في قوافل الشهداء

في قوافل الشهداء

رجل من رجالات هذه الأمه ، التي قلما تجود بمثله نساء هذا الزمان من مواليد الكويت تربى وعاش على روح المغامرة وحب التحدي فكان له صولات وجولات قبل أن ييسر الله له طريق الهدايه وكان ممن يشار له بالبنان حيث صار من أشهر العدائين وأحرز لبلاده عددا من البطولات في المحافل الرياضية ؛ ..... إلى أن هداه الله عز وجل فتاقت نفسه للعزة والكرامة حتى وجد ضالته في الجهاد في سبيل الله فعقد العزم على السفر الى بلاد الأفغان- يوم ذاك - لنصرة المسلمين هناك ونيل شرف الجهاد والاستشهاد.

 

وفعلا وصل هنالك وكان مميزا من بين إخوانه المجاهدين حتى أصبح قائدا من قادتهم ، مكث رحمه الله مدة طويلة من السنوات في أفغانستان وكانت له صولات وجولات ؛ ومن قصصه البطوليه : كان في منطقة يقوم بحراستها مع إخوانه فسمع أن قائدا روسيا موجود في الجبهة التي تواجهه من أعداء الله فعزم أن يأتي به أسيرا.

 

ترى الرجل النحيل فتزدريه  ***  وفي أثوابه أسد هصورُ

 

وفعلا رسم الخطة ونزل باتجاه العدو حتى وصل إليهم دون أن يشعروا به ولكن لم يرد الله أن يؤسر ذلك القائد الروسي وانكشف أمر أبي معاذ والأخ الذي معه فتراجعوا تحت وابل النيران حتى احتموا في بيت طين مهجور وبدأالشيوعيين بالبحث عنهم وطال الانتظار فأراد أبو معاذ ان يرى الأحوال بالخارج ونظر بطرف عينه من النافذه فإذا وجهه بوجه الشيوعي فتمكن من قتله فانفضح أمرهما وبدأ العدو بقصفهم من كل حدب وصوب حتى قتل الأخ المجاهد الذي مع أبي معاذ وتم تبادل إطلاق النار ...  وزحف أبو معاذ وخرج من البيت ونجاه الله ... ثم عاد إلى المجاهدين وكان رحمه الله يدرب المجاهدين الجدد بإنزالهم مباشرة معه في الترصد ومباغتة الشيوعيين بطريقة الكر والفر وما زالت قصص شجاعته ومغامراته يعرفها من كان هناك.

 

بعد سنوات حافلة بالبطولات والتضحيات اعتدى العراق على دولة الكويت فسمع بذلك فرجع مباشرة إلى الكويت للدفاع عن بلده وكانت له القصص المشهورة بالفداء حتى رجعت الكويت لأهلها ...

 

ثم مرض رحمه الله فعكف على كتب أهل العلم يحصن نفسه من الجهل وليزداد معرفة بمسائل الجهاد ... وقد كان وقتها أحداث البوسنه والهرسك قد غطت على أحداث العالم ومجازر الصرب المروعة لم تفارق مخيلة كل مسلم واغتصاب الصرب الكلاب للمسلمات لم يجعل للقعود والتنعم مجالا... فذهب رحمه الله إلى مكه ليأخذ عمرة وأخذ غفوة بعد العمرة فرأى رؤيا فيها أطفال البوسنه ورجالهم ينادونه باسمه فاستيقظ وبدأيفكر تفكيرا جديا بالذهاب هناك .. فأعد العده وانطلق إلى البوسنة في عام 93 وشارك إخوانه في الجهادهناك...  ثم رجع للكويت لينقل الصوره ويجمع التبرعات وكان شعلة متقده.

 

وفي ذات يوم قال له أحدهم : أتعرف فلانا قال : نعم أعرفه بالاسم وكان من كبار تجار الكويت ... قال له: إذا وصلت إليه فسيكفيك عن طلب التبرعات فقال: كيف أصل إليه قال: حاولْ فإنه  هو هو من سيكفيك في أمر التبرعات ، وفعلا ذهب وحاول وحاول حتى وصل إليه ...  وقال : ممكن أتكلم معك لحظه أرجوك ... فقال التاجر له : هيا بسرعة فليس لديّ وقت .. فأخبره عن أحوال المسلمين هناك وما شاهده من أهوال ومصائب من قتل الشيوخ والأطفال واغتصاب النساء  والتشريد و...و...و.. ثم كانت المفاجأه برد التاجر بأن بصق في وجهه بكل احتقار‍‍‍‍ .. وقال:  لستُ متفرغا لك ولبوسنوييك .. فرد عليه بلطف وقال أبومعاذ : هذه البصقة التي في وجهي لي أنا ولكن ماذا ستعطي إخواننا هناك؟ ؟

 

وسبحان الله ، فقد رق قلب التاجر من وقع هذا الموقف وهذه الكلمات الصادقة وقال له :  سامحني واطلب ولك كل ما تريد ..

