موقع القدس


الصفحة الرئيسية لموقع القدس
تاريخ القدس القديم |  قبل الإسلام |  الرومان والقدس |  منذ الفتح الإسلامي |  عهد الأمويين |  عهد الفاطميين |  الإحتلال الصليبي
عهد الأيوبيين |  عهد المماليك |  عهد العثمانيين |  العهد العباسي |  عهد الطولونيين |  الإحتلال البريطاني |  الإحتلال الصهيوني
الصحابة |  علماء وزهاد |  مؤرخون ورحالة |  نساء |  أدباء |  شخصيات فلسطينية وعربية
القدس في التاريخ |  مكانة القدس |  الموقع الفلكي |  كنيسة القيامة |  موقف العرب |  المقاومة |  برنامج القدس
دعم أمريكا لإسرائيل |  القضية الفلسطينية في قرنين |  إحصائيات عن اليهود |  الصهيونية
العهدة العمرية واللورد بالمرستون ونابليون والبيع لليهود ورد الشريف حسن ووعد برلفور
صور القدس 1 |  صور القدس 2 |  صور القدس 3 |  صور القدس 4 |  صور القدس 5 |  مواقع

 

1- عارف العارف

هو عارف بن عارف المَقْدِسِيّ، سياسي ومفكر من أبناء فلسطين، ولد في القدس عام 1310هـ ـ 1892م ونشأ وتعلم فيها.

 

تخرَّجَ عارف العارف في جامعة استنبول في كلية الآداب عام 1913م، وكان من أعضاء المنتدى الأدبي، واندلعت نيران الحرب العالمية الأولى عام 1914م، فجُنِّد في الجيش العثماني ضابطًا احتياطيًا، وأسَرَهُ الروس في معركة أرضروم، فقضى في روسيا وسيبريا ثلاث سنين، تعلم فيها الروسية والألمانية، ثم عاد إلى القدس، فشارك في إصدار صحيفة "سورية الجنوبية" عام 1919م، فخشِيَ الإنجليزُ من نشاطه؛ إذْ كان مؤرخًا من رجال الإدارة والسياسة المُبَرزِين، وتعقّبوه واعتقلوه عام 1920م، لكنه تمكن من الفرار إلى دمشق، فما لبث إلا قليلاً حتى اجتاحت فرنسا بجيوشها سورية، فاضطر للرحيل عنها إلى الأردنِّ، ثم سمح له الإنجليز بالعودة إلى القدس شريطة ألا يعمل بالسياسة، وأن يقتصر عملُه على وظيفة إدارية، فانتقل على ذلك إلى القدس منذ عام 1921م وحتى عام 1948م.

وزال الانتداب البريطاني عن فلسطين، فخضعت القدس القديمة والمناطق العربية لإشراف أردنيّ، فتم تعيين عارف العارف رئيسا لبلدية القدس منذ عام 1951م، حتى عام 1953م، كما تولى رئاسة متحف الآثار الفلسطيني بها عام 1967م.

وبعد نكسة يونيه 1967 الخطيرة لم يغادر عارف العارف فلسطين، وظل مقيمًا ببلدة رام الله. وكان قد صنف كتبا كثيرة، ومما طبع منها: "القضاء بين البدو" و"تاريخ بير السبع وقبائلها"، و"تاريخ غزة"، و"الموجز في تاريخ عسقلان"، و"تاريخ الحرم القدسي"، وعدة كتب سماها "النكبات" سابعها: "سجل الخلود"، و"ثلاثة أعوام في عمان".

 

هذا المؤرخ والسياسي الكبير عارف باشا العارف واحد من المَقْدِسِيِّين؛ وُلد في القدس وتعلم فيها، وعاش بين ربوعها، وكان رئيسًا لبلدية القدس من عام 1951 حتى عام 1953م، كما تولى إدارة المُتحف الفلسطيني بالمدينة المقدسة.. وهو من أشهر من أَلَّفُوا عن القدس من المُحْدَثِينَ على الإطلاق، ومن مؤلَّفاته: "تاريخ القدس"، و"المفصّل في تاريخ القدس"، و"تاريخ الحرم القدسي".

 

وفاته:

سقطت فلسطين بقُدْسِها في يد اليهود عام 1967م، فلم يغادر عارف بلاده، وإنما أقام في رام الله حتى وفاته عام 1393هـ ـ 1973م، بعد حياة زاخرة بالعطاء، وترك ثمانية عشر كتابًا مطبوعًا، وثلاثة وعشرين مجلدًا مخطوطًا هي مذكراته اليومية عن أحداث فلسطين.

