موقع القدس


الصفحة الرئيسية لموقع القدس
تاريخ القدس القديم |  قبل الإسلام |  الرومان والقدس |  منذ الفتح الإسلامي |  عهد الأمويين |  عهد الفاطميين |  الإحتلال الصليبي
عهد الأيوبيين |  عهد المماليك |  عهد العثمانيين |  العهد العباسي |  عهد الطولونيين |  الإحتلال البريطاني |  الإحتلال الصهيوني
الصحابة |  علماء وزهاد |  مؤرخون ورحالة |  نساء |  أدباء |  شخصيات فلسطينية وعربية
القدس في التاريخ |  مكانة القدس |  الموقع الفلكي |  كنيسة القيامة |  موقف العرب |  المقاومة |  برنامج القدس
دعم أمريكا لإسرائيل |  القضية الفلسطينية في قرنين |  إحصائيات عن اليهود |  الصهيونية
العهدة العمرية واللورد بالمرستون ونابليون والبيع لليهود ورد الشريف حسن ووعد برلفور
صور القدس 1 |  صور القدس 2 |  صور القدس 3 |  صور القدس 4 |  صور القدس 5 |  مواقع

1-أبو بكر الصديق:

هو عبد الله بنُ أبي قحافة؛ عثمان بنِ عامر بنِ كعب التّيْميّ القرشي، يكنى أبا بكر، ويلقّب بالصديق، وهو أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجال، ولد بمكة سنة 15 قبل الهجرة ـ 375م، ونشأ سيدًا من سادات قريش، وغنيًا من كبار مُوسِرِيهِمْ، وعالمًا بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها.

حَرّمَ على نفسه الخمر في الجاهلية، وكانت له في عصر النبوة أعظم المواقف؛ فشهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة 11 هـ، فحارب المرتدّين والممتنعين من دفع الزكاة، وافتتحت في أيامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق. وكان حليمًا خطيبًا لسنًا. وامتدت خلافته سنتين وثلاثة أشهر ونصف شهر.

توفي ـ رضي الله عنه ـ في المدينة سنة  31هـ ـ  436م.

 

2- أبو الدرداء

هـو عويمر بن عامر، بن زيد بن قيس بن أميّة بن مالك وكنيته أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي، وأمه هي محبَّة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة.

كان ـ رضي الله عنه ـ أقْنَى (أي: دقيق الأنف طويل أرنبته، مع حدب في وسطه)، أشْهَلَ (وهي حُمرة غالبةٌ في سواد العين، وهي صفةٌ غالبة في الأنصار)، يخضب بالصُّفرة، عليه قلنسوة وعمامة قد طرحها بين كتفيه.

تأخر إسلام أبي الدرداء، فكان آخرَ أهلِ دارِه إسلامًا، وحَسُنَ إسلامُه.

وقد صار بعد إسلامه فقيهًا عاقلاً حكيمًا، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه: "عُوَيْمر حكيمُ أمتي".

قال ابن حبان: ولاه معاوية قضاء دمشقَ في خلافة عمر، وقيل : ولي أبو الدرداء قضاء دمشق في خلافة عثمان.

 

أبو الدرداء من كرام الصحابة من الأنصار، شهد التمزق الذي أصابت به الجاهلية قومه من الخزرج والأوس، وكان يسمع بحديث اليهود عن النبي الذي قد أظل زمنه، ورأى قومَه من أهل يثرب يسارعون إلى نصرة هذا النبي والإيمان به حين دعاهم إلى دينه، وأعلنوا له استعدادهم لحمايته إن انتقل إلى بلدهم.

ومع أن أبا الدرداء لم يسارع بالإيمان كما فعل قومه، إلا أنه أدرك حظه وأسلم ليشارك في الصراع بين الإسلام والجاهلية في جزيرة العرب، كما شارك المسلمين في الشام جهادهم ضد الروم، حتى انتصر المسلمون، واستقر لهم الأمر في الشام، كما استقر في العراق وفارس ومصر.

 

شهد أبو الدرداء أُحُدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل: إنه لم يشهد أُحُدًا، وأول مشاهده الخندق، وقد أبلى بلاء حسنا جعل الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم يثني عليه بقوله: "نعم الفارس عويمر".

كما شهد ـ رضي الله عنه ـ الفتوح العظيمة في الشام، والتي تُوِّجت بفتح بيت المقدس.

 

أخرج البخاري عن أبي جحيفة قال: آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ـ رضي الله عنهما ـ فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء ـ رضي الله عنها ـ مُبْتَذلة (مُهْملة في هيئتها)، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء وصنع له طعامًا فقال: كل يا سلمانُ فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَمْ، فلما كان من آخر الليل قال سلمانُ: قم الآنَ، فصَلَّيَا، ثم قال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذِي حق حقَّه، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر ذلك له، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ سلمانُ.

 

شهد أبو الدرداء فتح المدينة المقدسة صُلحًا على يد عمر بن الخطاب وكوكبة من كبار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وكان قد سبق ذلك بالجهاد مع جيوش المسلمين في الشام.

وقد مات أبو الدرداء قبل زوجته أم الدرداء الصغرى، فكانت تأتي من دمشق  حيث دُفن زوجها - إلى بيت المقدس فتقيمُ به شهورًا، تجالس المساكين وتعبد ربها، وتطيل القيام حتى تضعف فتتعلق بحبال.

 

وفاته:

توفي أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ بدمشق في خلافة عثمان ـ رضي الله عنه ـ قبل وقوع الفتنة بسنتين في الأصح والأشهرِ عند أهل العلم.

 

3- أبو ذر الغفاري:

هو جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، من كنانة بن خزيمة، كنيته أبو ذر: من كبار الصحابة، أسلم قديمًا، يقال: إنه أسلم بعد أربعةٍ وكان خامسًا. كان كريمًا لا يَدّخر من المال قليلاً ولا كثيرًا، وهو أول مَنْ حيَّا رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتحية الإسلام.

هاجر بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بادية الشام، فأقام إلى أن تُوفي أبو بكر وعُمر وولي عثمان، فسكن دمشق، وكان يرى أنْ يشارك الفقراءُ الأغنياءَ في أموالهم، فاضطرب الأغنياء، وشكاه معاوية والي الشام إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فاستقدمه عثمانُ إلى المدينة، فقدِمَها، وأخذ يُقَبِّح منعَ الأغنياء أموالَهم عن الفقراء، فَعَلَتْ منه الشكوى، فطلب منه عثمان أن يَرحل إلى الرَّبَذَةِ؛ من قرى المدينة، فسكنها إلى أنْ مات بها سنة 32هـ ـ 652م، ولما مات لم يكن في داره ما يُكفَّن به.

رَوَى له البخاري ومسلم 281 حديثًا.

 

4- أبو عبيدة بن الجراح

هو عامـر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحـارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة، يُكْنَى أبا عبيدة، واشتهر بكنيته ونسبه إلى جده، فيقال: أبو عبيدة بن الجراح.

كان أبو عبيدة من السابقين إلى الإسلام، ذكر ابن سعد أنه أسلم هو وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد في ساعة واحدة قبلَ دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دارَ الأرقم.

وهاجر ـ رضي الله عنه ـ إلى الحبشة الهجرةَ الثانيةَ، ولما هاجر إلى المدينة آخى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين أبي طلحة الأنصاري، أو سعد بن معاذ.

وكان أبو عبيدة ـ رضي الله عنه ـ يُدعَى القويّ الأمين. وهو أحد العشرة المبَشَّرين بالجنة.

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" (أخرجه أحمد).

وعن عبد الله بن شقيق قال: سألْتُ عائشةَ: مَنْ كان أحبَّ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة بن الجراح.

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند مرسل أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول ألا رُبَّ مُبيِّضٍ لثيابه وهو مُدَنِّسٌ لدينه، ألا رُبَّ مُكْرِمٍ لنفسه وهو لها مهين غدًا، ادفعوا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات.

 

قضى أبو عبيدة قسطًا من حياته في الجاهلية، ثم أرسل الله ـ تعالى ـ خاتمَ أنبيائه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فآمن به، وشارك النبيَّ والصحابةَ جهودهم العظيمة في نشر الإسلام وتبليغه للناس. وكان الصراع بين الإسلام والجاهلية في هذا الوقت محتدما، سواء في جزيرة العرب أم في فارس أم في الشام ومصر، وشهد أبو عبيدة حسم الموقف لصالح الإسلام في معظم هذه الأماكن.

 

شهد أبو عبيدة بن الجراح بدرًا والمشاهدَ كلَّها، وثبت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أُحُدٍ، ونَزَعَ يومئذ بأسنانه الحلقتين اللتين دخلتا في وَجْنَةِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حلق المغفر، فوقعت ثَنِيَّتَاهُ.

وحين تولَّى أبو بكر الخلافة دفع إلى الشام بأربعةِ جيوشٍ، أعطى أبا عبيدة القيادة العامة لها. فكان فتحُ أكثرِ الشام على يده؛ وفي يوم اليرموك كان خالد قائدا عاما بعد مقدمه من العراق، بينما كان أبو عبيدة على قلب الجيش، فلما تقارب الخَصمان تقدم أبو عبيدة فى نفر من المسلمين، وعرضوا الإسلامَ على خصومهم؛ وإلا فالجزية، أو الحرب، فأبَوْا إلا الحرب.. ودارت رحى معركة طاحنة نصر اللهُ فيها المسلمين نصرًا عزيزًا.

 

أخرج أحمد بسنده، عن مُسْلِمِ بْنِ أُكَيْسٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: ذَكَرَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ فَقَالَ: نَبْكِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَكَرَ يَوْمًا مَا يَفْتَحُ الله عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُفِيءُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى ذَكَرَ الشَّامَ، فَقَالَ: إِنْ يُنْسَأْ فِي أَجَلِكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ فَحَسْبُكَ مِنَ الْخَدَمِ ثَلاثَةٌ: خَادِمٌ يَخْدُمُكَ، وَخَادِمٌ يُسَافِرُ مَعَكَ، وَخَادِمٌ يَخْدُمُ أَهْلَكَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَحَسْبُكَ مِنَ الدَّوَابِّ ثَلاثَةٌ: دَابَّةٌ لِرَحْلِكَ، وَدَابَّةٌ لِثَقَلِكَ، وَدَابَّةٌ لِغُلامِكَ، ثُمَّ هَذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِي قَدِ امْتَلأَ رَقِيقًا، وَأَنْظُرُ إِلَى مِرْبَطِي قَدِ امْتَلأَ دَوَابَّ وَخَيْلاً، فَكَيْفَ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعْدَ هَذَا! وَقَدْ أَوْصَانَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْ لَقِيَنِي عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الَّذِي فَارَقَنِي عَلَيْهَا.

