلُ بِهِ خَوْفَا مِنْ نَقْصِ مَالٍ ، أَوْ جَاهٍ ، أَوْ مُدَارَاةً لأَحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا . وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة }( )، فَلَمْ يَعْذُرُ اللَّهُ مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ مَعَ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ ، وَأمَّا غَيْرُ هَذا فَقَدْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِه ، سَوَاءً فَعَلَهُ خَوْفاً ، أَوْ طَمَعاً، أَوْ مُدَارَاةً لأَحَدٍ ، أَوْ مَشَحَّةً بِوَطَنِهِ ، أَوْ أَهْلِهِ ، أَوْ عَشِيرَتِهِ ، أَوْ مَالِهِ ، أَوْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِن اَلأغْرَاضِ إلاَّ الْمُكْرَهَ . فَالآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنْ جِهَتَيْنِ : الأُولَى : قَوْلُهُ : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}، فَلَمْ يَسْتَثْنِ الله إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ . وَمَعْلُومٌ أنَّ الإنْسَانَ لاَ يكْرَهُ إِلا عَلَى الْعَمَلِ ، أوَالْكَلاَمِ ، وأما عَقِيدَةِ الْقَلْبِ ، فَلاَ يُكْرَهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ . الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }( ) ، فَصَرَّحَ أنَّ هذا الكفر الْعَذَاب لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الاعْتِقَادِ ، أوَالْجَهْلِ ، أوَالْبُغْضِ لِلدِّيْنِ ، أَوْ مَحَبَّةَ الْكُفْرِ ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حَظًّا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا ، فآثَرَهُ عَلَى الدِّينِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . تَمَّتْ بِعَونِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ سَنَةَ 1213هـ

<< السابق

بسم الله الرحمن الرحيم
 الصفحة الرئيسة
العقيدة الصحيحة
   الشرك وأنواعه 
تحطيم البدع
 الردود العلمية
 الفرق والمذاهب
 فتاوى مهمة
قالوا عن الموقع
اربطنا بموقعك
من أفضل المواقع
صيد الفوائد
رسالة الإسلام
السلفيون
شمس الإسلام
المرشد
الموحدون

تحت المجهر

النصارى 

النصيرية

الرافضـة

الإباضيــة 

 الأحباش

العصرانيون