بــــدعة العـــــــصر _ التغني في دعاء القنــــــــتوت

بــــدعة العـــــــصر _ التغني في دعاء القنــــــــتوت

الحمد لله والصلاة ة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اهتدى بهداه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد

إن من الأسى الشديد الذي يعتري المتأمل والناظر في حال أمة الإسلام ما يراه من ارتفاع العلم وهبوط الجهل بين المسلمين حتى ممن اتسموا بالتدين ، بل لست أبالغ إذ أقول حتى الإخوة الذين طرقوا سبيل العلم ووسموا بأنهم طلبة علم قد انغمس أكثرهم في التقليد المذموم الذي هو جهل بإطباق العلماء رحمهم الله فتجد الفقيه منهم عند التحرير يقول وهذا قول فلان من مشائخنا _ وكأنه بذا بلغ مبلغ التحرير والدقة _ مهملا النظر والتفقه في نصوص الوحيين .

وليت هذا التقليد كان في أمر عليه جماهير العلماء أو قال به عالم من علماء الأمة لكان شبهة يعذر صاحبها من الإثم ، إلا أن الأمر أعظم من ذلك فقد وصل الأمر ببعض هؤلاء الجهلة إلى أن قلد الغير في بدعة محدثة وهو يظن أن هذا الفعل حسن وقربة إلى رب العالمين ومن دون أن يكون هناك عالم قال بهذه البدعة ، بل إن الشباب تجده يقلد لحسن الظن من دون أن يسأل أهذا الأمر جائز أم لا ، فقط بمجرد رؤية حدوث الفعل ، ومعوله في ذلك حسن ظنه بهذا الداعية أو الشيخ أنه لا يفعل إلا السنة ، فإذا قيل له إن هذا حرام قال : ألم يفعله الشيخ فلان بن فلان ، وهذا الشيخ لا يعدو كونه طالب علم فضلا لأن يقال هو الشيخ فلان بن فلان

ولست أطيل في هذه المقدمة إذ أقول إن كثيرا من الشباب بل من خيرة الشباب قد وقع في محظورات بسبب التقليد الأعمى وحسن الظن ببعض من يحسبون على العلم فمن هذه الأمور ما وقع فيه بعض القراء من تقليد الأصوات والنغمات والألحان الرنانة حتى أصبحت المسألة مباهاة بل وصل الأمر ببعضهم أن يقلد القارئ المعين في طريقة بكائه وخشوعه وسرعته …!!!

وتجد الدعاة يختارون الصبية الصغار ذوي الأصوات الحسنة ويقدمونهم للقراءة بهم في شهر رمضان فيطريهم ويغنيهم بكتاب الله _وإن كان هذا الصبي غير حافظ وغير عالم بأحكام الصلاة _ بل يقدمونه ليصلي بهم ويمسك في يده مصحفا صغيرا ليقرأ منه ووو لذا تجد عامة الناس في شهر رمضان لا يقر بهم المقام فتراهم يتتبعون المساجد يقول قائلهم اليوم نصلي عند السديس _ يعني الشخص الذي يقلد السديس _ وغدا وراء الشريم وبعده وراء العجمي ووو، بل وصل الأمر ببعضهم أن يقلد من يقلد المشائخ والقراء ، وأصبح الأمر مفخرة ومباهاة أن فلانا يقلد فلانا !!!

وقد يقول القائل وما الخطب في هذا ، هذا من الأمور التي تزيد في الخشوع ووو إلى غير ذلك من الشبه فأقول ليس هذا هو ما أريد الخوض فيه لكن بعض الكلام يغني عن بعض

فأقول أخرج الإمام أحمد وأبو عبيد في فضائل القرآن عن زاذان بن أبي عمر عن عليم قال : كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يزيد _ الراوي _ لا أعلمه إلا عابس الغفاري فرأى الناس يخرجون من الطاعون قال : ما صلى الله عليه وسلم قال : يفرون من الطاعون ، فقال : يا طاعون خذني ، فقالوا : أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله عليه وسلم يقول : لا يتمنين أحدكم صلى الله عليه وسلم فقال : إني أبادر خصالا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته : بيع الحكم ، والاستخفاف بالدم ، وقطيعة الرحم ، وقوم ينخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء وذكر خلتين أخريين

( صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة 979 )