وأخرج ابن عساكر عن مسلم قال: بعث أبو بكر إلى أبي عبيدة ـ رضي الله عنهما ـ هَلُمَّ حتى أستخلفَك، فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة. فقال أبو عبيدة: ما كنت لأَقْدُمَ رجلاً أَمَرَهُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يَؤُمَّنَا.

 

لم يكن دور أبي عبيدة في فتح الشام يسيرًا، فقد كان ـ رضي الله عنه ـ القائدَ العام لجيوش المسلمين، والموجِّهَ لها في هذه المنطقة المهمة من العالم، حتى انْضوى جُلّ الشام تحت لواء المسلمين.

وفي رواية الواقدي أن الجيوش التي حاصرت بيت المقدس قبيل الصلح كانت تحت قيادة أبي عبيدة مباشرةً، وأن بطريرك بيت المقدس لم يراسل عمرو بن العاص في الصلح ـ كما هي الرواية المشهورة ـ وإنما راسل أبا عبيدة، وطالبه باستدعاء أمير المؤمنين عمر لتسلم مفاتيح المدينة المباركة.

وفي الركب الفاتح لبيت المقدس كان أبو عبيدة في صحبة أمير المؤمنين عمر، حيث شهد هذا الموقف التاريخي الكبير، بل كان أحد الشهود على كتاب الصلح الذي كتبه المسلمون لأهل المدينة من النصارى، والمسمى بـ"العهدة العُمَريّة".

 

وفاته:

قال عروة بن رويم: إن أبا عبيدة بن الجراح انطلق يريد الصلاةَ ببيت المقدس، فأدركه أجلُه بِفِحْل، فتوفي بها، وأوصى أن يُدفن حيث يموت.

وقيل: توفي بعَمَوَاسَ في الطاعون سنة ثمان عشرة، وعمره ثمان وخمسون سنة. وصلى عليه معاذُ بنُ جبلٍ.

 

5- أبو هريرة:

هو عبد الرحمن بن صخر الدَّوْسِيّ، الملقب بأبي هريرة: صحابي، كان من أكثرهم حفظًا للحديث وروايةً له. ولد سنة 21 قبل الهجرة ـ 602م تقريبًا، ونشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، ثم قدم المدينة ورسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ، ولازم النبي، وروت له كتب الحديث الشريف 5374 حديثًا، نقلها عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل بين صحابي وتابعي.

ولي إمرة المدينة مدةً. ولما صارت الخلافة إلى عُمر استعمله على البحرين، ثم رآه لَيِّنَا مشغولاً بالعبادة، فعزله. وبعد زمن أراد توليته، فأبَى. وكان أكثرُ مُقامِ أبي هريرة في المدينة. وكان يفتي.

وقد جمع شيخُ الإسلام تقي الدين السبكي جزءًا سُمي "فتاوى أبي هريرة".

توفي ـ رضي الله عنه ـ في المدينة سنة 59هـ ـ 679م.

 

6- أسامة بن زيد:

هو أسامة بن زيد بن حارثة، يكنى أبا محمد. وهو صحابي جليل. ولد بمكة سنة 7  قبل الهجرة ـ  516م، ونشأ على الإسلام؛ إذْ كان أبوه من أول الناس إسلامًا، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبه حبًا جمًا، وينظر إليه نَظَرَهُ إلى سِبطَيْهِ: الحسن والحسين.

هاجر مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، وأمّره رسولُ الله قبل أن يبلغ العشرين من عمره فكان مُظفَّرًا موفّقًا. ولما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحل أسامة إلى وادي القرى فسكنه، ثم انتقل إلى دمشق في أيام معاوية، فسكن المِزَّة، وعاد بعدُ إلى المدينة فأقام إلى أن مات بالجرف في آخر خلافة معاوية سنة45 هـ ـ 476م. له في كتب الحديث 821 حديثًا. وفي تاريخ ابن عساكر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعمل أسامة على جيش فيه أبو بكر وعمر.

 

7- بلال بن رَباح

هو بلال بن رَباح الحبشي، يُكنى: أبا عبد الكريم، وقيل: أبا عبد الله، وهو مولى أبي بكر الصّدِّيق.

أسلم ـ رضي الله عنه ـ قديما، فكان أمية بن خلف يعذّبه، ويتابع عليه العذاب، فأعتقه أبو بكر ـ رضي الله عنه.

عن عبد الله بن مسعود قال: كان أولَ مَنْ أظهر إسلامه: رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمَّار وأُمّه سُميّة وصهيب وبلال والمِقداد؛ فأما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالٌ؛ فإنه هانت عليه نفسُه في الله ـ عز وجل ـ وهانَ على قومه فأعطَوْه الوِلْدان، فأخذوا يطوفون به شعاب مكة، وهو يقول أحد أحد. [رواه الإمام أحمد].

وكان بلال ـ رضي الله عنه ـ يؤذن لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته سَفَرًا وحَضَرًا، وهو أول مَنْ أَذَّنَ له في الإسـلام.

 

شهد بلال بدرًا وأحُدًا والمشاهدَ كلها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم استأذن أمير المؤمنين عمر في أن يخرج إلى الشام ليجاهد، وقال: سمعت رسول الله يقول: "يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله"، وأذَّن لعمر بن الخطاب مرةً واحدةً لما دخل الشام ليتسلم بيت المقدس، فبكى وأبكى الناس.

 

عن عبد الله بن بُرَيدة قال: سمعتُ أبي بريدة يقول: أصبح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعا بلالاً، فقال: يا بلال، بم سبقْتَني إلى الجنة؟ ما دخلتُ الجنة قط إلا سمعت خشخشتَك (أي صوت نعليك وأنت تمشي) أمامي، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك.. قال: ما أحدثْتُ إلا توضأت وصليت ركعتين. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: بهذا". أخرجه أحمد في مسنده.

ورأى بلالٌ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد وفاته في المنام وهو يقول: "ما هذه الجَفْوة يا بلال؟ ما آنَ لك أن تزورَنا"؟ فانتبه حزينًا، فركب إلى المدينة فأتى قبرَ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبّلهما ويضمّهما، فقالا له: نشتهي أن تؤذّن في السَّحَر، فعلا سطح المسجد، فلما قال: "الله أكبر، الله أكبر" ارتجّت المدينة، فلما قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" زادت رجَّتها، فلما قال: "أشهد أن محمدًا رسول الله" خرج النساء من خدورهن، فما رُئِيَ يوم أكثرَ باكيًا وباكية من ذلك اليوم.

 

بلال من مشاهير الصحابة الذين دخلوا مدينة بيت المقدس المباركة، وشهد فتحها، وصلى في المسجد الأقصى.

 

وفاته:

مات بدمشق ـ وقيل بحلب ـ سنة عشرين، وقيل: سنة ثماني عشرة، وهو ابن بضع وستين سنة.

وقال علي بن عبد الرحمن: مات بلال بحَلَب ودفن على باب الأربعين. وجاء في الإصابة: قال ابن بُكَيْر: مات في طاعون عَمَوَاسَ.

 

8- تميم بن أوس الداري

هو الصحابي تميم بن أوس بن خارجة، يُكْنَى بأبي رقيّة.

كان نصرانيًّا، فقدِم المدينة وأسلم سنة تسعٍ هو وأخوه نعيم، وأقْطَعَه رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قريةَ حَبرون "الخليل" بفلسطين.

قال أبو نَعيم: كان راهبَ أهل فلسطين، وعابدَهم، وهو أول من أسرج السراج في المسجد. وكانت له صُحبة، وغزا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم. وكان كثير التهجد، وذُكِرَ أنه قام ليلة بآية حتى أصبح هي قول الله ـ تعالى: (أَمْ حَسِبَ الذين اجْتَرَحُوا السيئاتِ أن نجعلَهم كالذين آمنوا وعَمِلوا الصالحاتِ سواءً مَحْيَاهُمْ ومَمَاتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ).

وقد صحب تميمٌ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغَزَا معه، وروى عنه، وأورد له البخاري ومسلم ثمانية عشر حديثًا.

ولم يزل بالمدينة حتى تَحَوَّلَ إلى الشام بعد مقتل عثمان ـ رضي الله عنه.

وكان يَحذر زلَّة العالِم؛ فإن الناس يقتدون به وإنْ تاب بعد ذلك.

 

قال رَوْح بن زِنْباع: دخلتُ على تميمٍ وهو أمير بيت المقدس، وهو يُنَقِّي لفرسه شعيرًا، ثم قام به حتى يعلفه عليه، فقلت له: ما عندك مَنْ يكفيك هذا؟ فقال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "من نَقَّى لفرسه في سبيل الله شعيرًا، ثم قام به حتى يعلفه عليه كُتب له بكل شعيرة حسنة".

 

عاش تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ بالقدس، وكان أميرًا عليها حينًا من الدهر.

 

وفاته:

توفي تميم بقرية من قرى الشام عام أربعين من الهجرة.

قال ابن حبان: مات بالشام، وقبرُه ببيت جَبْرين من بلاد فلسطين. وبيت جبرين هذا العصر هي قرية من قرى القدس نفسها.

 

9- جعفر بن أبي طالب:

هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم: صحابي هاشمي، يقال له: "جعفر الطيّار"، وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وكان أسنّ من عليّ بعشر سنين، وهو من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم ويدعو فيها، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلم يزل هنالك إلى أن هاجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، فقدم عليه جعفر وهو بخيبر سنة  7هـ، وحضر وقعة مؤتة بالبلقاء من أرض الشام، ثم وقع شهيدًا وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، وذلك سنة  8هـ ـ 926م، فقيل: إن الله عوضه عن يديه اللتين قُطعتا جناحين في الجنة.

 10- الحسن بن علي:

هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو محمد: ولد في المدينة المنورة سنة  3هـ ـ 426م، وأمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أكبر أولادها وأولهم. كان عاقلاً حليمًا محبًا للخير، فصيحًا من أحسن الناس منطقًا وبديهة، حج عشرين حجة ماشيًا. ودخل أصبهان غازيًا مجتازًا إلى جرجان، ومعه عبد الله بن الزبير. بايعه أهل العراق بالخلافة بعد مقتل أبيه الإمام علي سنة 04هـ، وأشاروا عليه بالمسير إلى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان، فأطاعهم وزحف بمن معه، وبلغ معاويةَ خبرُه، فقصده بجيشه، وتقارب الجيشان بناحية من الأنبار، فهالَ الحسنَ أنْ يقتتل هذان الجيشان المسلمان العظيمان، فكتب إلى معاوية يشترط شروطًا للصلح، ورضي معاوية، فخلع الحسنُ نفسه من الخلافة وسلم الأمر لمعاوية سنة 14هـ، وسمي هذا العام "عام الجماعة"؛ لاجتماع كلمة المسلمين فيه.

