الشاعر السعودي د.عبدالله بن أحمد الفَيْفي لـ"العرب": الثقافة العربيّة تقوم على منظومة قِيَم غير حواريّة:5.لقاءات:إضبارة د.عبدالله الفـَيفي http://alfaify.cjb.net

الشاعر السعودي د.عبدالله بن أحمد الفَيْفي لـ"العرب":
الثقافة العربيّة تقوم على منظومة قِيَم غير حواريّة
[صحيفة "العرب أونلاين"]
الثلاثاء 7/ 10/ 2008



العرب ـ رحاب حسين الصائغ:
نقر سمعى تآلف جميل أتى من جبال فيفاء الملقّبة بمعشوقة الضباب، فمالت أجنحة الصقر إلى قممها، فاحت نسائم المسك والريحان والخزام من تلك الجبال المشهورة بزراعة البن والموز والزيتون وانتاج العسل، وتقع جنوب السعودية فى الشمال الشرقى من مدينة جازان، بين أشجارها المعمرة ولد ونشأ وترعرع الشاعر والدكتور عبد الله بن أحمد الفَيْفى "أستاذ النقد الحديث فى جامعة الملك سعود- الرياض، رئيس لجنة الشؤون الثقافيّة والإعلامية بالنيابة فى مجلس الشورى السعودي".. التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:

