الطاهر وطار

 

الطاهر وطار

 

 

الولي الطاهر

يرفع يديه بالدعاء

رواية


 

الإهداء

 

إلى الشاعر الكبير سميح القاسم. من رأى منا منكرا فليغيره, بيده, وإن لم يستطع فبلسانه, وإن لم يستطع فبقلمه, وهذا أقوى الإيمان.

الطاهر وطار


تأشيرة عبور

 

في الشمعة والدهاليز, ظهر الولي باسم سيدي بولزمان, وهو الذي حرك أحداث الرواية, حيث يختلط الأمر بينه وبين البطل الأساسي, الشاعر, وكذا البطلة, الخيزران, وفي رواية الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي, جاء الولي يحمل اسمه مضافا إليه صفة الطهارة, وقد تجنبت الصلاح, حتى لا أتطاول على المرتبة التي يتمناها الأنبياء, وحتى أتخلص أيضا من كثير من قوانين وطقوس التصوف, التي لست في الحقيقة لا في حاجة إليها ولا أستهدفها.

والولي سواء أكان سيدي بولزمان أم الولي الطاهر, كما عبرت عنه, حسبما يبدو لي, هو العقل الباطن للإنسان المسلم المعاصر, في تجلياته العديدة, التي تتمثل في الحركات الإسلامية بشكليها الفردي أو الجماعي, في الحركية أو السكونية. كما هو الشأن في ردود الأفعال التشنجية, أو الرافضة سلبا.

وكما هو واضح من العنوان, فإن الولي الطاهر في هذا العمل الجديد, اكتفى بأضعف الإيمان, وهو المواجهة بقلبه, إذ دعا ربه, أن يسلط على الأمة ما تخافه وتخشاه, حتى تخرج من عنق الزجاجة التي وضعه الآخر فيها.

إن دوام الحال من المحال, ولكن المخرج, هو الذي يغيب عن الجميع, أكانوا حركات سياسية ودينية, أم مفكرين باحثين.

بالنسبة لي – كما أحس- وليس لي غير هذه الوسيلة, الحالة مرضية, أعيش أعراضها, وأحاول التعرف عليها, تاركا للباحثين بمختلف أنواعهم, وضع وصفات العلاج, وسأظل في جميع الأحوال, أطاردهم بمعايشة الحالة.

لقد جاءت هذه الرواية, جزءا ثانيا للولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي, ولو كنت ناقدا لقلت إنها جزء ثالث, للشمعة والدهاليز.

الموضوع واحد, والشخوص هم, بأسمائهم وصفاتهم, وبخصوصياتهم.

لقد استعملت عبارة جزء, بدل عبارة الكتاب الثاني, ولم لا, فقد أكون بصدد كتابة رواية واحدة, كلما تعبت, وضعت لها عنوانا جديدا.

إذا كانت الظاهرة الإسلامية, هزت العالم, فلم لا تحير العبد الفقير الطاهر وطار.

لم أكن إطلاقا, أنوي كتابة رواية هذا العام, فلدي مشاريع قصص قصيرة, يلازمني بعضها منذ ما يزيد عن عشر سنوات, بالإضافة إلى إرهاق سنة كاملة من الجهد في الجاحظية, لكن ضغط الظروف العالمية, والوضعية في العراق والعالم العربي والإسلامي, فرض علي رواية, لم أعايشها, سنوات عديدة, كما هو الشأن لباقي أعمالي.

لم أشأ أن أوقظ الولي الطاهر من غيبوبته, التي يرى فيها ما يرى, فلعلني كمواطن عربي, أعيش أحلام يقظة معه.

شاطئ بن حسين. شنوة

‏04‏-09‏-2004

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التحديق في الزمن

 

 

أعاد الولي الطاهر تأمل الشمس التي كان اعتراها الخسوف, فبهره الوهج, وتساءل عم يبحث. نسي أنه كان هناك قبل لحظات, خسوف كلي فجائي, لم يتنبأ به لا العرافون ولا المنجمون ولا العلماء.

- يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

تمتم والتفت كأنما يبحث عن شيء ما. لربما عن الأتان العضباء, التي طاف بها الكون عبر القرون بحثا عنها, والتي عرف بعد فوات الفوت أنها كما قالت بالحرف الواحد:

- بلاَّرة.

بلاَّرة ابنة الملك تميم بن المعز، زوجة الناصر بن عَلَنَّاس بن حمَّاد الذي سِرتُ إليه في عسكر من المهدية حتى قلعة بني حماد تصحبني من الحلي والجهاز ما لا يحد، أمهرني الناصر بأربعين ألف دينار. أخذ منها أبي دينارا واحدا وأعاد إليه البقية.

ابتنى لي قصرا منيفا سماه باسمي. لذا ما أن يقوم قصر في أي برٍّأو فجٍّ, إلا وكنت سيدته الأولى والأخيرة.

أنزل من السماء فأتخذ موقعي.

كنت يا مولاي الولي الطاهر، كابنة مُجّاعة[1][1]، قبلت عن طيب خاطر الزواج من الناصر تربة العز، لا لكونه سلطانا قوي النفوذ أذل كل متمرد، إنما لأقيَ قومي، شر الحرب وويلاتها.

- يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

 لربما يبحث الولي الطاهر عن غيرها.

حاول أن يتذكر لمن يكون هذا العطر الذي يغمره, ومن أين ينبعث, لكن بلا جدوى.

-  أدخل يا مولاي.

جاءته الدعوة من صوت نسائي هيئ له أنه سمعه قبل الآن, في مكان ما من الكون, وبمناسبة ربانية ما.

- أدخل يا مولاي.

كانت أبواب ونوافذ المقام الزكي مشرعة, فانجذب للنداء الذي كان يرتفع وينخفض في تنغيم جميل.

القاعة الفسيحة مغمورة بالرمل وبتماثيل حجرية لرجال في جناح, ولنساء في جناح ثان تنتصب على مقاعد من خشب, عليه نقوش جميلة وموثرة بقماش مطرز بالذهب, تتوسط الجناحين مقصورة, يتربع فيها شخص من طين, لحيته في حِجْره, أمامه منضدة صخرية, فوقها أدوات وسجلات تحجرت, يعلوها غبار أصفر كثيف.

- اصعد يا مولاي

تنغم الصوت الأنثوي, كأنما هو صادر عن آلة موسيقية وترية. انساق نحو السلالم, يتبع النغمات الساحرة, ليجد نفسه في قاعة فسيحة, تعمرها جثث تماثيل خشبية, لشباب في سن متقاربة على ما يبدو, ممتدة على أسرّة من صخر كأنها لقبور أثرية.

عدّ الأسرّة. مائتان بالتمام والكمال.

ومضت في ذهنه صور باهتة من ماض لا يدري ما إذا كان بعيدا أو قريبا, وهو يدقق النظر في لحى التماثيل التي تبلغ الأرض, وكما لو أنها لم تتوقف عن النمو, ما جعله ينتبه إلى أن لحيته هو بالذات, تبلغ ركبتيه ولا يدري متى بلغت هذا الطول.

بلغته أنَّات تستغيث, كأنها لجرحى حرب ما تزال على أشدها:

- بلاّرة.. بلاّرة.

- اصعد يا مولاي.

دعاه الصوت المنغم فواصل الصعود ليجد نفسه في قاعة شبيهة بالتي كان فيها, إلا أن التماثيل الممتدة على الأسرّة كانت من شمع أو من مادة شبيهة على ما يبدو.

عد الأسرّة فكانت مائتين وواحدا, أحدها فارغ.

كانت الأنَّات هنا لأصوات نسائية, تردد في توجع جارح ووهن بالغ, جملة واحدة:

- مالك بن نويرة[2][2]... يا كبدي... خدعت أيها الشاعر الممتع بالجمال.

محتويات الطابق السادس تتشكل من جرار مكلسة, ومن جثث محنطة أيضا, تفوح منها رائحة الرطوبة والتراب, ويبدو أنها لمشائخ أو لأئمة, فقد كان على رؤوسها عمائم ذات ألوان مختلفة.

- مولاي الولي الطاهر هذه خلوتك وطريقك إلى حبيبك.

أحدثت عبارة الولي الطاهر رجة في رأسه, وظل لحظات يرتجف ويشعر بما يشبه الدوار, حتى أنه مد يديه يبحث عن شيء يتوكأ عليه.

- مقامك الزكي يا مولاي. أوَ نسيت بلارة؟  أما كنت تبحث عني يا حبيبي؟

- بلارة.. بلارة.

اهتز وقار الولي الطاهر وهو يهتف, ثم سرح في ماض يومض له...

..........

- هيا يا مولاي. هيا....هيت لك.

- أستغفر الله العلي العظيم. أستغفر الله. يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

- هيت لك.

- توقفي يا سجاح[3][3].

انتصب الولي الطاهر في وقفته، بينما هي تتقدم منه شبه عارية، بضة، رشيقة، لطيفة، ينبعث منها السحر، موجات من نور.

- يا خافي الألطاف. نجنا مما نخاف.

- ومما تخاف يا مولاي؟

..........

تجول في خاطر الولي الطاهر الأفكار والآراء سريعة سريعة، بينما المرأة تزداد بهاء، ورونقا، وإغراء، واشتهاء

- مولاي. مقامك الزكي هذا، بطوابقه السبعة، خال إلا مني ومنك. أنت في الخلوة تصلي، وأنا في الفضاءات أحلم بك، وها أنني عثرت عنك، فكيف تريد أن نفلت من بعضنا.