وانصرف الحسن إلى المدينة حيث أقام إلى أن توفي سنة 05 هـ ـ 076م.

كانت مدة خلافة الحسن ستة أشهر وخمسة أيام. ووُلد له أحد عشر ابنًا، وبنتٌ واحدة، وإليه نسبة الحسنيين كافة. وكان نقش خاتمه: "الله أكبر وبه أستعين".

 

11- خالد بن الوليد

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سليمان، القرشي المخزومي.

أمه لبابة الصغرى، بنت الحارث بن حَزْن الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم، ولبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب.

أسلم ـ رضي الله عنه ـ سنة ثمانٍ، حين قَدِمَ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدريّ، فلما رآهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه: رمَتْكم مكةُ بأفلاذِ كبدِها.

قال خالد: قدمنا المدينة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولَ يوم من صفر سنة ثمان، فلما طلعتُ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سلمت عليه بالنبوة، فردّ عليّ السلام بوجهٍ طلق، فأسلمت، فقال: قد كنتُ أرى لك عقلاً رَجَوْتُ ألا يُسلمك إلا إلى خير.

وبايعْتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقلت: استغفر لي كل ما أوضعْتُ فيه من صدٍّ عن سبيل الله، فقال: إن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، ثم استَغْفَرَ لي، وتقدم عمرو، وعثمان بن طلحة فأسلما، فوالله ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يوم أسلمتُ يَعْدِلُ بي أحدًا من أصحابه فيما يحزبه (أي: يُهِمّه).

 

قضى خالد فترة من حياته في الجاهلية ثم أسلم فصار من أهم قادة الجيوش في عصر النبوة والخلافة الراشدة، بل هو أمهر الصحابة في القتال وأعلمهم بقيادة الجيوش.

استوعب العصرُ الذي عاش فيه خالد بن الوليد موهبته العسكرية الفذة بصورة طيبة، فقد كان الصراع الحاد بين الإسلام والجاهلية محتدما، كما أصاب القلقُ فارس والروم بسبب الطفرة التي وقعت لجيرانهم العرب بعد اعتناقهم الإسلام، وتحوُّلهم من قوى متنازعة لا خطر ولا قيمة لها إلى قوة واعدة متكاتفة تحمل للدنيا رسالة ومبادئ.

كان هذا الجو مناسبا لشخصية خالد بن الوليد، خاصة مع وجود توظيف دقيق ورائع للقدرات في الدولة الإسلامية..

كذلك كان الإسلام يسعى إلى تكسير الأطواق التي أحاط بها الأكاسرة والقياصرة وزعماءُ القبائل شعوبَهم وقبائلَهم ـ فعل الإسلام ذلك ليتيح للشعوب أن تسمع صوت الهدى، وتؤمن به إن شاءت. وكان خالد بن الوليد واحدا من الفاعلين بقوة في هذا المُنَاخ.

عن قيس بن أبي حازم قال: قال خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه: ما ليلةٌ تُهْدَى إلى بيتي فيها عروسٌ أنا لها مُحِبّ، وأُبَشَّرُ فيها بغلام، بأحبَّ إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّح بها العدو".

 

بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خالد بن الوليد في عدة سرايا، وشهد مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتْح مكة، وبعثه لهدم صنم مضر "العُزَّى" وإزالةِ معبدها، وخرج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين وتبوك ويوم حجة الوداع، فلما حلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسَه أعطاه شعر ناصيته، فجعلها في مقدم قلنسوته..

ويوم حنين كان خالد على مقدِّمة جيش رسول الله في بني سُلَيم، فجُرح، فزاره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونَفَثَ في جُرْحه فَبَرَأ، وأرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صاحب دُومة الجندل، فأسره خالد وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية وردَّهُ إلى بلده، وأرسله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب، فقَدِمَ معه رجال منهم فأسلموا، ورجعوا إلى قومهم بنجران.

وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصَبَرَتْ في يدي صفيحة لي يمانية.

وأخرج البيهقي عن البراء ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام..

وكان لخالد الأثر العظيم في قتال الفرس بالعراق والروم بالشام، وقد افتتح دمشق.

 

عن عبد الملك بن عمير قال: استعمل عمرُ أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالدَ بن الوليد، فقال خالد بن الوليد: بُعِث عليكم أمينُ هذه الأمة، إني سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة".

وعن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله منزلا فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله: مَنْ هذا يا أبا هريرة؟ فأقول: فلان، فيقول: نِعْمَ عبدُ الله هذا، حتى مر خالد بن الوليد، فقال: من هذا؟ قلت: خالد بن الوليد، فقال: نعم عبد الله خالد بن الوليد؛ سيفٌ من سيوف الله".

 

كان لخالد بن الوليد دور بارز في جولات القتال مع الفرس والروم، وفي الشام أسهم بقوة في كسر شوكة الروم وانتزاع العديد من المدن من أيديهم؛ مثل دمشق وقنسرين، مما مهد لانسحاب الروم فيما بعد من بيت المقدس، وعَرْض أهلها الصلحَ على المسلمين، فأقبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لاستلام المدينة من بِطْرِقها، وفي صحبته كوكبةٌ من الصحابة منهم خالد بن الوليد، الذي كان أحد شهود العهدة العمرية التي كتبها المسلمون لأهل بيت المقدس.

 

وفاته:

لما حَضَرَتْ خالدَ بن الوليد الوفاةُ أوصى أن يكون فرسُه وسلاحُه في سبيل الله، ودارُه بالمدينة صدقة، وأوكل إنفاذَ وصيتِه إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ وقال: لقد شَهِدْتُ مائةَ زحفٍ أو زُهَاءَها، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمْيَةٌ، وها أنا أموت على فراشي كما تموت العِيرُ، فلا نامت أعينُ الجبناء، وما مِنْ عمل أرْجَى من لا إله إلا الله وأنا مُتَتَرِّسٌ بها".

ثم تُوفي ـ رحمه الله ـ بقرية على بُعد ميل من حِمْصَ بالشام، سنة إحدى وعشرين للهجرة (21هـ) في خلافة عمر بن الخطاب.

 

12- دحية الكلبي

هو الصحابي دِحْيَةُ بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبيّ، كان يُضرب به المثل في حُسن الصورة. بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام.

شهد دحية ـ رضي الله عنه ـ كثيرًا من المشاهد، وفي اليرموك كان على رأس كردوس (أي فرقة) من الجيش. ثم نزل دمشق وسكن المِزَّة وعاش إلى خلافة معاوية.

 

13- زيد بن حارثة:

هو زيد بن حارثة بن شراحيل (أو شرحبيل) الكلبيّ؛ الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه ـ اختُطِف في الجاهلية صغيرًا، واشترتْه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ فوهبته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين تزوجها، فتبنّاه النبي قبل الإسلام، وأعتقه وزوّجه زينب بنت عمته. وظل الناس يسمونه زيد بن محمد حتى نزل قول الله ـ تعالى: "ادْعُوهم لآبائِهم..".

وهو من أقدم الصحابة إسلامًا. وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يبعثه في سَرِيّة إلا أمّره عليها، وكان يحبه ويقدمه. وجعل له الإمارة في غزوة مُؤْتَةَ، فاستُشهد فيها سنة  8هـ ـ 926م.

 

14- سعد بن أبي وقاص:

هو سعد بن أبي وقاص، مالكِ بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزُّهْرِيّ، كنيته أبو إسحاق: وهو صحابي جليل، قاد الجيوش ففتح العراق ومدائن كسرى. وهو أحد الستة الذين عينهم عمر للخلافة، وأول مَنْ رمى بسهم في سبيل الله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ويقال له فارس الإسلام.

ولد سنة 23 قبل الهجرة ـ 600م. وأسلم وهو ابن سبعة عشر عامًا، وشهد بدرًا، وكَسَرَ الفُرس في القادسية، ونزل أرض الكوفة فخطها، وابتنَى بها دارًا فكثُرَت الدور فيها. وظل واليًا عليها مدة عمر بن الخطاب. وأقرّه عثمان زمنًا، ثم عزله استرضاءً لأهلها، فعاد سعد إلى المدينة، فأقام قليلاً، وفقد بصره، ثم مات بالعقيق، على عشرة أميال من المدينة سنة 55 هـ ـ 675م، وحُمل إليها.

وسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ ممن زاروا القدس وصلَّوا في مسجدها. وله في كتب الحديث 271 حديثًا.

 

15- سعيد بن زيد:

هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ القرشيّ، أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة.، كان أبوه أحد الحنفاء العُباد.

ولد سعيد بمكة سنة 22 قبل الهجرة ـ 600 م، وأسلم مبكرا، وهاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، إلا بدرًا، فقد كان غائبًا في مهمة أرسله لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم.

كان من ذوي الرأي والبسالة؛ شهد اليرموك وحصار دمشق. وولاه أبو عبيدة عليها. وهو ممن نزلوا القدس، فصلوا في مسجدها. وله في كتب الحديث 48 حديثًا.

توفي بالمدينة سنة 51هـ ـ 671م.

 

16- شداد بن أوس

هو شداد بن أوس بن ثابت الخزرجيّ الأنصاريّ النجاريّ المدنيّ، ابن أخي حسان بن ثابت شاعـر النبي ـ صلى الله عليه وسلم. يُكنى بأبي يَعْلَى. وأمُّه من بني عـديّ بن النجار.

كان شدادٌ ـ رضي الله عنه ـ معدودا في الزهاد، قال المفضل بن غسان: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد.

وعن أسد بن وداعة أن شداد بن أوس كان إذا أخذ مضجعه من الليل كالحبة على المقلى، فيقول: "اللهم إن النار قد حالت بيني وبين النوم، ثم يقوم، فلا يزال يصلي حتى يصبح". وقال سعيد بن عبد العزيز: فُضِّل شداد بن أوس الأنصاري بخصلتين: تِبْيَانٍ إذا نطق، ويكظم إذا غضب.

وعن سفيان بن عيينة قال: قال عبادة بن الصامت: "مِنَ الناسِ مَنْ أُوتي علمًا ولم يُؤْتَ حلمًا، ومنهم مَنْ أُوتي حلمًا ولم يُؤْتَ علمًا، ومنهم مَنْ أُوتي علمًا وحلمًا، وإن شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم والحلم".

