كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى - موقع كشف الشبهات
 
 

 كشف الشبهات 1 / 2

اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ تعالى - أنَّ اَلتَّوحِيدَ هُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالعِبَادَةِ . وَهُوَ دِينُ الرُّسُلِ الَّذِي أرْسَلَهُم اللَّهُ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ ، فَأَوّلهُمْ نُوحٌ عليه السلام ، أرْسَلَهُ اللّهُ إِلَى قَوْمِهِ لَمَّا غَلَوْا فِي الصَّالِحِينَ : وَدٍّ ، وَسُوَاعٍ ، ويَغُوثَ ، وَيَعُوقَ ، وَنَسْرٍ . وآَخِرُ الرُّسُلِ مَحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ الَّذِي كَسَّرَ صُوَرَ هَؤُلاءِ الصَّالِحِينَ ، أرْسَلهُ اللَّهُ إِلَى أُنَاسٍ يَتَعَبَّدُونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ ، وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقِينَ وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ تعالى ، يَقُولُونَ : نُرِيدُ مِنْهُم التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَنُرِيدُ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَهُ ، مِثْلَ الْملائِكَةِ وَعِيسَى ، وَمَرْيَمَ ، وَأُنَاسٍ غَيْرِهِمْ مِن الصَّالِحِينَ . فَبَعَثَ اللّهُ -تَعَالَى- إليهم مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يُجَدِّدُ لَهُمْ دِينَهُمْ - دِينَ أبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام- ، وَ يُخْبِرُهُمْ أنَّ هَذَا التقَرُّبَ وَالاعْتِقَادَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالى - ، لا يَصْلُحُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ لا لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ ، وَلا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، فَضَلاً عَنْ غَيْرِهِمَا. وَإلاَّ فَهَؤُلاءِ اَلْمُشْرِكُونَ . يَشْهَدُونَ أنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالِقُ - وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحْيِي وَلا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ ، وَأنَّ جَميع اَلسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَن كُلَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ .

 الدليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

فَإِذَا أرَدت اَلدَّلِيلَ عَلَى أنَّ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يَشْهَدُونَ بِهَذَا فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قوله نعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}( ) ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى{قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}( ) وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ .

لماذا قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين

فإِذَا تَحَقَّقْتَ أنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِهَذَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُمْ في التَوُحِيدِ الَّذِي َدَعَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَرَفْت أن التَّوحِيدَ - الَّذِي جَحَدُوهُ - هُوَ تَوْحِيدُ العِبَادَةِ ، الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنَا الاعْتِقَادَ ، وَكَانُوا يَدْعُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلاً وَنَهَاراً : ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو اَلْمَلائِكَةَ لأَجْلِ صَلاحِهِمْ ، وَقُرْبِهِمْ مِن اللَّهِ تعالى ؛ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ . أَوْ يَدْعُو رَجُلاً صَالِحاً مِثْلَ اللاَّتِ أَوْ نَبِيًّا مِثْلَ عِيسَى ، وَعَرَفْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَهُمْ عَلَى هَذَا الشِّرْكِ وَدَعَاهُمْ إِلَى إِخْلاَصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وحده ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَع اللَّهِ أحداً}( ) ، وَقَالَ تَعَالَى : {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ }( ) ، وَتَحَقَّقْتَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَهُمْ لِيكُونَ الدُّعَاءُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَالذَّبْحُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَالنَّذْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَالاسْتِغَاثَةُ كُلُّهَا بِاللَّهِ وَجَمِيعُ أنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كُلُّهَا لِلّهِ ، وَعَرَفْتَ أنَّ إِقْرَارَهمْ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي الإِسْلاَمِ ، وَأَنَّ قَصْدَهُم الْمَلائِكَةَ ، أَوْ الأنْبِيَاءَ ، أَوْ الأَوْلِيَاءَ يُرِيدُونَ شَفَاعَتَهُمْ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ عَرَفْتَ حِينَئِذٍ التَوْحِيدَ - الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ ، وَأبَى عَنِ الإِقْرَارِ بِهِ الْمُشْرِكُونَ - . وَهَذَا التَّوُحِيدُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِكَ : (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)