س1- ماذا تعني لك كلمة ثقافة عربية بمفهومها العام، ومن هو المثقف بالتحديد برأيك؟
ج1- في رأيي أن المثقف هو من يمتلك (الموقف)، لا من يمتلك (المعلومة) فقط. ومن هنا فالفلاح البسيط، ذو الانتماء والفعل والإنتاج، هو أكثر ثقافة من الأكاديمي المنعزل، أو الكاتب البرجعاجي، أو المقلّد لماضيه أو لحاضر الآخرين. إن الثقافة ليست بأفكار ميّتة، أو رؤى باردة، بل الثقافة: حياة. والثقافة ليست بمحاكاة وتبعيّة، للتراث أو للآخر، ولا هي في المقابل انسلاخ من التراث، أو تنصّل من العصر، وتبرّؤ من روافد الثقافات الأخرى، المعرفيّة والفكريّة والفنّيّة، وإنما هي وعيُ: من نحن؟ وماذا يميّزنا من مكوّنات شخصيتنا الأمميّة؟ ما الذي نحتاجه لنضيف إلى رصيدنا؟ تلك هي الثقافة، وذلك هو المثقّف الحقّ- لا المنكفئ، ولا المنبهر. أمّا "الأخذ من كل شيء بطَرَف"، كما هو تعريف (الثقافة) العتيق، فقد أغنت عنه اليوم أوعية المعلومات الحديثة، والمتناسلة، وفاضت به ثورة الاتصالات الراهنة، فأصبح الجميع بهذا المعنى (المعلوماتي): مثقّفين.
س2- هل نملك ثقافة عربية مستقلة بنا وتمثل توجهاتنا الفكرية؟
ج2- من الصعوبة بمكان أن نستخدم تعبير "ثقافة عربيّة مستقلّة بنا". ذلك أن الثقافة في جوهرها: انفتاح، وإفادة ممّا لدى الآخرين. هذا ما حَدَثَ مثلاً بين العرب والفُرس قديمًا، أو بينهم والهنود أو الإغريق شرقًا، كما حدث بين العرب والبربر والأوربيين غربًا، أي في الأندلس. فالشخصيّة الثقافيّة- حينما لا تكون في موطئ قدمٍ من ضَعف- قادرة على صهر معطيات الثقافات، وتمثّلها لتتحوّل إلى بنى تكوينيّة في شخصيتها المتحوّلة المتطوّرة. لذا تأتي أهميّة الثقافة بمفهومها الذي أشرتُ إليه في إجابة السؤال الأوّل، بما هي صمّام الأمان من الذوبان في الآخر، ولاسيما في إعصارٍ معاصر يسمّى: العولمة. وذلك لإقامة المعادلة الدقيقة بين (المثاقفة) و(الأصالة)، للمحافظة على الهويّة والشخصيّة الفارقة. التي هي مكسب لا لصاحبها فحسب بل للعالم أجمع، لما فيها من إثراء إنساني. وتلك تجربة نجحت فيها اليابان إلى حدّ كبير، وفيها سرّ تفوّقها. ولقد أشرتُ في كتاب لي تحت عنوان "نقد القِيَم"، إلى أن "نجاح المعادلة اليابانية- إزاء إخفاق المعادلة العربية- يعود في صُلبه إلى أن المجتمع الياباني مجتمع مدنيّ في جذوره، فيما المجتمع العربي مجتمع قَبَلِيّ في جذوره. ذلك أن تعدّد "الإثنيات" واللغات، والتشتّت الجغرافي، في اليابان قد جعل عامل التوحّد هو عامل الوطن والحضارة لا عامل العِرق بموروثه القيميّ. لهذا فإن المدن اليابانية هي التي ساهمتْ في ولادة المجتمع اليابانيّ الحديث وتطوّره المعاصر، حين تخلّى الوافدون إليها عن كثير من عاداتهم وتقاليدهم الريفيّة لمصلحة تقاليد المدن. وأبرز تقاليد المدن: المساواة، والإخاء، وتجاوز الكثير من التقاليد الريفيّة الموروثة، إلى قِيَم جديدة من المواطنة واحترام الآخر، بمعزل عن الانتماء الاجتماعي لذلك الآخر. وهنالك حُسِم الصراع القيمي في المجتمع الياباني، واستطاعت اليابان أن تؤلّف بسلاسة بين تراثها الخاص وانفتاحها على الحضارة الغربية، تحديدًا. ذلك الانفتاح (المحسوب)؛ إذ ما تزال اليابان- رغم تقدّمها التكنولوجي- تعدّ بعض القِيَم الغربية، اجتماعيّة أو سياسيّة أو اقتصاديّة، "أفكاراً خطيرة Kikenshiso". في حين ما زالت المشاريع العربيّة تعاني الفشل في كسر الطائفيّة والقَبَليّة والقوميّة، ودمجها، مجتمعة أو متفرّقة، في أنظمة مدنيّة حديثة، تتخذ سبيلاً لها بين الأصالة والمعاصرة."
س3- ما رأيك بالانترنت وحال المثقف العربي من الخليج للمحيط ؟
ج3- الإنترنت هو لغة العصر، بل هو العصر كلّه. ومن هذا المنطلق قد يبدو عصر الكتاب الورقي أو الصحيفة الورقيّة مهدّدًا بالانقراض لحساب النشر الإلكتروني. وعلى الرغم من هذا الواقع الذي يُؤْذن بنقلة نوعيّة كبرى في نقل المعلومة وتلقّيها، فما زال المثقّف العربي لا يعي غالبًا هذا التحوّل بالقدر الكافي. من يعي هذا الواقع هم الشباب الذين تفتّحت مدارك جيلهم على هذه التقنية. على أن الإنترنت- للأسف- لا يُستغلّ لدينا إلاّ في تضييع الأوقات والتسلية، ونشر ما لا يمكن نشره بالوسائط الأخرى؛ لما فيه من إضرار بالآخرين. فإذا النعمة تنقلب بذلك إلى نقمة، كحالنا مع هذه الأجهزة التي لم ننتجها وإنما اشتريناها وتعاملنا معها كمحض لُعَب، أو كحبائل ندير عبرها المكائد بيننا. ذلك أن البُعد الفلسفي لهذه التقنية، والخلفيّة الحضاريّة لحضورها، ما زالا غائبين عن الذهنيّة العربيّة، فتتعامل معها كشيء طريف، أو كـ"حُسن حضارةٍ مجلوب بتطرية"، على حدّ قول المتنبي، وهكذا ظلّت، في الواقع الأعمّ، فَضْلَةً، لا مكان لها من الإعراب في جملتنا الفعلية الجادّة. هذا في وقتٍ تسيّر شؤون عالميّة شتّى- من ضئيل الأمور إلى جليلها- عبر الإنترنت.
س4- ما هي معاناة الكاتب العربي، وهل بالضرورة أن ينضم تحت لواء المؤسسات كي يتم له سماع صوته وانتشاره على الساحة الأدبية؟
ج4- تلك المعاناة في جانب منها تؤكّد ما ذهبتُ إليه آنفًا من أن الأمر ما انفكّ بمجمله خارج عقليّة العصر الذي نعيش فيه، عصر التقنية والإلكترون. فمعاناة الكاتب مع رقابةٍ ينصبّ همّها على منع الكتاب الورقيّ، ومعاناة الناشر الذي يصرّ على ترويج كتابه الورقيّ، لا معنى لهما اليوم في عصرٍ أصبح الكتابُ لدى أطراف أصابع من يبتغيه، ومجانًا، مُنعت أوراقه أو فُسحت. وصراع الجماهير حول الكُتب الورقيّة كذلك ما زال صراعًا في ذمّة الماضي، فلا جدوى منه ما دامت ثورة الاتصالات الحديثة قد أضحت كفيلة بالإصلاح بين الطرفين بجعل الكتاب الممنوع أو المرغوب متاحًا لمن شاء، بلا معارض ولا خصام ولا استنفار للأمن وقوات منع الشغب!
ولذا قد أرى أحيانًا، حتى في ظاهرة تسويق الكتاب الورقيّ، وعلى النحو القائم حاليًّا، ظاهرة تخلّف؛ لأنها تستنزف طاقاتها وتستنفر صراعاتها في فلك عصرٍ غير العصر الذي نعيش فيه. وعليه، أعتقد أن معاناة الكاتب في نشر إنتاجه قد تقلّصت كثيرًا اليوم إن كان يعيش عصره. ومن ثمّ فليس مضطرًّا إلى الانضواء تحت أيّ مؤسسة لتحقيق الانتشار. أمّا معانيات المثقّف الأخرى، فلا يختلف فيها عن الإنسان العربي عمومًا، لأسباب سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة. وما ظَنُّنا بعالَم ما زالت أرصدة الأُميّة فيه- وبأشكالها كافّة- هي الأعلى صوتًا، ولا فخر؟!
س5- ما هي وجهات النظر المختلفة بين المثقفين العرب وما تجده مهمًا في توحد خط سيرهم الفكري؟
ج5- "ولَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" [سورة هود، آية 118]. لا ثقافة بلا اختلاف، بل لا حياة بلا اختلاف. والتوحّد المبتغَى هو في إطار التنوّع، من حيث إن التوحّد دون ذلك هو ضرب من العقم والفَناء. غير أن إشكاليّة الثقافة العربيّة برمّتها تكمن في أنها قائمة على منظومة قِيَمٍ غير حواريّة أصلاً، ولا تقبل الاختلاف، فما أن يلمع بارقُهُ حتى تحيله ثقافتنا إلى محاور للقتال لا محاور للحوار. ما تحتاجه الثقافة العربيّة إذن والمثقّفون العرب هو مزيدٌ من الحريّة المسؤولة، ورسوخٌ لمبدأ القبول بالرأي المغاير، وتَرَبٍّ على لغة الحوار وآدابه.
س6- حدثني عن بداياتك / منجزاتك / طموحاتك الثقافية الأدبية؟
ج6- شاعر من جنوب المملكة العربيّة السعودية، عاش في شمالها قسطًا من الصِّبا، ثم تنقّل طالبًا ومعلمًا في ربوع الوطن وخارجه. وُلد سنة 1963م، في جبال فَيْفاء، جنوب السعوديّة. وحصل على دكتوراه الفلسفة في الأدب والنقد الحديث: 1993م.‏ فعمل أستاذًا في قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة الملك سعود، الرياض.‏ ثم عُيّن عضوًا في مجلس الشورى السعودي، منذ 12أبريل 2005م.‏ عَرَف نفسه- إلى جانب الشِّعر، الذي تنفّسه منذ البدايات- كاتبًا، وناقد، وباحثًا، وأستاذاً جامعيًّا. له مجموعتان شعريتان منشورتان، هما: "إذا ما الليل أغرقَني"، (الرياض، 1990)‏، و"فَيْـفاء"، (دمشق: اتحاد الكُتّاب العرب، 2005). وله عددٌ من الكتب النقديّة والدراسات العلميّة المحكّمة المنشورة. بالإضافة إلى المشاركات الإعلاميّة المختلفة، شعراً، ونثراً، ونقدًا. والتفاصيل يجدها القارئ في موقعه على شبكة الإنترنت:
http://alfaify.cjb.net
أمّا الطموحات، فلا تحدّها خارطة. غير أن مختزلها أملٌ واحد: أن أترك من الأثر ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
س7- إذا لديك رأي تود طرحه ضمن حدود هذا الحوار فبكل سرور؟
ج7- هو حُلم عربي عامّ. أتطلّع فيه إلى أن يخرج عالمنا العربيّ من عباءته الأدبيّة الرثّة إلى فضاءات العِلم، وأن ينعتق من حصر مفهوم الثقافة في فنون الشِّعر والنثر. ومن بعد ذلك وقبله أن يتعلّم العرب كيف يَبقون عربًا خلّصًا دون أن يتخلّوا عن صلتهم بالعصر وبالآخر. وهو ما عَبَرَتْ بي إلى الحُلم به (فَيْفاء/ القصيدة) منذ سنوات، إذ قلتُ أو قالت:
فَيْفـاءُ، كـلّ ثـَرَى العـروبـةِ مُوْحِـلٌ
هـلاّ وهـبتِ ثـرايَ نجـماً يُهـتدَى؟!
إني سـألـتكِ.. تأكـلُ الفوضـى يـدي
وأضـمّ من تَعَـبي على تَعَـبي الـيـَدا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة "العرب"
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Daily/2008/10/07-10/p14.pdf
صحيفة "العرب أونلاين"
http://www.alarab.co.uk/index.asp?fname=\2008\10\10-06\439.htm&dismode=x&ts=06/10/2008%2002:57:59%20م





شكراً لزيارتك هذه الصفحة!

جميع الحقوق محفوظة ©
2001 - 2008