ولاه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على حِمْصَ.

 

17- شُرَحْبِيلُ بنُ حَسَنَةَ:

هو شُرَحْبِيلُ بنُ عبد الله بن المطاع، الكِنْدِيّ؛ حليفُ بني زُهرة: صحابي من القادة. ولد سنة 05 قبل الهجرة ـ  475م. ويُعرف بشُرَحْبِيلَ بنِ حَسَنَةَ؛ وهي أُمّه.

أسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وغزا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأوفده رسولاً إلى مصر، وتوفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرحبيل بمصر، ثم جعله أبو بكر أحد الأمراء الذين وجههم لفتح الشام، فافتتح الأردنّ كلَّها عَنْوةً، إلا طبريّة فإن أهلها صالحوه، وذلك بأمر من أبي عبيدة.

توفي شرحبيل ـ رضي الله عنه ـ بطاعون عَمَوَاسَ سنة  81هـ ـ 936م.

 

18- أم المؤمنين صفية بنت حُيَيّ

هي صفية بنت حيي بن أخطب بن سَعْيَة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ناخُوم، وهم من بني إسرائيل من سِبْطِ لاوِي بن يعقوب، ثم من ولد هارون بن عِمران، أخي موسى ـ عليهم السلام.

أمها هي بَرّة بنت سَمَوْءَل. وكانت صفية زوجًا لسلام بن مشكم اليهودي، ثم مات عنها فتزوجها كنانة بن أبي الحُقَيق ـ وهما شاعران ـ فقُتِل عنها كنانة يوم خيبر، وصارت صفية مع السَّبْي، فاصطفاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخَيَّرها بين أن يعتقها فترجع إلى مَنْ بقي من أهلها، أو تُسلم وتكون زوجة له، فأسلمت، وأعتقها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتزوجها سنة سبعٍ من الهجرة.

وقد رَوت الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورَوى عنها ابنُ أخيها، ومَوْلَيَاها: كنانة، ويزيد بن مُعتَّب، وزين العابدين علي بن الحسين.

 

أم المؤمنين صفيّة هي ابنة حيي بن أخطب؛ أخطر زعماء اليهود في المدينة، وقد أثَّرت أحداثُ العصر في مسار حياتها بصورة حاسمة، إذ كانت المؤامرات اليهودية تدفع المسلمين ـ في صراعهم مع الجاهلية بكل ألوانها ـ إلى تأديب المتآمرين، ووقعت في ذلك وقائع، منها غزوة خيبر، التي تحولت حصونها إلى مراكز للإضرار بالمسلمين ودينهم. ومن نتائج هذه الغزوة وقوع السيدة صفيّة في الأسْر، وهي ابنة حُيَيّ زعيم بني النضير، وزوجة زعيم خيبر كنانة بن أبي الحقيق، فأكرمها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعلها عنده، ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت، ثم تزوجها ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتصير واحدة من أمهات المؤمنين.

وعاصرت السيدة صفية الامتداد العظيم للإسلام في أرجاء الدنيا، كما عاصرت أحداث الفتنة بآلامها، وبقيت إلى أن تولى معاوية الخلافة واستقرت له الأمور.

 

رُوي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل على صفية وقد بلغها عن حفصة وعائشة أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منكِ؛ نحن أزواجه وبنات عمه. فذكرتْ ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "ألا قلتِ: وكيف تكونان خيرًا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى" ؟‍!

وروت عائشة: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في سفر، فاعتلَّ بعيرٌ لصفية، وفي إبل زينب بنت جحش فضلٌ، فقال لها: إن بعيرًا لصفية اعتلّ فلو أعطيتها بعيرًا؟ فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟! فتركها رسول الله ذا الحجة والمحرم؛ شهرين أو ثلاثة لا يأتيها، قالت زينب: حتى يئسْتُ منه.

ورَوَى البخاري في صحيحه عن الزهْرِي قال: أخبرني علي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ أن صفية زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبرتْه أنها جاءت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان؛ فتحدثت عنده ساعةً، ثم قامت..  فقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معها ـ يردّها إلى دارها ـ حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مرّ رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم : على رِسْلِكُما، إنما هي صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبُرَ عليهما، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا.

 

قدِمت أم المؤمنين صفية ـ رضي الله عنها ـ بيت المقدس، وصلّتْ فيه، وصعدت جبل طُور زيتا، وصلتْ عليه، وقيل: إنها قامت على طرف الجبل، وقالت: مِنْ هاهنا يتفرق الناس يوم القيامة إلى الجنة والنار.

 

وفاتها:

توفيت ـ رضي الله عنها ـ في رمضان سنة خمسين بالمدينة المنورة ، وذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ودفنت بالبقيع.

 

19- عُبَادة بن الصَّامِتِ:

هو الصحابي الجليل عُبادة بن الصامت بن قيس بن أَصْرم بن فِهْر الخزرجيّ الأنصاريّ، كنيتُه أبو الوليد.

وأمّه قُرّة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العَجْلان.

وُصف عُبادة بأنه كان طُوالاً جميلاً. وكان نقيبًا على قوافل بني عوف بن الخزرج، وقد تفقّه في دين الله حتى بلغ مبلغًا عظيما؛ فعن يَعْلَى بن شداد قال: ذَكَرَ معاويةُ الفرارَ من الطاعون، فذكر قصة له مع عُبادة، فقام عند المنبر بعد صلاة العصر، فقال: الحديثُ كما حدثني عُبادة، فاقتبِسُوا منه فهو أفْقَهُ منّي.

وله مع معاويةَ مواقفُ أنْكر عليه فيها أشياءَ، رجع معاويةُ في بعضها لقوله، وفي بعضها شكاه إلى عثمان؛ مما يدل على قوته في دين الله وقيامِه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لأئمة المسلمين.

 

في خير جيلٍ عاش عبادةُ بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ فهو صحابي من خيرة صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جيلِ العُدُول الثقات الذين خصَّهم الله بعظيمِ الثناء في القرآن الكريم، عاش عُبادة في كَنَفِ نبي اللهِ يتعلم منه ويجاهد معه بسيفه، إعلاءً لكلمة الحق حتى كان للإسلام النصرُ المبين؛ فانتصر المسلمون في بدر، وقهر اللهُ الأحزاب يوم الخندق، وفتح للمسلمين مكةَ فتحًا مبينًا، وتوالَتْ الانتصاراتُ في عهد الخلفاء الراشدين حتى دانت الجزيرة كلها للإسلام، الذي انبسط سلطانه على فارس والشام ثم مصر، وشارك عبادة في ذلك مشاركة بارزة.

 

كان عبادة ـ رضي الله عنه ـ ممن بايع بيعتي العَقَبَةِ الأولى والثانية؛ فعنه ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا أحدَ عشر رجلا في العقبة الأولى، فبايعْنَا رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يُفْرَض علينا القتال، على أن لا نُشركَ بالله شيئا ولا نَسرقَ ولا نَزنيَ ولا نأتيَ ببُهتان نفترِيه بين أيدينا وأرجلِنا ولا نقتلَ أولادَنا ولا نعصيَه في معروف، فمَنْ وَفَى فله الجنة، ومن غَشَّ شيئًا فأمْرُه إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له..

وقد شهد بدرًا وأُحُدًا والخندقَ والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.

قال ابن يونس: وشهد فتْح مصر، وكان أميرَ ربع المدد.

ولما فتـح المسلمون الشامَ أرسله عمـر بن الخطاب، وأرسل معه معاذَ بن جبل وأبا الدرداء، ليعلّموا الناس القرآن، ويفقهوهم في الدين، فأقام أبو الدرداء بدمشق، ومضى معاذ إلى فلسطين، وأقام عُبادة بحمصَ، ثم صار بعدُ إلى فلسطين.

 

رَوَى ابنُ إسحاق عن عُبادة بن الوليد بن عُبادة بن الصامت قال: لما جَاهرَ بنو قينقاع بالعداء للمسلمين بسبب ما أمرهم به حليفُهم المنافق عبدُ الله بن أبيّ قام عبادة بن الصامت ـ وكان له من الحِلْف مثلُ الذي لعبد الله بن أبيّ ـ فخلعهم وتبرأ إلى الله ورسوله من حِلْفهم، فنزلت: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].

وكان معاويةُ خالَفَ عُبادةَ في شيء أَنْكَرَهُ، فأَغْلَظَ له معاويةُ القولَ، فقال عُبادة: لا أساكنك بأرضٍ واحدةٍ أبدًا، ورحل إلى المدينة فقال عمر: ما أقْدَمَكَ ؟ فأخبره، فقال: ارجعْ إلى مكانك؛ فقبَّحَ اللهُ أرضًا لستَ فيها أنت ولا أمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرةَ لك عليه.

وأخرج حميد من طريق أبى الأشعث أنه رَاحَ إلى مسجد دمشق فلقي شداد بن أوس والصُّنَابحيّ، فقالا: اذهب بنا إلى أخٍ لنا نَعُودُه، فدخلا على عُبادة، فقالا: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحتُ بنعمة من الله وفضلٍ.

 

كان الصحابي الجليل عبادة بن الصامت ممّن شهد فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وكان واليًا على تلك المدينة المباركة ردْحًا من الزمن.

قال عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حِمْصَ: عُبادة أول من وَلِيَ قضاءَ فلسطين. وعن ابن عبد البر أن عبادة مات ببيت المقدس ودُفن بها.

 

وفاته:

تُوفي عُبادة وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً، عام أربع وثلاثين من الهجرة (34هـ) بالرَّمْلة، وقيل: ببيت المقدس، ويقال: كان قبره معروفًا بها قبل استيلاء الصليبيين عليها عام 492هـ ـ 1099م، وبعدما استردّها  المسلمون عام 583هـ لم يستدلّوا على قبرٍ لعُبادة لا بالقدس ولا بالرملة، إذِ انْدَرَسَ بانقضاء السنين وعدوان الصليبيين.

غير أن الرأي القائل بأنه دُفن بالرمْلة أصحّ.

 

20- عبد الرحمن بن عوف

هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث القرشيّ الزُّهْرِيّ، وُلِدَ بعد حادث الفيل بعشر سنين.

كان اسمُه في الجاهلية: عبدَ عمرو، فسمّاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الرحمن. ويُكْنَى أبا محمد. قال ابنُ إسحاق: كان أعرجَ، أصيب يوم أُحُدٍ فصار أهْتَمَ. وقال إبراهيم بن سعد: كان عبد الرحمن طويلاً أبيضَ مُشربًا بحمرة، حسنَ الوجه.

أمّه الشِّفَاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة، أسلمت وهاجرت.

قضى عبد الرحمن ـ رضي الله عنه ـ فترة من حياته في الجاهلية، إلى أن أسلم قبل دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دارَ الأرقم، وكان أحدَ الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحدَ الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحدَ العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحابِ الشورى الذين جعل عمرُ بن الخطاب الخلافةَ فيهم، وأخبر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تُوفي وهو عنهم راضٍ.

وعن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان عبد الرحمن حرَّم الخمر في الجاهلية.

هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة وآخَى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري.

وقد صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلفَ عبد الرحمن في غزوة تبوك وقال: ما قُبض نبيٌّ حتى يصليَ خلف رجلٍ صالحٍ من أمته.

كان ـ رضي الله عنه ـ كثير الإنفاق في سبيل الله ـ عز وجل ـ وَرَدَ أنه أعتق في يوم واحدٍ ثلاثين عبدًا. ومِنْ فَرْطِ تواضعِه ـ رضي الله عنه ـ كان لا يُعرف من بين عبيدِه.

وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: عبد الرحمن بن عوف أمينٌ في السماء أمينٌ في الأرض".

وأخرج علي بن حرب في فوائده عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إن الذي يحافظ على أزواجي من بعدي هو الصادق البارّ، فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهن للحج، ويجعل على هوادجهن الطيالسة، ويُنزلهن في الشِّعْبِ الذي ليس له منفذ.

 

ولد عبد الرحمن بن عوف بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعشر سنين، ورأى الجاهلية حينما كانت مسيطرة في دنيا الناس، ورأى الأمل في إنقاذ البشرية ينبعث من مكة ببعثة خاتم الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ فاتبعه وآمن به مبكرا.

وكان الصراعُ بين الإسلام والجاهلية، ووقف عبد الرحمن في وسط الميدان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابِه كواحدٍ من كبارهم وأعلامهم، ثم انتصر الإسلام في حدود جزيرة العرب، وواصل الصحابة بعد نبيهم بذل الجهود الضخمة لنشر الإسلام وزعزعة سلطان الكفر في العالم، فكانت النتائج المدهشة التي حققها الفاتحون في فارس والشام ومصر وغيرها.

 

بَكَّرَ عبدُ الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ إلى الإسلام، فشهد بدرًا وأُحُدًا، ويومَها كان ممن ثبت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.

وشهد المشاهدَ كلَّها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، وبعثه النبيُّ إلى قبيلة كلبٍ بدُومة الجندل، وعَمَّمَه بيده وسدلها بين كتفيه.

وكان أحد المقربين من أبي بكر وعمر وعثمان، يستشيرونه ويُدْنُونَه، ويبخلون بإرساله ليقيم بعيدا عن المدينة، وكان عمر يأخذه معه في بعض أسفاره، ويصطحبه وهو يطوف لقضاء حوائج الرعية، ويأخذ برأيه في أمور الغنائم.

 

أخرج البخاري أن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ أُتِيَ بطعام وكان صائمًا فقال: قُتل مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ وهو خيرٌ منّي، وكفن في بُرْدَة إن غُطي رأسُه بَدَتْ رجلاه، وإن غُطِّيَ رجلاه بَدَا رأسُه ـ وأراه قال: وقتل حمزة ـ رضي الله عنه ـ وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط  أو قال: أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتُنا قد عُجِّلَتْ لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

ولما تُوفي عمر ـ رضي الله عنه ـ قال عبد الرحمن بن عوف لأصحاب الشورى الذين جعل عمرُ الخلافةَ فيهم: مَنْ يُخرج نفسَه منها ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إلى ذلك، فقال: أنا أُخرج نفسي من الخلافة وأختار للمسلمين، فأجابوه إلى ذلك، وأخذ مواثيقَهم عليه فاختار عثمانَ فبايعه.

وعن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهم ـ المدينة ليلةً، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمُّونه، فلما دنَوْا منه إذا باب مُجَافٌ على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولَغَطٌ، فقال عمر ـ وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف: أتدري بيت مَنْ هذا؟ قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب( أي: سكارى)، فما ترى؟ قال: أرى أنْ قد أَتينا ما نَهى الله عنه، قال الله: ".. ولا تَجَسَّسُوا.." فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر ـ رضي الله عنه ـ وتركهم.

 

شهد عبد الرحمن بن عوف فَتْحَ مدينة بيت المقدس عام ست عشرة من الهجرة، وكان أحد شهود كتاب الصلح الذي كتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند تسلمه المدينة المباركة، مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان.

 

وفاته:

المشهور أنه مات سنة اثنتين وثلاثين، وعمره اثنتان وسبعون سنة، ودفن بالبقيع، وصَلى عليه عثمانُ بن عفان.

 

21- عبد الله بن رواحة:

هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. يُكْنَى أبا محمد، وهو صحابي جليل، كان يكتب في الجاهلية. شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد  النقباء الاثنى عشر، وشهد بدرًا وأُحُدًا والخندق والحديبية، واستخلفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة في إحدى غزواته. وصحبه في عمرة القضاء. وكان أحد أمراء الجيش في وقعة مؤْتَةَ بأدنى البلقاء من أرض الشام، واستُشهد فيها سنة  8هـ ـ 926م.

 

22- عبد الله بن الزّبيْر:

هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، يُكْنَى أبا بكر، وهو فارس قريش في زمنه، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة. شهد فتح إفريقيّة زمن عثمان، وبويع بالخلافة سنة  46هـ عقيب موت يزيد بن معاوية، فحَكَمَ مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام، وجعل المدينةَ قاعدةَ مُلكه.

كانت له مع الأمويين وقائع هائلة، حتى سيّروا إليه الحجاج الثقفي في أيام عبد الملك بن مروان، فانتقل إلى مكة، وعسكر الحجاج في الطائف. ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة بعد أن قاتل قتال الأبطال، وخذله عامة مَنْ معه، وذلك سنة  37هـ ـ 296م.

كان ابنُ الزبير من خطباء قريش المعدودين، مدةُ خلافتِه تسع سنين. وكان نقش الدراهم في أيامه بأحد الوجهين: "محمد رسول الله"، وبالآخر "أمَرَ الله بالوفاء والعدل". وهو أول مَنْ ضرب الدراهم المستديرة.

له في كتب الحديث 33 حديثًا. وكانت بمصر طائفة من بَنِيه.

 

23- عبد الله بن عباس:

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس: حَبْر الأمة، الصحابي الجليل. ولد بمكة سنة 3 قبل الهجرة ـ 619م، ونشأ في بدء عصر النبوّة، فلازم رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وروى عنه الأحاديث. وشهد مع عليّ وَقْعَتَيِ الجمل وصِفّين. وكُفَّ بصره في آخر عمره.

له في الصحيحين وغيرهما 1660 حديثًا.

قال ابن مسعود: نِعْمَ ترجمان القرآنِ ابن عباس. وقال عطاء: كان ناسٌ يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يُقبل عليهم بما يشاءون. وكان كثيرًا ما يجعل أيامَه يومًا للفقه، ويومًا للتأويل، ويومًا للمَغازي، ويومًا للشعر، ويومًا لوقائع العرب. وكان عمر إذا أَعْضَلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله، ولا يدعو لذلك أحدًا سواه.

وكان ـ رضي الله عنه ـ آيةً في الحفظ، أنشده ابن أبي ربيعة قصيدةً من ثمانين بيتًا، فحفظها في مرة واحدة، وكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه؛ مخافة أن يحفظ أقوالهن. وينسب إليه كتاب في "تفسير القرآن" جَمَعَه بعضُ أهل العلم من مرويات المفسرين عنه في كل آية، فجاء تفسيرًا حسنًا.

توفي ـ رضي الله عنه ـ بالطائف سنة 68هـ ـ 687م.

 

24- عبد الله بن عمر

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العَدَوِيّ القرشي، أبو عبد الرحمن: صحابي، وُلد بمكة سنة 10 قبل الهجرة ـ 613م، ونشأ في الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أبيه.

وفي مكانته قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابنُ عمر وهو مثلُ عمرَ في الفضل؛ وكان عمرُ في زمانٍ له فيه نُظَرَاءُ، وعاش ابنُ عمرَ في زمان ليس له فيه نظيرٌ.

وروى البخاري في صحيحه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ـ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً ـ أي قطعة ـ مِنْ حَرِيرٍ لا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ، أَوْ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ.

وقال الزبير بن بكار: كان ابن عمر يحفظ ما سمع من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسأل مَنْ حضر ـ إذا غاب ـ عن قوله وفعله، وكان يتّبع آثار النبي في كل موضع صلى فيه، وكان يعترض براحلته في طريقٍ رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرض بناقته فيه، وكان لا يترك الحج، وكان إذا وقف بعرفة يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.

 

أجمع العلماء على أن ابن عمر لم يشهد بدرًا، استصغره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فردَّه.

واختلفوا في شهوده أُحُدًا، فقيل: شهدها، وقيل: ردَّه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع غيره ممن لم يبلغ الحُلُم.

والصحيح أن أول مشاهده الخندق، وكان يومئذٍ ابن خمس عشرة سنة، عن نافع عن ابن عمر أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يُجِزْه، ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه.

وشهد ابن عمر غزوة مُؤْتَةَ مع جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وشهد اليرموك وفتْح مصر.

وغَزَا إفريقِيَّة مرتين: الأولى مع عبد الله بن أبي سرح، والثانية مع معاوية بن خديج سنة 34هـ.

ولما قُتل عثمانُ ـ رضي الله عنه ـ عرض عليه نفرٌ أن يبايعوه بالخلافة فأبَى.

وقد أقام ابن عمر بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستين سنة يفتي الناس في موسم الحج وغير ذلك، وكان من أئمة المسلمين.

وكان كثير الصدقة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفًا.

له في كتب الحديث 2630 حديثًا.

 

عبد الله بن عمر واحد من الصحابة الذين دخلوا مدينة بيت المقدس، وصلى في مسجدها الأقصى، وأهلّ منه بعمرة. روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم: "أن ابن عمر أحرم بعمرة من بيت المقدس".

 

وفاته:    

كُفَّ بصر ابن عمر في آخر حياته، وتوفي بمكة في ذي الحجة من سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين، وأوصى أن لا يدفن داخل حدود الحرم، فخولف ودُفن في الحرم، وصلى عليه الحَجاج.