هل كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله

فَإِنَّ الإِلَـهَ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ لأَجْلِ هَذِهِ الأُمُورِ ، سَوَاءً كَانَ مَلَكًا ، أَوْ نَبِيًّا ، أَوْ وَلِيَّا، أَوْ شَجَرَةً ، أَوْ قَبْرًا ، أَوْ جِنِّيًّا، لَمْ يُرِيدُوا أنَّ (الإِلَـهَ) هُوَ الْخَالِقُ الرَّازقُ الْمُدبِّرُ ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ ذلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ ، وَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِـ (الإِلَـهِ) مَا يَعْنِي الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنَا بِلَفْظِ (السَّيِّدِ) ، فَأَتَاهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَهِي (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ) . والْمرَادُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَعْنَاهَا لاَ مُجَرَّدُ لَفْظِهَا . وَالْكُفَّارُ الْجُهَّالُ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالتَعَلُّقِ ، وَالْكُفْرُ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُمْ : (قُولُوا : لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ)( ) قَالُوا : {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}( ) . فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ جُهَّالَ الْكُفَّارِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ وَهُوَ لا يَعُرِفُ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا عَرَف جُهَّالُ الْكُفَّارِ، بَلْ يَظُنُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّلَفُّظُ بِحُرُوفِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ لِشَيءٍ مِنَ الْمَعَانِي ، وَالْحَاذِقُ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَاهَا : لا يَخْلقُ ، وَلا يَرْزُقُ ، وَلا يُدَبِّرُ الأمر إِلاَّ اللَّهُ . فَلا خَيْرَ فِي رَجُلٍ جُهَّالُ الْكُفَّارِ أعْلَمُ مِنْهُ بِمَعَنى (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .

فائدتان

إِذَا عَرَفْتَ مَا قُلْتُ لَكَ مَعْرِفَةَ قَلْبٍ ، وَعَرَفْتَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ( )، وَعَرَفْتَ دِينَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِه الرُّسُلَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ ، الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أحَدٍ سِوَاهُ ، وَعَرَفْتَ مَا أصْبَحَ غَالِبَ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْلِ بِهَذَا أَفَادَكَ فَائِدَتَيْنِ : الأُولَى : الْفَرَحُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبرَحْمَتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ( ). وَأَفَادَكَ أَيْضاً : الْخَوْفَ الْعَظِيمَ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الإِنْسَانَ يكْفُرُ بِكَلمَةٍ يُخْرِجُهَا مِنْ لِسَانِهِ ، وَقَدْ يَقُولُهَا - وَهُوَ جَاهِلٌ - فَلا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ، وَقَدْ يَقُولُهَا وَهُوَ يَظُنَّ أنَّهَا تُقَرِّبهُ إِلىَ اللَّهِ - كَمَا ظَنَّ الْمُشرِكُون - ، خُصُوصاً إِنْ ألْهَمَكَ اللَّهُ تعالى مَا قَصَّ عَنْ قَوْمِ مُوسَى عليه السلام مَع صَلاحِهِمْ وَعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ أتَوْهُ قَائِلِينَ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهـاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}( ) ، فَحِينَئِذٍ يَعْظُمُ خَوْفُكُ ، وَحِرْصُك عَلَى مَا يُخَلِّصُكُ مِنْ هَذَا وَأمْثَالِه .

لاتحزن

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانهُ - مِنْ حِكْمَتِهِ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً بِهَذَا التَوْحِيدِ إِلاَّ جَعلَ لَهُ أعْدَاءً كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }( ). وَقَدْ يكُونُ لأَعْدَاءِ التَّوْحِيدِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ وكتب وَحُجَجٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ }( ). إِذا عَرَفْتَ ذَلِكَ ، وَعَرَفْتَ أنَّ الطَّرِيقَ إِلَى اللَّهِ لاَبُدَّ لَهُ مِنْ أعْدَاءٍ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ ، أَهْلِ فَصَاحَةٍ ، وَعِلْمٍ ، وَحُجَجٍ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمَ مِنْ دِينِ اللَّهِ مَا يَصِيرُ سِلاحًا تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ قَالَ إِمَامُهُمْ ، وَمُقَدَّمُهُمْ لِربكَ تعالى {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين }( ). وَلَكِنْ إِنْ أَقْبَلْت َعلى اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَأَصْغَيْتَ إِلَى حُجَجِ اللَّهِ ، وَبَيِّناتِهِ فَلا تَخَفْ ، وَلاَ تَحْزَنْ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}( ). وَالْعَامِّيُّ مِنَ الْمُوَحّدِينَ يَغْلِبُ الأَلْفَ مِنْ عُلَمَاءِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِين ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }( ) ، فَجُنْدُ اللَّهِ - تَعَالَى - هُمُ الْغَالِبُونَ بِالْحُجَّةِ وَاللِّسَانِ كَمَا هُمُ الْغَالِبُونَ بِالسِّيْفِ وَالسِّنَانِ ، وِإنٌمَا الْخَوْفُ عَلَى الْمُوَحِّدِ الَّذِي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ وَلَيْسَ مَعَهُ سِلاحٌ . وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى للمسلمين}( ) ، فَلا يَأْتِي صَاحِبُ بِاطِلٍ بِحُجَّةٍ إِلاَّ وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَنْقُضُهَا ، وَيُبيِّنُ بُطْلانَهَا، كَمَا قَالَ تَعَاَلَى {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}( ) ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : ''هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةٌ في كُلِّ حُجَّةٍ يَأْتي بِهَا أَهْلُ الْبَاطِلِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ''.

