القنوات الفضائية الدينية:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

د. عبدالله الفَيفي: الإعلام الإسلامي في حاجة إلى مراجعة جذريّة وشاملة، من حيث الرؤية، ولغة التخاطب، وآليّات الأداء!

مجلة "اليمامة"، العدد 2023 ، السبت 6 رمضان 1429هـ،
ضمن قضيّة الأسبوع تحت عنوان "القنوات الفضائيّة الدينيّة: دعوة للمراجعة"، إعداد: نوال الجبر، ص12-15:


اليمامة:
القنوات الدينية ظاهرة واكبت انفجار البث التلفزيوني الفضائي وتزايد عددها بشكل ملحوظ وأصبحت تتنافس على استقطاب المشاهدين، بل وبعضها تخصص في مخاطبة شرائح معينة في المجتمعات العربية وتجربة القنوات الدينية مضى عليها سنوات، وهي تستحق وقفة للمراجعة والتقييم في ظل الاتهامات الموجهة لها بالعشوائية وتدني مستوى المضمون والاعتماد على الحوارات التقليدية والبرامج المسجلة.
[ ما إيجابيات وسلبيات تجربة القنوات الفضائية الدينية؟
[ وما مدى فعالية هذه القنوات في خدمة الإسلام ودعم الخطاب الديني بشكل عصري يخدم الفكر والثقافة الإسلامية؟
[ وكيف يمكن تطوير هذه القنوات لدعم الرسالة الإعلامية الإسلامية؟

نوال الجبر (محررة في مجلة اليمامة)