وكان ابن عمر آخرَ مَنْ مات بمكة من الصحابة.

 

25- عثمان بن عفان:

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي، أمير المؤمنين، لُقِّبَ بذي النورين؛ لأنه تزوج بنتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رقية، ثم أم كلثوم.

وهو ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. ولد بمكة سنة 74 قبل الهجرة ـ 775م، وأسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنيًا شريفًا حتى في الجاهلية.

 

من أعظم أعمال عثمان في الإسلام تجهيزه نصف جيش العُسرة بماله في العام التاسع من الهجرة.

وقد صارت إليه الخلافة بعد استشهاد عمر بن الخطاب سنة  32هـ، ففتحت في أيامه أرمينيّة والقوقاز وخراسان وكَرْمان وسِجِسْتان وإفريقيّة وقُبرس؛ وأتم جمع القرآن، وكان أبو بكر قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر فأمر بالنَّسْخِ عنه وأحْرَقَ كل ما عداه. وهو أول مَنْ وسّع المسجد الحرام ومسجد الرسول، وقدم الخطبة في العيد على الصلاة اجتهادًا، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة، واتخذ الشرطة، وأمر بكل أرض جلا أهلها عنها أن يعمرها المسلمون. واتخذ دارًا للقضاء بين الناس، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد. ورَوَى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ 641 حديثًا.

 

وفاته:

بدأت في عهده الفتنة الكبرى، وحاصره البُغاة الخارجون، وتسوّر بعضهم الجدار، فقتلوه صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة، وذلك سنة 53هـ ـ 656م.

 

26- عكرمة بن أبي جهل:

هو الصحابي الجليل عكرمة بن عمرو بن هشام، المخزومي القرشي، من صناديد وأبطال قريش في الجاهلية والإسلام. كان هو وأبوه من أشد الناس عداوة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمنّ الله على عكرمة فأسلم بعد فتح مكة، وحَسُنَ إسلامه، فشهد الوقائع وولي الأعمال لأبي بكر. واستشهد في اليرموك، أو يوم مَرْج الصُّـفَّر، وعمره اثنتان وستون سنة، وذلك عام 31هـ ـ 436م. وفي الحديث: "لا تُؤذوا الأحياء بسبّ الموتى". قال المبرد: فنُهي عن سبّ أبي جهل من أجل عكرمة.

 

27- علي بن أبي طالب:

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبوالحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوج فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، وأبو الحسن والحسين؛ سَيِّدَيْ شباب أهل الجنة، وأحدُ الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأولُ الناس إسلامًا بعد خديجة. وُلد بمكة سنة32  قبل الهجرة ـ 006م، ورُبِّي في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يفارقْه.

كان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولما آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أصحابه قال له: "أنت أخي". وولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة  53هـ، فقام بعضُ أكابرِ الصحابة يطلبون القصاص لعثمان من قَتَلَتِهِ الطُّلَقَاء، فتريّث عليّ في استيفاء القصاص؛ دفعًا للفتنة. فأبت أم المؤمنين عائشة إلا القصاص، وقامت تطلبه ومعها جَمْعٌ كبير، في مقدمتهم طلحة والزبير وقاتلوا عليًا، فكانت وقْعَةُ الجمل سنة  63هـ، وظفر عليّ بعد أن بلغ قتلى الفريقين عشرة آلاف. ثم كانت وقعة صِفّين سنة  73هـ بعد أن عَزَلَ عليّ معاوية عن الشام، فعصاه معاوية، فاقتتلا مائة يوم وعشرة أيام، قُتِلَ فيها من الفريقين سبعون ألفًا، وانتهت بالتحكيم الذي افترق المسلمون بعده فرقًا ولم تزدد الفتنة إلا اشتعالاً، حتى قُتل علي ـ رضي الله عنه ـ في دار خلافته بالكوفة، اغتاله عبد الرحمن بن ملجم المرادي سنة  04هـ ـ166م وهو خارج لصلاة الفجر. واختُلف في مكان قبر الإمام الجليل، فقيل: في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة، وقيل غير ذلك.

رَوَى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ 685  حديثًا، وكان نقش خاتمه: "اللهُ المَلِكُ".

 

28- عمر بن الخطاب

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد مناف بن رباح بن عبد الله بن قـرط بن رزاح بن عـدي بن كعب، يُكنى أبا حفص.

أمه حَنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.

وُلد عمر ـ رضي الله عنه ـ قبل حرب الفِجَار الأعظم بأربع سنين.

 ورَوَى ابن الأثير أنه ولد بعد رسول اللـه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثلاثَ عشرة سنة، أي عام خمسمائة وأربعة وثمانين للميلاد .

ونشأ في طفولته وصباه نشأة أمثاله من أبناء قريش، إلا أنه امتاز عليهم بأنه كان قارئا، وهؤلاء كانوا قلة. ولما شب جعل يرعى الإبل لأبيه، ولما تدرج من الصبا إلى الشباب أتقن ألوانًا من الرياضة، كالمصارعة والفروسية وركوب الخيل، كما تذوَّقَ الشعر ورواه، وكان جيد البيان، حسن اللسان؛ لهذا كله ارتضتْه قريش سفيرًا لها إلى غيرها من القبائل في الحروب والنزاعات.

وكعادة العرب في استكثارهم من الزوجات طلبًا للولد تزوج عمرُ في حياته تسع زوجات، وَلَدْنَ له اثني عشر ولدًا، وبعد إسلامه استبقى أربعا، وفارق الباقيات استجابة لأمر الله.

وقد ورث عمر عن أبيه الشدة، فكان قبل إسلامه من أشد قريش تعذيبًا للمسلمين وأكثرهم جرأة عليهم، وأقساهم معاملة لهم.

وفي السنة الخامسة من النبوة، وهو ابن تسع وعشرين سنة، أسلم عمر ولُقب بالفاروق، الذي فرق الله به بين الحق والباطل، فقد عز المسلمون بإسلامه، وصاروا أكثر جرأة على المعالنة بدينهم.

وهاجر عمر إلى المدينة، حيث آخَى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين عِتْبان بن مالك بن عمرو الأنصاري، فكان إسلامه نصرًا وهجرتُه فتحًا.

قال فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : "جعل اللهُ الحقَّ على لسان عمر وقلبِه". وقال: "عمر بن الخطاب معي حيث أحب وأنا معه حيث يحـب، الحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان". ووصفه النبي فقال: "إنه رجل لا يحب الباطل"، وقال : ".. أشد أمتي في دين الله عمر..".

 

كان عمر مسدَّدًا في رأيه، وكثيرًا ما وافق رأيه ما نزلَ من القرآن، كموقفِه من أسرى بدر، وموقفِه من صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المنافق عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وموقفِه من الخمر، ومشورتِه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأمر نساءه بالحجاب، ومشورتِه عليه أن يتخذ من مقام إبراهيم مُصلى.

لهذا كان عمر هو الوزير الثاني لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شارك معه في خدمة الدين برأيه، وجاهد بسيفه، فشهد المشاهد كلها، وكان بعد ذلك مع أبي بكر وزيره الأول، وقد اقترح على الخليفة جمع القرآن في كتاب واحد، فكان من أعظم الأعمال وأجلها.

ثم آلت الخلافة إلى عمر، فقضى فيها عشر سنوات وأشهرا، فملأ دنيا الناس عدلا وزهدا، وضرب أعظم الأمثلة في قيام الأمير على مسئولياته، وعظمت الفتوح في أيامه، فكان منها ـ مثلا ـ فتح دمشق وحلب والقادسية والمدائن ونهاوند والأهواز ورامهرمز وتُسْتَر والسُّوس وجُنْدَيْسَابور وخراسان وإصْطَخْر وأذربيجان وبيت المقدس ومصر، كما بُنيت في خلافته مدن البصرة والكوفة والفسطاط.

 

له جملة ضخمة من المواقف المتفردة حفلت بها كتب السيَر، منها أن الناس هابوا أن يتولى عمر عليهم الخلافة وهو الرجل الشديد، فصَعِدَ المنبر بعد أن تولاها وقال: "بلغني أن الناس هابوا شدتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتدّ علينا ورسولُ الله بين أظهُرِنَا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونَه، فكيف وقد صارت الأمور إليه، ومن قال ذلك، فقد صدق، إنني كنت مع رسول الله، فكنت عبدَه وخادمَه. وكان مَنْ لا يبلغ أحدٌ صفتَه من اللين والرحمة، وكان بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، فكنت بين يديه سيفا مسلولاً حتى يغمدني فأمضي، فلم أزل مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى توفاه الله وهو عني راض.. ثم ولي أمرَ المسلمين أبو بكر، فكان من لا تنكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه، فأكون سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله ـ عز وجل ـ وهو عني راض، ثم وُلِّيت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدا يظلم أحدا أو يتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن بالحق. وإني بعد شدتي تلك أضع خدي على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف".

 

حاصر عمرو بن العاص بيتَ المقدس وطال الحصار واشتدت مقاومة المدينة، حتى كتب إلى عُمَرَ يطلب منه المدد، ويقول له: "إني أعالج حربًا كَؤُودًا صَدُومًا وبلادًا ادُّخِرَتْ لك، فَرَأْيَكَ".

وبدأت مفاوضات الصلح بين عمرو وأهل المدينة، فاتفقوا على تسليمها للمسلمين على أن يأتي الخليفة بنفسه ليكتب عهدَها، فسار عُمر من المدينة حتى نزل الجابية، ثم أتت رسل صفرونيوس أسقف بيت المقدس لإتمام الصلح مع أمير المؤمنين، فصالحهم عمر، وكتب لهم كتابًا بذلك، وختم الكتاب بتوقيعه.

وصار أمير المؤمنين عمرُ واحدًا من أهم الشخصيات التي مرت بالقدس، وبدأت المدينة المباركة عهدها الإسلامي في خلافة الفاروق عمر، الذي تسلم مفاتيحها.

دخل عمر بيتَ المقدس يكسوه التواضع، فتقدم نحو المسجد الأقصى في طائفة من الصحابة، وهو يعلم منزلة هذا المسجد في الإسلام، فدخله من الباب الذي دخل منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة الإسراء، وصلى في محراب داود تحية المسجد، وجَمع المسلمين الفاتحين وراءه في صلاة الصبح.

وأمر عمر بتنظيف الصخرة التي اتخذها الأنبياء قبلة، وشارك المسلمين في تنظيفها، وبنى مسجد عمر الذي أقام عليه عبد الملك بن مروان فيما بعد المسجد الأقصى المعروف لدينا الآن جنوب الحرم.