الجواب المجمل

وَأَنَا أَذْكُرُ لَكَ أَشْيَاءَ مِمَّا ذَكَر اللَّهُ - تَعَالَى - في كِتَابِهِ جَوَابًا لِكَلامٍ احْتَجَّ بِهِ الْمُشْرِكُون في زَمَانِنَا عَلَيْنَا، فَنَقُولُ : جَوَابُ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ طَرِيقَيْنِ : مُجْمَلٌ ، وَمُفَصَّلٌ : أَمَّا الْمُجْمَلُ فَهُوَ الأَمْرُ الْعَظِيمُ ، وَالْفَائِدَةُ الْكَبِيرَةُ لِمَنْ عَقَلَهَا ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}( ) ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ,إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَتْرُكُونَ الْمُحْكَمَ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَاحْذَرُوهُمْ-( ) . مِثَالُ ذَلِكَ : إِذَا قَالَ لَكَ بَعْضُ الْمُشْرِكِين : {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }( ) ، أَوْ إِنَّ الشَّفَاعَةَ حَقٌّ ، أَوْ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَهُمْ جَاهٌ عِنْدَ اللَّهِ ، أوْ ذَكَرَ كَلاَماً لِلنَبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى شيء من بَاطِلِهِ وَأَنْتَ لاَ تَفْهَمُ مَعْنىَ الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَجَاوِبْهُ بِقَوْلِكَ : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ في قُلُوبهمْ زَيْغٌ يَتْرُكُونَ الْمُحْكَمَ ، وَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ . وَمَا ذَكَرْتُه لَكَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُقِرُّونَ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَنَّهُ كَفَّرَهُمْ بِتَعَلَّقِهِمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ، و الأَنْبِياَءِ ، و الأَوْلِيَاءِ مَع قَوْلِهِمْ {هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}( ) ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحْكَمٌ ، لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَعْنَاهُ . وَمَا ذَكَرْتَه لِي - أيُّهَا الْمُشْرِكُ - مِن الْقُرْآنِ ، أَوْ كَلاَم رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا أَعْرِفُ مَعْنَاهُ ، وَلكِنْ أقْطَعُ أنَّ كَلاَمَ اللَّهِ لاَ يَتَنَاقَضُ ، وَأَنَّ كَلاَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُخَالِفُ كَلاَمَ اللَّهِ تعالى . وَهَذَا جَوَابٌ جَيِّدٌ سَدِيدٌ ، وَلكِنْ لا يَفْهَمُهُ إلاَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ، فَلا تَسْتَهْن به ؛ فَإِنَّهُ - كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}( ).