 

ثم  رجع  إلى البوسنه في عام 94 في نهاية الحصار الكرواتي على البوسنه والتحق بكتيبة المجاهدين وكان مدربا لهم حتى أتت معركة ( فيسيكو قلافا ) فاحتاجوا له أميرا على مجموعة من الكتائب.

 

وانتقل المجاهدون إلى جبهة زافيدوفيتش وكان عدد المجاهدين  قد كثر لإن الحصار قد زال فكان أميرا علىقمة من القمم الثلاث هناك وكان  إذا خرج بمجموعته للحراسة يقف بعد كل مسافة قصيرة يتفقد المجاهدين ويريح المتعبين ويبث في نفوسهم روح الاحتساب .. ثم تغير الطقس - في تلك الآونة - فنزل الثلج بغزارة خلال تلك الأيام وانحاز المجاهدون إلى مدرسة في المدينه ليتقوا العاصفة الثلجية وزَامَنَ ذلك  هدنة مع الصرب ... 

 

وفي أثناء هذه الفتره أمره المجاهدون على كتيبة العرب  لما يتمتع به من أخلاق فاضله وابتسامة بشوشه يتميز بها دون تكلف أو تصنع ... وكان شجاعا مقداما حليما متواضعا وكان أيضا يؤوّل الرؤى فكان أبا حانيا  على المجاهدين يواسي هذا ويعود هذا وينصح هذا ويسهر على راحة هذا حتى أحبه البوسنويون قبل الأنصار المجاهدين وتملك حبه قلوبهم حتى أتت معركة الفتح المبين‍‍.

 

وتقسمت المجموعات ... ونادى المنادي ياخيل الله اركبي‍‍‍ وتدافع الأبطال وبدأت المعركه فكان يوجه المعركه وهو واقفا كالجبل الأشم وسلاحه معلق على كتفه وهو يوجه المجاهدين ويتابعهم بحرص والرصاصات والقذائف تمر من بين يديه ومن فوقه وهو لاينثني يتابع المجاهدين ويوجههم فسبحان من أعطاه الشجاعه والثبات .. إلى أن تحقق النصرالمؤزر لجند الرحمن....  وبعدها بشهر كانت هنالك معركة أخرى ... نزل أبومعاذ  إلى المدينه وكان عازما على الزواج من بوسنوية واستصدر لها تأشيره دخول إلى الكويت واقترب زواجه ولكنه أجله لحين انتهاء العملية الجهادية الثانيه .. فعاد  للجبهه يحرس ويتابع ،  إلى أن نزل ذات يوم - هو وأبو العلاء اليمني  ومعهم مجاهد آخر-  من الجبهة سيرا على الأقدام وتوقفوا عند مقبرة الشهداء العرب والبوسنويين - رحمهم الله - وإذا بقبرين محفورين بهما ماء كثير فقال أبوالعلاء اليمني وهو من حفظة كتاب الله : إن الذي سيوضع في هذا القبر مسكين ستغمره المياه.. فأجابه أبومعاذ : المهم نقتل في سبيل الله .. ويتقبلنا الله ولامشكلة بعد ذلك في الدفن ..

 

اقترب موعد معركة الكرامه واستعد المجاهدون لها أيما استعداد وبدأت المعركه وحمي الوطيس وانتصر جندالله وانقلب الصرب بغيظهم خاسرين مهزومين وبدأت عملية تثبيت الخط وانتصف النهار وأبو معاذ رحمه الله يتابع سير الخنادق وحفرها حتى صعد على قمة جبل فإذا بصربي لئيم جبان قد اقتنص ابا معاذ رحمه الله بطلقات سقط على إثرها من فوق القمة شهيدا نحسبه كذلك ولانزكي على الله أحدا وكانت الفاجعة بمقتله بأن فقدتْ الأمة أحد رجالاتها المخلصين وفقدت أرض الكويت أحد أبنائها البررة وفقد المجاهدون أحد قادتهم النادرين المتمكنين ... وكان في وصيته بأن ترك مايملكه في الكويت وهو محل لبيع العسل لصديق له ضعيف الحال فانظر كيف لم ينسَ إخوانه .. وانظر رحمك الله لوفائه .

 

وكان من العجيب بعد تلك المعركة أن دُفن أبو العلاء وأبو معاذ في ذينك القبرين الذين كانا يتحدثان عندهما من قبل‍‍.. 

 

فرحم الله أبامعاذ (عادل الغانم) ومن معه من المجاهدين الأبطال .. وأسكنهم فسيح جناته. آمـــــين.....