 

29عَمْرُو بن الْعَاصِ

هو عَمْرُو بنُ الْعَاصِ بنِ وائل بن هاشم بن سعَيْد القرشي السهمي، وكنيته أبو عبد الله.

كان إسلامه في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وقيل: بين الحديبية وخيبر، فقدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدري، فتقدم خالد وأسلم وبايع، ثم تقدم عمرٌو فأسلم وبايع على أن يُغْفَر له ما كان قبل إسلامه، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "الإسلام والهجرة يَجُبُّ ما قبله" (أخرجه أحمد في المسند).

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "أسلمَ الناسُ وآمن عمرُو بن العاص".

وعن قبيصة بن جابر قال: صحبتُ عمرَو بن العاص فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سِرّية بعلانية منه.

وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق الليث قال: نظر عُمر إلى عمرو يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشى على الأرض إلا أميرًا.

 

عمرو بن العاص موهبة عسكرية فذة، عايش الأنفاس الأخيرة للجاهلية العربية، وعاصر الامتداد المذهل الذي حققه الإسلام في العالم، بل كان أحد القادة الكبار الذين أسهموا في تحقيق هذا الامتداد، وأبرز مشاركاته كانت في فتوح الشام ومصر، فقاد الجيش المختص بفلسطين والجيش المتوجه لفتح مصر.

 

كان عمرو ـ رضي الله عنه ـ خبيرًا بأمور الحرب، فبعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أميرًا على سَرية إلى ذات السلاسل، وأمدّه بأبي عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم: أبو بكر وعمر.

وجعله أبو بكر من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام ، فافتتح كثيرا من أنحاء فلسطين.

وكان واليا لأمير المؤمنين عمر على فلسطين، فلم يزل يلحّ عليه ليأذن له في فتح مصر، حتى سيّره في جيش إليها، فقاتل أهلها، ثم طلبوا الصلح، فقبِلَ منهم..

 

عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَال: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: يَا عَمْرُو، اشْدُدْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ وَثِيَابَكَ وَأْتِنِي، فَفَعَلْتُ، فَجِئْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ وَقَالَ: يَا عَمْرُو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ وَجْهًا فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ وَالْكَيْنُونَةِ مَعَكَ، قَالَ: يَا عَمْرُو، نعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِح". (رواه أحمد).

وأخرج النسائي بسند حسن، عن عمرو بن العاص قال: فزع أهل المدينة فزعًا فتفرقوا، فنظرت إلى سالمٍ مولى أبي حذيفة في المسجد عليه سيف مختفيا، ففعلت مثله، فخطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ألاَ يكون فزعُكم إلى الله ورسوله! ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان!

وأخرج ابن عساكر قال: .. نادت امرأةُ عمرِو بنِ العاص جاريةً لها، فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية‍! فغضب عمرو، وقال: رأيتِها تَزني؟ قالت: لا، قال: والله، لَتُضْرَبِنَّ لها يوم القيامة ثمانين سوطًا! فقامت لجاريتها وسألتْها أن تعفو عنها، فقال لها عمرو: ولِمَ لا تعفو عنك وهي تحت يديكِ، أعتِقِيها! فقالت: هل يُجْزِي عني ذلك؟ قال: فلعلّ.

 

كان عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قائد أحد الجيوش الأربعة التي جردها أبو بكر الصديقُ  ـ رضي الله عنه ـ لفتح الشام، وكانت مهمة جيش عمرو هي فتح فلسطين ومدنها، وعلى رأسها القدس، فدخل مع الروم في مواجهات شرسة، حتى حل بأبواب القدس محاصِرًا سنة 16 للهجرة، فترك الرومُ المدينة، وطلب أهلها الصلح على أن يتسلم المدينة منهم أمير المؤمنين عمر بنفسه.

وجاء عمر ـ رضي الله عنه ـ فتلقاه بالجابية قادة الشام، ثم انطلق فتسلم مفاتيح بيت المقدس من الأساقفة، وكَتب لهم كتاب صلح شهد عليه أفاضل الصحابة، ومنهم عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ الذي ولاه عمر على فلسطين.

 

وفاته:

 مات سنة ثلاث وأربعين، وقال يحيى بن بكير: عاش عمرو نحو تسعين سنة.

وكان موتُه بمصر ليلة عيد الفطر، فصلى عليه ابنُه عبد الله، ودُفن بالمقطم.

ولما اقترب أجله قال: "اللهم لا قويٌّ فأنتصر، ولا بريءٌ فأعتذر، ولا مستكبرٌ بل مستغفر لا إله إلا أنت"، فلم يزل يردّدها حتى مات.

 

30- عوف بن مالك:

هو عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني: صحابي من الشجعان الرؤساء.

أول مشاهده خيبر. وكانت معه راية "أشجع" يوم الفتح. نزل حمص وسكن دمشق. وله سبعة وستون حديثًا في كتب السنة. توفي ـ رضي الله عنه ـ سنة  37هـ ـ 296م.

 

31- فيروز الديلمي

هو فيروز الديلميّ، يُكْنَى أبا عبد الله.

ويقال له الحِمْيَرِيّ لنزولِه في حِمْيَر، وهو من أبناء فارسَ، من فُرس صنعاء.

ويقال: إنه كِناني من أبناء الأساورة من فارسَ الذين بعثهم كسرى إلى قتال الحبشة.

اختُلف في صحبته ـ رضي الله عنه ـ فقيل: له صُحبة، وقد رَوَى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث، ورَوَى عنه أولادُه الثلاثة الضحاك وعبد الله وسعيد، وغيرُهم؛ وحديث فيروز في نسائه - إن ثبت - يدل على أن له صحبة: أخرج أبو داود والترمذي من طريق ابن فيروز الديلمي عن أبيه قال قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان قال: "طلِّقْ أيتَهما شئتَ" وفي سنده مقال.

وأخرج البغويُّ من وجهٍ آخر، عن عبد الله بن الديلمي، عن أبيه فيروز قال: قدمتُ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول الله، إنا أصحاب أعناب.. الحديث. وفي آخرِه: فقلت: فمَنْ وليُّنا؟ قال: اللهُ ورسوله.

وقيل: لا تصح لفيروز صُحبة، وحديثُه مرسلٌ.

 

أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (في السنة السابعة للهجرة) كتبا يدعو فيها ملوك الدنيا إلى الإسلام، وكان كسرى مَلِكُ الفرس أحد هؤلاء، فرد ردا قبيحا ومزق الكتاب، لكن الإسلام كسب إلى صفه حكام اليمن من الفرس، الذين تركهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مناصبهم، فقاموا على حماية الإسلام في هذه الأنحاء، وتعرضوا للأذى والقتل بسبب ذلك، وقاوموا الردة هناك بكل ما أوتوا من قوة.

عاصر فيروز حِقبة الردّة، وكان له في جهادها أثر عظيم، وقدم المدينة بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم.

 

جاهد فيروز المرتدّين باليمن، وقتل الأسْوَد العنسي الذي ادّعى النبوّة هناك، وذلك قبيل وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيوم واحد، وقد أخبر الله نبيه بالخبر، فراح ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبشر أصحابَه في المدينة: " قُتل العنسيُّ البارحةَ، قَتله رجلٌ مُبارَكٌ من أهل بيت مبارَكِينَ " قيل: ومن هو؟ قال: "العبدُ الصالحُ فيروزُ، فاز فيروز"!

 

أخرج ابن عساكر قال: كتب عمر بن الخطاب إلى فيروز الديلميّ: "أما بعد، فقد بلغني أنه قد شغلك أكلُ اللُّباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقْدُم على بركة الله فاغْزُ في سبيل الله"، فقدم فيروز فاستأذن على عمر، فَأَذِنَ له، فزاحمَه فتى من قريش، فرفع فيروز يدَه فلطَمَ أنفَ القرشيِّ، فدخل القرشي على عمر مُستَدْمَى. فقال له عمر: مَنْ فعل بك؟ قال: فيروز، وهو على الباب، فأذِنَ لفيروز بالدخول، فدخل، فقال: ما هذا يا فيروز؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّا كنا حديثي عهد بمُلك، وإنك كتبتَ إليَّ ولم تكتبْ إليه، وأذنتَ لي بالدخول ولم تأذنْ له، فأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبَرَكَ، قال عمر ـ رضي الله عنه: القِصاص، قال فيروز: لا بد؟ قال: لا بد، فجثا فيروزُ على ركبتيه وقام الفتى ليقتصَّ منه، فقال له عمر: على رِسْلِكَ أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعتُه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذاتَ غداةٍ وهو يقول: قُتِلَ الليلةَ الأسودُ العَنْسِيّ الكذابُ، قتله العبدُ الصالحُ فيروزُ الدَّيْلَمِيّ، أفتُرَاك مقتصّـًا منه بعد إذْ سمعتَ هذا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم؟! قال الفتى: قد عفوتُ عنه بعد إذْ أخبرتَني عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا، فقال فيروز لعمر: أفَتَرَى هذا مُخرِجِي مما صنعتُ؛ إقراري وعفوُه غيرَ مُسْتَكْرَهٍ؟ قال: نعم. قال فيروز: فأُشهِدك أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفًا من مالي هبةٌ له، قال: عفوتَ مأجورًا يا أخا قريش.

 

كان فيروز الديلمي ـ رضي الله عنه ـ ممن سَكَنَ بيت المقدس. ويقال: إن قبره بها.

 

وفاته:

قال ابن سعد وأبو حاتم وغيرُهما: مات فيروز في خلافة عثمان. وقيل: مات باليمن في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين من الهجرة.

 

32- القعقاع بن عمرو:

هو القعقاع بن عمرو التميمي: أحد فرسان العرب وأبطالهم في الجاهلية والإسلام. وهو صحابي شهد اليرموكَ وفتْحَ دمشق وأكثرَ الوقائع مع الفرس. وسكن الكوفة وأدرك وقعة صفين فكان مع عليّ. وكان يتقلد في أوقات الزينة سيف هرقل ـ ملك الروم ـ ويلبس درع بهرام ـ ملك الفرس ـ وهما مما ناله من الغنائم في حروبه. وكان شاعرًا فحلاً. قال أبو بكر: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل.

توفي ـ رضي الله عنه ـ في نحو سنة04 هـ ـ 066م.

 

33- معاذ بن جبل

هو الصحابي الجليـل والعالم القاضي معاذُ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجيّ الأنصاريّ. يُكْنَى أبا عبد الرحمن. كان رجلاً أبيض طُوالاً، حسنَ الشَّعر واسع العينين مجموع الحاجبين.