 

2- عبد الرحيم محمود

هو أبو الطيب عبد الرحيم بن محمود، ولد عام 1913م بفلسطين لأبٍ عالمٍ جليلٍ هو الشيخ محمود، الذي كان مثالاً للصمود والتحدي ومواجهة الظلم والظالمين، وكان بالمرصاد لكل رذيلة حتى مات عام 1919م، ومن هذا الأب العظيم انحدر الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، فرُبِّيَ طفلاً على قيم الجهاد وبُثت فيه روح الثورة، وتولَّى أساتذته في مدرسة النجاح تهيئتَه وإعداده، ومنهم أستاذُه: إبراهيم طوقان، الذي نمَّى فيه وفي زملائه روح الجهاد الأبيّة لقتال البريطانيين والصهاينة، ثم تخرَّجَ عبد الرحيم محمود في تلك المدرسة، وعمل بها مدرسًا للأدب العربي يربِّي رجالاً ويُعِدّ أبطالاً حتى تركها؛ ليشارك في معارك ثورة عام 1936م.

 

عاش عبد الرحيم محمود حياته كلها في النصف الأول من القرن العشرين (من 1913 ـ 1948)، وهي فترة مملوءة بالأحداث الجسام في تاريخ العالم الإسلامي المعاصر، بدءا بإلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924، واحتلال الإنجليز والفرنسيين للعراق وسوريا الكبرى (سوريا ولبنان وفلسطين) (1917 ـ 1920)، وصدور وعد بلفور 1917، وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين 1922، وقيام الثورة العربية الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939)، وانتهاء برحيل الإنجليز عن فلسطين وقيام الدولة الصهيونية 1948.

 

قبل ثورة عام 1936م كان جهد عبد الرحيم محمود مقصورا على العمل السلمي، خاصة في مدرسة النجاح التي عمل فيها مدرسا للأدب العربي، حيث كان يبث في تلاميذه روحًا مُحِبَّةً للدين عاشقةً للوطن. وبعد اندلاع الثورة بدأ الجهاد بالسلاح، فاشترك في المعارك التي دارت أثناء تلك الثورة حتى أصيب.

وفي عام 1939م اضطر ـ تحت ضغط الاحتلال والمطاردة ـ أن يهاجر إلى العراق بعد استشهاد القائد المجاهد "عبد الرحيم الحاج محمد"، وتضييقِ الخناق على الثوار، فالتحق بالكلية الحربية في بغداد، وتخرج فيها ضابطًا، وواصل جهاده للإنجليز هناك، وكان أحد رجال ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، لكن هذه الثورة أخفقت، فعاد في نفس العام إلى فلسطين، وتزوج عبد الرحيم محمود بابنة خاله، وأنجب منها. وبقيت فلسطين خاضعة للاحتلال الإنجليزي الذي جاءه ما يشغله؛ إذْ دخل حربًا عالمية طاحنة في مواجهة دول المحور.

وفي عام 1948م أتم الشاعر الشهيد تدريباتٍ عسكرية في معسكر "قطنا" في دمشق، والتحق بجيش الإنقاذ، فنزل "بلعا" واشترك في معركة "بيار عدس" مع سَرِية من سرايا فوج حِطّين، كما اشترك في معركة وقعت في "رأس العين" على مقربة من مستوطنة "ملبس"، وفي شهر أبريل عام 1948م عُين آمرًا للانضباط في "طولكرم"، ثم اشترك في القتال الذي دار حول "الرملة"، وفي قطاع "الناصرة" حيث دارت معارك قرية "الشجرة" التي نال الشهادة فيها.

 

كان الأمير سعود بن عبد العزيز في زيارة للقدس عام 1935م، فاستقبله الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود بقصيدة جاء فيها:

يا ذا الأمـيرُ أمـامَ عينك شاعـرٌ              

ضُمت على سود الهموم أضالعُهْ

المسجـد الأقصى أجـئتَ تـزورُه          

أم جئت من قَبْلِ الضياع تودِّعُهْ

حَـرَمٌ يُبـَاح لكـل أحـمقَ آبِـقٍ             

ولكل أفّاقٍ شريدٍ أرْبُعُـهْ

وغَدًا ـ وما أدناه ـ لا يَبقى سوى              

دمعٍ لنا يهمي وسِـنٍّ نَقْرَعُهْ

 

بدافع إسلامه وعروبته ونشأته وإقامته في فلسطين، كان بيت المقدس دائمًا في خاطره، في كل موطن جاهد وقاتل فيه، داخل فلسطين وخارجها، ولقد صيَّرَ من الأرض المقدسة كتلةً متوهجة في قلب وضمير كل مسلم بما أرسله من عذب شعرِه الرصين.