... تريد بي شرا يا مولاي، أقرأ ذلك في كل حركاتك وسكناتك، وفي لون وجهك الذي ما فتئ يزرورق.

قلت لك، إنني لست النبية الكاذبة سجاح، كما أنك لست مسيلمة[4][4].

- لو أنني متأكد مما تقولين أيتها الجنية، لتزوجتك على بركة الله وسنة رسوله.

- مولاي. قالت متأوهة.

.........

ارتمت في أحضانه، تراءت له أم مُتْمِم[5][5]، تضع القِدْر على رأس زوجها ثالث الأثافي، تراءت له سجاحا، تختلي بمسيلمة، فتمنحه نبوَّتها، ثم تستل عليه السيف. تذكر المائتي بنت المسحورات اللائي، تنفي بلاَّرة هذه, وجودهن ووجود غيرها، تذكر زفاف الليلة الذي أمر به.

غضة لدنة دافئة دفَّاقة, كانت بلارة بين يديه.

- يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

قال وأمسكها بقوة من كتفيها، يدفعها إلى الخلف، محدقا في وجهها الذي اعتلته الحمرة، فازداد بهاء وروعة.

- الآن أعرف ما إذا كنت إنسية أم لا.

- أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى البحث عني, فلا تعثر علي, حتى وإن كنت تحت قدمك.

- الآن أعرف ما إذا كنت إنسية أم لا.

- أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ينمحي مخزون رأسك ولا تستعيده إلا بعد قرون، فيعود إليك قطرة فقطرة ونقطة فنقطة. تجوب الفيْف هذا, مئات السنين، فلا تعثر على طريقك، ويوم تعثر عنه، تبدأ من البداية.

أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى خوض غمار الحروب، فتشارك في حروب جرت، وفي حروب تجري، وفي حروب ستجري، إلى جانب قوم تعرفهم، وقوم لا تعرفهم ولا تفقه لسانهم، ولا تدري لماذا يحاربون.

أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى حز الرؤوس وخنق الأطفال والعجائز والعجزة، وحرق الأحياء.

تموت ألف ميتة وميتة، ويسقي دمك، كل صقع رُفِع فيه الآذان، وفي كل عودة لك تعاودك بلوى البحث عني من جديد دون أن تدري عم تبحث.

لن يبقى مني يا مولاي, سوى عبق عطر, تذروه هبات سماوية رقيقة, وصوت, تعزفه مخلوقات نورانية, لا تراها ولا تراني.

رأت الشر في عينيه. تخلصت منه وراحت تركض في الغرفة التي كانت تتسع كلما جرت, حتى صارت ساحة فسيحة لا يحدها البصر، مفروشة بزربية خضراء، وينسدل على نوافذها الكبيرة, أسترة باهتة الصفرة، وتنْصبُّ من سقفها الأزرق, أنوار أرجوانية تتشابك دوائر دوائر.

تمكن منها أخيرا، هتفت مرعبة:

- اقتلني خنقا يا مولاي وإياك وسفك دمي.

- وهل لك دم يا ابنة النار؟

بلغ الغضب ذراه، فتراجع كل تردد. صعق.

امتدت يداه معا فسلَّتا قرطين من أذنيها، وسال الدم على عنقها الطويل الرفيع.

تأوهت متألمة. ظلت لحظات تتأوه, ثم راحت كلما أشهقت موجوعة, تختفي في ضباب رمادي، إلى أن غابت نهائيا.

- تمكنوا منك يا حبيبي.

كانت تلك, آخر جملة لفظت بها والضباب يبتلعها.

ذاكرة الولي الطاهر تستعيد صورا وأخيلة، عن وقائع جرت، لكن لا يميز، أو حتى يتصور زمن وقوعها، الأمس واليوم والسنة الماضية، والقرن الماضي، كلها، آنٌ, قد يصغر وقد يكبر، قد يطول وقد يقصر, قد لا يكون سوى ومضة, من ومضات حلم, أو كابوس.

وميض. وميض. مناظر تتشكل، وتختفي.

ها هي بلارة بنت تميم بن المعز تعاوده، كما خاض المعركة الفاصلة معها، وليس كمجرد رغبة، ظلت تدفعه في الفَيْف سعيا وراء لا شيء.

الماضي، يغرق في الضباب. بل إنه يومض.

نعم, الآن أتذكر جيدا. أتذكرها بلارة حبيبتي. جاءت لننشئ نسل كل الناس, فخفتها, شككت فيها, وظلمتها. يا للظن الإثم.

أسلت دم حبيبتي فلحقتني ولحقتها البلوى. تحولت إلى أتون عضباء, لا يختفي أثر الجرح من أذنيها, ليمتص ذباب لعين, دمها, أركبها دون أن أدري أنني أركب روحي, ولما عرفت الحقيقة, ازداد عذابي وتضاعفت شقوتي.

رباه عفوك, فما ظلمت إلا حرصا على دينك. وما فعلت إلا ما قدَّرتَ.

اقتحم الطابق السابع, ليجد نفسه في مقامه. قاعة ليس لأبعادها حدود, كلما امتد البصر, امتدت, إن طولا وإن عرضا, وإن علوا. كل ما فيها, هلامي, شبيه بأخيلة النائم, يشعر المرء فيها بأنه, يتواجد في كل ذرة مما يقع أو وقع عليه بصره, كما يشعر بملئه لكل الأزمنة, إلى درجة أنه يحس بالانعدام, كائن وغير كائن, هو هو وليس إطلاقا هو.

اعتلى سجادا من جلد الغزال, وانطلق يؤدي ركعتي تحية المقام والملائكة.

استغرقت الركعتان دهرا لا يعلمه إلا أهل الذكر, استيقظ منه الولي الطاهر فرحا نشيطا, يقظ الروح والجوارح.

بلارة, وكل ما تعلق ببلارة, سواء قبل ظهورها أو أثناءه أو بعده. بلارة. ما بلارة إلا ومضة تسكن تجويفا من تجاويف هذا العقل الشامل للكبيرة والصغيرة في الزمان والمكان. شأنها شأن شخوص وأحداث التاريخ منذ آدم.

اشتاق الولي الطاهر إلى شيء ما لا يدريه, يحس بالحنين يفيض في صدره, يشعر بنوع من الظمأ الروحي لشيء ما, يروي الغليل, وينتظر أن يهب عليه من حين لآخر.

يعلم أنه آت لا محالة, فالروح لا تتوق إلا لما لها صلة أو ارتباط به.

يرى الولي الطاهر الأزمنة التي مر بها, وهي قرون وقرون, ولكن لا يعلم في أي زمن هو الآن.

يعسر على المرء أن يمسك بكل الأزمنة في الآن الواحد, خاصة عندما تتكدس كلها في لحظة واحدة.

هذا القطار العابر للأزمنة, لا بد له من محطة في آخر الأمر.

فكر الولي الطاهر ثم تقدم من عرشه, واستوى يحدق فيها. الأزمنة. كما لو أنه يطل من نافذة القطار.


التأرجح المتقاذف

 

 

في ذات الآن, يذرع العالم العربي من المحيط إلى الخليج, غاديا رائحا, بسرعة البرق, ويضرب في عمق التاريخ, نازلا صاعدا كالكرة المتقاذفة بجاذبية قوية, وبنفس السرعة.

يطل على شوارع دبي, يتأمل الروسيات والبلقانيات, الشقر الممتلئات, المتراميات في الشوارع كالجواميس الضالة, وحولهن من بعيد أو من قريب, علوج, حليقو الرؤوس, يملأ الوشم الملون زنودهم وأكتافهم وصدورهم, يوهم كل واحد منهم, أنه الحارس غير الأمين لهذه أو لتلك, والحامي الراعي لكل قرش يدخل محفظتها. يصنعون أوروبا وهمية في أقصى الشرق.

يهبط في الزمان, ليجد نفسه, في مجلس خليفة من الخلفاء, أو يستمع إلى أبي هريرة, يقدح ذاكرته, لكي لا يكف عن الرواية.

يقول إمام جامع الدار البيضاء المنكب بجلاله, يلعق مياه بحر الظلمات, في خطبة يعيدها كل جمعة, من ميزات المسلم, طاعة الله والرسول وأولي الأمر. فيرن صداه في جامع الزيتونة والأزهر وبيت المقدس والأمويين ومكة والمدينة, ويأتي الرجع, اللهم احفظ أمير المؤمنين.

يصعد, فتقابله شاشة عرضها المحيط والخليج, تعرض مناظر الصبايا العراقيات, يغازلن العلوج الأمريكان, في حين يسّاءل هؤلاء عن إمكانية الحصول على كمية من الحشيش, أو من أي مخدر.

يحاول أن ينام في أحد الفنادق بإحدى مدن الخليج, فيمنعه أزيز الطائرات الأمريكية, التي تحوم تحت حاجز الصوت.

يصمد في قلعة غرناطة, يوما فيومين, فأياما, وعندما يلتفت إلى جنبه, لا يجد أحدا.

هربوا جميعا وتركوه.

البعض جبن. البعض باع. البعض لم يجد مبررا للبقاء في أرض ليست أرضه, وفي وطن وهمي, صنع بالغواني وبالموسيقى وبالخمور والملذات.

اعتراه الخوف, اعتلاه الغضب, غمرته الوحشة. فكر, أن يولي وجهه شطر المشرق, فيكون آخر اللاحقين, إلا أن غليانا وفورانا في دمه, فرضا عليه أن يظل مرابطا.

أطلق آخر سهم بين يديه, وتلقى أول سهم في صدره, فانمحت غرناطة وانمحى الأندلس, إثر غمضة عين, منسابا في الزمان, متلاشيا في المكان.