الجواب المفصل

وأَمَّا الْجَوَابُ الْمُفصَّلُ فَإِنَّ أعْدَاءَ اللَهِ لَهُم اعُتِرَاضَاتٌ كَثِيرَة عَلَى دِينِ الرُّسُلِ يَصُدُّونَ بِهَا النَّاسَ عَنْهُ . مِنْهَا قَوْلُهُمْ : نَحْنُ لاَ نُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئاً ، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ ، وَلا يَرْزُقُ ، وَلاَ يَنْفَعُ ، وَلا يَضُرُّ إِلاَّ اللَّهُ - وَحُدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ - ، وأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفعًا، وَلاَ ضَرًّا ، فَضْلاً عَنْ عَبْدِ الْقَادِرِ ، أَوْ غَيْرِهِ . وَلكِنْ أنَا مُذْنِبٌ ، وَالصَّالِحُونَ لَهُمْ جَاهٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَأَطْلُبُ مِن اللَّهِ بِهِمْ . فَجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لي - أيُّهَا الْمُبْطِلُ - ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ أَوْثَانَهُمْ لاَ تُدَبِّرُ شَيْئًا ، وِإنَمَا أرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا الْجَاهَ وَالشَّفَاعَةَ ، وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَوَضَّحَهُ . فَإِنْ قَالَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ الآَيَاتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، كَيفَ تَجْعَلَونَ الصَالِحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ ؟ ! أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأنْبِيَاءَ أَصْنَاماً ؟! فَجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنَّهُ إِذَا أقَرَّ أَنَّ الْكُفَارَ يَشْهَدُون بِالرُّبُوبِيَّةِ كُلِّهَا للَّهِ، وَأَنَّهُمْ مَا أرَادُوا مِمن مَا قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ ، وَلكِنْ أَرَادَ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِمْ وَفِعْلِهِ بِمَا ذَكَرَ ، فَاذْكُرْ لَهُ أنَّ الْكُفَّارَ: مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَصْنَامَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَوْلِيَاءَ - الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}( ). ويَدْعُونَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ، وَأُمَّهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ , قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم}( ) . وَاذْكُرْ له قَوْلَهُ تَعَالَى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}( ) ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَـهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}( ). فَقُلْ لَهُ : عَرَفْت أنَّ اللَّهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ ، وَكَفَرَ - أَيْضاً - مَنْ قَصَدَ الصَّالِحِينَ ، وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَإنْ قَالَ : الْكُفَّارُ يُرِيدُونَ مِنْهُم ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُ الْمُدَبِّرُ ، لا أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ ، وَالصَّالِحُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيءٌ ، وَلكِنْ أقْصُدُهُمْ أرْجُو مِنَ اللَّهِ شَفَاعَتَهُمْ . فَالْجَوَابُ : أنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}( )، وَقَوْلَهُ تَعَالَى : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }( ). وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاَثَ هِيَ أكْبَرُ مَا عِنْدَهُمْ . فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهَ وَضَّحَهَا في كِتَابِهِ ، وَفَهِمْتَهَا فَهْمَاَ جيِّدًا فَمَا بَعْدَهَا أيْسَرُ مِنْهَا .

هل تعرف العبادة

فَإِنْ قَالَ : أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ ، وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِمْ وَدُعَاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ . فَقُلْ لَهُ : أَنْتَ تُقِرُّ أَنَ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاَصَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ . فَإِذَا قَالَ : نَعَمْ . فَقُلْ لَهُ : بَيِّنْ لِي هَذَا الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَهُوَ إِخْلاَصُ الْعِبَادَةِ ، وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الْعِبَادَةَ ، وَلاَ أنْوَاعَهَا . فَبَيِّنْهَا لَهُ بِقَوْلِكَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}( ) . فَإِذَا أَعْلَمتهُ بِهَذَا فَقُلْ لَهُ : هَلْ هُوَ عِبَادَةٌ للَّهِ - تَعَالَى - ؟ فَلاَبُدَّ أن يَقُولَ : نَعَمْ ، وَالدُّعَاءُ مِنَ الْعِبَادَةِ . فَقُلْ لَهُ : إِذَا أقْرَرْتَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ ، وَدَعَوْتَ اللَّهَ لَيْلاً وَنَهَاراً ، خَوْفًا وَطَمَعاً ، ثُمَّ دَعَوْتَ فِي تِلْكَ الْحَاجَةِ نَبِيًّا ، أَوْ غَيْرَهُ ، هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ ؟ فَلاَبُدَّ أن يَقُولَ : نَعَمْ . فَقُلْ لَهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصَلِّ لِربكَ وَانْحَرْ}( ) ، فَإِذَا أَطَعْتَ اللَّهَ ، وَنَحَرْتَ لَهُ ، هَلْ هَذِهِ عِبَادَةٌ ؟ فَلاَبُدَّ أن يَقُولَ : نَعَمْ . فَقُلْ لَهُ : إِذَا نَحَرْتَ لمخُلُوقٍ : نَبِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا ، هَلْ أَشْرَكْتَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ غَيْرَ اللَّهِ ؟ فَلاَبُدَّ أن يُقِر ويَقُولَ : نَعَمْ . وَقُلْ لَهُ - أَيْضاً : الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهُم الْقُرْآَنُ هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلاَئِكَةَ ، وَالصَّالِحِينَ ، وَاللاَّتَ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَلاَبُدَّ أن يَقُولَ : نَعَمْ . فَقُلْ لَهُ : وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ ، وَالذَّبْحِ ، وَالالْتِجَاءِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ وَإلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَتَحْتَ قَهْرِ اللَّه ، وَأنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأمْرَ ، وَلكِنْ دَعَوْهُمْ ، وَالْتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلجَاهِ والشَّفَاعَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًا .

هل تنكر الشفاعة  ؟ ؟

فَإِنْ قَالَ :أتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبْرَأُ مِنْهَا ؟ فَقُلْ لاَ أُنْكِرُهَا ، وَلاَ أتَبَرَّأُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ ، وَأَرْجُو شَفَاعَتَهُ ، وَلكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}( ). وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}( ) ، وَلاَ يَشْفَعُ فِي أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ، وَهُوَ لاَ يَرْضى إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } ( ). فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ ، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِهِ ، وَلاَ يَشْفَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ غَيرُهُ فِي أحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ فِيهِ ، وَلاَ يَأْذَنُ الله تعالى إِلاَّ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ تَبَيَّنَ أنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا لِلَّه ، وَأطْلُبُهَا مِنْه - سبحانهُ - فَأَقُولُ : اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَه ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ ، وَأمْثَالُ هَذَا . فإِنْ قَالَ : النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ ، وَأنَا أطْلُبْهُ مِمَّا أعْطَاهُ اللَّهُ. فَالْجَوَابُ : أَنَّ اللَّهَ أعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ، وَنَهَاكَ عَنْ هَذَا ، وَقَالَ تَعَالَى {فَلاَ تَدْعُوا مَع اللَّهِ أحَدًا} ( ) وَطَلَبُكَ مِنَ اللَّهِ شَفَاعَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عِبَادَةٌ ، وَاللَّهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ في هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَحَدًا ، فَإذَا كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ أنْ يُشَفِّعَ نبيه فيكَ فَأَطِعْهُ فِي قَوْلِهِ {فَلاَ تَدْعُوا مَع اللَّهِ أحَدًا} ( ) . وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيَهَا غَيْرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أنَّ الْمَلاَئِكَةَ يَشْفَعُونَ ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ ، وَالأَوْلِيَاءَ يَشْفَعُونَ . أَتَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ أعْطَاهُم الشَّفَاعَةَ، فَأطْلُبُهَا مِنْهُمْ ؟ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ - التِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ - . وَانْ قُلْتَ : لاَ ، بَطَلَ قَوْلُكَ : أعْطَاهُ اللَّهُ الشَّفَاعَةَ، وَأنَا أطْلُبُهُ ممَّا أعْطَاهُ اللَّه .

