لقاءات: إضبارة د. عبد الله الفـَيْـفي http://www.alfaify.cjb.net

موقع مجلة اليمامة العدد 1865، 16 /7 /2005

المسلمون .. والإرهـاب: مـَن فجـّر لنـدن؟
د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

أمّا استهداف لندن بالتفجيرات، فهو- وفق حسابات منفذي التفجيرات، وحسب أدبياتهم الإرهابية- وسيلة للضغط على بريطانيا لسحب قواتها من العراق أو أفغانستان.
وهي حسابات- إن صدقت- لا تنقصها حماقة التقديرات، كتلك التي حدثت من قبل في نيويورك، إبان الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويظلّ المسلمون يدفعون، في كل زمان ومكان، ثمن الطيش والسَّفَه، لبعض تلك الفئات المنتمية إليهم، والمتسمية باسمهم.
وحسابات هؤلاء الحمقى والمغفّلين من المنتمين إلى المسلمين تتضارب طرديًّا مع حسابات عقلاء المسلمين وغير المسلمين، بطبيعة الحال. ذلك أن التأثير الاستراتيجي الذي يتوخّاه حمقى المسلمين ومغفّلوهم بضرب عاصمة كلندن إنما يصبّ في مصلحة المتربّصين بالمسلمين، الذين لا تنقصهم الذرائع، الحقيقيّة أو المصطنعة، لاضطهاد المسلمين، وغزو بلدانهم، ومصادرة حقوقهم الثقافية والإنسانية.
كما أنها حسابات لا يجني منها المسلمون مباشرة سوى الحصرم، بل الحنظل، سواء أكانوا من المقيمين في الغرب، أم من السياح، أم حتى من المتفاعلين مع الغرب بشكل أو بآخر.
سيقول التبريريون لمثل تلك الجرائم، وإن بطريقة غير مباشرة: "على نفسها جنت براقش"، فتلك ما جنته أيادي الغرب، بفتكها، وظلمها، وانحيازها ضد العرب والمسلمين.
ولكن السؤال الذي يُغيّب العقل عادة عن مناقشته:
وهل الفتك والظلم والانحياز، سينتهي بمثل تلك الأعمال الصبيانيّة، أم سيزيد؟!
وهل العاجز المتخلّف سيجديه عن عجزه وتخلّفه أن يمسّ ذيل الأسد؟!
أم أنه بذلك سيفتح على نفسه وغيره عدوانًا، لا قبل له به، وغير محسوب العواقب؟!
ولذلك فإن ما جرى ويجري، أو سيجري بعد، من أعمال طائشة يقوم بها مَغْسُوْلُو العقول والقلوب ليس له من نتائج، إلا المزيد من الانعكاسات السلبية على المسلمين، وسمعة الإسلام، في مشارق الأرض ومغاربها.
هذا من المنظور الاستراتيجي السياسي في المسألة.
أمّا من المنظور الإنساني البحت، فضلاً عن المنظور الإسلامي العظيم، الذي جاء رحمة للعالمين، فلا يختلف اثنان سويّان من بني البشَر- ناهيك عن أن يكونا من بني المسلمين- في أن قتل الأبرياء، كائنًا من كانوا، مرفوض في كل الشرائع السماوية والأرضية.
وعليه يتّضح أن مرتكبي تلك الجرائم، إن كانوا منتمين للإسلام أو غير منتمين للإسلام، قد تجردّوا عن كل قيم العقل والروح، وإنما هم يتخبّطون في يأسهم لإثبات وجودٍ واهم بائس.

القاعدة الفكرية.. أولاً !

أمّا السؤال عن الخطوات العملية المطلوبة من الدول والمنظمات الإسلامية لاحتواء هذه التأثيرات السالبة ولإحباط مخطط القاعدة...؟
فالواقع أن الأهم من وجهة نظري هي القاعدة الفكرية لا القاعدة العسكرية. وأحداث سبتمبر 2001، وما تلتها من تداعيات، قد كشفت عن أن المعركة طويلة الأمد مع تلك القاعدة. فالأمر لا يتعلق بالقاعدة، كمنظمة مسلّحة، بل بالقاعدة الفكرية والثقافية التي هي الأخطر والأبقى. وهي التي تغذي القاعدة المسلحة، من قبل ومن بعد.
فهل ما زال يراود أحدًا شكٌّ في هذا؟
لذلك فإن كسب المعركة ضدّ القاعدة الفكريّة، أهم من كسبها ضدّ القاعدة المسلّحة. بل إن كسب المعركة ضدّ القاعدة الفكريّة- التي تتفشّى بين المسلمين، والتي تنتشي بمثل تلك الأحداث، ولا تخفي تعبيرها عن نشوتها تلك عبر مختلف وسائل التعبير المتاحة، ولا سيما الإنترنت- هو الذي سيحبط أعمال القاعدة المسلّحة.
إنها- كما هو واضح- مهمّة طويلة الأمد لمراجعة تراكمات تاريخيّة طويلة، لملفّات من الخلل التربويّ، والتعليميّ، والقيميّ، لن تتمّ إلا عبر أجيال. وما لم تتكاتف الأيدي، التعليميّة، والإعلاميّة، والأمنية، وفوق ذلك الإرادة السياسيّة العليا، التي ينبغي أن لا تكتفي بالمعالجات الأمنية الوقتيّة، ولكن أن تبني استراتيجياتها للإصلاح الجذري، والتغيير النوعيّ الفوريّ لتلك البنى الثقافيّة التي طالما تجوهلت، وهي التي الآن تفرّخ الإرهاب وتغذّيه.. ما لم يتم ذلك كله، بجدية وبرؤية بعيدة المدى، فلن تكون أي معالجات أخرى بأكثر من مسكّنات، سرعان ما يتلاشى مفعولها، لينبثق الأخطبوط الإرهابي من أي مكان وفي أي زمان.






شكراً لقراءتك هذه المقابلة!

أنت القارئ رقم :


FastCounter by bCentral

جميع الحقوق محفوظة ©