تروح الأرجوحة. تجيء الأرجوحة. تنزل الكرة. ترتفع الكرة.

شبه دوران للمكان داخل الزمان, وللزمان داخل المكان, في دوامة عرضها من نهر السينيغال إلى دكة, وطولها من معركة بدر, إلى مثول صدام حسين أمام المحكمة.

تغدو الأرجوحة, نواق الشوط. الرباط. الجزائر. تونس, ليبيا. مصر. عمان. القدس. دمشق. بغداد. الخليج فالجزيرة.

تتقاذف الكرة إلى فوق. الجيوش الفرنسية. الجيوش البريطانية. البرتغالية, الأسبانية, المنطقة تنغمر بالجيوش. الساحة تمتلئ بالمسيحيين. تاريخ العرب تعاد صياغته.

تعود الأرجوحة. عباد الرحمان في حالة تيهان وذهول.

تنزل الكرة. مسلمون, مسلمون, ربنا واحد, نبينا واحد, خليفتنا واحد, لكن من ليس من أمٍّ تركية, فهو مسلم من نوع ثان...

تغدو الأرجوحة. الوطن هو الصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.

 ترتفع الكرة. أحمد بن حنبل ينتصر. من فكر كفر. ولا شيء هنالك سوى الغدو والرواح في السبيل الذي عبده السلف الصالح. ولا نور غير النور الرباني.

المنارة التي اتقدت في غار حراء, هي التي ينبغي أن لا نحيد عن التحديق فيها, والالتفاف حولها, فهل تستطيع الفراشة, أن تتجاهل المصدر؟

تجيء الأرجوحة. المواطن هو شيخ القبيلة, وشيخ القبيلة وحده, هو كل الناس, وما عداه, فكائنات تفلح وترعى, تتناكح وتتوالد, تساق للحروب, وتدخل السجن وتدفع الضرائب.

تنزل الكرة. نواق الشوط. الرباط. الجزائر. تونس. ليبيا. مصر. عمان. القدس. دمشق. بغداد. الخليج فالجزيرة.

ثعبان يتلوى ويتلوى, يعاني عسر تغيير جلده, كلما سلخ شبرا عاد الجلد إلى الوراء, وكلما تلوى غلبه النعاس. ربما لأن أسنانه منزوعة, ولربما لأنهم ما يفتأون يستلون سُمه.

 تعود الأرجوحة. الوطن هو القبيلة, وحيثما ارتحلت القبيلة, ارتحل الوطن, وكل القبائل الأخرى عدوة للوطن إلى أن يأذن شيخ القبيلة.

تصعد الكرة. شيوخ القبائل يتحولون إلى حكام. بعضهم ينزع الجبة والعمامة, ويرتدي اللباس الأوروبي, ويعري رأسه, ويحلق لحيته وشاربه, وبعضهم لا يفعل ذلك إلا في المناسبات.

تجيء الأرجوحة, نواق الشوط. الرباط. الجزائر. تونس ليبيا. مصر. عمان. القدس. دمشق. بغداد. الخليج فالجزيرة.

بيضة لاقسة, وقعت فتشققت في كل مواضعها, فانتشرت رائحتها النتنة, تثير الغثيان في النفس.

تنزل الكرة. محمد بن عبد الوهاب, يستيقظ في الجزيرة, ويروح يحاول مساعدة الثعبان على الاستيقاظ, والاحتفاظ بجلده. غير أن عينيه ظلتا نصف مغمضتين, مبهورا بشمس الصحراء, فاختلطت الرؤى عليه. امتدت يداه لكل شيء في الوقت الواحد, فأضاع كل شيء. وتحولت حركة أمة, إلى انتصار قبيلة.

تغدو الأرجوحة. جلد الثعبان يتمزق, فلا هو بالمنسلخ ولا هو بالباقي. لا هو بالعاري, ولا هو بالمكتسي.

تصعد تنزل. تنزل تصعد. تجيء تروح. تروح تجيء. السرعة تشتد حتى تتحول إلى حركة, يتوقف عندها البصر, فلا يرى وإن كان يبصر, يعلم أنها حركة. وأنها تشتمل على حقائق كثيرة.

يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

ردد الولي الطاهر عندما أحس بأنه صار الأرجوحة, كما صار الكرة, وأن غدوه ورواحه, فقد معناه, ولم يبق سوى الاستيعاب. استيعاب ما حدث طوال خمسة عشر قرنا, واستيعاب حال العرب, وحال المسلمين عموما.

كل الكليات. كل الجزئيات, ها هنا , في صفحة واحدة, لا تحتوي إلا على نقطة واحدة.

يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

يختنق. يد قوية تمسك بعنقه, أصابع غليظة تضغط على أنفه وفمه. لا مجال هناك للتنفس.

يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف.

عرف لحظته. أدرك الولي الطاهر الزمن الذي تواجد فيه.

ها هنا. في زمن الوباء الذي عم ليس فقط العالم العربي, إنما كل العالم الإسلامي. زمن صار فيه العرب والمسلمون جندا للمسيحيين, يحملون أسلحتهم, ويلبسون ألبستهم, ويروجون لعقائدهم. زمن صار فيه الهروب إلى الفيافي, والبدء من البداية واجبا.

تخلص من اليدين اللتين تخنقانه, ونهض واقفا, وامتلأت خياشيمه بعبق عطر, عرف لمن هو.

- أدرك زماني. أمسك بلحظتي.

... عندما دبَّ اليأس بعد محاولات متواصلة، بلغتْ حد المواجهات المسلحة، والحروب الطاحنة، ما تزال تتواصل، ارتأيت، أن الهروب بدين الله، عنصر مهمُّ في المواجهة. نقيم في هذا الفَيْف، نتضرع للمولى، عساه يفرج الكرب، فيضع حدا لهذا الاكتساح للوباء لأمم الإسلام، وفي نفس الوقت نهرَّب ما نقوى عليه من الشبان إناثا وذكورا، نلقنهم دينهم، ونزوجهم، ونعمِّر بهم الفَيْف، منشئين أمة محصنة.

قام المقام الزكي، بأموال تجمعت من كل حدْب وصوب، حتى من أمم غير أمم الإسلام. وهبَّ الفقراء والأغنياء من الأتقياء ومن غيرهم، ممن لم يصابوا بالوباء وممن أصيبوا.

جعلناه سبعا طباقا، تحتضنها مئذنة ترتفع عنها بنصف علوها، فكان كإرام ذات العماد أو أكثر.

وشق عنان السماء في ليل الفيْف الساكن تبريح:

يا خافي الألطاف نجِّنا مما نخاف.

التحق بالمقام الزكي خلقٌ كثيرٌ، تجلبهم البركات، والكرامات، وحُسن العبادة والدعاء، وانضم لحلقات الدراسة، مائتا شاب ومائتا شابة وشابة, واحدة منهن، لا أحد يعرف لها أصلا أو فصلا، لا ربْعا ولا عشيرة ولا أهلاً، تقول كلَّما سُئلت إنها وفدت من بعيد، - ذاكرةً من حين لحين اسم المهدية وإفريقية وتونس- باحثة عن ضالَّتها في المقام الزكي.

لم ينتبه أحد ليسألها عن ضالتها، واقتنعنا جميعا بأنها هاربة من الوباء، راجعة إلى ربها راضية مرضية.

- مرحبا بك في مقامك الزكي يا مولاي الولي الطاهر.

انبعث الصوت من الجهات الأربع. عرفه الولي الطاهر, أدرك بدون أي تردد أو شك, أنه لها, بلارة, فقد نزل على قلبه كقطرة من الكوثر, في الفيف الظمآن.

اكتوت الجمرة, بالقطرة الزلالية, فراحت تتبخر دون أن تنطفئ.

- انزلي المقام آمنة مكرمة يا بلارة.

قال الولي الطاهر. تجرأ فقال ذلك, دونما تردد, أو اضطراب.

ها قد قطع الخطوة الأولى في الوثبة التي كانت بلارة قد دعته إليها, منذ زمن غير معلوم.

- مولاي. عندما يؤذن لشظايا الأرواح أن تلتئم, أكون لك وتكون لي.

- متى يكون ذلك يا بلارة؟

- عندما تفقد الخوف يا مولاي, فأنت ما تفتأ تدعو خافي الألطاف أن ينجيك مما تخاف.

- كيف ذلك يا بلارة؟

- أعداؤك يسعون لما يخيف, ويأتون كل ما يخيف.

- بلارة لماذا تنطقين بالحكمة وكما لو أنك من الغابرين.

- إنه العلم يا مولاي. فعندما رصدوني وأسكنوني أجهزتهم وأقمارهم, نسوا قتل خلية في دماغي, فتسربت علوم الأولين والأخيرين, من الإنس والجن, إلى رأسي, وفي الحق, تذكرت ما كان وما سيكون, مما علمه الله لآدم, عليه السلام, وجرت حكمته, أن لا تتكشف الأسماء إلا بميقات.

- متى تنزلين يا ابنة النور؟

- عندما يصير القار ماء زلالا, وتسود الجبب والقمصان والعمامات فتنتزع, وتخشوشن الأيدي, وتخضر الفيافي القاحلة, ويصير التراب هو الوطن, والجار هو القبيلة والعشيرة. ويكون الدين لله, والحكم للناس.

- إن هذا لمخيف يا بلارة.

- فادع الله أن يسلطه على عباده.


العكس أصح ..!