والكلام حول هذه المسألة أكبر من هذا لكن لعل فيما ذكرت يكفي في رد هذه البدعة ، ولعل الله ييسر له وقتا آخر

ولو أن ألأمر بلغ بشباب المسلمين هذا المبلغ لهان الأمر لكنه بلغ شأنا أعظم وقع فيه كبار قرائنا في أعظم محافل المسلمين ألا وهو أمر التلحين والتغني بدعاء القنوت في صلاة الوتر من قيام رمضان حتى إنك لتسمع من قرائنا الجهر الشديد وخفض الصوت ورفعه في الأداء حسب مواضع الدعاء و الترنم والتطريب والتجويد والترتيل حتى لكأنه يقرأ سورة من كتاب الله تعالى ويستدعي بذلك عواطف المأمومين ليجهشوا بالبكاء ، وقد أصاب إبليس منهم رميته حتى إنك لتسمع القارئ يقرأ الآيات التي تهتز لها الجبال وتندك لها الرواسي العوالي لكن قلوب المأمومين قاسية إلا إنه بمجرد ما أن يشرع هذا القارئ في الدعاء إذا بالعبرات تسكب وإذا بأصوات البكاء والنياح ترتفع كأن الله تعالى ما وصف كتابه بقوله ( لو أنزلنا هذا لقرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) لكأن الله تعالى إنما عنى بذلك دعاء هذا الشخص المتكلف سبحانك اللهم !!!

لا شك عندي ولا ريب أن التغني في الدعاء وتلحينه بدعة محرمة ينبغي تركها والابتعاد عنها وتحذير الناس من فعلها ومما يدل على بدعية هذا الأمر ما يلي :

1 ) أن الدعاء عبادة محضة والعبادة قد أمرنا الله تعالى بإتيانها على مراده جل وعلا وتكفل نبيه صلى الله عليه وسلم لتبيين ذلك كما قال تعالى ( وإنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )

والأصل براءة الذمة من التكاليف حتى ترد النصوص الشرعية والأوامر الإلهية لبيان مشروعية هذه العبادة وتكليف العبد بها ، قأما أصل الدعاء فقد ورد به النص من الكتاب فقال تعالى ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، وأما السنة فهي طافحة بالأمر بدعاء الله تعالى وسؤاله الحاجات وأن الدعاء من أنفع القربات

أما هذه الكيفية المحدثة _ وهي تلحين هذا الدعاء والتغني به _ فتحتاج إلى دليل مستقل لبيان مشروعيته إذ الأصل التوقف في هذا الأمر حتى يرد المقتضي للفعل ، فأما المقتضي للكف فهو وارد بقوله عليه السلام ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .

2 ) أن الدعاء كلام محض ، وهو من كلام الآدميين والأصل في كلام الآدميين عدم التلحين ، ومن ادعى خلاف هذا لزمه الدليل بل لا أظن أن أحدا يجرؤ لأن يقول خلاف هذا ، فالغناء والتغني أمر طارئ وزيادة كلفة وهو خلاف الأصل ، فمن قال بتلحين دعاء القنوت لزمه الدليل لأنه خروج عن أصل الكلام ، هذا في أصل الكلام عند البشر

أما كلامه عليه السلام فقد جاء ما يؤكد هذا فقد أخرج ابن سعد وأبو داود والبيهقي عن جابر رضي الله عنه قال : ( كان في كلام رسول الله تعالى ترتيل أو ترسيل )

والترسيل هو التأني في الكلام والترتيل هو إخراج الحرف من مخرجه وهذا ليس هو التغني والتلحين ففرق بن الترتيل والتلحين والتطريب

3 ) أن هذا التغني وهذا التطريب من الاعتداء الذي حرمه الله تعالى في الدعاء حيث قال سبحانه وتعالى ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( انه سيكون قوم يعتدون في الدعاء )

قال الكمال بن الهمام الحنفي رحمه الله ( مما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد 0000فاستبان أن ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان ) " فيض القدير للمناوي 1/229 "

4 ) أن فاعل هذا الأمر لا يفهم أو لم يعرف معنى الدعاء وما أريد به

قال ابن الهمام الحنفي :

( ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني )

وهذا الكلام صحيح فإن مقام الدعاء مقام تضرع وخوف ووجل لا مقام تطريب ونغم وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج لصلاة الاستسقاء خرج متواضعا متذللا متخشعا متضرعا مترسلا

قال في تحفة الأحوذي ( 3 / 108 ) : متضرعا أي مظهرا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة

وقال : متخشعا أي مظهرا للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل

وقد كان عليه السلام يظهر افتقاره في الدعاء وضعفه وعجزه وهذا من التوسل إليه سبحانه بالحال التي هو فيها كما توسل إليه نبي الله يونس عليه السلام فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) قال عليه السلام ( دعوة أخي ذي النون يونس ما دعى بها عبد مسلم إلا استجاب الله دعوته )

ولما دعى عليه السلام في الاستسقاء قال ( اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقرا 0000 فتوسل إلى الله تعالى بغناه وكمال أسمائه وصفاته وبفقره هو وحاجته وحاجة قومه وضعفهم

كذلك في دعاء الهم ( اللهم إني عبدك ابن عندك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك 000

وهذا النوع من التوسل مما لا يحصى كثرة مما قد جاءت النصوص الشرعية بالدلالة عليه

قال المناوي في الاعتداء في الدعاء : " والأصل فيه أن يتجاوز عن مواقف الافتقار " ( فيض القدير 4/ 130 )

5 ) أن التغني في الدعاء يصاحبه أمور منكرة كرفع الأصوات والترجيع والسجع والتطويل

فأما رفع الأصوات في الدعاء

فقد أنكره النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه كما ثبت في الصحيح عن أبي موسى أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا علونا على شرفا كبرنا فارتفعت أصواتنا فقال يا أيها الناس اربعوا على انفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعون أقرب إلى احدكم من عنق راحلته

وقال ابن جريج رحمه الله ( تفسير الطبري 8 / 207 ) : من الاعتداء رفع الصوت والنداء في الدعاء والصياح

وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال ( تفسير الطبري ( 8 / 206 ) : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر جاره وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول ادعوا ربكم تضرعا وخفية وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضي فعله فقال إذ نادى ربه نداء خفيا

وقال شيخ الإسلام في الاستقامة ( 1/322 ) : أن رفع الأصوات في الذكر المشروع لا يجوز إلا حيث جاءت به السنة كالأذان والتلبية ونحو ذلك فالسنة للذاكرين والداعين ألا يرفعوا أصواتهم رفعا شديدا كما ثبت في الصحيح عن أبي موسى أنه قال كنا مع رسول الله ص فكنا إذا علونا على شرف كبرنا فارتفعت أصواتنا فقال يا أيها الناس اربعوا على انفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعون أقرب إلى احدكم من عنق راحلته

وقد قال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين

وقال عن زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا

وقال تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين وفي هذه الآثار عن سلف الأمة وأئمتها ما ليس هذا موضعه كما قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة وكذلك نص عليه أحمد بن حنبل وغيره

وقال النووي رحمه الله في المجموع في دعاء الحاج بعرفة ( 8 / 126 ) : ويستحب أن يخفض صوته بالدعاء ويكره الإفراط في رفع الصوت

وقال في شرح مسلم : باب إستحباب خفض الصوت بالذكر إلافى المواضع التى ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها

وقال الألوسي في روح المعاني ( 8 / 139 ) : " وترى كثيرا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد وتستك المسامع وتستد ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين ، رفع الصوت في الدعاء وكون ذلك في المسجد "

وقال في عون المعبود عون المعبود ( 1/ 118 ) في تفسير الاعتداء في الدعاء :

والمراد بالاعتداء فيه المجاوزة الحد وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح

وفي فيض القدير ( 4 / 130 ) في تفسير الاعتداء " يعتدون في الدعاء " أي يتجاوزون الحدود يدعون بما لا يجوز أو يرفعون الصوت به

فالأصل في الدعاء خفض الصوت وعدم رفعه إلا في المواضع التي جاء الشرع بها كما قال النووي وغيره كأبي الحسنات اللكنوي في سباحة الفكر ، والداعي إذا رفع صوته في المواضع المشروعة فإنه لا يكون رفعا شديدا ولا مفرطا كما هو الحال اليوم .