ومما قاله مخاطبًا المسلمين عامةً وأهلَ فلسطين خاصة:

قل: لا، وأتبِعْها الفِعَالَ ولا تخفْ   

وانظر هنالك كيف تُحنى الهامُ

اصهر بنارك غُلَّ عُنْقِكَ ينصهر        

فعلى الجماجم تُرْكَز الأعلامُ

وأقم على الأشلاء صرحك إنما             

من فوقه تُبنى العلا وتقامُ

واغصِبْ حقوقَك قَطُّ لا تَسْتَجْدِها   

إن الألى سلبوا الحقوق لئامُ

هذي طريقك للحياة فلا تَحِدْ           

قد سارها مِنْ قبلك القَسَّامُ

ويقول:

سأحمل روحي على راحتي           

وأُلقي بها في مهاوي الردَى

فإما حياةٌ تسرّ الصديق                 

وإما ممات يغيظ العِدَا

ونفس الشريف لها غايتان         

وُرودُ المنايا ونَيْل المُنَى

 

وفاته:

نال عبد الرحيم محمود تدريبا عسكريا في عام 1948م، وانضم إلى جيش الإنقاذ العربي معاونا لقائد فوج حطين، الذي أشعل الأرض نارًا في وجه اليهود في معارك عديدة وقطاعات مختلفة، حتىجاءت معارك قرية الشجرة في قضاء طبريّة بالقرب من مستوطنة "إيلانيا سَجيرا" اليهودية؛ ففي فبراير من عام 1948م قُطعت المواصلات المؤدية إلى المستوطنة، واتسع نطاق المعارك ليتحول في أبريل من العام ذاته إلى معارك عنيفة للغاية، ازدادت ضراوتها بإعلان قيام دولة إسرائيل في مايو 1948م، ودخول قوات من الجيوش العربية إلى فلسطين بجانب المجاهدين الفلسطينيين، وفي البداية كانت كِفّة العرب راجحة بوضوح، وبدأ اليهود يتراجعون تحت ضغط ومطاردة الجيوش العربية، في حين قامت المدفعية العربية بقصف مستوطنة "سجيرا"، وأصبح المقاتلون العرب على أبوابها.. وهنا أُوقف القتال تنفيذًا لاتفاقية الهدنة الأولى، التي استغلها اليهود في تقوية دفاعاتهم ومضاعفة تسليحهم، وبانتهاء تلك الهدنة قامت القوات الصهيونية بهجوم كبير على منطقة الشجرة مستخدمة ـ لأول مرة ـ الطائراتِ والمدفعية، فتساقط الشهداء العرب، وبدأت ذخيرتهم في النفاد، وظهرت احتمالات انسحاب القوات العربية من منطقة الشجرة مما سيؤدى إلى سقوط الناصرة، فلجأ العرب إلى هجوم كبير مضاد مكّنهم من رد اليهود والسيطرة على منطقة الشجرة، لكنهم تكبدوا خسائر فادحة، منها: إصابة قائد فوج حطين بجراح بالغة، واستشهاد أحد معاونيه وهو المقاتل الشاعر عبد الرحيم محمود، يوم الثالث عشر من يوليه عام 1948م.

يقول الملازم عبد الرازق المالكي ـ من أفراد جيش الإنقاذ الذين حضروا المعركة: "تقدم أبو الطيب عبد الرحيم محمود بأفراد سَرِيته وأدار المعركة، وكسر الطوق عن العرب المحاصَرين، وأصيب بقنبلة أثناء الزحف، وفارق الحياة بعد أقل من ربع ساعة، وسحبناه على الأرض وسط رصاص المعركة الكثيف إلى قرية "طوعان" القريبة، ونقلناه منها في سيارة عسكرية إلى الناصرة، وشُيع جثمانُه من المستشفى إلى المقبرة الإسلامية فيها".

 

3- العماد الأصفهاني:

هو محمد بن محمد صفيُّ الدين بنُ نفيس الدين حامد بن أله، أبو عبد الله، عماد الدين الكاتب الأصبهاني: مؤرخ عالم بالأدب، من أكابر الكتاب. وُلدَ في أصبهان سنة 519هـ ـ 1125م، وقدم بغداد حَدَثًا، فتعلم الفقه والأدب. واتصل بالوزير عون الدين "ابن هبيرة"، فولاه نظر البصرة ثم نظر واسط. ومات الوزير، فضعف أمر الأصبهاني، فرحل إلى دمشق، فاستعمله السلطان نور الدين محمود في ديوان الإنشاء، وبعثه رسولاً إلى بغداد أيام الخليفة "المستنجد"، ثم لحق الأصبهاني بصلاح الدين بعد موت نور الدين، فكان معه ينوب عن القاضي الفاضل إذا خرج لمصالح صلاح الدين في مصر. ولما توفي الناصر صلاح الدين استوطن العماد دمشق، ولزم مدرسته المعروفة بالعمادية.

وله كتب كثيرة، منها: "خريدة القصر"، و"الفتح القسيّ في الفتح القدسي"، و"البرق الشامي" في أخبار صلاح الدين وفتوحه، و"ديوان رسائل"، و"ديوان شعر".

توفي بدمشق في مدرسته العمادية سنة 597هـ ـ 1201م.

 

4- عُمارة اليمنيّ:

هو عُمَارة بن علي بن زيدان المذحجي اليمني، أبو محمد، نجم الدين: مؤرخٌ ثقة، وشاعر فقيه أديب له ديوان شعر، وتصانيف عدة، منها: "أرض اليمن وتاريخها"، و"النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية".

وعُمارة من أهل اليمن، وُلِدَ في تِهامة ورحل إلى زبيد سنة 531هـ . وقدم مصر برسالة من القاسم بن هشام أمير مكة إلى الفائز الفاطمي سنة 550هـ في وزارة طلائع بن رزيك، فأحسن الفاطميون إليه وبالغوا في إكرامه، فأقام عندهم، ومدحهم. ولم يزل مواليًا لهم حتى دالَتْ دولتُهم ومَلَكَ مصرَ السلطانُ صلاحُ الدين الأيوبي، فرثاهم عمارة واتفق مع سبعة من أعيان المصريين على الفتْك بصلاح الدين، فكُشفت المؤامرة، فقبض عليهم وصلبهم بالقاهرة سنة 569هـ ـ 1174م.

 

5- القاضي الفاضل

هو أبو علي عبد الرحيم ابنُ القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي ابن القاضي السعيد أبي محمد الحسن بن الحسن بن أحمد بن الفرج بن أحمد اللخميّ، الملقبُ بمجير الدين، ولد على الراجح يوم الإثنين خامس عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة (529)هـ في عسقلان، حيث كان أبوه قاضيًا عليها. شبّ فأرسله أبوه إلى الديار المصرية في الدولة الفاطمية، فاشتغل بكتابة الإنشاء على أبي الفتح قادوس وغيره، ففاقَ أهلَ زمانه، فلم يكن له يومئذ نظير، وحينما استقر الملك في مصر للناصر صلاح الدين اتخذه كاتبًا وصاحبًا ووزيرًا، وكان أعزَّ عليه من أهله وولده، وقد آزره الفاضلُ بقلمه ولسانه وبيانه.

وكان الفاضل كثير المال، كثير الصدقات والصيام والصلاة، كما كان حسن السيرة، نقي السريرة، بنى بمصر مدرسة للشافعية والمالكية، و كانت له أوقاف على تخليص الأسارى، وكان عالمًا جليلاً، لَسِنًا، ذا قريحة وقّادة وبديهة معجزة، اقتنى من الكتب قُرابة مائة ألف كتاب.

 

وُلد القاضي الفاضل قبل القائد صلاح الدين الأيوبي بثلاث سنوات، مما يعني أنه عاش في قرن الصراع المرير للمسلمين مع الصليبيين من أجل استرداد ما سيطروا عليه من ديار المسلمين، وقد كان "الفاضل" في هذا الصراع أحد أهم رجال صلاح الدين، يشارك في المعارك، ويسهم في إيقاظ الهمم، ويكتب لصلاح الدين رسائله وكتبه إلى الملوك.

 

أعماله:

ما إن استقر المُلْك لصلاح الدين بمصر حتى جعل القاضيَ الفاضلَ كاتبَه ووزيره وجليسه، وظل الفاضل إلى جواره يكتب له، ويفتح معه الأقاليم والبلاد سلمًا وحربًا، وعقب تحرير القدس كان القاضي الفاضل أحد المساندين للقائد صلاح الدين حين مل جنوده كثرة القتال مع الفرنجة وشدَّتَه.

وحينما آل الأمرُ إلى أولاد صلاح الدين بعد وفاته، بقي الفاضلُ إلى جوار الملك العزيز بن صلاح الدين وزيرًا ومُعِينًا، وبعد وفاة العزيز بقي وزيرًا للمَلِك الأفضل وصيِّ الملك المنصور، ولم يزل كذلك حتى دخل الملك العادل أخو الناصر صلاح الدين مصر عام 596هـ، فوافق ذلك وفاةَ الفاضل.

 

كان الملك العزيز بن الناصر صلاح الدين يُجلُّ القاضي الفاضل ويميل إليه في حياة أبيه، فحَدَثَ أن العزيز هَوِىَ من جواريه قَيْنَةً (مغنِّية) شغلتْه عن مصالحه، وبَلَغَ ذلك والدَه السلطان الناصر، فأمره بتركها ومَنَعَها من صُحبته؛ لأن الدولةَ كانت تحتاج إلى الجد وعدم التوسع في المباح، فشق ذلك على العزيز، وضاق صدرُه، ولم يجرؤْ على مخالفة أبيه، فلما طالت الحال بعثت إليه مع الخدم كُرة عنبر، فكسرها فوجد في وسطها زرَّ ذهب، فلم يعرف معنى ذلك، ووافق الأمرُ حضورَ القاضي الفاضل، فكتب في ذلك بيتين وأرسلهما إليه، وهما:

أهدتْ لك العنبر في وسطه        

زِرٌّ من التبر دقيقُ اللِّحام

فالزرّ في العنبر معناهما                       

زُرْ هكذا مستترًا في الظلام

 

لم يكن القاضي الفاضل وزيرًا لصلاح الدين فحسْب، بل كان وزيرًا وكاتبًا وصديقًا تربطه بالسلطان الناصر علاقة حميمة، وكان السلطان لا يكاد يُبرم أمرًا إلا بعد استشارته والاهتداء برأيه، ولم يخض معركة إلا ويَدُ الفاضل معه تؤازره، ولسانُه وقلمُه يناصره، حتى فُتحت مدينة بيت المقدس، واستمرت جهوده أثناء المقاومة الرهيبة للحملة الصليبية الثالثة التي استهدفت استرداد القدس من المسلمين.

كان القاضي الفاضل أثناء هذا كله يجهز ما يحتاجه السلطان الناصر من أموال وأسلحة، فضلا عن كتابة الكتب السلطانية إلى الجُند والأنحاء؛ يحذرهم فيها ارتكاب المحارم واقتراف الذنوب، ويُعْلِمُهم أن اللهَ لا يُنَالُ ما عنده إلا بطاعته، ولا يفرِّج الشدائد إلا بالرجوع إليه، وأن المسلمين لا يُؤْتَوْن إلا من قِبَلِ أنفسِهم، فلو صَدَقُوا اللهَ لعجَّلَ لهم عواقب صدقهم، ولو أطاعوه لما عاقبهم بعدوهم، ولو فعلوا ما يقدرون عليه من أمر الله لفعل الله لهم ما لا يقدرون عليه إلا به، فإنما النصر من عند الله..

 

وفاته:

ظل القاضي الفاضل وزيرًا ناصحًا أمينًا لبني أيوب منذ مرافقته صلاحَ الدين وحتى وصول الملك العادل أخي صلاح الدين إلى الديار المصرية، فتوفي فجأة في ليلة الأربعاء سابع عشر من ربيعٍ الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة (596هـ) بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وقد احتشدت الجموع في جنازته، وزار قبرَه في اليوم التالي لدفنه الملكُ العادل، وتأسف عليه أسفًا شديدًا.

 

6- محمد إسعاف النشاشيبي

هو محمد إسعاف بن عثمان بن سليمان النشاشيبي، وُلد في عام 1885م بالقدس لأبٍ من كبار أثرياء الشام.. فعاش ربيبَ نعمة، في سعة من العيش وبَسطة في الرزق، غيرَ أنه كان عصبيَّ المزاج، فيه انقباضٌ عمنْ لا يَألف.

وُلد وعاش في القدس، وتعلم في المدرسة البطريركيّة ببيروت، ثم كَتب كثيرا في الصحف والمجلات، ونَظَمَ الشعرَ ثم تركه، وقد وَرِثَ عن أبيه ثروةً عظيمة.

والعلامة إسعاف النشاشيبي أحدُ علماء القدس الشريف، نذر حياته للذَّوْدِ عن اللغة العربية التي تمثل جزءًا أساسيا من الشخصية الإسلامية. وعاش مجاهدًا بلسانه وقلمه، عَلَمًا للأدب وواحدًا من رجالات عصره الذين أمدهم الله بموهبة فَذَّةٍ بلَّغتْهم كمالَ القول وجمالَ التعبير، وبقدر ما كان ذلك العَلَمُ ضئيلَ الجسم نحيلَه كان يأخذ بزمام الأمور في المجالس إذا تحدث، ويوجه دفة الحديث إذا أَطلق لسانَه مُتناوِلاً قضيةً من القضايا ، في حضور كرام العلماء والأدباء والشعراء، ورجال السياسة والسفراء.

 

عاصر أديبنا النشاشيبي حِقْبَة التراجع العربي والإسلامي، وانْقِضَاض الاستعمار الأوروبي على المشرقِ الإسلاميِّ أواخرَ القرنِ التاسعِ عَشَرَ وأوائل القرن العشرين، ورأى من قومه أقلاما وألسنة مفتونةً تنادي بأخذ حضارة الغرب بحسنِها وخبيثِها، ومَنْ ينادي باستعمال الحروف اللاتينية في الكتابة إمعانًا في الانْسلاخِ من كل ما يمتُّ للهوية بصلة.

وقد صبَّ النشاشيبي نيرانَ غضبِه على المتغرِّبين المنسلخين من إسلامهم، الداعِينَ إلى إهْدَارِ العربية ونبذها.

 

راح العلامة النشاشيبي يُصدر مؤلَّفاته التي ظهر فيها نُضجٌ كبير وعمقٌ في الرؤية والفهم، داعيًا أمته إلى المجاهدة التي لن تنجح بالإيمان والشجاعة وحدهما، بل لابد معهما من الإحاطة بالعلوم الحديثة، وقد أشار إلى أنَّ انتماءَه للعربية لا يَعني إغفالَه لما تَحْوِيهِ الحضارةُ الأوربيةُ من جوانبَ مهمةٍ يَنْبَغِي استيعابُها.. ولم يدْعُه إيمانُه العظيمُ بحضارة المسلمين إلى نَبْذِ الحضاراتِ الأخرى والنَّأْيِ عن التزوُّدِ منها بما يتفق وروحَ الإسلام، ويُعين على الجهاد.

فمن أقوالِه في كتاب "قلب عربي وعقل أوروبي": "تِلْكُمْ مَدَنِيَّةُ الغرب، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في أنْ نَعرفَها، والشرُّ كلُّ الشرِّ في أنْ نَجهلَها، وإنّا إذا عَادَيْنَاهَا ـ وهي السائدةُ السَّاطِيَةُ ـ اسْتَعْلَتْنَا، وإنَّا إذا نابذْناها ونَبَذْنا عليها حَقرتْنا، وهي مدنِيّةٌ قد غَمَرَت الكرةَ الأرضيةَ، فليس ثَمَّةَ عاصمٌ وإنْ أَوَيْتَ إلى المِرِّيخِ".

وكان النشاشيبي أحد أعضاء المَجْمَعِ العلمي العربي بدمشق، ونُعِتَ بأديب العربية، وقد أثْرى المكتبةَ العربيةَ بعدة مؤلفات كرَّسَهَا لتخدم العربية ولتتناول عظماء العرب بما هم أهلُه من إبراز المحاسن والمنجزات، ومن تلك المؤلفات:

ـ "كلمة في اللغة العربية".

ـ "قلب عربي وعقل أوروبي".

ـ "العربية في المدرسة".

ـ "البطل الخالد صلاح الدين".

ـ "الشاعر الخالد أحمد شوقي".

ـ "العربية وشاعرها الأكبر أحمد شوقي".

وكانت مجلة الرسالة تَعقد ندواتٍ أدبيةً ثريةً تدعو إليها خيرةَ رجال الأدب والعلم، ومن هنا توطدت العلاقةُ بين الأستاذ النشاشيبي وبين الأديب الكبير أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة الرسالة، الذي أثنى على النشاشيبي بقوله: "لقد وَقَفَ نفسَه وجهدَه على دراسةِ الإسلام الصحيح في مصادره الأولى، وتحصيلِ اللغة العربية وعلومِها وآدابِها من منابعِها الصافية، فكان آيةً من آيات الله في سعة الاطّلاع وتَقَصِّي الأطراف، وتمحيص الحقائق.. لا تُذكر مسألة إلا كان له عنها جواب، ولا تُثار مشكلة إلا أشْرَقَ له فيها رأيٌ، ولا تُروَى حادثةٌ إلا أورد عليها المَثل، ولا يَحضر ندوتَه أديبٌ مطَّلِعٌ إلا جلس فيها جلسة المستفيد، فهو من طراز أبي عبيدةَ (معمر بن المثنى) والمُبَرِّدِ، لذلك كان أكثرُ ما يكتبه تحقيقًا واختيارًا وأماليَّ، وكان خاتمةَ طبقة من الأدباء اللُّغويين المحقِّقين".

لقد نَفَذَ النشاشيبي إلى أعماق العربية، وفي سبيلها تجرع كئوس التعب، حتى نَبَشَ جُلَّ كتبِها تحصيلاً وفهمًا واستظهاراً، يتجلى ذلك بأقلِّ متابعةٍ لكتاباته التي حَوَتْ بين جنباتها عِلمًا ونوادرَ وطُرَفًا منتقاةً من مئات الكتب لأرباب البلاغة والبيان من أمثال: "عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد"، و"معجم البلدان" و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي، و"خاص الخاص"، و"يتيمة الدهر" للثعالبي..

 

حينما قلَّدَهُ رئيسُ جمهورية لبنان وسامَ الاستحقاق المذهب، قام النشاشيبي فألقى خطبة بليغة، جاء فيها:

".. وإنَّا ـ أممَ اللسانِ الضادِيِّ ـ لَعُرْبٌ، وإن لغتَنا هي العربيةُ، وهي الإرْثُ الذي ورِثْنَاهُ. وإنَّا لَحَقِيقُونَ ـ والآباءُ هُمُ الآباءُ واللغةُ هي تلك اللغةُ ـ بِأَنْ نَقِيَ عربيةَ الجنسِ وعربيةَ اللغةِ، نَقِيَ العَرَبِيَّتَيْنِ مما يَضيرُهُمَا أو يُوهِنُهُمَا..".

 

النشاشيبي مَقْدِسِيٌّ؛ وُلد في القدس وعاش فيها، وترقى حتى صار مفتشا للغة العربية في معارف فلسطين، وأحدَ علماء القدس الشريف. ألَّفَ في مناصرة قضايا العرب والمسلمين مؤلفاتٍ كثيرةً، كان عدد كبير منها في بيته بالقدس، منها: "حماسة النشاشيبي"، و"جنة عدْن". ويومَ أنْ صَالَ اليهود صَوْلَتَهُمْ على فلسطين جاهدهم أديبُنا الكبيرُ بلسانه وقلمه ويده ما استطاع إلى الجهاد من سبيل.

 

وفاته:

كان الرجلُ شغوفًا بالقاهرة، متطلعًا لشاعرِها الأكبرِ صديقِه الحميمِ؛ أحمد شوقي، يَفِدُ إليها كلَّ عامٍ مُتَطَبِّبًا، وربما طَبَعَ بعضًا من كُتُبِهِ. وفي شتاء عام 1948م كان على موعدٍ مع القدر، حيث قَضَى نحبَه بأحد مستشفيات القاهرةِ بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء زاخرةٍ بالجهاد والكدّ والمصابرة.

 

ابراهيم طوقان

شاعر وأديب فلسطيني ولد في نابلس وتلقى تعليمه الابتدائي فيها ثم انتقل إلى القدس حيث التحق بمدرسة المطران (سانت جورج) وفي عام 1923 انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت فكانت أخصب مراحله الدراسية. نال شهادة الجامعة سنة 1929 وعاد إلى نابلس حيث عمل مدرسا في مدرسة النجاح الوطنية بنابلس وبقى فيها عاما واحدا شهدت صرخات حافزة ونار مشتعلة.

درس لمدة عامين في الجامعة الأمريكية ببيروت، وعندما تأسست إذاعة القدس سنة 1936 أصبح مراقبا للقسم العربي فيها، فبقى فية أربع سنوات منح هذا القسم جهده ونشاطه وجعل البرامج العربية مرآة تنعكس فيها آماله وأمانيه، ذوق أهل البلاد وآراؤهم. وتصدى أثناء عمله في الإذاعة لفئة غير عربية كانت تسعى لتنشيط اللهجة العامية وجعلها الغالبة على الأحاديث المذاعة واستطاع أن يهزمها.

دبر له الصهاينة تهمة التحريض العربي على المستعمر، وأقيل من عمله في أواخر عام 1940. انتقل إلى العراق ليزاول مهنة التعليم في دار المعلمين الريفية في الرستمية لكنه وقع فريسة المرض فعاد إلى نابلس حيث مات. وقد خلف إبراهيم طوقان وراءه ديوان شعر رائع جمعه قبيل وفاته، وفاز رحمه الله بلقب شاعر الوطن، وشاعر فلسطين.

 

احمد سامح الخالدي

مربٍّ فلسطيني، ولد في مدينة القدس، وتلقى علومه في الكولونية الأمريكية، وتابعها في مدرسة المطران بالقدس ثم أنهى دراسته الجامعية في كلية الصيدلة بالجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1917، ونال درجة أستاذ في العلوم.

عين عام 1920 مفتشا في إدارة المعارف بلوائي يافا وغزة، ونال درجة أستاذ في التربية. ثم عين بعد ذلك مساعدا لمدير المعارف العام.

أولى الخالدي اهتمامه لأبناء الشهداء، فأنشأ لجنة اليتيم العربية وتولى رئاستها، كما أنشأ معهد الأبناء الشهداء في دير عمرو بالقدس.

غادر فلسطين إلى لبنان بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني في مايو 1948حيث وجه نشاطه لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وتعليم أبنائهم. وللخالدي الكثير من التصانيف منها:

1- أنظمة التعليم.

2- أهل العلم بين مصر وفلسطين.

3- تاريخ بيت المقدس.

كما قام بنشر عدد من المخطوطات.

 

 

غسان كنفاني

أديب وفنان ومناضل فلسطيني، وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والناطق باسمها.

كانت فلسطين هي هاجس غسان كنفاني، وجسد ذلك في سيرته وفي كتاباته، فقد ناضل من أجلها وهو على مقاعد الدراسة ثم في سلك التعليم، ثم وهو متفرغ في حركة القوميين العرب ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد اغتالته العصابات الصهيونية في صباح الثامن من يوليو عام 1972 مع ابنة أخته بعبوة ناسفة وضعت في سيارته.

وقد خلف وراءه مئات المقالات واللوحات الفنية والتعليقات السياسية والخواطر الأدبية وعددا كبيرا من الدراسات الأدبية وتولى الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين إعادة طبع آثاره ونشر ما لم ينشر منها وصدرت في عدة مجلدات تحت عنوان الآثار الكاملة ـ غسان كنفاني.

 

يوسف العظم

شاعر القدس، ولد في مدينة معان، قرب الأردن سنة 1931م، وتخرج من كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية سنة 1953م ثم من معهد التربية للمعلمين بجامعة عين شمس عام 1954، كتب في كثير من الصحف الأردنية والعربية، وله مؤلفات عديدة مطبوعة ومخطوطة، كان معلما للثقافة الإسلامية والأدب العربي في الكلية العلمية الإسلامية بعمَّان، وذلك في الفترة من 1954، و1962، وكان رئيسا لتحرير صحيفة الكفاح الإسلامي، التي كانت تصدر في عمان، وقد أسس مع فريق من المربين والمثقفين مدارس الأقصى بالأردن، وهو الآن المدير العام لها.

كان عضوا في مجلس النواب الأردني عن محافظة معان عام 1963، ثم حل المجلس، ولكنه عائد نائبا في المجلس مرة أخرى عام 1967، وكان مقررا للجنة التربية والتعليم في مجلس النواب الأردني، كما كان عضوا في لجنة الشئون الخارجية في المجلس نفسه.

زار عددا من الأقطار العربية بدعوة من مؤسساتها وهيئاتها الثقافية والفكرية، وألقى عددا من المحاضرات، في معظم أقطار الوطن العربي، وديار الإسلام، كما زار عددا من الأقطار الأوربية، فاطلع على أنظمتها البرلمانية والتربوية، كما زار أكثر من مرة الولايات المتحدة الأمريكية، بدعوة من اتحاد الطلاب المسلمين فيها، ورابطة الشباب المسلم العربي، وكان عضوا في مجلس الأوقاف، الذي يرسم سياسية وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية.

ومن آثاره، "في رحاب الأقصى"، هو ديوان من شعر الجهاد والاستشهاد، ومنها في مجال النقد والأدب كتاب "الشعر والشعراء في الإسلام"، كما له في مجال القصة "أقاصيص للشباب".