لقاءات: إضبارة د. عبد الله الفـَيْـفي http://www.alfaify.cjb.net

موقع مجلة اليمامة العدد 1873، 10 /9 /2005

في مكافحة الإرهاب: «المدرسة» خط الدفاع الأول
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

-1-
حينما يتعلّق الأمر بمصطلح "الإرهاب"، يتنصّل الجميع من تهمته، وينكرونه سرًّا وعلانيةً، وسيقولون في صوت واحد: "لا للإرهاب"!
لكن هل "لا للإرهاب" يكفي؟!
من هنا فإن دور المؤسسات التعليمية في الحرب على الإرهاب لن يتأتّى بالشعارات، ولا بالإعلان عن ضدّيتنا للإرهاب، وتوجيه أطفالنا بهذا، فهذا من تحصيل الحاصل، الذي لن يختلف عليه اثنان، ولن تنتطح فيه عنزان!
مكمن الإشكال في التربية لا في التعليم. وعندئذ، فمكمن الإشكال في الإنسان، أبًا، وأُمًّا، أخًا، وأختًا، معلّمًا، ومجتمعًا، من قبل أن يتبلور هذا برمّته في المؤسّسة التعليمية التربوية.
إن الداء في البيت، والمسجد، والشارع، والسوق، قبل أن يكون في المدرسة والمنهج. فهاذان الأخيران ليسا بسوى حوصلة لما في بواطن الأفكار العنيفة المتفشية في الناس، والممارسات الغليظة، التي تنبثق عنها موجة الإرهاب، في صورته الأبشع.
وعليه، فالإرهاب تربية وفكر وسلوك، يسريان، شعرنا أم لم نشعر- كالنار في الهشيم- في كينونتنا الثقافية. ولا مندوحة من الاعتراف بذلك، ولا نجاة في دس الرؤوس في الرمال، ولا مناص من السعي إلى علاج طويل، قبل القفزة الأخرى إلى المدرسة والمعلم.
فكيف؟
هناك تربية وتعليم غير رسميين، منظوران وغير منظورين، هما اللذان يفرّخان الإرهاب صبحًا وعشيًّا في صورته الأبشع. والدليل على ذلك أن الإرهابيين معظمهم لم يدينوا للتعليم الرسميّ بتركة قط، لكنهم يدينون لتربية وتعليم غير رسميين، منظورين وغير منظورين.
إن الدور هنا يقع على المؤسسات الإعلامية، والتثقيفية، والتوعوية العامة. وللمؤسسات الدينية لدينا نصيب الأسد في هذا الميدان، في إشاعة اللغة التسامحية، الوسطية، الحنيفية، التي قُلبت رأسًا على عقب، وباسم الدين نفسه، للأسف الشديد.. حتى صار التسامح كرهًا، والحنيفية شططًا وغُلُوًّا، واليسر عسرًا، وصدقة الابتسام تجهّمًا، والبشاشة وجوهًا كالحة غليظة، والرفق عنفًا وتشنّجًا مريضًا. الدين الإسلامي الذي بلغ به الرفق إلى الحضّ على غضّ الصوت، والقصد في المشي، صار صورة منكرة عكسية: صوتًا، وصورة، وحركة. من هذه التربة ينبت العُنفُ، ومن هذا المنبع يعُبّ.
كل هذا لا يقلّل من خطورة دور التعليم في مؤسساته الحكومية والأهلية، مناهج ومعلّمين، إلاّ أن التركيز على هذا الجانب، مع إغفال جذوره في التربية الاجتماعية سيفضي بنا إلى الدوران في حلقة مفرغة من التلاوم، وتكرار الأسئلة لاستملاء الإجابات القديمة ذاتها.
-2-

وهذا يقودنا إلى المحور الآخر حول: العوائق التي تحول دون أن تكون المؤسسات التعليمية رأس حربة في محاربة الإرهاب؟
ذلك أن ما قد تبنيه المدرسة- إن كانت ستبني شيئًا ضدّ "العُنف" بمفهومه الشمولي، لا "الإرهاب" بمعناه السياسي فقط- ستهده الأسرة ويهده المجتمع. فكم من القِيَم الجميلة والمبادئ الرائعة يتعلّمها في المدرسة ناشئ الفتيان فينا، لكنه سيظلّ أبدًا على ما كان عوّده أبوه!
مهما ذلّلت العوائق المنهاجية مستقبلاً، ستبقى البنية الاجتماعية هي العقبة الكأداء في سبيل إنتاج جيل لديه القابلية لقبول لغة العقل، لا لغة الأحلام والأساطير البطوليّة، التي تتسلح عادة بقوة اليد لا قوة الفكر.

-3-

أمّا ما يمكن عمله هنا:
فمشوار طويل، لكن الألف ميلٍ يبدأ بملّيمتر. ولن يُفَعَّل دور المؤسسة التعليمة في القيام بدورٍ في مكافحة "الأفكار العُنفية"، دون تفعيل المؤسسة الاجتماعية العامة، عبر حركة من مكافحة الغلوّ في الفكر والسلوك، من خلال قطاعات التأثير الجماهيري المختلفة.
دون هذا.. سيظل جناح التعليم مشلولاً، وإن أفتاك المنظّرون وأفتوك.







شكراً لقراءتك هذه المقابلة!

أنت القارئ رقم :


FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©