د.عبدالله بن أحمد الفَيْـفي:
لقد سبقنا الغربُ في استخدام الإعلام لأهداف دينيّة، ومنذ وقت مبكّر، عبر الإذاعات الموجّهة، ثم عبر القنوات الفضائيّة المتخصّصة في التبشير، وبوسائل مسرحيّة وإبهاريّة كبيرة جدًّا، حتى إن بعض تلك القنوات الدينيّة الغربيّة ليتخذ اسم: "قناة الله"، تعالى الله عن ذلك.
تلك إذن ليست بظاهرة طارئة، إلاّ لدينا نحن المسلمين، لتأخّر وجود هذه التقنيات في عالمنا، المعتمد على سواه.
واليوم يعجّ الفضاء بالقنوات المختلفة، والمتخصّصة في شؤون معيّنة، ومنها الشأن الدِّيني. فالتخصّص كذلك ليس بظاهرة تتعلّق بالقنوات الدينيّة، هناك القنوات الإخباريّة، و القنوات الرياضيّة، والقنوات الشعبيّة، والقنوات الفنّيّة، بألوانها ودرجاتها من القيّمة إلى الهابطة، بل حتى قنوات السِّحر والشعوذة. لذا فإن وجود القنوات الفضائيّة الدينيّة أمرٌ طبيعي، في ظلّ هذا التنافس. بل هو مطلوب من جمهور أكبر من المتلقّين، من حيث إن الدِّين ليس تخصّصًا، أو اهتمامًا، أو هواية، بل هو- لدى المسلم بصفة خاصة- دنياه وآخرته.
وإذا ما قورنت القنوات الفضائيّة الدينيّة بأنواع القنوات التخصّصية الأخرى، فسيُلحظ أن إيجابيّات القنوات الفضائيّة الدينيّة تفوق (إجمالاً) سلبيّاتها، وذلك من النواحي التربويّة، واللغويّة، والاجتماعيّة، والعلميّة. من حيث إن تلك القنوات تتصف بالجدّيّة- غالبًا-، وهي مخلصة في تصوّرها لرسالة الحقّ والخير. غير أن ممّا يؤخذ عليها- بصفة عامة- ما يأتي:
1) أنها منحصرة في خطاب العرب والمسلمين، وقلّما تخاطب الآخرين بلغاتهم.
2) بعضها يرسّخ الطائفيّة والمذهبيّة من خلال طبيعة الخطاب المبثوث والمواد المطروحة.
3) معظمها يقدّم صورة الإسلام في هيئة رثّة، لا تجذب المسلمين أنفسهم، فضلاً عن غير المسلمين.
4) كثيرًا ما تعرض تلك القنوات الدينيّة الإسلامَ في صورة تقاليد شكلانيّة، تهتمّ بالمظهر، أكثر من القيم الروحيّة السامية، وتركّز على الهيئة الخارجيّة للمسلم أشدّ من العناية بالإشراق الداخلي، المنعكس على السلوك الإنساني الراقي، والتعامل الحضاري النبيل. وهذا- في الواقع- بخلاف ما يُلحظ في قنوات فضائية لأديان أخرى، ولاسيما المسيحية.
5) هناك من تلك القنوات الفضائيّة الدينيّة قطاع واسع يحتفي بعقلية الخُرافة، من خلال اجتزاءات نصوصيّة، وتأويلات اجتهاديّة، ومبالغات وتهويلات شعبيّة، مستندة إلى بعض المرويّات والمقولات. مرسّخةً بذلك ثقافة الخوف والهلع والتوهّم، بإسرافها في تصوير عالم الجنّ وتدخّلاته في أمور حياتنا، والحديث عن السّحر وفتكه بالناس، ونسبة أشياء شتى إلى العَين، ومن هناك اللجوء إلى ما يسمى الرُّقى الشرعيّة.. إلى ما هنالك من تلك الجدليّات، التي تأتي على حساب ما هو أولى من القضايا البشرية، وأهم من الهموم الإنسانية المعاصرة، بل على حساب بثّ الطمأنينة المطلقة التي غرسها الإسلام في نفس المسلم، ثقةً بالله وتوكّلاً عليه، في مثل قوله تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" [سورة النساء: آية76]؛ "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً" [سورة الإسراء: آية65]؛ "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [سورة النحل: آية99]، ونحوها من الآيات الكثيرة، التي كأنما يناقض ذلك الخطابُ القلق عبر بعض القنوات الدينيّة تأكيداتِها القاطعة لقوّة المؤمن وحصانته؛ إذ لم يعد هنالك- بحسب ذلك الخطاب- عاصم من طوفان الجنّ والشياطين. وهكذا تتحول ثقافة اجتماعيّة جاهلة إلى ثقافة دينيّة فضائيّة، يجد فيها عالم الجنّ والشياطين سلطانه ومجده، ودعايته المجانيّة المعاصرة.
6) حصر مفهوم الإسلام وانشغالاته في جزئيّات، وفي تفريعات حياتيّة، وشؤون يوميّة، لا جديد فيها. يتصدّر لها المفتون للإفتاء عبر تلك القنوات، مع أنها مبثوثة في كتب الفقه منذ مئات السنين، لمن شاء أن يقرأ. وقد كان يمكن في عصرنا هذا أن تُضبط تلك المسائل وتُفهرس وتُجعل في موسوعات، وعبر الإنترنت، ليرجع إليها من أراد، وينتهي الأمر. كي تفرغ تلك القنوات- فضائيّة وغير فضائيّة- لقضايا كبرى، من سياسيّة واقتصادية واجتماعيّة ملحّة، ونوازل ومستجدّات كثيرة في حياة الأُمّة.

إن الإعلام الإسلامي- بصفة عامّة- هو في حاجة إلى مراجعة جذريّة وشاملة، من حيث الرؤية، ولغة التخاطب، وآليّات الأداء. هذا إن أريد له أن يكون فاعلاً ومؤثّرًا؛ لأنه لا يكفي في هذا العصر تحويل منابرنا التقليديّة- التي سئمها الناس على الأرض منذ أن عرفوها- إلى منابر فضائيّة.. وذلك غاية ما هنالك!

الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيْـفي
(عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود)
الاثنين 25 شعبان 1429هـ
مجلة اليمامة- قضيّة الأسبوع.
http://www.alriyadh.com/2008/09/06/article372467.html





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©