هل تعرف الشرك  ؟ ؟

فَإِنْ قَالَ : أنَا لاَ أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، حَاشَا وَكَلاَّ، وَلكِن الالْتِجَاء إِلَى الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ . فَقُلْ لَهُ : إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الشّرْكَ أعْظَمَ مَنْ تَحْرِيم الزِّنا ، وَتُقِرُّ أنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُهُ ، فَمَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حرَّمهُ اللَّه ، وَذَكَرَ أنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي . فَقُلْ لَهُ : كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِن الشِّرْكِ - وَأنْتَ لاَ تَعْرِفُهُ - ؟ كَيْفَ يُحَرِّمُ اللَّهُ عَلَيْكَ هَذَا ، وَيَذْكُرُ أنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ وَلاَ تَسْأَلُ عَنْهُ ، وَلاَ تَعْرِفُهُ ؟ أَتَظُنُ أَنَّ اللَّهَ تعالى يُحَرِّمُهُ ، وَلاَ يُبَيِّنُهُ لَنَا ؟! فَإِنْ قَالَ : الشِّرْكُ عِباَدَةُ الأَصْناَمِ ، وَنَحْنُ لاَ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ . فَقُلْ لَهُ : مَا مَعْنى عِبَادَةِ الأَصْناَمِ ؟ أتَظُنُّ أنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ تَخْلُقُ ، وَتَرْزُقُ ، وَتُدَبِّرُ أَمْر مَنْ دَعَاهَا ؟ فَهَذَا يُكَذِّبُهُ الْقُرْآَنُ . فَإِنْ قَالَ : هو من قصد خَشَبَةً ، أَوْ حَجَرًا، أَوْ بَنِيَّةً عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، يَدْعُونَ ذَلِكَ ، وَيَذْبَحُونَ لَهُ ، يَقُولُونَ : إِنَّهُ يُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَيَدْفَع ُاللَّه عَنَا بِبَرَكَتِهِ ، وُيعْطِينَا بِبَرَكَتِه . فَقُلْ : صَدَقْتَ … وَهَذَا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ، وَالأبنية الَّتي عَلَى الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا . فَهَذَا أقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُمْ هَذَا هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ . ويقال له أَيْضاً قَوْلُكَ (الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ) ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مَخْصُوصٌ بِهَذَا ، وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى الصَّالِحِينَ ، وَدعُاءَهُمْ لا يَدْخُلُ فِي ذَلِك ؟ فَهَذَا يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ، أَوْ عِيسَى، أَوْ الصَّالِحِينَ . فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ أَحَدًا مِنَ الصَّالِحِينَ فَهُوَ الشِّرْكُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ . وَسِرُّ الْمَسأَلَةِ أنَّهُ إِذَا قَالَ : (أَنَا لاَ أُشْرِكُ بِاللَّهِ) فَقُلْ لَهُ : وَمَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ فَسِّرْهُ لِي ؟ فَإِن قَالَ : هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ ، فَقُلْ لَهُ : وَمَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ ؟ فَسِّرْهَا لِي ؟ فإِنْ قَالَ : أنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ ، فَقُلْ : مَا مَعْنَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ؟ فَسِّرْهَا لي ؟ فَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَهْو الْمطْلُوبُ . وَإِن لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئًا - وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ - ؟ وَإنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ مَعْنَاهُ بَيَّنْتَ لَهُ الآَيَاتِ الْوَاضِحَاتِ فِي مَعْنَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ ، وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ أنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَه فِي هَذَا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ ، وَأَنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ - وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ - هِيَ التِي يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا ، وَيَصِيحُونَ فِيْه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُمْ حَيْثُ قَالُوا : {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}( ). فَإِنْ قَالَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِدُعَاءِ الْمَلاَئِكَةِ، وَالأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا كَفَرُوا لَمَّا قَالُوا : الْمَلاَئكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ . وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ إِنَّ عَبْدَ الْقَادِرِ ، وَلاَ غَيْرَهُ ابنُ اللَّهِ . فَالْجَوَابُ : أنً نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كُفْرٌ مُسْتَقِلٌ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ}( ) ، وَالأَحَدُ : الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ . والصَّمَدُ : الْمَقْصُودُ فِي الْحَوَائِجِ . فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ آخِرَ السُّورَةِ . ثُم قَالَ تَعَالَى {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}( ) ، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فقَدْ كَفَرَ وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ أَوَّلَ السُّورَةِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَـهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}( ) ، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ ، وَجَعَلَ كُلاً مِنْهُمَا كُفْراً مُسْتَقِلاً . وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}( ) ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْكُفْرَيْنِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا - أَيْضاً - أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاتِّ - مَعَ كَوْنِهِ رَجُلاً صَالِحاً - لَمْ يَجْعَلُوهُ ابْنَ اللَّهِ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِعِبَادَةِ الْجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ - أَيْضاً - وَجَمِيعُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ (حكْمِ الْمُرْتَدِّ) أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أنَّ لِلَّهِ وَلَدًا فَهُوَ مُرْتَدّ ، وِإِنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَهُوَ مُرْتَدٌ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ . وَهَذَا في غَايَةِ الْوُضُوحِ . وَإنْ قَالَ :{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }( ) فَقُلْ : هَذَا هُوَ الْحَقُّ ، وَلكِنْ لا يُعْبَدُونَ . وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَع اللَّهِ ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ . وَإِلاَّ فَاَلوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ ، وَاتِّبَاعُهُمْ ، وَالإقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ . وَلاَ يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ إِلاَّ أهْلُ الْبِدَع وَالضَّلاَلاَتِ . وَدِينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ ، وَهُدَىً بَيْنَ ضَلاَلَتَيْنِ ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ . فَإِذَا عَرَفتَ أنَّ هَذَا الَّذِي يُسَمِّيهُ الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَنِنَا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّرْك الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم النَّاسَ عَلَيْهِ فاعْلَمْ أنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أخَفُّ مِنْ شِرْكِ أهْلِ وَقْتِنَا بِأَمريْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الأَوَّلِينَ لاَ يُشْرِكُونَ ، وَلاَ يَدْعُونَ الْمَلاَئِكَةَ ، أَوْ الأَوْلِيَاءَ ، أَوْ الأَوْثَانَ مَع اللَّهِ إِلاَّ فِي الرَّخَاءِ . وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصْونَ الدِّينَ لِلَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }( )، وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا }( ) ، وَقَالَ تَعَالَى :{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}( ). وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}( ) ، وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}( ) . فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي وَضَّحَهَا اللَّهُ في كِتَابِهِ ، وَهِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ -الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلمِ - يَدْعُونَ اللَّهَ ، وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ ، وَأَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَلاَ يَدْعُونَ إِلاَّ اللَّهَ - وَحْدَهُ - وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ تَبَيَّنَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أهْلِ زَمَانِنَا، وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ . وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَهْماً رَاسِخًا ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . والأمْرُ الثَّانِي : أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَع اللَّهِ أُنَاسًا مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللَّهِ : إِمَّا نَبِيًّا ، وِإِمَّا وَلِيًّا ، وَإمَّا مَلاَئِكَةً . أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً ، وَأَشْجَاراً مُطِيعَةً للِّهِ - تَعَالَى - ، لَيْسَتْ بِعَاصِيَةٍ . وَأهْلُ زَمَانِنَا يَدْعُونَ مَع اللَّهِ أُنَاسًا مِنْ أفْسَقِ النَّاسِ ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُم الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُم الْفُجُورَ مِن الزِّنَا ، وَالسَّرِقَةِ ، وَتَرْكِ الصَّلاَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَالَّذِي يَعْتَقِدُ فِي الصَّالِحِ ، وَالَّذِي لاَ يَعْصِي - مِثْلِ الْخَشَبِ وَالْحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشَاهَدُ فِسْقُهُ وَفَسَادُه ، وَيُشْهَدُ بِهِ .

