دُور النشر والدَّور الرقابي:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

د. عبدالله الفَيفي: دُور النشر والدَّور الرقابي!

صحيفة "الرياض"، الخميس10 صفر 1430هـ - 5 فبراير2009م - العدد 14836
ضمن تحقيق تحت عنوان "مثقفات ومثقفون لـ(ثقافة اليوم): آن الأوان لتولي دور النشر مهام الكتاب الورقي في عصر المسموع والرقمي"، إعداد: محمّد المرزوق



في رأيي، الذي عبّرتُ عنه مرارًا، أن بعض ممارسات الرقابة ما يزال خارج عقليّة العصر الذي نعيش فيه، عصر التقنية والنشر الإلكتروني. ذلك أن هَمّ الرقابة الذي ينصبّ على منع الكتاب الورقيّ، وهَمّ الناشر الذي يصرّ على ترويج كتابه الورقيّ، لا معنى لهما في عصرٍ الكتابُ فيه لدى أطراف أصابع من يبغيه، ومجانًا، مُنعت أوراقه أو فُسحت. إنّ ثورة الاتصالات الحديثة قد أضحت كفيلة بتخطّي عقلية المنع والحجب؛ إذ تجعل الكتاب الممنوع أو المرغوب متاحًا لمن شاء.
أمّا هل دُور النشر مهيّأة لتولّي مسؤوليّة الرقابة؟ فأعتقد- أوّلاً- أن "الرقابة" يحسن أن تستبدل بها كلمة "مسؤوليّة". وهذه "المسؤوليّة" تبدأ من الكاتب نفسه قبل الناشر. إذ كيف يصحّ أن يُصبح الكاتب خطرًا على مجتمعه وثقافته وقِيَمه؟! وهذه مسألة دقيقة، بين الثِّقة المفترضة في الكاتب- والكاتب يُفترض فيه أن يكون رائدًا لا يكذب أهله- وبين زمرةٍ من الكتبة لهم مآرب أخرى، لا هدف لهم في الإصلاح، ولا في الارتفاع بالأذواق والنفوس والعقول. وفي الكتّاب- كما في غيرهم- المريض والضعيف وذو الحاجة! وإزاء هؤلاء تبدو ضرورة لرقابةٍ من نوعٍ ما، تتوخى الجودة، وترشّد استهلاك بعض المواد السامّة، وتحمي الذوق العام. على أنه ينبغي أن يكون هذا قبل الطباعة، أمّا بعدها، فهيهات؛ فوسائل البثّ الحديثة ستنشر المادّة بألف سبيل وسبيل.
ولكن.. ألا نرى أن الرقابة هنا ستظلّ رقابة على الورق؟! أمّا النشر الإلكتروني، فحدّث ولا حرج عمّا يحدث فيه! والنشر الإلكتروني هو لغة العصر الجماهيريّة. فماذا عنه؟ وما الضوابط المتّخذة بصدده؟ ولاسيما أن ما يدور فيه يتعدّى ما تنشغل به الرقابة التقليدية، من جملة شاطحة هنا أو عبارة نابية هناك. ذلك أن النشر الإلكتروني حافل بالقذف، والتهييج، والتجييش، والتشويه، وأشكال كثيرة من العدوان على شخصيّات، وجماعات، وقِيَم عامّة، ومبادئ دينيّة ووطنيّة وإنسانيّة.
ولذا، فإمّا أن يُعاد النظر جذريًّا في إشكاليّات الرقابة بكلّ أبعادها، مواكبةً للمتغيّرات المعاصرة الواسعة الخَرْق- وبما لا يكبت الحريّات، ولا يُسقط الحقوق الفكريّة والأخلاقيّة ليفتح السدّ على مصراعيه ليأجوج ومأجوج- وإلاّ ستظلّ الرقابة عبثًا في عبث، يتنصّل منه كلّ طرفٍ للطرف الآخر.

الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي
(عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود)
الخميس 10 صفر 1430هـ
صحيفة الرياض:
http://www.alriyadh.com/2009/02/05/article407324.html





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©