ذُؤابـة المـجد !:2.قصائد:إضبارة د. عبدالله الفـَيفي http://www.alfaify.cjb.net

[29 NOV 1998 ] Article No : 251
ذُؤابـة المـجد !
( ملحمة شِعريّة بمناسبة اليوم الوطني )
الدكتور عبد الله بن أحمد الفــَيْفي

في داعِجاتِ اللَّياليْ اسْتَرْوَحَ العُمُرُ
وَجْهَ المَعانيْ فَغَامَ السَّمْعُ والبَصَرُ
يَرُبُّنِيْ في ابْتِداءاتِ الرُّؤى وَجَـلٌ
ويَزْدَهِيْنِيَ في أُمِّ الدُّجَى سَــمَرُ
يُعِيْدُنِـيْ في دَمِ الأَيـَّامِ آوِنَـةً
ويَنْتَضِيْنِيْ أَوانًا حِيْـنَ يَنْهَـمِرُ
يَشُدُّ فِيَّ جَبِيْنَ الوقْتِ ، مِنْ يَـدِهِ
أَعُبُّ مـاءَ القَوافي ما بِهِ كَـدَرُ
أَسْرَتْ خُطَاهُ بِطَرْفِيْ والدُّنَى لُجَجٌ
حَتَّى تَبَلَّجَ دَرْبِيْ والخُطَى شَرَرُ
ما كانَ مِنْهُ ومِنِّي غَيْر ُ رَاحِلَـةٍ
مِنَ الخَيَـالِ تخبُّ ثُمَّ تَنْكَـدِرُ
‏* * *‏
مَنْ أَنْتَ؟‏‎ قُلْتُ‏‎،‎‏ وفي صوتي انْحَنَتْ شَعَفٌ ‏
مِنَ الجِبـَالِ تَحُثُّ الشـَّوْقَ : ما الخَبَرُ؟!‏
ماذا هُنَاكَ ، لماذا الشَّمْسُ في خَفَرٍ
تُغَفْغِفُ اليومَ كالعذراءِ تَنْكَسِـرُ؟
وكانتِ الأَمْسَ نِيْـرانًا وغاشِـيَةً
كمْ أَمْطَرَتْكَ رُعافَ الجَمْرِ يَنْثَجِرُ!
ولِمْ أَرَى، عَجَبًا، فيكَ الضُّحـَى ولَهُ
مباسمٌ تَهَبُ التُّفـَّاحَ .. تَعْتَصِرُ؟
إِنِّي عَرَفْتُكَ لا تَلـْوِيْ على فَرَحٍ
إِلاَّ يُنَغِّصُهُ في وَجْهِـكَ الكـَدَرُ
إِنِّي عَرَفْتُكَ جَوَّابَ الفَضَاءِ على
ساقَيْنِ مِنْ تَعَبٍ أَزْرَى بها السَّفَرُ
إِنِّي عَرَفْتُكَ قَبْـلَ اليَوْمِ تَعْرِفـُنِي
فَتَنْثَنِي خَجَلاً أَنْ مَسَّـكَ الضَّرَرُ
وتَبْتَغِيْ جَاهِدًا في السُّوْقِ مُدَّخَلاً
أَنْ لا تراكَ عُيُونُ السُّوقِ يا جُبَرُ
ما هذه النِّقْلَةُ النَّوْعِيَّةُ التَحَفَتْ
في شَمْلتَيْـكَ ففيكَ البَدْوُ والحَضَرُ؟
يا أيُّها الشَّبَحُ الذِّكْرَى أَمَا خَبَـرُ
عمّا بَراكَ جديـداً حينَ تُدَّكَـرُ؟
قُلْ غَنِّ إِنِّي وَهَبْتُ السَّمْعَ ضَوْءَ دَمِيْ ، ‏ ‏
مَنْ ذا يَـلُمُّ سـرابَ القَـفْرِ أَوْ يَذَرُ!‏
قُلْ: أين ثَوْبٌ على المَتْنَيْنِ مُهْتَرِئٌ
تَخِيْطُهُ مِنْ لَيَـالِيْ قَهْرِكَ الإِبـَرُ؟
قُلْ: أين ظِلْعَانِ، كانا شُهْرَتَيْكَ،وما
بَيْنَهُمَا جُرُفٌ ، إِنْ تُبْتَغَى الشُّهَـرُ؟
‏* * *‏
ماذا فَعَلْتَ بِباقِيْ الحَبِّ يَوْمَ غَزَا
دَبَا الجَرَادِ وما في الجُرْنِ مُدَّخـَرُ؟
كيف اسْتَطَعْتَ حياةً والمَدَى كَفَنٌ
كيف اسْتَعَادَتْ بَيَاضَ الدِّرَّةِ الدِّرَرُ؟
هل ما تَزَالُ بِحَبَّاتِ الفَـنَا أُمَـمٌ
هنا تَمُوتُ لِتَشـْقَى بَعْدَها أُخَـرُ؟
مَنْ غَيَّرَ الحَالَ حَالاً طَلْعُها أَلَـقٌ
عِنْدَ اللِّقَاءِ فَتُطْرَى الحَالُ والغِـيَرُ؟
‏* * *‏
قال: اتَّئِدْ!، فَلِسَانِيْ طائِرٌ حَصِرَتْ
دُوْنَ الذُّرَى جَانِحَاهُ والذُّرَى سِيَرُ
ماذا أَقُولُ، وإِذْ مِثْلُ اسْمِهِ جَبَـلِيْ
فَيْـفَاءَ لا مَطَرٌ تُرْجَى ولا ثَمـَرُ
وإِذْ أَفاوِيْقُ ما يَجْنِيْـهِ قاطِنـُهُ
فِيْهِ المَجَاعَاتُ والأَمْراضُ والخَطَرُ
والمَوْتُ يَمْلأُ شِـدْقَيْهِ وقَبْضَتَـهُ
يَمْشِيْ الهُوَيْـنَى وبالأشْلاءِ يَأْتَزِرُ!