 

لا يدري الولي الطاهر, ما إذا كان صوت بلارة, يأتيه من خارجه أم من داخله, ففي الحق, كانت هناك حمَّى باردة تهز أوصاله, حتى تبلغ العظام.

كان الولي الطاهر في مثل تلكم الحالات التي تسبق وضعيات الصرع التي تنتابه, كلما اشتد به الغضب, أو تراكمت عليه الحيرة وعسرت الإجابات عن ركام الأسئلة الجاثم على رأسه, أو عظم عليه الحزن, حتى حد التمزق.

امتثل لما بدا له أنه أمر, غيرَ مبال, بمصدره, فليس من عادة الشياطين أن تتسرب إلى صدره فتوسوس له.

توضأ. صلى ركعتين. رفع كفيه يدعو مغمض العينين.

-  يا خافي الألطاف. سلط علينا ما نخاف.

ظل يصلي ويكرر الدعاء تسعة وتسعين مرة, إثر كل ركعتين, متجهدا.

الله وحده يعلم كم زمنا انقضى على التوسل الحثيث أمام باب المعشوق, حتى خيل إليه أنه ينفتح, وأن صوتا ملائكيا يأتيه:

- ابشر أيها الولي الطاهر, ربك استجاب لدعاء ظل ينتظره, منذ سقوط الدولة العباسية.

تجاهل الصوت, وما يقول, وواصل الصلاة والدعاء, وفي كل مرة ينتهي من الدعاء ترتفع الحمى, فتزداد اشتدادا عليه, ويزداد العرق انصبابا من كامل جسده, حتى أن لحيته ثقلت من البلل, فعند باب المعشوق, ينسى العاشق سبب التوسل, وإلا كان عاشقا, مقايضا, يعطي ويأخذ.

لم يكن يسمع ما يأتيه من أصوات, تحمل مفردات بشرية فقد داهمته الصرعة التي فارقته, منذ فتح عينيه, يتأمل الشمس الخاسفة. ويتشمم عبق عطر بلارة. راحت عضلاته, تتقلص واحدة إثر الأخرى, عضلات رجليه, ثم عضلات فخذيه, ثم وسطه, ثم صدره, ثم ذقنه, فوجنتيه, وعندما اهتزت عضلات قفاه, شعر بارتجاج في رأسه, فهوى.

ظل زمنا يتخبط, ينتظر الغيبوبة الكبرى, إلا أنها على ما يبدو لن تأتي, فقد أحس الولي الطاهر بأن صرعة اليوم, لا تشبه تماما تلك الصرعات التي كانت تغير شخصيته, كليا, حيث يتخلص من أحد ليكون أحدا آخر. في لحظات قصار, يكون أكثر من واحد, في أكثر من مكان.

في أفغانستان, دستم, وشاه مسعود, ومجيب الرحمن معا. ويكون في الجزائر مرة جنرالا, يقود الدبابات والطائرات والفيالق, ويستورد ويصدر, ويسن قوانين المنع والترخيص, وأميرا يهرب ويهجم, يقتل ويصلي, ويفتي بالتحريم والنهي, وبما يجوز وهو قليل, وما لا يجوز وهو كل ما فيه شبهة باختلافه, مع ما حدث في السنوات الأولى للنبوة.

يكون في مصر, مرة, نجيب محفوظ مذبوحا, ومرة داعية يستل الخنجر ليذبح نجيب محفوظ. تارة عمر دياب, يردد:

أنا حُـنين ومـنزلي النـجف  وما نديمي إلا الفتى القصف

أقـرع بالـكأس ثغـر باطية  مترعة نـارية وأغـتـرف

مـن قهوة باكر التجارَ بـها   بيتُ يهودٍ قِـرارها  الخزف

والعيش غض ومنزلي خصيب لم تغذنـي شقـوة ولا عنف

وتارة مجاهد, يتسلل بشحنة من المتفجرات لينسف, الركح الذي يقف عليه عمر دياب.

الجسد بكل مكوناته. والفؤاد بكل محتوياته. العِرْق النابض والعرق الميت. يقتل ذاته, تخلصا من ذاته, في محاولة إحياء ذاته.

جراثيم الوباء الذي جاء مع المستعمرين, المتفشية في الجسد الواهن, هي التي تتصارع, في كياننا, وكلما تقدم الزمن توغلت فينا, وازداد رفضنا لها.

الثعبان المصروع, يكابد عسر تغيير جلده.

بين يقظة ونوم, بين الوعي بمجريات الأمور, وبين توهم حدوثها, بين تحليق انسيابي في عوالم لازوردية, وغطس في بحر من حرير تنفشه, أنامل بلارة, متعددة في آلاف البلارات. لهن بسمة واحدة, ولهن صدر واحد.


 

 

رسالة من تحت السواد الدامس

 

 

أحس الولي الطاهر بيدين لطيفتين, تحملانه, وتجلسانه على عرشه في مقامه الزكي, فينفتح تلفاز شاشته, لا يحدها  نظر.

ماعدا بعض نقاط ملونة, حمراء وخضراء, مضاءة, والصوت الذي ينبعث بجميع اللغات, لكنها, موجزة في لغة واحدة, يفهمها المرء, دون أن يدرك أية لغة هي, أهي إنكليزية, أم صينية, أم لغة قبيلة بالوبا. فلا شيء آخر.

انتظر أن تضاء الشاشة, فتبرز منها صورة ما, وقد تكون بلارة بالذات والصفات, لحما ودما. بسمة خجلى, وعطرا فواحا, الوجه البشارة الذي يستهل به البث.

سيداتي سادتي, ظاهرة غريبة تعترض العالم العربي حاليا, فضوء الشمس اسودَّ منذ لحظات, ولم تنفع معه أية إنارة, والخبراء من جميع أنحاء العالم, ينكبون على دراسة الظاهرة.

سيداتي سادتي نعتذر عن عدم ظهور الصورة, فذلك خارج عن نطاق إرادتنا. وقد علمنا أن الظاهرة, عمت كل الفضائيات المرسلة من العالم العربي, أو الموجهة إليه. 

أيها السادة والسيدات. الظاهرة أخطر مما كنا نظن, فبالإضافة إلى أن الصورة التي اسود عليها النور, هي لرئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية, وهو يلقي خطابه من على متن حاملة الطائرات, أبراهام لنكولن, بالإضافة إلى ذلك, فإننا على الأقل هنا, حيث نحن, لم نعد نرى بعضنا البعض. لكن, انتظروا, فمراسلونا, من جميع البلدان العربية, على اتصال بنا حاليا. ونلفت انتباهكم سيداتي سادتي إلى أننا جميعا تسمينا بعبد الرحيم فقراء حتى لا نضطر للتفكير في أسماء بعضنا كل مرة فيضيع وقت ما أحوجنا إليه, فمراسلونا ينبثون في كل أنحاء العالم, ثم إن لهذا الاسم بالذات إيحاء معينا يرتبط بالمثقف وبرجل الإعلام, مع اعتذارنا لصاحب الاسم الحقيقي مراسل زميلتنا من واشنطن.

نواق الشوط. الرباط. الجزائر. تونس, ليبيا. مصر. عمان. القدس. دمشق. بغداد. الخليج فالجزيرة.

الظاهرة عامة, ما عدا في القدس, فهناك مناطق يسود فيها النور الأبيض. 

- وماذا في رام الله, يا فقراء ؟

- في رام الله كل شيء يجري في الظلمة التي ما بعدها ظلمة.

كبير مراسلينا الآن في الجزيرة والخليج على اتصال غير مرئي بنا, فانتظروا.

- أحدثكم وكما لو أن عصابة سوداء على عيني, حتى أني لا أدري ما إذا كانت يدي أمامي أو خلفي. أين اليمنى, وأين اليسرى. إنني فعلا لا أكاد أفرق بين هذه وتلك.

- نحن في نفس الوضعية. حدثنا كيف بدأت الظاهرة؟

- المسألة في منتهى البساطة. النور الأسود بدأ يصعد من مناطق آبار النفط, حتى بلغ عنان السماء, ثم راح, على مرأى من أعيننا جميعا, يمتد مداهما زاحفا, مترا فمترا, ثم كلمترا فكلمترا, ثم منطقة فمنطقة, حتى غمنا.

- هذا صحيح فالأقمار الفضائية, تتحدث مرة عن كرة مستديرة, في شكل بطن منتفخة, ومرة عن شيء مستطيل, أشبه ما يكون بقربة معز مشعرة.

- هل هناك ضحايا؟

- لا والحمد لله, فما عدا الانتحارات التي تتواصل دون هوادة, ظنا من الناس, بأن الساعة قد قامت, فلا شيء يذكر.

- وهل صدر شيء عن السلطات الرسمية؟

- حتى الآن لا. فنحن في منتصف النهار, والمكاتب الحكومية خاوية الآن. وإنكم لعلى علم, بأن مسابقات الهجن استمرت حتى فجر اليوم تحت الأنوار الكاشفة, كما أن السواحل الأوروبية, وخاصة الأسبانية, تستوعب عددا غير قليل من أولي الأمر بعد سنة كاملة, من السهر الدءوب على سير الأمور, خاصة تعبيد الطرقات, ثم حفرها وإعادة تعبيدها.

- ثم ماذا؟

- أكثر من إمام أعلن في الخلوي أن الأمر لا يتعلق بقيام الساعة, مطلقا, فهذه يسبقها – شرطًا - ظهور المسيح الدجال, والمهدي المنتظر, وكذا ظهور صاحب الدابة, والريح الصفراء التي تقضي على كل كافر, وشروق الشمس من مغربها, وما إلى ذلك من العلامات الصغرى والكبرى, ومهما كان, فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق, وأمتنا والحمد لله تتوفر على أفاضل الخلق شرقا وغربا, يتقدمهم أولو الأمر منَّا.

إنّا لننصح المسلمين, بالإكثار من الصلاة ومن الاستغفار, والبقاء داخل المنازل ما أمكن ذلك.

وقد سألت الإمام الأكبر, وهو كفيف يتنقل حيثما شاء, فالنور بالنسبة إليه, أصلا أسود, سألناه بعد ما حضر إلينا, وتفضل فاقترح أن يكون مرشدا لنا, حتى يفرج الله الكرب, الذي سلطه على عباده, جزاء ما فعلت أيديهم:

- ما معنى داخل المنازل؟

فقال منفعلا, البقاء حيث هم, فلا أمام ولا خلف, ولا يسار ولا يمين, لمن لا يبصر, وكل ما هنالك, فضاء يحسن التحرك فيه.

- نتركك الآن, ونعود إلى كبير مراسلينا في الضفة والقطاع.

- عبد الرحيم فقراء, ما الجديد عندكم؟

- السواد يشمل المناطق العربية فقط, وكاميراتنا لا تعمل حتى في المناطق الأخرى. إنما الغريب في الأمر, هو أن المناطق المشمولة, تقع في حدود التقسيم الأول الذي لم يقتنع به العرب, الأمر الذي جعل الكنيست ورئيس الوزراء وأعضاء حكومته, ينتقلون على لمح البرق, على ما يبدو لكي لا تفلت منهم المبادرة, إلى تل أبيب, وقد تشكلت خلايا متابعة, شملت كل بيت وكل حي, كما شملت كل فصائل المجتمع الإسرائيلي, بما في ذلك السحرة الذين صرح كبيرهم, بأن عفاريت سيدنا سليمان هم الذين انطلقوا من أعماق الأرض, ليعلنوا عن غضب الرب من التأخير في إعادة بناء الهيكل.

ومع ذلك, فلا تعدم أصابع سيّست الظاهرة, متجهة نحو إيران, وبوجنبورة, إذ لا علم بدون سحر, ولا سحر بدون بخور- كما قيل.

وقد حاولنا الاتصال بالمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية, الدكتور حنزليقة, فلم نفلح, حيث أننا في كل مرة نتلقى صوت امرأة, يعلن بفضاضة, أن الرقم غالط.

- سيداتي سادتي. نتوجه الآن إلى كبير مراسلينا في المغرب العربي الذي هو على الخط منذ لحظات. نعم كلنا - كما هو الشأن بالنسبة لغيرنا- نسمع ولا نرى. ما الجديد عندكم؟

- هنا رام الله, انتظر, فهناك جديد مهم جدا.

- ماذا هنالك؟

- الأمر يتعلق بأبي عمار, رئيس السلطة التنفيذية.

- ما الأمر؟

- أغلق الباب دونه, واستخرج مسدسه, وصدرت طلقة.

- ماذا تقول. خير إن شاء الله.

- لا. اطمئنوا, فالانتحار مستبعد, وأبو عمار من فصيلة المسلمين أقوياء الإيمان بالله, وعزيمته لا تهن ولا تضعف, وتشبثه بالحياة, جزء من نضاله.

- هذا معروف. فما الأمر من فضلك؟

- مجرد حادث عارض, تسبب فيه ارتجاف أصابع يد الرئيس.

- الحمد لله أن كانت الطلقة في الهواء.

- ليست في الهواء تماما, فهناك حديث عن أن دحلان مستشار السيد الرئيس, يكون قد أصيب.

- وهل من أخبار أخرى؟

- حسب ما علمنا من مصادر جد مقربة وعليمة, فإن الغضب اشتد بالسيد الرئيس عندما اقتُرح عليه, اغتنام الفرصة للهرب.

سألهم, هل تعرفون الشرق من الغرب؟ واليمين من الشمال, فلما أجابوه بالنفي تساءل, وعلى فرض أن أحدكم يعرف الطريق, فهل نترك السلطة أم نأخذها؟

شعر باقتراب أحدهم منه, فكانت الطلقة, فكان دحلان كما قلت. ويقال إن السيد الرئيس, أصيب بنوبة هستيريا, جعلته يصرخ فترة غير قصيرة:

رئيسا. رئيسا. رئيسا.

- كان الله في عونه. ما أخبار باقي الوزراء, والسيد رئيس الحكومة بالذات؟

- لقد بلغهم خبر الإمام الكفيف, فراقهم الحل, ووجه كل واحد منهم عن طريق الخلوي, نداء, يعلن عن توظيف وزارته لأقصى عدد ممكن من العمي.

- نعود إليك فيما بعد, لنفسح المجال لمراسل آخر.

- هنا في تونس الخضراء الزغاريد تجلجل مغردة, تملأ الفضاءات التونسية المتماسكة الصامدة النقية الطاهرة بفضل السياسة الرشيدة للسيد الرئيس, لقد شاع بين الناس, أن العملية, وما تحمل من معنى ومغزى, لا تعدو أن تكون دعابة, تسبق احتفالا سياحيا, المقصود منها, إقامة ليلة الغلطة, فقد أرست اليوم بواخر تحمل سواحا ألمانا يقال إنهم كلهم من يهود فرانكفورت, سيتوجهون إلى شبه جزيرة جربة, بعد أسبوع, هذا إلى جانب حلول طائرات بسائحات روسيات, قيل إنهن سيقضين شهرين في الخضراء ولربما أكثر.

على كل الزغاريد ما تزال تصدح, والناس يخبطون خبط عشواء مبتهجين مهللين, مثنين.

- وهل درى التوانسة, أن الظاهرة قومية؟

- تعلم أن العالم العربي يبدأ وينتهي في تونس, وأن الخطاب السياسي والإعلامي, يطلق نعت الأمة على الشعب التونسي. إن عواقب تدخل عبد الناصر في الشأن التونسي في الخمسينات, لم تنمح بعد, بل إنها تتكرس يوما بعد آخر, رغم أن لطيفة العرفاوي, لا تكاد تفارق القاهرة, مع أنها, تعلن عن تونستها وولائها, كلما تواجدت هنا بارتداء العلم التونسي. وأن المطربة التونسية الكبيرة ذكرى, استشهدت منتحرة في القاهرة, حيث بكاها كل الوسط الفني. وأنه لا يوجد تونسي واحد, لا يستمع يوميا لأم كلثوم. عليها الرحمة والغفران على الأقل مرتين, ثم إن ظاهرة تدخين الشباب للشيشة اكتسحت البيوت والنوادي والمقاهي والفنادق.

أهم من هذا كله, أن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه, أثنى على دور مصر في انعقاد دورة الجامعة بتونس, في الحفظ والأمان

هذا في تونس الخضراء, أما في الجزائر والمغرب, فالمسألة تختلف تمام الاختلاف, ففي غمرة السواد الخانق, يرتفع الآذان في كل صومعة من صومعات المساجد, إذ كما هو معلوم، معظم المساجد, لها أكثر من صومعة وصومعتين.

إلى جانب الآذان, هناك أصوات متقطعة من الرصاص, تسمع هنا وهناك, مع أصوات انفجارات ضخمة, يعقبها تكبير جماعي.

- عما ذا يعبر ذلك في رأيك؟

- كما هو معلوم, فإن الحركة البربرية, هنا وفي كامل المنطقة, حتى جزر الكناري, وباستثناء سبتة ومليلة, تحاول باستمرار التأكيد على وجودها.

- لكن ما علاقة ذلك, بموضوعنا؟

- تعلم أن الناس هنا, يجدون صعوبة في اختيار مفردة من إحدى اللغات الثلاث, العربية, والأمازيغية والفرنسية. ولهذا فأفضل لغة لديهم هي التعبيرية, ولا أدري ما إذا كان يصح استعارة كلمة السيميائية من أساتذة الأدب؟

- فهمت. وفي موريتانيا؟

- هنا في نواق الشوط التي أتواجد بها, الناس حذرون من بعضهم, وقد التزم كل واحد الصمت المطبق, حتى لا يبلغ صوته أذن الواقف جنبه, فقد أشيع من طرف عناصر معروف ارتباطها بالموساد, منذ اللحظة الأولى, أن المسألة وما فيها, صراع عرقي بين البيض والسود. حالة سودانية أخرى أعني, وأن لبوجنبورة وإيران ضلعا في الأمر.

ومهما يكن, فالأمور جد عادية هنا في المغرب الكبير. فمهما غلى المرجل, فإنه لن يفيض. إليكم الخط.

... هنا في دول مجلس التعاون, يا عبد الرحيم فقراء, الناس لا يرون بعضهم إلا سماعا. ولحسن حظ هذه الأمة أن جاد الله عليها بالهاتف الخلوي, فلولاه لكانت القطيعة المطلقة, فالثقافة البدوية, لم تختف هنا, وليس معقولا أن تختفي لمجرد ظهور العمارات الزجاجية الشاهقة, والطرق العريضة المستقيمة, والسيارات الآسيوية البراقة, وحلول الويسكي محل لبن "الحلال", والنوق.

لقد حافظ العربي هنا على أصالته, بأمرين هامين, هما القبيلة, واللباس. فالقبيلة, أخذت اسم المشيخة وإن أضاف الشيخ لقب الأمير, والدولة تتمظهر بيمانيين, ارتدوا الزي العسكري وحملوا عصيا, وصفارات, ولربما بعض مسدسات, خالية من الخرطوش.

تعلم أولادهم كل وسائل وأدوات اللعب واللهو, من ركوب سيارات السباق, إلى التحليق بالطائرات, إلى ممارسة الدعارة في البر والبحر, إلى القمار والمضاربة في البورصات. حتى أن أحد المفكرين العرب شبههم بالأرانب, نهارهم أكل وشرب, وليلهم لهو ولعب. ولقد تجرأ بعضهم, فوضع اسمه على مؤلفات يجهل محتواها, ألفها لهم بعض الإخوة العرب الفقراء, وظهر منهم علماء ومفكرون, ومحللون يحملون ألقاب الدكتور, والعلامة والباحث وما إلى ذلك.

- لقد أسهبتَ في الحديث عن صفات الخليجي, التي لا يجهلها أحد, فماذا غير ذلك؟

هناك إشكالية, في استعمال الخلوي, قال البعض في شأنها, رب ضارة نافعة. ورب نافعة ضارة. تتمثل الإشكالية في أن الإنسان لا يتبين الرقم الذي ينبغي أن يطلبه, فيطلب عشوائيا, أو يتلقى طلبا عشوائيا أيضا, وكثيرا ما تحدث محاسن الصدف, فيقع المرء في أنثى تشبعه كلاما لذيذا, أو في غلام, تجري ملاطفته, وكثيرا ما تنتهي المكالمة, بخطوبة, يتم الوصال بعدها إذا ما فرج الله بإعادة النور. ويتحدث الناس عن حادثة طريفة, حدثت قبل قليل, فقد ظل أحدهم يغازل امرأة, ويصعد معها في القول, إلى مراتب الفاحشة, وعندما حلا الأمر بالنسبة لصاحبنا, قالت له المرأة: أين كنت تخفي كل هذا الكلام الحلو, يا كلب ابن كلبة, أم كنت تقوله من ورائي للكلبة الفيلبينة؟ فما كان من صاحبنا إلا أن طلقها بالثلاث.

فيما يتعلق بالقوات الأمريكية, فلا شيء – كالعادة – يتسرب من أخبارها, إلا أن بعض الأصوات الخافتة, توجه لها إصبع الاتهام, مستندة إلى معلومات تقول إن الأمريكان, منزعجون من بياض القمصان التي يرتديها أبناء البلد, حيث أنه يحتمل أن تخطئ فيه رادارات الطائرات, فتظنه صواريخ أحضرها أتباع صدام حسين, أو جماعة القاعدة.

وعلى كل فالأمر الشاغل للناس أكثر, هو هل تظل قمصانهم البيضاء بيضاء إذا ما عاد النور للشمس.

ألا يوجد هناك ضحايا؟

بلى. ففي غمرة الهجوم على شارع الروسيات وعلوجهن, وقعت بعض صدامات واصطدامات أيضا, خلفت قتلى وجرحي, لا أحد عرف عددهم, أو كيف يواجه حالتهم. إن شاء الله يعود النور قبل أن تتعقد الحالة. إليكم الخط.

- وبالنسبة للطيران, حدثنا قليلا, هل كان كله في الأرض قبل أن تسودّ الشمس؟

لا. لم يكن كله على وجه الأرض, فهذا كما تعرفون, نادر الحدوث. لقد سمعنا وسمع شهود كثيرون, انفجارات قوية, حدثت في السماء, وفهم الجميع أن ذلك, مجرد اصطدام طائرات أمريكية, لم تتعود بعد على مثل هذا الجو.

المعلومات, من هذا الجانب شحيحة جدا, وكل ما هنالك, تكهنات, تلعب فيها السياسة, الدور الكبير.

عن الخلوي, ألم يستعمل الناس العمي, مثلما هو الشأن بالنسبة لإخوانهم العرب؟

تعلمون أن اليد العاملة, كلها هنا مستوردة, والعمي الأصيلون, يستوردون مبصرات, يقمن بشؤونهم, فلا حروف براي ولا غيرها, يضاف إلى ذلك استيراد العيون من كل مناطق آسيا, خاصة من بانقلاداش, والبلدان الإسلامية.

- سنعود إليك لاحقا, أما الآن, فقد تمكن مراسلنا من القاهرة, من إصلاح الخط.

- نعم. ومن أمام جامع الأزهر, أتحدث إليكم سيداتي سادتي, فقد قاد فريقنا كفيف, شغلناه للتو, وفي أرض الكنانة, هنا, أنشئت للتو, منظمة قومية, للعمي, انقسمت إلى قسمين, قسم يدعي العلمانية, أسمى نفسه, الطاهويون, نسبة إلى العالم الجليل المرحوم الدكتور طه حسين, صاحب حديث الأربعاء, والفتنة الكبرى, ورهين المحبسين وما إلى ذلك. وقسم, أطلق على نفسه, نعت الكشكيون, ولو أن تسمية هذا القسم, غير نهائية, حيث يدور نقاش حاد, في أروقة الأزهر هنا, حول التسمية, فهناك جماعة لا يستهان بها, تقترح, "الجلاليون", نسبة طبعا إلى الشطر الأول من اسم المرحوم جلال الدين كشك.

- وعن الجانب الحكومي, هل هناك رد فعل؟

نعم, فقد بادرت السلطة, إلى إعلان رصدها مبالغ مالية معتبرة, إلى منظمة العمي بشقيها, وقال البيان الذي وصلنا عن طريق الخلوي, إن مصر لن تحيد عن نهج السلام, وعن مبادئ كامب ديفد, واتفاقيات أوسلو, وخارطة الطريق, والخط الأخضر. واتفاقيات شرم الشيخ, وخطب بيل كلينطون, وبوش الأول وبوش الثاني وباول والسيدة المستشارة للأمن القومي.

- وماذا عن الجامعة العربية؟

- لقد تلفنا بواسطة مرشدنا الكفيف, أكثر من مرة, وفي كل مرة, يقال لنا, إن الأمين العام, لم يخرج بعد من الحمام. ومعلوم أن السيد الأمين العام كان من يومين في السودان, أما مساعدوه, فهواتفهم مشغولة, ويبدو أن الاتصالات جارية مع العواصم العربية, لتحديد الموقف من بوجنبورة. وطهران.

- بوجنبورة, وطهران تقول؟

- نعم, ويبدو أن الجامعة العربية, وطبعا, ومن ورائها بعض الدول, والسلطة المصرية بالذات, تميل إلى الرأي الصادر عن الساحر الإسرائيلي الكبير, الدكتور "ضرططوخ".

- وكيف عرفتم ذلك؟

- كما لا يخفى عن حضرات السادة والسيدات المشاهدين.

- المستمعين, على الأقل مؤقتا.

- المعذرة, عن هذه الهفوة. فكما لا يخفى عن حضراتكم. فإن الأمور, هنا باتت بين أيدي الطاهويين, والجلاليين, وخلويو هؤلاء لم تتوقف عن التشغيل, فكل شيء يتم بواسطة خط براي, كما هو معلوم, ولأحدهم بنت تشتغل هنالك.

سنعود إليك فيما بعد, فبين أيدينا, بيان صادر عن جميع الحكومات العربية. أوردته الوكالة الأمريكية للأخبار, يتعلق بالحالة, والغريب هو هذا التشابه الكبير في الموقف, وفي الصيغة, بل وحتى في المفردات التي احتواها هذا البيان.

سيداتي سادتي.

تتفق جميع الحكومات العربية باستثناء الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية, التي لها موقف آخر نأتي عليه فيما بعد, على أن الظاهرة, إرهابية, تقف وراءها جماعة القاعدة, ومن والاها من الأصوليين المستعملين للدين الإسلامي الحنيف الذي هو براء منهم.

يضيف البيان, أن الظاهرة فيزيائية, وليست فسيولوجية, وأن عدم إبصار مكونات النور في المادة لا يعني أن المواطنين أصيبوا بالعمى, ولربما الأمر كله يتعلق بحالة وهم, تسبب فيها سحر ساحر, كما جاء في تصريح العالم, ضرططوخ.

 وإنه لا شيء يثني القيادة السياسة عن عزمها في بناء مجتمع متقدم مزدهر. وأنه طال الظلام أو قصر, لا بد من الضرب على يد المفسدين والمخربين بقوة وبدون رحمة أو هوادة.

وتضيف وكالة الأنباء الأمريكية, أن الحكومات العربية, تناشد العالم الحر وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية, بأن يسارع, فيقدم لها يد العون لإخراجها من محنتها, وهي الحكومات العربية, كل على حدة, تعلن أن بلدها منكوب, كما تعلن الحالة القصوى من فرض منع التحرك, وإطلاق الإشاعات, خاصة المتعلقة بالمسئولين والقادة السياسيين.

وقد خالفت ليبيا ما جاء في بيانات الحكومات العربية الذي أوجزته الوكالة الأمريكية, إذ اعتبرت, أن عودة السواد إلى الأرض بهذه الصفة, مؤشر على أن مشروع الوحدة الإفريقية, الذي أعلنه القائد, سيرى النور وسيتحقق, وعلى فكرة, تقول وكالة الأنباء الأمريكية, أن ليبيا عكس تونس, تعتبر الحالة كونية تشمل العالم كله, ولا تقتصر على العالم العربي وحده. وهي ليبيا تضيف وكالة الأنباء الأمريكية, إذ تدين بشدة الاستعمار والإمبريالية, تضع ثقتها التامة في الولايات المتحدة الأمريكية, وفي بوجنبورة التي استبعد القائد شخصيا ضلوعها في أي عمل عدواني دون استشارته هو. وتنصح إيران, بالاستماع إلى نصائح العالم الجليل, ضرططوخ, فتحذو حذو ليبيا, وتتخلص من توجهها النووي. وقد صرح القائد قائلا:

- طز في الأسلحة النووية, وفي من يسعى إليها, وحاشا من يمتلكها.

وركزت الوكالة على هذه الجملة الأخيرة.  حتى أنها وضعتها عنوانا لبرقيتها.

سيداتي سادتي, حضرات المشاهدين الكرام. العفو. إنها زلة لسان, ليس إلا. حضرات المستمعين والمستمعات.

سنتصل الآن بمراسلينا في أوروبا وأمريكا, وبعدها نعود لنعرف أحوال بعض البلدان العربية التي لم نتمكن من الاتصال بها, مثل السودان واليمن والعراق, لسبب أو لآخر, ففي هذا الظلام الدامس. نعم الدامس, وأشدد على هذه العبارة, فهي الأبلغ بالنسبة للحالة.

- مراسلنا من واشنطن, عبد الرحيم فقراء, مساء الخير.

- صباح الخير بالأصح. فالوقت هنا غير الوقت عندكم.

- ماذا عندكم؟

- لقد أعلنت حالة الطوارئ القصوى. جميع المسئولين في مواقعهم, والفضاء الأمريكي, مغطى بمختلف الطائرات, والصواريخ الجوية والأرضية والبحرية, على أهبة الانطلاق, والأقمار الفضائية جميعها, منصبة على المنطقة العربية والإسلامية, فأمريكا, وعلى لسان رئيسها المؤمن جورج بوش الابن, وإن كانت تؤمن بعفاريت سيدنا سليمان, وتثق الثقة المطلقة في العلامة الإسرائيلي ضرططوخ, لا يقابلها في هذه اللحظات, إلا الإرهاب الإسلامي, وشخص بلادن بالذات, ولقد جاء على لسان مستشارة الأمن القومي, أن أمريكا لم تكن مخطئة، عندما غزت العراق, فهي تثق في المعلومات التي بين يديها عن أسلحة الدمار الشامل التي أعدها صدام حسين. من بين المعلومات الأخيرة, التي تواجدت في ليبيا والجزائر, أن صدام حسين استورد من شمال إفريقيا, كميات معتبرة من البلوط, خص بها عدة فيالق, من مليشيات حزب البعث العربي. وأوضحت التحليلات التي أجراها الخبراء, في أمريكا وفي إسرائيل, أن البلوط, إذا ما استهلك بكميات ووصفات معينة, ينتج عنه نوع من الغاز الملون, يدمر الحياة, بشكل واسع, وشامل, ويظهر أن مفعول البلوط, استعمله أنصار صدام, وجماعة القاعدة, بعد يأسهم من الانتصار على الحلفاء, وعلى الديموقراطية في العراق, وفي أفغانستان, وباكستان, ومصر.

وطمأنت مستشارة الأمن القومي المواطنين الأمريكيين على مصير أبنائهم في العراق والكويت وقطر والسعودية, قائلة إن الأوامر صدرت إليهم, بالانبطاح على بطونهم, والتزام الصمت, في جميع الأحوال, ومهما كان الأمر, وأن لا يتناولوا طعاما أو شرابا, حتى يتبين الأمر. كما طمأنت القادة العرب, ومن ورائهم الشعوب العربية, بأن الولايات المتحدة الأمريكية, ما تزال متعلقة بخارطة الطريق, وبمسار العملية السلمية, في الشرق الأوسط, وأنها ستطلعهم على نتائج التحليلات الجارية.

- عبد الرحيم فقراء, هل ظهرت صور الحالة في التلفازات الأمريكية, وكيف ظهرت؟

- نعم. شاهدنا كتلة ضخمة من السواد الجامد, وهذا الوصف جاء على لسان معلق السينان المختص, وبدت الكتلة في أبعادها الثلاثة, مرة, في شكل جلد بعير, ومرة في شكل شكوة أو قربة, ومرة في شكل حبة بلوط كبيرة. وما حير العلماء والسياسيين, والاستراتيجيين العسكريين, هو هذه الدقة في تحديد خارطة العالم العربي, وهذه الثقوب التي تظهر في إسرائيل وفي السودان وشمال العراق.

ولقد أعاد الصحفي صورا قديمة, عن حدود 48 بين العرب واليهود, فوجدها مطابقة تماما, لمسار الكتلة الغازية السوداء. عبارة الغازية, وردت على لسان الصحفي, الذي علق بعد المقارنة بين الخريطتين, بأن هذه الدقة, لا يمكن أن يتوصل إليها إلا علماء القاعدة, المنتشرون في أمريكا وأوروبا, وأستراليا أيضا. لقد أخذوا عنا التيكنولوجيا, ليستعملوها ضدنا, ولو أننا استمعنا إلى نصائح الاستراتيجيين الإسرائيليين, في الوقت المناسب, لتفادينا, كل هذه الأخطار.

- عبد الرحيم. هذا كلام, فهل هناك من إجراءات غير إجراء إعلان حالة الطوارئ ؟

- نعم. ولو أنها, هذه الإجراءات, تدخل كلها في إطار حالة الطوارئ.

- مثل ماذا؟

- تشمل حالة الطوارئ إغلاق الحدود الأمريكية, ضد كل عربي, أو قادم من المنطقة العربية, واعتبار المنطقة العربية والإسلامية, منطقة موبوءة يتوجب عزلها نهائيا, إلى أن تتأكد الوضعية الصحية في المنطقة, وما جاورها. وأيضا فرض إقامة جبرية مشددة على كل من هو من أصل عربي أو إسلامي, يعيش في أمريكا, وهناك إشارة غير واضحة, إلى إمكانية إقامة مراكز تجميع وحشد لهم, لإجراء التحقيقات والفحوصات الدقيقة والنهائية.

- نتركك الآن, فمراسلنا في أوروبا, في الانتظار.

- انتظر, قليلا, فقد جاء في الأخبار الآن, أن سعر البترول, بلغ الألف دولار للبرميل الواحد, وأن الحكومة الأمريكية, أعلنت أنها ستحمي الدولار من الانهيار الذي يتهدده.

السيد فقراء, ماذا عن الاتهامات التي يوجهها الشارع العربي لأمريكا, بأنها تجرب سلاحا استراتيجيا جديدا, ترسله بواسطة أقمارها الفضائية, وأن جنودها يضعون على أعينهم نظارات, تمكنهم, من الرؤية, وأن الهدف الأساسي لأمريكا وإسرائيل, هو إعادة ما حدث للهنود الحمر بأمريكا, لكن بشكل جذري, ومتحضر؟

- نعم. لقد أشارت المستشارة, إلى ما جاء في تقرير الدكتور حنزليقة, الوارد في النشرة الاستثنائية, لجريدة معاريف, وقالت بالحرف الواحد, بأنه تخريف عربي. وأشير هنا, إلى أن السيدة المستشارة, لم تعد تخفي استخفافها بالعرب, وعدوانيتها ضدهم, كلما ذكرتهم أو تعرضت لشؤونهم.

- مراسلنا عبد الرحيم. ماذا عن الرئيس ونوابه؟

- لا ننس أن الولايات المتحدة الأمريكية في حالة قصوى من الطوارئ, وفي مثل هذه الحالات, يكون رمز السيادة في مكان ووضع آمنين جدا جدا. الجميع يذكر أن الرئيس أثناء حادث 11 سبتمبر, كان متخفيا.

ننتقل الآن سيداتي سادتي, إلى مراسلينا في بلجيكا وألمانيا وباريس ورومة, وهذا مراسلنا ببروكسيل, إليك الخط. تفضل.

- ما أن عُلمت النكبة الإنسانية العظمى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, حتى تنادى أعضاء جميع هيئات الوحدة الأوروبية, وكذلك قيادة الحلف الأطلسي, التي استغرقت مباشرة في اجتماع سري, ننتظر أن تصدر عنه مقررات هامة. سيكون أولها, وأهمها دون شك أو ريب, استنفار كل وحدات الحلف, البرية والجوية, والبحرية, والسماوية, يليها تشكيل خلايا بحث ورصد للظاهرة, تعمل قدر الإمكان بالتعاون مع الجيوش الصديقة للحلف, مثل الجزائر وإسرائيل ومصر.

- وماذا عن البرلمان الأوروبي, ومؤسسات الوحدة الأوروبية؟

- علمنا, أن أوروبا كلها, سواء على مستوى الحكومات منفردة, أو على مستوى هيئات الوحدة - وإن لم تعلن ذلك في حالة من الاستنفار, والحيطة, فقد أغلقت جميع المطارات, في وجه الطيران القادم من آسيا وإفريقيا, بما في ذلك الطائرات الأوروبية العائدة, وضرب حصار شبه مقنَّع, على كل المساجد ومؤسسات العبادة الإسلامية, وقد أصدرت معظم الصحف الكبرى نشرات, خاصة, تضمنت آراء وتفسيرات العلماء والباحثين, ورجال الدين, والسحرة, مور هنا بين وقد سخرت معظم الآراء, بمقولات الساحر اليهودي, ضرططوخ, ووجدت فيها, صهينة للظاهرة, التي لم تتردد معظم الصحف بنعتها بالكارثة الإنسانية, في حين ركزت على وجهة نظر الدكتور حنزليقة, رغم بعض ما فيها من أحكام مسبقة ضد الغرب والمسيحية ومعاداة السامية, كما قالت, مؤكدة أن الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط لا يمكنه أن يحافظ أكثر على انضباطه وهدوء أعصابه, وما حدث في سجن أبو غريب, لخير دليل, على إمكانية فلتان انضباطي, قد يؤدي إلى كارثة إنسانية, وقد يصل حد انفصال قيادات هذا الجيش, عن الوطن الأم, وإنشاء وطن آخر, يتخذ شكلا لا أحد يمكنه أن يتنبأ به, بعد أن ينقرض سكانه الأصليون.

