بطالة الشباب في المناطق الحدوديّة:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

بطالة الشباب في المناطق الحدوديّة
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي



وهل البطالة قائمة في المناطق الحدوديّة فقط، أم أنها في الوطن كلّه؟ هي في الوطن كلّه، بطبيعة الحال، لكن نسبتها قد تكون أعلى في المناطق الحدوديّة.
ولعل أهم عامل في ظاهرة البطالة بعامّة: يتعلّق بالإنسان نفسه، من حيث وعيه بما يهدف إليه في حياته ومنذ وقت مبكرة. إنها قضية وعي وتوعية، يدرك فيها الفتى قبل دخوله إلى جامعةٍ ماذا يريد؟ وماذا يُراد منه؟ في تناغم مع حاجاته وحاجات الوطن. ولو وُجد ذلك، لما كانت الجامعات في حاجة إلى قفل قسمٍ جامعيّ بحجّة أنه لا يلبّي في مخرجاته حاجات سوق العمل. تلك النظريّة الجديدة التي إنْ مضت جامعاتنا على أساسها فستستحيل إلى "مكائن تفريخ" للموظفين والفنّيّين! مع أن الأصل في التعليم الجامعي أنه نوافذ مشرعة لتلقّي العلم في أي حقلٍ معرفيّ مفيد- و"الفائدة" هنا تظلّ نسبيّة، بحسب الزمان والمكان- بما أن الجامعات صروح علم، ومراكز بحث، ومعاقل فكر، وليست رهينة ما يسمّى بسوق العمل.
ثم إن البطالة- في بُعدها الاجتماعي- متعلّقة بالنظرة إلى قيمة العمل، والرؤية المعياريّة إلى المهنة في سلّم الاحترام الاجتماعيّ. إيمانًا بأن كلاًّ ميسّر لما خُلق له، وليست هناك مهنة معيبة، ما دامت مقبولة شرعًا وعقلاً.
أمّا حين يأتيك شابٌّ فاشل في دراسته، أو لا يحمل إلاّ مستوى تعليميًّا متواضعًا، ويريد أن يكون (مديرًا)، وبراتب لا يقلّ عن خمسة آلاف ريال، فماذا ستفعل لتلبية حلمه؟!
أو حينما يرفض العمل في "ورشةٍ"، أو في حرفة يدويّة؛ لأن المجتمع ربّاه على أن ذلك ليس للسعوديّين، فمن أين ستوجد وظيفة تناسب عقليته الاجتماعية؟!
وما دام الشابّ لا يتربّى لدينا على أن الحياة كفاح وتدرّج، بل هي مصباح علاء الدين الذي يلبّي له عفريته- الذي قد يلبس قميص الحظّ أو الواسطة- كل الطموحات، مباشرة، وهو جالس مكانه، فكيف ستعالج بطالته؟
غير أن أسباب البطالة لا تتعلّق بطالب العمل وحده، بل تشمل الجهات التوظيفيّة كذلك، من قطاع خاص أو حكومي. فهي قد تفضّل غير السعوديّ لأسباب شتّى: من عدم الكفاءة، أو عدم الانضباط، أو الأجر العالي الذي لا يرضيه سواه. دون أن يكون في حسبان تلك الجهات أن واجبها الوطني يتخطّى تقديم الخدمة المخصوصة التي تتولاّها إلى الإسهام في تدريب الكفاءات الوطنيّة، ودعم المواطن والاقتصاد السعودي، ودفع ضريبتها الوطنية في هذا المضمار.
كما أن من أسباب البطالة: الجمهور نفسه. فهؤلاء قد اعتادوا- لأسباب نفسيّة أو ثقافيّة اجتماعيّة- على خدمات غير السعوديّ، حتى تشكّلت لدينا عُقدةٌ تمكن تسميتها بـ(عُقدة غير السعودي)؛ إذ تجد كثيرين يُعرضون عن الموظّف السعودي في أي قطاع ويتّجهون إلى غيره، إنْ وُجد؛ لعدم ثقةٍ في أن السعودي يمكن أن يؤدّي الخدمة نفسها بالكفاءة نفسها أو أفضل. ويُلحظ ذلك حتى في مجال الطبّ، فكثيرٌ من العامّة ما زالوا يأنسون إلى استشارة الطبيب غير السعودي ويثقون به، فيما يتوجّسون من زميله السعودي، وينظرون إليه نظرة ريبة، وعدم يقين من أنه قادر على العمل في هذا المجال كغيره! وعلى هذا فقس. وهؤلاء جميعًا يُسهمون، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إحباط أيّ توجّه إلى سعودة الوظائف، وسدّ الحاجات الخدميّة بكفاءات وطنيّة.
أمّا الآثار السلبيّة الناتجة عن البطالة- وعلى كافة المستويات من أمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة- فما أظنها بخافية على أحد، أو في حاجة إلى بيان وتفصيل.
على أن المناطق الحدوديّة قد تزداد ظاهرة البطالة فيها تفشّيًا لعاملين آخرين، يضافان إلى العوامل المشار إليها سابقًا: أوّلهما بُعد تلك المناطق عن المراكز التعليميّة أو التدريبية، أو قلّتها فيها، ونقص طاقتها وإمكانيّاتها الأدائيّة؛ وثانيهما، قلّة فُرص العمل المتاحة للمتعلّمين في تلك المناطق والمؤهّلين، مقارنة بالمناطق غير الحدوديّة.
وعليه، فإن ظاهرة البطالة- بوجهيها المقنّع والحقيقيّ- تنشأ عن عوامل مركّبة، تتعلّق بالثقافة الاجتماعيّة أولاً، ثم بظروف التأهيل والعمل ثانيًا، ومن هذه الأخيرة: توزيع مراكز التعليم والتأهيل على خارطة الوطن، إضافة إلى سياسة سوق العمل المحليّة، بما في ذلك إحداث فُرص عملٍ متنوّعة، وفي مواقع إنتاج منتشرة، بحسب الميزات النسبيّة لكلّ منطقة، مع مراعاة التوازن المنصف بين مصالح المشغّلين ومصالح العاملين.

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي
1 جمادى الآخرة 1429هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ضمن تحقيق نشر في صحيفة (الوطن)، السبت 16 رجب 1429هـ الموافق 19 يوليو 2008م، العدد 2850، أعدّ التحقيق: عوض فرحان.





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©
2001 - 2008