يُعَابِثُ المَرْأَةَ الحُبْلَى يَقُوْلُ لَهَا:
المَوْتُ طِفْلِيْ ومَهْدُ الطِّفْلِ مُحْـتَفَرُ!
ويَلْكُـزُ الكَهْـلَ في أَوْدَاجِهِ جَنَفًا:
كَمْ ذا يُعَاشُ! وكَمْ ذا يُشْتَكَى الكِبَرُ!‏
لَيْتَ الأُلَـى أَكَلَ المَوْتُ الزُّؤَامُ قَضَوا ‏
يَوْمَيْ حَيَـاةٍ ، تُرَوَّى الأَعْظُمُ النُّخُـرُ!
كَيْمَا يَرَوا غَرْسَهُمْ، أَحْـفَادَ ما سَغِبُوا، ‏ ‏
ماتُوا انْتِظَارًا عسى أنْ يُوْرِقَ الشَّجَرُ
‏* * *‏
تاللهِ ما جِئْتُ مَدَّاحًا، ولستُ أَنا
مَنْ يُحْسِنُ المَدْحَ إِمَّا المَدْحُ يُنْتَقَرُ
يا صاحِ، إنَّ اللَّيالي أَعْقَبَتْ قَـمَراً
يَضُـمُّ كـُلَّ جِبـَالِيْ ذلكَ القَمَرُ
يَلُمُّ فيها شَـتِيْتَ المَهْدِ يُرْضِعُها
حَلِيْبَـهُ فَيَـرِفُّ الغُصْنُ والحَجَرُ!
إِنْ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ حَالِـيْ وكَيْفَ غَـدَا ‏ ‏
فَلْتُسْـأَلِ الأرضُ والأنسـامُ والزَّهَـرُ
يَوْمَ الْتَقَى سَحَرُ التَّارِيْخِ مِلْءَ يَدِيْ
صَفْوَ السُّيُوفِ، ألا يا نِعْمَ ذا السَّحَرُ!
يَوْمَ اسْتَفَاقَ بِأَعْرافِ الخُيُولِ ضُحًى
نَخْلُ السِّـنِيْنِ الذي قد كادَ يَنْدَثِرُ
حَتَّى تَبَجَّسَ قَلْبُ الصَّخْرِ مُنْتَفِضًا
طَيْراً مِنَ المـاءِ يُرْوِيْنَا ويَعْتَذِرُ
وسابقتْ مَوْجَةٌ تَحْتَثُّ جارتَهـا
تَسَامَقَتْ صُوُراً تَشْـتَقُّها صُوَرُ
ذُؤَابَةُ المَجْدِ واختالَ النُّواسُ بِها
نَشْوَى الفَخَارِ وأَنْفُ الذُّلِّ مُنْعَفِرُ!
تَهُزُّ في مُهْجَةِ الصَّحْراءِ عَوْسَجَةَ (م)
الزَّمَانِ، ما غُرَرٌ جاشَتْ بها غُرَرُ!
وَتَفْغَمُ الجَوَّ في كُلِّ القُرَى عَبَـقًا
أَرْدَانُهُ العِـزُّ والتَّمْكِيْنُ والظَّـفَرُ
كَأَنَّما قد وَعَتْ كُلُّ الجَزِيْرَةِ أَنْ
قَدْ احْتَوَتْ قَدَرًا أَحْشَاؤُها الصُّـبُرُ
كَأَنَّما هِيَ زَرْقَاءُ اجْتَلَتْ غَدَهَا ،
وذِمَّةُ المُسْتَحِيْلِ البَيْـرَقُ الخَضِرُ!
‏* * *‏
عبدُ العَزِيْزِ لَهُ في دِيْنِ كُلِّ فَتًى
دَيْنٌ فَتًى أَبَدًا ما إِنْ لَهُ عُـمُرُ
مَنْ وَحَّـدَ الأَرْضَ أَرْضَ اللهِ في جَسَـدٍ ‏ ‏
المَسْـجِـدانِ بِـهِ العَيْنَـانِ والحَـوَرُ
ومَنْ أَحاطَ رِقَابَ الجِيْـلِ مَأْثُـرَةً
مِنْ بَعْدِهِ الجِيْـلُ يَتْـلُوْها ويَأْتَثِرُ
مَنْ قَبْـلَهُ لَمَّ هذا الشَّعْثَ في رِئَةٍ
أَنْفاسُها الشِّـيْحُ والكَاذِيُّ والمَطَرُ!
