يا فتاة - أهل السنة  
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

         

  أهل السنة

 سئل فضيلة الشيخ ـ رفع الله درجته في المهديين ـ من هم أهل السنة والجماعة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله : أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة ، واجتمعوا عليها ، ولم يلتفتوا إلى سواها ، لا في الأمور العلمية العقدية ، ولا في الأمور العملية الحكمية ، ولهذا سموا أهل السنة ، لأنهم متمسكون بها ، وسموا أهل الجماعة ، لأنهم مجتمعون عليها .

وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي ، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة .
---------------------------
 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن افتراق أمة النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، بعد وفاته ؟.
فأجاب بقوله : أخبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ،، فيما صح عنه أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقه ،والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقه ، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة،وهي ما كان على مثل ما كان عليه النبي ،صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع ، وتنجو في الآخرة من النار ، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله ـ عز وجل ـ .
وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي وواحدة منها على الحق والباقي على الباطل . قد حاول بعض الناس أن يعددها ، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب ، وجعل من كل شعبة فروعا ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد لأن هذه الفرق ليست وحدها التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالا أكثر مما كانت عليه من قبل ، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة ، وقالوا إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة ، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة ، ثم نقول كل من خالف ما كان عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فهو داخل في هذه الفرق ، وقد يكون الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعا كما ذهب إليه بعض الناس فالعلم عند الله ـ عز وجل ـ
------------------------------
 وسئل الشيخ : عن أبرز خصائص الفرقة الناجية ؟ وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية ؟ .
فأجاب فضيلته بقوله : أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق ، والمعاملة ، وهذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها : ،

ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، من التوحيد الخالص في أولوهية الله ، وربوبيته ، وأسمائه وصفاته .

وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في العبادات في أجناسها ، وصفاتها ، وأقدارها ، وأزمنتها ، وأمكنتها ، وأسبابها ، فلا تجد عندهم ابتداعا في دين الله ، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله لا يتقدون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله .

وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر ، وطلاقة الوجه ، وحسن المنطق والكرم ، والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها .

وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق ،و البيان اللذين أشار إليهما النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في قوله ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) .

والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص ، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية.

أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص من مرتبته .

وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة ،والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله ـ تعالى ـ في قوله ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) ـ الشورى : 13 . وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أن محمدا ، صلى الله عليه وسلم ،بريء منهم فقال الله ـ عز وجل ـ ( إن الذين فرقوا دينهم كانوا شيعا لست منهم في شيء ) ـ الأنعام : 159 . فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية ـ أهل السنة والجماعة ـ فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقدا ، ولا عداوة ، ولا بغضاء بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف ، حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء ، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل ، وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة ، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة ، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف ، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه ، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعا للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم ، لأنهم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان ، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده ، فهو في الحقيقة قد وافقهم ؛ لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولم يعنف أحدا منهم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزو الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أصحابه فقال ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) ومنهم من صلى العصر في وقتها وقال إن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها ـ وهؤلاء هم المصيبون ، ولكن مع ذلك لم يعنف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أحدا من الطائفتين ،ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة ، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهمم هذا النص ، لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة ، وأن لا يحصل بينهم تحزب ، هذا ينتمي إلى طائفة أخرى ،والثالث إلى طائفة ثالثة ، وهكذا ، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن ، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد ، ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها ، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر .

فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد ،والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة ، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين ، أو للإسلام وهم ليسوا كذلك ، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.
---------------------------
وسئل جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا عن المراد بالوسط في الدين ؟
فأجاب بقوله : الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله ـ عز وجل ـ ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله ـ سبحانه وتعالى ـ .

الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والغلو في الدين أن يتجاوزها ،والتقصير أن لا يبلغها .

مثال ذلك ، رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر ، لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول : هذا غال في دين الله وليس على حق ، وقد وقع في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مثل هذا ، اجتمع نفر فقال بعضهم : أنا أقوم الليل ولا أنام ، وقال : الآخر أنا أصوم ولا أفطر ، وقال الثالث : أنا لا أتزوج النساء ..الخ ، فبلغ ذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال ، عليه الصلاة والسلام ، ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أنا أصوم وأفطر ، وأقوم ، وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فهؤلاء غلو في الدين وتبرأ منهم الرسول، صلى الله عليه وسلم ، لأنهم رغبوا عن سنته ، صلى الله عليه وسلم ، التي فيها صوم وإفطار وقيام ونوم وتزوج نساء .

أما المقصر: فهو الذي يقول لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط ، وربما أيضا يقصر في الفرائض فهذا مقصر .

والمعتدل : هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه الراشدون.

مثال آخر : ثلاثة رجال أمامهم فاسق ، أحدهم قال : أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وابتعد عنه ولا أكلمه .

والثاني يقول : أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح .

والثالث يقول : هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سببا لإصلاحه ، فإن لم يكن الهجر سببا لإصلاحه بل كان سببا لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره.

فنقول الأول مفرط غال ـ من الغلو ـ والثاني مفرط مقصر ، والثالث متوسط .

وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق الناس فيها بين مقصر وغال ومتوسط.

ومثال ثالث : رجل كان أسيرا لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة ، قد ملكت عقله وصارت هي القوامة عليه .

ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم.

ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ) . فهذا الأخير متوسط والأول غال في معاملة روجته ، والثالث مقصر . وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات .