موقع القدس


الصفحة الرئيسية لموقع القدس
تاريخ القدس القديم |  قبل الإسلام |  الرومان والقدس |  منذ الفتح الإسلامي |  عهد الأمويين |  عهد الفاطميين |  الإحتلال الصليبي
عهد الأيوبيين |  عهد المماليك |  عهد العثمانيين |  العهد العباسي |  عهد الطولونيين |  الإحتلال البريطاني |  الإحتلال الصهيوني
الصحابة |  علماء وزهاد |  مؤرخون ورحالة |  نساء |  أدباء |  شخصيات فلسطينية وعربية
القدس في التاريخ |  مكانة القدس |  الموقع الفلكي |  كنيسة القيامة |  موقف العرب |  المقاومة |  برنامج القدس
دعم أمريكا لإسرائيل |  القضية الفلسطينية في قرنين |  إحصائيات عن اليهود |  الصهيونية
العهدة العمرية واللورد بالمرستون ونابليون والبيع لليهود ورد الشريف حسن ووعد برلفور
صور القدس 1 |  صور القدس 2 |  صور القدس 3 |  صور القدس 4 |  صور القدس 5 |  مواقع

           7- المماليك والقدس

1- القدس وانكسار التتار:

مثلَ كل المدن، كانت القدس في القرن السابع الهجري، مهددة بأن يجتاحها الإعصار المغولي، بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، حيث يخرَّب كل العمران، ويقتل كل الأحياء، وتغيب عن وجه المكان كل المظاهر التي توحي بوجود حياة فيه!

ففي سنة ستمائة وثمان وخمسين، وبعد سنتين من تدمير بغداد وقتل أهلها وخليفتها العباسي المستعصم ـ وقف التتار على أبواب الشام، لتشهد الدنيا تحولاً من تحولاتها الكبيرة، ولينتقل الملك والسلطان من قوم إلى قوم، إذ أصاب الرعب والخوف مسلمي الشام ومصر، حتى خشي الناصر يوسف الأيوبي حاكم دمشق ومتولي بيت المقدس من الغزاة القادمين، فراح يخطب ودهم، لكنه لم يفلح، وحاول أن ينازلهم في ساحات القتال، لكنه عجز أيضًا.

وتحركت المقادير العجيبة، فسار التتار ودخلوا حلب، وارتكبوا فيها المجازر الوحشية وخربوها، ثم دخلوا دمشق، وزحفوا ينهبون البلاد حتى وصلوا إلى غزة، ونيتهم منعقدة على اجتياح مصر، وتركوا القدس وراء ظهرهم لا مطمع لهم فيها، إذ قللت الحروب الكثيرة حولها من رغبة الناس في الإقامة فيها.

وعند عين جالوت، جنوب فلسطين، كان انكسار الموجة التترية وبداية انحسار مدهم، حيث التقى بهم المسلمون يقودهم سلطان المماليك الكبير سيف الدين قطز عند عين جالوت في رمضان من سنة ستمائة وثمان وخمسين، فهزموهم بإذن الله، وردوا عن البلاد شرورًا هائلة.

وكان من نتائج ذلك بالنسبة للقدس بزوغ نجم المماليك، حيث دخلت المدينة المباركة تحت سلطانهم، ولم يزولوا عنها حتى زالت دولتهم كلها، كما اضمحل سلطان الأيوبيين، ولم يعودوا ينازعون على الملك إلا على استحياء، ثم دخلوا في جحور التاريخ تمامًا، إذ قتل المغول بعضهم، وقتل الظاهر بيبرس بعضهم الآخر حين راسلوا التتار.

 

 

2- القدس ودولة المماليك:

لم يكن للمماليك نسب معروف بين المسلمين، كما كان الخلفاء والملوك من قبلهم، فقد تعود المسلمون أن يكون أمراؤهم من أسر كبيرة وذات شأن، سواءً كانوا عربًا أم فرسًا أم أكرادًا أم تركًا... هكذا كان شأن الوزراء في الدولة العباسية، وشأن أمراء الطولونيين وسلاطين الأيوبيين.

لذلك سعى المماليك إلى تثبيت شرعيتهم على العروش في العالم الإسلامي، وسلكوا إلى ذلك طرقا مختلفة، فحاول الظاهر بيبرس إحياء الخلافة العباسية في القاهرة، بعد أن زالت عن بغداد في دمار التتار لها سنة ستمائة وست وخمسين.

كما بذل سلاطين المماليك المتتابعون جهودًا ضخمة في حفظ بيضة الإسلام وصيانة بلاده، خاصة في مواجهاتهم الشرسة للتتار والصليبيين في أزمان واحدة، حتى أنهكوا قواهما، فمال أغلب التتار إلى الإسلام، وحمل الصليبيون متاعهم، ورجعوا إلى بلادهم.

وقد كان المظهر الديني لدولة المماليك، كحافظة لديار الإسلام ومقدساته، يلزمهم رعاية المدن والمواطن ذات المكانة الدينية، وهي: مكة والمدينة وبيت المقدس.

وكان من وجوه العناية المملوكية بالقدس: الضبط الإداري لها، وتحويلها من ولاية صغيرة تابعة لدمشق إلى نيابة أو إمارة مستقلة عنها، تتبع الدولة مباشرة، كما أدرك المماليك أن الحملات الصليبية على الشواطئ الشامية والمصرية غرضها القدس، فتصدوا لها بكل قوة.

كما اعتنى المماليك بجانب العمران في القدس، فعَمَروا المسجد الأقصى وقبة الصخرة، مثلما فعل بيبرس وقلاوون والمنصور لاجين والأشرف قايتباي وغيرهم، كذلك أنشأ سلاطين المماليك وأمراؤهم العديد من مدارس العلم في القدس، ففي عهد الناصر محمد بن قلاوون أنشأ تنكز نائب الشام مدرسة للحديث، والأمير علم الدين سنجر مدرسة أخرى.

واعتنى المماليك بتيسير سبل الحياة في المدينة المقدسة، فأنشأوا الأسبلة لسقيا الناس، مثل سبيل قايتباي.

ومن وجوه العناية المملوكية بالقدس أيضًا، أن قضاة المدينة كانوا يعينون بمعرفة السلطان في القاهرة مباشرة، وأصبح خطيب المسجد الأقصى لهذا العهد منصبًا مهمًا، يعطاه ـ في الغالب ـ أولو العلم والدين.

 

 

عدل المسلمين:

يقول الحاخام الإيطالي إبراهام الذي زار القدس في مارس سنة 1488، ثم استقر حتى صار رئيسًا للطائفة اليهودية في فلسطين ـ يقول: "اليهود ليسوا مضطهدين عند العرب، ولقد سافرت في جميع أنحاء فلسطين طولاً وعرضًا، لم يعترض طريقي أحد، ولم يمنعني أحد من التجول في أية بقعة أريدها؛ لأن الفلسطينيين لطفاء وكرماء مع الأغراب، وخصوصًا الذين لا يعرفون لغتهم. وإذا ما رأوا اليهود مجتمعين فإنهم لا يتأثرون لذلك ولا ينزعجون. حتى إنه لو قدر لأحد اليهود أن يبرز في العلوم، فمن السهل عليه أن يحتل مركزًا مرموقًا بين العرب، وقد يصبح رئيسًا لليهود والعرب في مجال العلوم".

(مجلة المتحف العربي الكويتية السنة الثانية، العدد الثالث جمادى الأولى 1407هـ،9 يناير 1987م).

 

3- وضع القدس الإداري في عهد المماليك:

في عهد الأيوبيين كان السلطان يضع في الولاية على القدس أميرًا من أمرائه، ويطلق عليه اسم "والي بيت المقدس"، وكانت المدينة في ذلك تتبع دمشق دائمًا ويُعَيَّن واليها من قبل نائب دمشق.

واستمر العمل على ذلك في حكم المماليك إلى زمن السلطان الأشرف شعبان الذي وُصف بأنه "ساس الناس في دولته أحسن سياسة"، حيث حُوِّلت القدس عام سبعمائة وسبعة وسبعين إلى ولاية مستقلة، يعين واليها من قبل السلطان في القاهرة مباشرة، والوالي مسئول أمام السلطان عن أمن القدس وسلامتها.

وزيادة في ضبط أمور القدس إداريا، ربطها المماليك بالقاهرة، وعملوا على تيسير طرق الاتصال بها، فوضعوا فيها أبراج الحمام التي تحمل الرسائل إلى العاصمة ومنها.

ولاهتمام المماليك بالواجهة الدينية لسلطنتهم، حاولوا حفظ بيت المقدس من جور نوابهم بها، فاهتموا بانتقاء هؤلاء النواب وقضاتهم ومراقبتهم، وحرصوا على تغيير نائب المدينة إن ظهر منه عجز أو ظلم ضد سكان القدس، فقد عزل الملك الظاهر جقمق نائبه على القدس خشقدم حين ظلم الرعية وشكوا من جوره، وعزل الأشرف قايتباي الأمير خضر بك ومن بعده دقماق نائبي القدس حين قسوا على أهلها، وظلما الخلق.

وكانت اختصاصات نائب القدس وسلطاته هي النيابة عن السلطان في حكم المدينة، بـ "تنظيم العمل بالشرع الشريف، والعمل على إعلاء كلمته، وتأليف قلوب الرعية على حب السلطان وحماية المملكة التي يحكمها، وحماية أهل الذمة فيها ما داموا طائعين، وتأديبهم إذا خرجوا عن الطاعة". ومن اختصاصات نائب القدس كذلك تحديد الولاة والعمال في الأعمال الفرعية المختصة بولايته، والمسئولين عن البريد.

وارتبطت مسئوليات نائب القدس الدينية بمسئولياته الدنيوية، فكان في أغلب أيام المماليك نائبا على الخليل والقدس معا، وناظرا في الحرمين المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي بالخليل. كما كان يستقبل حجاج النصارى إلى بيت المقدس في ميناء يافا، ويعين لهم حرسًا.

كذلك كان هناك موظفون تابعون لنائب القدس أيام المماليك، مثل كاشفِ بيت المقدس المسئول عن أراضيها وجسورها، والمحتسبِ، وترجمانِ القدس الذي يتعامل مع وفود الحجيج المسيحية القادمة من أوروبا وغيرها، ووكيلِ بيت المال، ونقيبِ الأشراف من ولد علي بن أبي طالب، وناظرِ كنيسة القيامة.

وهناك مجموعة أخرى من الوظائف الشرعية التي كانت في القدس تابعة لنائبها كالقضاء، والخطابة في المسجد الأقصى، ومشيخة المدرسة الصلاحية.

 

 

4- الصليبيون ومحاولات يائسة لاحتلال القدس:

حينما كانت الحرب مشتعلة بين المسلمين والتتار في بلاد الشام وعند مدخل مصر الشرقي، وقف الصليبيون يترقبون الموقف، وما سيسفر عنه القتال المحتدم في عين جالوت، أملاً في نيل نصيب من الدولة الإسلامية المتداعية، خاصة بيت المقدس، لكن المفاجأة المذهلة بانكسار التتار وانتصار المسلمين قضت على الآمال الصليبية، وزادت من خوف أوروبا على ما تبقّى في يدها من ممتلكات في الشرق.

وكان خوف الأوروبيين في محله، إذ تفرغ المماليك لقتال الصليبين والتتار معا، فأنهك الظاهر بيبرس قوة الصليبيين في حروب متواصلة حتى توفي سنة 676هـ، واستعاد منهم مدنا طال بقاؤهم بها، مثل أنطاكية وطرابلس وصفد، وواصل قلاوون سبيل الظاهر بيبرس حتى توفي هو الآخر سنة 689هـ، وخلفه ابنه الأشرف خليل الذي دمر قلاع الصليبية في الشام، وشتتهم واستعاد منهم المدن التي استعصت على من قبله من الأبطال والقادة العظماء، مثل عكا التي استعادها سنة 692هـ، وظل يكافح الصليبية في الشام حتى حملوا رحالهم ومتاعهم ورجعوا إلى أوطانهم تسبقهم الحسرة القاتلة.

وبعد الرحيل بقي الصليبيون على حالهم من التطلع إلى بيت المقدس، واعتبارها حقا خاصا بهم، وإن أتاح لهم المسلمون فرصة الحج إلى الأماكن التي يقدسونها في المدينة المباركة!

وقد سجل أحد حجاجهم سنة 722هـ انطباعه عن المدينة وحالها فقال: "إن الرب لن يدع بيت المقدس طويلا تحت حكم الخطاة والمذنبين" أي المسلمين!

وبعد هذه الزيارة بثماني سنوات، بينما كان يجلس على عرش السلطنة الناصر محمد بن قلاوون ـ ذو الشأن الرفيع بين سلاطين المماليك ـ أتى وفد من قبل ملك فرنسا يطالب بالقدس، فأجابه الناصر بقوة، وبأن التتار الذين كانوا يشغلونهم بالأمس قد صاروا اليوم مسلمين.

وبعد أكثر من ثلاثين سنة أنشأ بطرس الأول ملك قبرص "طائفة السيف" ؛ "لتخليص الأرض المقدسة من يد المماليك"، وقدم المحاولة الأخيرة، والفاشلة، من أجل الاستيلاء على بيت المقدس عن طريق السيطرة على مصر أولا، فشن حملة شديدة على الإسكندرية سنة 767هـ، في عهد الأشرف شعبان، لكنها بالرغم من قوتها وأثرها السيئ على الإسكندرية ـ رجعت دون أن تحقق أهدافها.

وبذلك ماتت المحاولات الصليبية للاستيلاء على القدس عن طريق سواحل مصر أو الشام، وانشغل الأوربيون بشأنهم الداخلي، والصراع الديني داخل الكنيسة الأوروبية، والصراع بين السياسة والدين عندهم.