بعد الهجـرة آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين عبد الله بن مسعود، وكان ابن مسعود يقول: "إن معاذًا كان أمةً قانتًا لله حنيفًا ولم يَكُ من المشركين". فقال له تلميذه مسروق: إنما قال الله: "إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يَكُ من المشركين". فأعاد قولَه: إن معاذًا كان أمةً قانتًا لله.. وقال: ما الأُمَّة، وما القانت؟ قال مسروق: الله ورسوله أعلم.  قال: الأمة الذي يُعلِّم الخير ويُؤتَمّ به، والقانت المطيع لله ـ عز وجل ـ وكذلك كان معاذ معلِّمًا للخير، مطيعًا لله ـ عز وجل ـ ولرسوله.

ومعاذَ بن جبل هو أعلم الأمة بالحلال والحرام ـ كما وصفه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو إمامُ العلماء يوم القيامة.

 

عاصـر معاذٌ السنوات الأخيرة للجاهلية، ثم شهد بيعة العقبة الثانية، وهي البيعة التي بدأت تتغير منها موازين القوى، حيث أسلم الأوس والخزرج، وهاجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة ليبدأ الصراع بين دولة الإسلام الناشئة وبين مشركي العرب في شتى أنحاء الجزيرة. وقد كان معاذ بن جبل حينئذ واحدا من جند الإسلام، الذين شاركوا في الجهاد في سبيل الله وتعليم الدين للناس.

وبعد أن حُسمت الجولة مع مشركي العرب لصالح الإسلام، واكتملت الرسالة، وتوفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل المسلمون في مواجهات مع الإمبراطوريات المستبدة بشؤون الخلق من الفرس والروم ـ وكان نصيب معاذ أن شارك في فتوح الشام، ورأى انسياح الإسلام وانتشاره في العالم.

 

كان معاذ بن جبل من أوائل أهل المدينة الذين اعتنقوا الإسلام، وكان أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وشهد بدرًا وأحدًا والمشاهدَ كلَّها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي اليرموك أَبْلَى بلاء حسنًا، وكانت رايةُ ميمنة الجيش بيده.

 

اختاره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليوجِّهه إلى اليمن قاضيًا، وحينذاك سأله: "بم تقضي يا معاذ" ؟ فأجابه قائلا: "بكتاب الله". قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد في كتاب الله"؟ قال معاذ:  "أقضي بسنة رسول الله". قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد في سنة رسوله"؟ قال معاذ: "أجتهد رأيي لا آلو".. فتهلل وجه الرسول وقال: "الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسولَ الله".

وذات مرة قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له: "يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تنس أن تقول في عَقِبِ كل صلاة: اللهم أعِنّي على ذكرك وشكرِك وحسنِ عبادتك".

وقال أبو مسلم الخَوْلاني: "أتيتُ مسجد حمص فإذا حلْقة فيها كهول من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا شاب فيهم أكحلُ العين، بَرّاق الثنايا، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، فقلت لجليس لي: من هذا؟ قال: هذا معاذ بن جبل. فوقع في نفسي حبُّه".

وقال رجل لمعاذ بن جبل: علّمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لَحَريصٌ. قال: صم وأفطر، وصلّ ونَمْ، واكْتَسِبْ ولا تأثَمْ، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم.

وكانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى، ثم توفيتا في طاعون عَمواس، فدُفنتا في حفرة، فأقرع بينهما أيتُهما تُقَدَّم في القبر؛ عدلا بين زوجتيه بعد مماتهما كعدله بينهما حال الحياة.

 

كان معاذ بن جبل ممن شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب من الصحابة، وقد أهلَّ بعمرة من المسجد الأقصى المبارك.

 

وفاته:

لما وقع الطاعون بالشام قال معاذ: اللهم، أَدْخِلْ على آل معاذٍ نصيبَهم من هذا.

فأصيبت زوجتاه فماتتا، ثم طُعن ابنُه عبد الرحمن فمات. ثم أصيب معاذٌ نفسُه، فتوفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وعمره إذْ ذاك ثمانٍ وثلاثون سنة، وقيل: ثلاث وثلاثون.

عن سعيد بن المسيَّب قال: رُفِع عيسى ابن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين، ومات معاذٌ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنةً.

 

34- معاوية بن أبي سفيان:

هو معاوية بن صخر (أبي سفيان) ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيُّ الأموي. وكنيته أبو عبد الرحمن.

أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يَجتمع أبوه وأمه في عبد شمس.

وُلِدَ معاوية قبل البعثة بخمس سنين في الأشهر.

وقد أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هندُ في الفتح.

وحكى الواقدي أنه أسلم بعد الحديبية وكتم إسلامه حتى أظهره عام الفتح، وأنه كان في عمرة القضاء مسلمًا.

قال ابن عباس: معاوية فقيهٌ، وقال ابن عمر: ما رأيت أحدًا بعد رسول الله أسْوَدَ (أي: أكثر ظهورا لصفات السيادة فيه) من معاوية، فقيل له: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعلي؟ فقال: كانوا ـ والله ـ خيرًا من معاوية وأفضلَ، ومعاويةُ أسْوَدُ.

وكان معاوية من الكَتبة الحسنة الفُصَحاء، حليما وقورًا.

 

قبيل البعثة النبوية وُلد معاوية ـ رضي الله عنه ـ حين كان ظلام الجاهلية مخيمًا على الدنيا، وما هي إلا فترة يسيرة حتى أرسل الله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإسلام، وشبَّ معاويةُ فوجد أباه وقومه من أشد الناس معاداة لهذا الدين، فسار معهم في طريق العداوة، إلا أن الامتداد المتسارع للإسلام - برغم العداوة المستحكمة - أقنع قريشا والعرب بأنه دين منصور مؤيَّد، فآمنت قريش عام الفتح.

وبعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتسع نطاق المواجهة مع الجاهلية، وامتد إلى فارس والشامِ وغيرِهما، وأتاح الإسلام الفرص أمام المواهب الكبيرة والصغيرة كي تبرز وتُنْتِج وسط هذا الجو المتحفز، فكان معاوية بمواهبه القيادية والعسكرية واحدا من هؤلاء الذين نالوا ثقة عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما.

وقد صنعت هذه الفترة لمعاوية مجدا كبيرا، وصارت هناك جموع كبيرة من المسلمين في الشام تعطيه قيادها، وتمنحه ثقتها.. وتلك هي الجموع التي واجه بها أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب في أحداث الصراع الشهير بينهما، حتى آلت الخلافة إلى معاوية واستقرت تحت خلافته أمور الدولة الإسلامية.

 

شهد الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزوة حنين. وكان ذَا دورٍ عظيم هو وأخوه يزيد في فتوح الشام، فقد قاد يزيدُ أحدَ الجيوش وجعل على مقدمته أخاه معاوية، فشاركوا في فتح دمشق، وفتحوا صَيْدَا وصُورَ وطَرَابلسَ وبَيْرُوتَ فتحا يسيرا، وفتحوا عَرْقَةَ، واستطاع معاوية فتح قَيْسَاريَّةَ وعَسْقَلانَ.

ووَلِيَ معاوية أغلب الشام لعمر، ثم ولاه عثمان الشام كله، وأقنع معاويةُ أمير المؤمنين عثمان ببناء أسطول بحري وغزو قبرص.

وبعدما قُتل عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ وتنازَلَ ابنُه الحسن عن الخلافة، تولاها معاوية، ومكث فيها حَوَالَيْ عشرين عاما.

 

أخرج الطبراني، عن معاوية بن أبي سفيان أنه صَعِدَ المنبر فقال في خطبته: إنما المال مالنا، والفَيْء فيْئُنا، فمَنْ شئنا أعطيناه ومَنْ شئنا منعناه. فلم يُجبْه أحدٌ. فلما كان في الجمعة الثانية قال مثلَ ذلك، فلم يُجِبْهُ أحدٌ. فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثلَ مقالتِه. فقام إليه رجل ممن حضر المسجد، فقال: كلا، إنما المال مالُنا، والفيْءُ فيئُنا، فمَنْ حَالَ بيننا وبينه حاكمْناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية ـ رضي الله عنه ـ فأرسل إلى الرجل فأدخله، فقال القوم: هَلَكَ الرجل. ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير. فقال معاوية للناس: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: سيكون بعدي أمراءُ يقولون ولا يُرَدُّ عليهم، يَتقاحمون في النار كما تتقاحم القِرَدَةُ، وإني تكلمت أول جمعة فلم يردّ عليّ أحد، فخشيتُ أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد عليّ أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت في الجمعة الثالثة، فقام هذا الرجل فردّ عليّ، فأحياني أحياه الله.

 

قاتل معاوية ـ رضي الله عنه ـ في فتوح الشام التي سبقت فتح المدينة المقدسة، وأبلى في ذلك بلاء حسنا، وشهد فتح بيت المقدس صلحا على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي استُدْعِيَ لتسلُّمِ مفاتيح المدينة، وكتب لأهلها كتاب صلح، أشْهَدَ عليه عددًا من أجلاء الصحابة، منهم معاوية سنة ست عشرة من الهجرة.

ومما يذكر أن معاوية ضمَّ في عهده القدسَ إلى الشام وولَّى عليها سلامةَ بنَ قيصر وكانت بيعته بالخلافة قد تمت في رحاب بيت المقدس كذلك. 

 

وفاته:

مات معاويةُ ليلة الخميس النصف من رجب سنة ستين من الهجرة بدمشق، وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنةً، وصلى عليه الضحّاك. وكان يزيدُ ابنُه غائبًا بِجُوَّارِينَ لما ثَقُلَ، فقَدِمَ وقد مات.

 

35- يزيد بن أبي سفيان:

هو يزيد بن صخر (أبي سفيان) بن حرب، الأموي، يكنى أبا خالد، وهو أمير صحابي من رجالات بني أمية شجاعةً وحزمًا. أسلم يوم فتح مكة، واستعمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على صدقات بني فراس، وكانوا أخواله. ثم استعمله أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ على جيش، وسيّره إلى الشام، وخرج معه يشيعه راجلاً. ولما استُخلف عمر ولاه فلسطين. ثم ولي دمشق وخراجها، وافتتح قيسارية. وهو أخو معاوية بن أبي سفيان. له وقائع كثيرة وأثرٌ محمودٌ في فتوح البلاد الشامية. توفي في دمشق بالطاعون، وهو على الولاية سنة  81هـ ـ 936م.