 من كانت حاله نؤمن ببعض ونكفر ببعض هل يكفر ؟ ؟

إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ عُقُولاً وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاَءِ : فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاَءِ شُبْهَةً يُورِدُونَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهِي مِنْ أَعْظَمِ شُبَهِهِمْ ، فَاصْغِ سَمْعَكَ لِجَوَابِهَا : وَهِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيُكّذِّبُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ ، وَيُكَذَّبوْنَ الْقُرْآنَ ، وَيَجْعَلُونَهُ سِحْرًا. وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنُصَدِّقُ الْقُرْآنَ ، ونُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ ، وَنُصَلِّي ، وَنَصُومُ ، فكَيْفَ تَجْعَلُونَنَا مِثْلَ أولئِكَ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ أنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ ، وَكَذَّبهُ في شَيْءٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الإِسْلاَمِ . وَكَذَلِكَ إِذَا آمَنَ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ ، وَجَحَدَ بَعْضَهُ ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاَةِ ، أَوْ أقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ ، وَالصَّلاَةِ ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكاةِ ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّوْمِ ، أَوْ أَقَرََّ بِهَذَا كُلِّهِ ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الْحَجِّ . وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أنَاسٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي حَقِّهِمْ{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }( ). وَمَنْ أقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ ، وَجَحَدَ الْبَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ ، وَحَلَّ دَمُهُ ، وَمَالُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أولئك هم الكافرون حقا}( ). فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ ، وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقَا زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ . وَهَذِهِ هِي التي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأَحْسَاءِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا . وَيُقَالُ : إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي شَيءٍ ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاَةِ فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ بِالإِجْمَاعِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا أقَرَّ بِكُلِّ شَيءٍ إِلاَّ الْبَعْثَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ وَجُوبَ صَوْم رََمَضَانَ ، وَصَدَّقَ بِذَلِكَ كُلِّه لاَ يُجْحَدُ هَذَا ، وَلاَ تَخْتَلِفُ الْمَذَاهِبُ فِيهِ ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآَنُ - كَمَا قَدَّمْنَا - . فَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ أعْظَمُ فَرِيضَةٍ جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِن الصَلاَةِ ، والزَّكَاةِ ، وَالصَّوْمِ ، وَالْحَجِّ . فَكَيْفَ إِذَا جَحَدَ الإنْسَانُ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ كَفَرَ - وَلَوْ عَمِلَ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم - وَإِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ دِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ لاَ يكْفُرُ ؟! سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَبَ هَذَا الْجَهْل !. وَيُقَالُ - أَيْضًا - هَؤُلاَءِ : أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَسْلَمُوا مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَيُؤَذِّنُونَ ، وَيُصَلُّونَ. فَإِنْ قَالَ : إِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ ، أَنَّ مُسَيْلِمَةَ نَبِيٌّ . قُلْنَا : هَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ إِذَا كَانَ مَنْ رَفَعَ رَجُلاً إلى رُتْبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَفَرَ ، وَحَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ ، وَلَمْ تَنْفَعْهُ الشَّهَادَتَانِ ، وَلا الصَّلاَةُ ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَفَعَ (شَمْسَانَ) أَوْ (يُوسُفَ) ، أَوْ صَحَابِيًّا، أَوْ نَبِيًّا في مَرْتَبَةِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ؟ سُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ ، {كَذَلِكَ يَطبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}( ) وَيُقَالُ - أَيْضًا - : الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه بِالنَّارِ كُلُّهُمْ يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ ، وَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَلكِنِ اعْتَقَدُوا فِي عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلَ الاعْتِقَادِ فِي (يُوسُفَ) ، وَ(شَمْسَانَ) وَأَمْثَالِهِمَا . فَكَيْفَ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِمْ ، وَكُفْرِهِمْ ؟ أَتَظُنُّونَ الصَّحَابَةَ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ ؟ أَمْ تَظُنُّونَ أن الاعْتِقَاد - في (تَاجٍ) وَأَمْثَالِهِ لاَ يَضُرُّ ، وَالاعْتِقَادُ فِي عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه كُفر ؟ وَيُقَالُ - أَيْضًا -: بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ - الَّذِينَ مَلكُوا الْمَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَنِي العَبَّاسِ - كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ ، وَيُصَلّوْنَ الْجُمُعَةَ ، وَالْجَمَاعَةَ . فَلَمَّا أَظْهَرُوا مُخَالَفَةَ الشَّرِيعَةِ فِي أَشْيَاءَ - دَوْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ - أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَقِتَالِهِمْ ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ ، وَغَزَاهُم الْمُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا مَا بأَيْدِيهِمْ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَيُقَالُ - أَيْضاً -: إِذَا كَانَ الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتكْذِيبِ الرُّسُلِ ، وَالْقُرْآنِ ، وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى البَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ : (بَابُ : حُكْمِ الْمُرْتَدِّ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي يَكْفُرُ بَعُدَ إِسْلاَمِهِ . ثُمَّ ذَكَرُوا أنواعا كَثِيرَةً ، كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يُكَفِّرُ، وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ ، حتّى إِنَّهُمْ ذَكَرُوا أشْيَاءَ يَسِيرَةً عِنْدَ مَنْ فَعَلَهَا، مِثْلَ كَلِمَةٍ يَذْكُرُهَا بِلِسَانِهِ دَونَ قَلْبِهِ ، أَوْ كَلِمَةٍ يَذْكُرُهَا عَلَىَ وَجْهِ الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ . وَيُقَالُ - أَيْضاً -: الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}( ) . أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ مَع كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ ، وَيُصَلُّونَ مَعَهُ ، وَيُزَكُّونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيُوَحِّدُوْنَ ؟ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمْ{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }( ). فَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللَّهُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ - وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ - قَالُوا كَلِمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُمْ قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ . فَتَأمَّلْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ ، وِهِيَ قَوْلُهُمْ تُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ وَهمْ أُنَاسٌ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ . ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَهَا ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ مَا فِي هَذِهِ الأَوْرَاقِ .

لمتابعة الموضوع   >>

بسم الله الرحمن الرحيم
 الصفحة الرئيسة
العقيدة الصحيحة
   الشرك وأنواعه 
تحطيم البدع
 الردود العلمية
 الفرق والمذاهب
 فتاوى مهمة
قالوا عن الموقع
اربطنا بموقعك
من أفضل المواقع
صيد الفوائد
رسالة الإسلام
السلفيون
شمس الإسلام
المرشد
الموحدون

تحت المجهر

النصارى 

النصيرية

الرافضـة

الإباضيــة 

 الأحباش

العصرانيون