وأما السجع

فقد كرهه السلف ونهوا عنه كما قال ابن عباس لمولاه عكرمة ( انظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب )

ولذا قال القرطبي بأن هذا السجع من موانع استجابة الدعاء قال رحمه الله ( الجامع 7 / 226 ) في أنواع الاعتداء في الدعاء : " ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظا مقفرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء

وقال الحافظ في فتح الباري 8 / 198 والاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو بطلب معصية أو يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف

وأما التطويل في الدعاء

فقد جاءت السنة في الترغيب عنه بل جاءت بالحث على الاقتصار على الجوامع والكوامل وترك الأدعية المطولة ، بل فهم السلف أن التطويل في الدعاء من الاعتداء فيه كما أخرج الإمام أحمد في المسند أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت بالله من شر كثير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين الأعراف وإن حسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ( جامع العلوم والحكم 2 / 533 _ 535 ) :

" وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يعجبه من الدعاء جوامعه

ففي سنن أبي داود عن عائشة قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك )

وخرجه البزار وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أيضا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة عليك بجوامع الدعاء اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه محمد عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ونبيك اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وأسألك ما قضيت لي من قضاء أن تجعل عاقبته رشدا )

وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وليس عندهم ذكر جوامع الدعاء وعند الحاكم ( عليك بالكوامل )

وذكره وخرجه أبو بكر الأثرم وعنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ( ما منعك أن تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه ) وذكر هذا الدعاء

وخرجه الترمذي من حديث أبي لبابه قال ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا فقلنا يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قال ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله تقولون اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله )

وخرجه الطبراني وغيره من حديث أم سلمة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء له طويل اللهم إني سألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره وظاهره وباطنه )

وفي المسند ( أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت بالله من شر كثير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين الأعراف وإن حسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ) ا.هـ

فانظر أخي المسلم إلى أدعية المصطفى صلوات الله عليه وسلامه كيف كان وجيزا قصيرا يليغا وانظر إلى ما أحدثه قراؤنا اليوم تجد أحدهم يقف ساعة كاملة يطرب الناس بدعائه هذا الطويل وما يدري أن الناس قد ملوه وودوا لو أنه قد توقف وسكت لأن التعب والوقوف قد أعياهم ، ولجهل كثير منهم يستحي أحدهم من الجلوس لأجل التعب أو يظن أن هذا غير جائز فأرهق نفسه وأضاع الخشوع من قلبه وحسه

وتجد التسجيلات الإسلامية تتهافت لتسجيل دعاء هذا القارئ كما تتهافت لتسيل كتاب الله تعالى بل ويصدرونه في إصدارات خاصة ، بل إن مما يروج أشرطتهم أن تكون مختومة بدعاء فلان …

أما دعاؤه عليه السلام فقد كان وجيزا قصيرا يخاف السآمة والملالة على أصحابه وذلك من رحمته عليه السلام ورأفته بالمؤمنين ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )

ولك أخي المسلم أن تعجب أخي كل العجب حين تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها ماذا تقول في ليلة القدر إن هي أريتها فقال عليه السلام قولي ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )

انظر أخي القارئ إلى هذا الدعاء ما أوجزه وأسهله وأجمعه وانظر إلى ما يصنعه قراؤنا اليوم في ليلة القدر التي تكون هي أطول ليلة في الدعاء عندهم أليست هذه مخالفة صريحة ومحادة واضحة للسنة النبوية ولو نظرت إلى أطول دعاء من أدعيته الصحيحة عليه السلام لما تجاوزت دقيقتين في ذكره

أما قراؤ اليوم فقد خاضوا في الدعاء من غير السبيل التي كان عليها المصطفى عليه السلام وولجوا فيه سكة غير سكته صلى الله عليه وسلم هذا والله قد أمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) وحذرنا من مخالفة أمره فقال ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )

وفي ختام هذا البحث أرجو من الإخوة الأفاضل أن يفيدوا بمشاركاتهم وأطروحاتهم وتوجيهاتهم فالمرء ضعيف بنفسه قوي بغيره ومن استبان له أن هذا هو الصواب فليعلم غيره ولينكر هذا المنكر الذي فشا وانتشر وليناصح من يستطيع مناصحته وإعلامه حتى تزول هذه البدعة ويخمد ذكرها وترتفع السنة ويبدو بين الناس بريقها وبركتها

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك