موقع القدس


الصفحة الرئيسية لموقع القدس
تاريخ القدس القديم |  قبل الإسلام |  الرومان والقدس |  منذ الفتح الإسلامي |  عهد الأمويين |  عهد الفاطميين |  الإحتلال الصليبي
عهد الأيوبيين |  عهد المماليك |  عهد العثمانيين |  العهد العباسي |  عهد الطولونيين |  الإحتلال البريطاني |  الإحتلال الصهيوني
الصحابة |  علماء وزهاد |  مؤرخون ورحالة |  نساء |  أدباء |  شخصيات فلسطينية وعربية
القدس في التاريخ |  مكانة القدس |  الموقع الفلكي |  كنيسة القيامة |  موقف العرب |  المقاومة |  برنامج القدس
دعم أمريكا لإسرائيل |  القضية الفلسطينية في قرنين |  إحصائيات عن اليهود |  الصهيونية
العهدة العمرية واللورد بالمرستون ونابليون والبيع لليهود ورد الشريف حسن ووعد برلفور
صور القدس 1 |  صور القدس 2 |  صور القدس 3 |  صور القدس 4 |  صور القدس 5 |  مواقع

 

2- في عهد الأمويين

   الأمويون والقدس:-

 

1- بنو أمية والقدس:

تنافس هاشم بن عبد مناف وأخوه عبد شمس جد بني أمية في الجاهلية على الشرف والسيادة، فتفوق هاشم، وحاز قَصْبَ السَّبْق، وأصبح أحق بالرياسة على قريش.. وفي نفس الوقت تفرغ أخوه للتجارة حتى برع فيها، وتجول بتجارته في كثير من البلاد، وورث أبناؤه عنه ذلك..

وفي رحلة له إلى بلاد الشام توفي هاشم، ودُفن في غزة على مقربة من بيت المقدس، وأدرك الأجل أخاه عبد شمس أيضا، وهو صاحب معرفة جيدة بمدن الشام وقراه، فظلت المنافسة بعدهما، على كل أنواع الرياسة والسيادة، شديدة بين البيتين الهاشمي والأموي..

فلما بعث الله نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بني هاشم، آمن به أناس من الفريقين، وكفر به أناس من الطرفين كذلك.. فلما انتصر الإسلام جمع الفريقين تحت ردائه، وعد العصبية للآباء والأعراق بقية من ميراث الجاهلية البغيض..

واستعمل المسلمون مواهبهم في العمل لدينهم، لا فرق في ذلك بين هاشمي وأُموي، حتى خضعت لهم أعظم بلاد الدنيا المعمورة حينئذ، ومنها مدينة بيت المقدس، التي استُشهد في الطريق إلى فتحها الكثير من عظماء الرجال من الهاشميين والأمويين وغيرهم..

ولم يمر وقت طويل حتى وقع الخلاف بين المسلمين بعد استشهاد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وقد كان قتل الأمير هو الفتنة التي تفرّق المسلمون لأجلها، إذ أصر فريق يقوده معاوية بن أبي سفيان على سرعة الثأر من المجرمين، في حين رأى علي بن أبي طالب أن ذلك ليس مأمون العواقب إلا حين تستقر أمور الدولة في يديه..

ولم ينته هذا الخلاف إلا حين قُتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيدا بيد أحد الخوارج، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين، فآلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، لتبدأ فترة جديدة يعْرفها المؤرخون بـ "الدولة الأموية"..

 واتخذ الأمويون كرسي ملكهم في بلاد الشام، حيث يجتمع أنصارهم، وبالتالي كانت القدس قريبة من عيونهم، فترك العديد من خلفاء بني أمية في المدينة المقدسة علامات خالدة وأعمالا كبيرة، لا زال العديد منها باقيا ـ بصورة من الصور ـ يشهد لهم، كما فعل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد ، ومثلما صنع سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز..

وقد بويع في القدس بإمارة المؤمنين للعديد من خلفاء بني أمية، مثل معاوية بن أبي سفيان والوليد وسليمان ابني عبد الملك.

وحفظ التاريخ لنا وصفا جميلا للمدينة المقدسة أثناء الحكم الأموي.

القدس والخلافة:

عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "هذا الأمر (يعني الخلافة) سيكون بعدي بالمدينة ثم بالشام ثم بالجزيرة ثم بالعراق ثم بالمدينة ثم ببيت المقدس، فاٍذا كان ببيت المقدس فتم عقر دارها ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبدا. " رواه ابن عساكر وهو حديث مرسل رجاله رجال الصحيح. والمراد بالجزيرة: ملتقى النهرين التي اتخذها آخر الخلفاء الأمويين عاصمة له، أما المدينة (الثانية) فهي مدينة هرقل: القسطنطينية.

وعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :"إذا رأيت الخلافة نزلت أرض المقدس فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام" مسند أحمد 21449 وسنن أبو داود 2173.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكون في بيت المقدس بيعة هدى" كنز العمال.

الصخرة المشرفة:

"في وسط مسجد قبة الصخرة وفي مركز هذا البناء المثمن وتحت القبة مباشرة توجد الصخرة المشرفة، وهي غير منتظمة الشكل، يبلغ طولها الخارجي من الشمال إلى الجنوب (17.70 مترًا) وعرضها من الشرق إلى الغرب (13.50 مترًا) ، وأقصى ارتفاع لها عن مستوى الأرض 1.50 مترًا، وحجر الصخرة مكسو بالرخام الملون على ارتفاع ذراعين، وأحيطت بسور خشبي من الأبنوس بديع النقش والزخرفة ارتفاعه متران، وبه فجوات تظهر منها الصخرة مضاءة بالكشافات، وفي آخر الصخرة من الشمال الغربي حجر صغير على ستة أعمدة يعتقد أنه أثر قدمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند معراجه من هذه الصخرة إلى السماء.

وفي مسجد الغار تحت الصخرة باب من الرخام في الجنوب الشرقي، وهو أشبه بالكهف، أبعاده 4.50 × 4 أمتار، وسقفه بارتفاع أربعة أمتار، وبه محرابان صغيران يرجع أحدهما إلى عهد عبد الملك بن مروان نفسه، ويعتبره بعض المؤرخين أقدم محراب في الإسلام، ويتبرّك رواد قبة الصخرة المشرفة بالصلاة والدعاء في هذا المسجد الشريف.

ـ وقد صف المهندس المقيم للجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك قبة الصخرة المشرفة فقال: "هذا البناء الذي فَتن كل من رآه، وأجمع العابد والزائر والباحث في كل العصور على أنه تحفة معمارية فريدة، فقل أن يوجد مبنى يجمع هذه التركيبة من العناصر المعمارية والزخرفية بهذا التناسق والانسجام كما هو الحال في هذا البناء الخالد".

ويعظم هذا البناء بالعظمة الدينية التي يحظى بها المكان في وسط البقعة المباركة".

ويمكن إجمال مميزاته في:

1  أنه أقدم بناء إسلامي يظهر الشخصية الإسلامية في مراحلها الأولى، وفاتحة المساهمة العربية والإسلامية في الحضارة معماريًا وفنيًا.

وهو أحد المباني القليلة التي تعود إلى القرن السابع الميلادي، والمبين تاريخ بنائه بشكل لا شك فيه، كما يحتفظ برونقه وبهائه الأصليين رغم قدمه.

2 - ولعله الوحيد الذي بقي بدون تغيير، وهو أول بناء في العمارة الإسلامية تستعمل فيه الكتابة كعنصر زخرفي، ويمثل أحد مراحل الخط الكوفي؛ لاحتفاظه بهذه المساحة من الفسيفساء ذات المستوى الرفيع.

وقد جاء هذا البناء ليمثل أعظم تعبير ممكن وملتزم عن العقيدة الإسلامية في تلك المراحل الأولى، ففي أعلى القبة من الداخل آية الكرسي، ومن الخارج في أعلى رقبة القبة سورة الإسراء. وأغلب الظن أنها كانت بالفسيفساء قبل تجديدها بالقيشاني، وفي أقواس المثمن الأوسط من الخارج تتكرر "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد لم يلد ولم يولد، محمد رسول الله".

كما نجد في الكورنيش السفلي لرقبة القبة الآيات 1  21 من سورة طه، وفيها يقول تعالى مخاطبًا موسى ـ عليه السلام: (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري)، وفي الرواق الأوسط من الداخل آيات مختارة من عدة سور تقطف منها (ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) [النساء:171]، (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله)  [النساء: 172]، (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه) [مريم:31].

والزخارف النباتية في مساحات الفسيفساء المنطلقة مِن قوارير أو كؤوس، وما تحويه من أشكال الفاكهة والنخيل، ومن أسفل الرخام المعرق الذي يوحي بجريان المياه، لعلها تعبير عن صورة الجنة كما وردت في القرآن الكريم ـ كما تصورها الفنان المسلم بخياله البشري.

والباب الشمالي للصخرة يدعى باب الجنة أو باب الصور، ويقال إن إسرافيل يقف على صخرة بيت المقدس ينفخ في الصور، ويحول الله صخرة بيت المقدس مرجانة بيضاء كعرض السموات والأرض ثم ينصب عليها عرشه كما في سورة الحاقة (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية). وفي الضلع الشمالي من فسيفساء الرواق الأوسط زخارف على شكل بوق.

وسورة يس التي تحيط بالمثمن، مع أنها من القيشاني وجاءت في عهد لاحق لكنها لا تبدأ من بداية الواجهة، وبمتابعة شريط الكتابة نلاحظ أنه حينما يصل إلى أول الواجهة الشمالية لا يبدأ بـ "يوم ينفخ في الصور".

ـ شكوك حول صخرة اليهود:

في أوائل القرن الميلادي العشرين سجل الباحث الألماني "شيك" قوله عن صخرة المعراج، التي ترتفع فوقها قبة الصخرة الشهيرة: "إن الصخرة الحالية لم تكن في يوم ما داخلة ضمن أقداس اليهود، أما صخرة اليهود التي تسميها بعض أساطير التلمود (إيبن هاشتيا)، أي حجر الأساس، فالله أعلم ماذا صنع بها بختنصر وأنطيوخوس أبيغانوس وتيتوس وكذا فسبازيان وهدريان والصليبيون وغيرهم ممن دمروا أورشليم مرارا وتكرارا تدميرا كاملا".

(إسرائيل ركيزة للاستعمار بين المسلمين: د. حسن ظاظا، بواسطة: مجلة الأزهر عدد ذي الحجة 1418هـ).

 

 

 

2- وصف القدس في زمن بني أمية:

معاوية بن أبي سفيان من الشخصيات الكبيرة التي شهدت انتقال القدس إلى السيادة الإسلامية، فكان من أفراد الركب المسلم الذي التف حول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس من بطريرك المدينة صفرنيوس..

ولم يكن معاوية حاضرا عاديا لهذا المشهد الكبير، بل كان أحد الشهود على وثيقة العهد الذي كتبه عمر لأهل بيت المقدس..

وحين صارت الخلافة إلى معاوية سنة إحدى وأربعين للهجرة، كانت القدس تعرفه ويعرفها، إذ مكث زمنا طويلا أميرا عليها وعلى الشام كله.

وقد وصف المؤرخون القدس تحت ظلال الأمويين فقالوا: "كان للقدس يومئذ سور، وكان على ذلك السور أربعة وثمانون برجًا، وله ستة أبواب، ثلاثة منها فقط يدخل الناس منها ويخرجون: واحد غربي المدينة، والثاني شرقيها، والثالث في الشمال. وكان يؤم المدينة، في اليوم الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من كل سنة، جماهير غفيرة من مختلف الأجناس والأديان بقصد التجارة، ويقضي هؤلاء فيها بضعة أيام. وكان فيها مسجد مربع الأضلاع، بُني من حجارة وأعمدة ضخمة نقلت من الأطلال المجاورة. وهو يتسع لثلاثة آلاف من المصلين. والمعتقد أن هذا هو المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب. وكان جبل الزيتون مغطى بأشجار العنب والزيتون. وكان سكان بيت المقدس يومئذ يأتون بالأخشاب التي يحتاجون إليها من أجل البناء والوقود، تنقل على الجمال من غابة كثيفة واقعة على بعد ثلاثة أميال من الخليل إلى الشمال".

 

الله يحبها:

 قال معاوية بن أبي سفيان في خطبة بالحرم القدسي: "إن الله يحب هذه البقعة الواقعة بين جداري هذا المسجد أكثر من أي مكان".

وكان بشر الحافي يقول: "ما بقي عندي من لذات إلا أن أستلقي على جنبي بجامع بيت المقدس".

 

 

3- القدس في عهد عبد الملك والوليد:

يُعد عبد الملك بن مروان المؤسس الحقيقي للدولة الأموية، فقد أنقذها من الانهيار، وانتصر على منافسه القوي عبد الله بن الزبير، حتى خضعت له الحجاز والعراق، وانفرد بالحكم في العالم الإسلامي.

وقد جاء من بعده ابنه الوليد، فبلغت الدولة في عهده شأنا كبيرا، وكثرت الفتوحات حتى وصل المسلمون إلى أوروبا من جنوبها الغربي، وفتحوا الأندلس، كما توغلوا في آسيا إلى الشرق والجنوب، وفتحوا السند والهند..

ولعبد الملك والوليد في القدس أعمال خالدة، ما زال بعضها قائما إلى اليوم، فبناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة هما من أعمال عبد الملك والوليد وقد رصد عبد الملك لبناء قبة الصخرة وحدها خراج مصر سبع سنين، كما عبّد طريق القدس إلى الشام، وطريق القدس إلى الرملة.

وأما الوليد، فقد بويع بالخلافة ـ فيما يقال ـ على سطح الصخرة المقدسة، وواصل عمل أبيه في بناء المسجد الأقصى حتى أتمه، ورتب له الخدم والرعاة الذين يصونونه.

الصخرة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجوة والصخرة من الجنة " والصخرة يريد صخرة بيت المقدس. رواه ابن ماجه. وفي الزوائد قال: إسناده صحيح. رجاله ثقات.

مكتوبات على القبة:

بعد أن تم بناء قبة الصخرة أيام عبد الملك كُتب على القناطر الوسطى للبناء: "بسم الله الرحمن الرحيم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنَى هذه القبة عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين، تقبل الله منه ورضي عنه، آمين".

وعبر شيخ الخطاطين العرب محمد صيام (الذي عاش في القدس وتوفي فيها) عن إعجابه بجمال الكتابة المثبتة فوق القبة فقال: "سورة يس المكتوبة على قبة الصخرة أخذت مني وقتا طويلا وأنا أحدق فيها، وفي كل مرة لا أمتنع عن النظر إليها إلا حينما تؤلمني رقبتي من طول النظر إلى أعلى"!

 

4-سليمان بن عبد الملك وبيت المقدس:

سليمان هو ثاني أبناء عبد الملك بن مروان الأربعة (الوليد وسليمان ويزيد وهشام) الذين تولوا الخلافة بعد أبيهم، وكان آخرُ مناصبه قبل مبايعته بالخلافة العامة (سنة ست وتسعين) هي الولاية على فلسطين..

وقد أعطى هذا المنصب لسليمان معرفة جيدة بفلسطين ومدنها، وعلى رأسها القدس والرملة، وكان محببا إليه الجلوس تحت قبة السلسلة بأرض الحرم القدسي الشريف.

وترجم سليمان حبه للقدس عقب توليه الخلافة بصورة أبهى من ذلك، فبويع على سطح الصخرة تحت القبة التي بناها أبوه، في مشهد مبهر، اجتمع فيه الناس حول الخليفة الجديد وإلى جانبه المال وكتّاب الدواوين.

وكاد سليمان أن يتخذ قرارا، هو الأول من نوعه في تاريخ المسلمين، بنقل العاصمة إلى بيت المقدس أو الرملة، وسيطرت على تفكيره حينئذ صورة نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ وهو يحكم مملكته القوية من بيت المقدس.. ولكن هذا الأمر لم يتحقق، ربما للموت السريع الذي أدرك سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين وهو في مرج دابق شمالي الشام.