ومَنْ تُرَاهُ ابْتَنَى للعُرْبِ مَمْلَكَةً
في شَكْلِ قَلْبٍ بِنَبْضِ القَلْبِ يَعْتَمِرُ!
هَبَّتْ صَبًا حَمَلَتْ وَطْفَاءَ ما هَدَأَتْ
حَتَّى تَغَشَّتْ بِلادي وَهْيَ تَنْهَمِـرُ
فَغَيَّرَ اللهُ حَالِيْ نَضْرَةً ورِضًى
وسَنْبَلَ الحَقْلَ صَخْرٌ يانِـعٌ نَضِرُ
‏* * *‏
يا صفحةً مِنْ دَمِ التَّاريخِ قَدْ طُوِيَتْ
لا حُزْنَ، هذا كتابٌ كُلُّهُ عِبَرُ!
ما ماتَ مَيْتُ الوَرَى فِيْنَا وثَمَّ لَهُ
هذا التُّراثُ وهذا الفَرْعُ والثَّمَرُ!
تَبْقَى النَّخِيْلُ شُمُوْخًا، كُلَّما سَقَطَتْ
أعذاقُها أَيْنَعَتْ مِنْ أَصْلِها أُخَرُ!
‏* * *‏
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وفي كَفَّيَّ مَدْرَسَـةٌ
مَبْنِيَّـةٌ بِعُيُـونِ النُّـوْرِ تَنْتَظِرُ
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وما أَلْقَى أَخِيْ وأَخِيْ
خَصْمَيْنِ في رَحِمٍ .. واللَّيْلُ مُعْتَكِرُ
إِنِّي رَأَيْتُ سَبِيْـلِيْ لاحِبًا أَمَـمًا
مُعَبَّـدَ الخَطْوِ لا تَنْبُوْ بِهِ العثَرُ
وقَدْ تَسَدَّتْ جِبالِيْ الشُّـمَّ فارِعَـةٌ
مِنْ دَوْحَةِ النُّوْرِ أَفْنَانِيْ بهَا زُهُرُ
والدَّرْبُ أَعْمَى تَجَلَّى ناظِراهُ كما
جَلَّتْ مَحَاجِرَها بالأَنْجُمِ الدُّجُـرُ
فَشَعَّ عَهْـدٌ وَلِيْـــدٌ عـاصِفٌ عَـرِمٌ
أرساهُ مَنْ سَافَرَتْ في كَفِّهِ العُصُرُ
كالفجرِ ليليْ، وعَبْدُ اللهِ مشعلُهُ،
رَبّ الحِوَارِ، ورَبّ البِرِّ يَنْهَصِرُ
في كَفِّهِ صِنْوُهُ، سَيْفُ السُّيُوْفِ، إذا
سُلْطانُ زَمْجَرَ هَبُّ الجَيْشُ والنُّذُرُ
فَجْرٌ جَدِيْـدٌ مُرِبٌّ كُلُّـهُ لُغَةٌ
مِنَ التَّفَوُّقِ والإِقْـدَامِ تَنْصَهـِرُ
يَرْنُـوْ إِلى أَسْطُرٍ أُخْرَى تُزَوْبِعُها
حُرِّيَّـةٌ سَـنَّها الإِسـلامُ والنَّظَرُ
تَرْمِيْ فِجَاجَ الرُّؤَى عَنْ كُلِّ قافِيَـةٍ
فَيَسْـتَهِلُّ قَصِيْـدٌ ثـائِرٌ خَطِرُ!
.........................
فَقُلْتُ، إِذْ قَالَ، وارْتَفَّتْ على شَفَتِيْ
فَراشَةُ الشِّعْرِ، واسْتَشْرى بِها الوَتَرُ:‏
إِنَّ المَسَــافَةَ عَجْزٌ حِيْنَ تَذْرَعُها
وهِمَّـةُ الحُلْمِ تُدْنِيْـهَا وتَخْتَصِرُ‏!
23 رمضان 1429هـ= 23 سبتمبر 2008م
ــــــــــــــــــــــــ
1 من سنين القحط المذكورة في فَيْفاء سنة يسمّونها (سنة كِشْمَة)، حكوا أن الناس بسبب الجدب فيها لم يجدوا ما يطعمونه الأبقار إلا الفحم، ولذلك زعموا أن اللبن غدا في تلك السنة أسود وكذلك السمن.
2 حبّة الفَنا/ الفَناء: مرض، يحكون أنها كانت تظهر له في الجسم نَفْطَة على شكل حَبّة، ولا علاج له، بل عاقبته الموت الوشيك.
3 جُبَر: اسم رمزي لإنسان هذه الأرض، يمثّل الشخصيّة الحواريّة في النصّ.




شكراً لقراءتك هذه القصيدة!

جميع الحقوق محفوظة ©