إن الأمريكي مثل العربي, وطنه, حيث تطأ قدمه, وإذا كان العربي تجره نعجته, أو ناقته, وأنغام المزمار الساحرة, فإن الأمريكي تقوده بندقيته وهامات قتلاه.

وأشارت صحيفة محترمة, ومكروهة لدى اللوبي اليهودي, إلى أن هروب شارون والقيادة الإسرائيلية من بيت المقدس, وعدم صدور أي تصريح من شارون, حتى الآن, وهو الذي يحلو له التبجح, بالإضافة إلى ترهات ضرططوخ هذا, لمثير للشكوك, وملفت للنظر, بل ومدعم لرأي الباحث العربي الدكتور حنزليقة.

سيداتي سادتي, نتوقف الآن عن متابعة مراسلنا ببروكسيل, لنقدم لكم رأيا مهما أبداه أحد أبطال العبور المصري, حيث قال لفضائية شقيقة بواسطة الخلوي طبعا, إن الظاهرة تسبب فيها ضباط روس من أنصار العهد السوفياتي البائد, انتقاما من العرب الذين - كما قال, هم المتسبب الرئيس في سقوط الاتحاد السوفياتي العتيد. امتصوه ما يزيد عن نصف قرن, ثم تحالفوا مع عدوهم الأمريكان لإسقاطه. وإن حجم الكارثة, بأي حال من الأحوال, يتعدى العالم العربي, ولربما يحطم الحضارة الحالية برمتها.

لقد كان ممكنا, قال بطل العبور هذا, أن يكون غبار السواد, أحمر, لكن تجنبا للشبهات, جعلوه أسود فاحما. ولتجاوز الحالة ينبغي الإكثار من الصلاة والدعاء, والتقليل من الحركة, وتجنب الانفعال السياسي, والبصل, فمن الممكن أن تكون كميات الأوكسجين تتناقض شيئا فشيئا.

- أعود إلى مراسلينا بأوروبا, وهذه مراسلة من روما.

- نعم. لقد انساق الفاتيكان, وراء الرأي القائل بأن قيام الساعة, قد حل, وأنه, ليس شرطا أن تأتي الساعة, كما جاءت في الكتاب المقدس, فالله وحده صاحب القرار, وهو يتخذه متى بدا له, وكما يبدو له. إن الكون كالجسد البشري, تبدؤه الموت, من الأسفل, وها قد بدأ قيام الساعة من العالم العربي. كما بدأت أيضا الرسالات السماوية من هنالك.

إن روما سيداتي سادتي, غارقة في صلاة جنائزية حزينة ومؤثرة, إلى حد أن المرء يكاد يتصور نفسه, يعبر الصراط المستقيم, أو يطل على المعذبين في جهنم.

الأصوات الرجالية الغليظة تختلط مع الأصوات النسائية الرقيقة, مع الأصوات الصبيانية اللطيفة, وتتمدد كما لو أنها تحاول أن تطال بُعدا ما, فيحدث عنها ما يشبه وجعا وحزا في القلب والروح.

- لقد أسهبت في وصف الصلاة, فهل هناك غير ذلك.

- نعم. أعلنت الحكومة الإيطالية, أنها ستسحب جنودها من العراق حال انقشاع الغمامة السوداء, وأنها تلقت اتصالا لاسلكيا, يعلمها, بأن الوحدة بخير, وأن أعضاءها يطلبون من البابا أن يصلي من أجلهم, ومن أجل عودتهم سالمين. وفي بيان بثته التلفزة الإيطالية, قال الحزب الشيوعي الإيطالي إنه لا يستبعد فرضيات الدكتور حنزليقة, كما لا يستبعد, أن تخلق في الشرق الأوسط والأقصى, أمريكا شرقية. فما دامت الأوطان تكتسب بدون تاريخ, وبدون ماض إنساني سادت فيه العبقرية, وساد فيها حب الخير والجمال, ما يمنع, أن يتظاهر الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط بالتمرد, فترة, ثم يعلن عن عدة ولايات تضاف نجمات إلى العلم الحالي؟

لقد نسي الناس غضبهم الذي أحدثته فاجعة هيروشيما, ولم يطالب أحد, باعتبارِ مَن أمر بها, مجرما في حق الإنسانية.

إن الحزب الشيوعي الإيطالي, ومن ورائه كل الطبقة العاملة الإيطالية, يهيب بالضمير العالمي أن يتصدى للوحش الأمريكي المسعور.

ولكن صدر فيما بعد بيانان, واحد يكذب بيان الحزب الشيوعي الإيطالي, والثاني يعلن أن البيان لتنظيم سري إيطالي عالمي, له ارتباطات بأصحاب الأموال والسلطان في الشرق الأوسط وفي الخليج بالذات, يحذر الولايات المتحدة الأمريكية, من مغبة المساس بمصالح الإنسانية في المنطقة, ويذكر بأن كنيدي, تجاوز الخط الأحمر في اللعب بالحرب.

- هذا تهديد واضح للرئيس الأمريكي! هل لديك معلومات أكثر عن هذا التنظيم؟

- ليس المافيا بالذات, وليس أيضا, الماسونية, ولو أنه يتداخل معهما في بعض الشبكات, وله تواجد في كل تنظيم سري أو علني, سياسي أو اجتماعي, مدني أو عسكري, ليس صهيونية, إطلاقا, وإن كان يوجه من بعيد أو من قريب نشاط اليهود, غير السياسي, طبعا عبر العالم, وعبر المؤسسات المالية الكبرى. وهذا ما يفرق بينه وبين الصهيونية.

- هل لديك ما تزيده؟

- كلا في الوقت الحالي.

- هذا مراسلنا من بروكسيل يلح في الاتصال بنا. ما هو الجديد؟

- الجديد, مثير حقا. غريب ومثير.

- ما هو فقد شوقتنا.

- قرر قادة الحلف الأطلسي, بإجماع أعضائها, باستثناء ممثل الولايات المتحدة الأمريكية, قرروا تجميد عضوية أمريكا, وفرض الرقابة, على أنشطة كل وحداتها المتواجدة خارج القارة الأمريكية. والتعرف عن كثب على طبيعة الأسلحة, المخزنة في القواعد الأمريكية بأوروبا, أو القريبة منها. حتى تتبين نتائج التحاليل الجارية على الغيمة السوداء المسلطة على المناطق الحيوية, بالنسبة للحضارة وللتقدم الإنساني.

لقد قال ممثل ألمانيا, مساندا الموقف الفرنسي, إما أن يكون الحلف الأطلسي أو لا يكون.

ورغم بعض المحاولات الأمريكية, لاستدراج, الدول حديثة الانضمام, من منظومة حلف وارسو سابقا, للوقوف معها, إلا أنه, وكما قلت, القرار, اتخذ بالإجماع.

تفوه صحفي غربي, كان إلى جانبي, ظنا منه, أنني لا أفهم اللغة الفلامية, بكلمات, لم أستوعب المقصود منا بالضبط في الأول. قال, تحركت الآلة الإيطالية.

كنت اعتقدت, أنه يقصد المافيا, إلا أنني فيما بعد استبعدت ذلك, فطريقة حديثه تدل على أنه خائف وحذر جدا, والصحفيون الغربيون عادة والمثقفون بصفة عامة, لا يظهرون مثل هذا القدر من الرعب إلا من تهمة معاداة السامية.

- وهل صدر بلاغ بالشأن؟

- كلا. كل ما هنالك, جملتان تفوه بهما الأمين العام للحلف, الأولى هي ما ذكرته من تجميد العضوية, لعنصر أساسي في الحلف, بترساناته, وبأساطيله, وأدوات اتصالاته الخطيرة, أما الثانية, أعني الجملة, فهي:

- من يقوى على شراء برميل البترول بألف دولار, إلا إذا كان الدولار يساوي ليرة إيطالية؟

حاول أحد الزملاء, من محطة أمريكية, أن يستفسر عما إذا كان هذا القرار, بداية لحرب باردة أو حتى ساخنة بين أعضاء الحلف الأطلسي؟ فاكتفى الأمين العام, بالابتسام, والقول, ماذا لو تسأل الطرف الآخر عما يفعل في آسيا؟

أيها السادة والسيدات, مراسلنا بباريس, في الخط.

شوارع باريس وساحاتها الكبرى, تغص بجماهير غفيرة, تحمل العلم الفرنسي, إلى جانب, أعلام الدول الأوروبية الأخرى, وبعض أعلام حمراء بها مطرقة ومنجل, وبعض أعلام جزائرية, طاشت هنا وهنالك. إلى جانب لافتات, تحمل عبارات معادية لأمريكا, ومنددة بالحرب في الشرق الأوسط, وبالأسلحة الفتاكة التي ما تفتأ الدول الكبرى تتنوع فيها وتمنع غيرها من امتلاكها أو حتى التفكير فيها, وتطيح بدول قائمة, عضو في جميع هيئات الأمم المتحدة, بسببها. كما أن هناك رسوما كاريكاتورية, تظهر الرئيس الأمريكي, فأرا يقرض ورقة من فئة الألف دولار. أو تظهره وهو يقاد إلى سجن أبو غريب بالعراق منزوع السروال, وفي غمرة كل هذه اللافتات والملصقات, تظهر صور الجنرال شارل دوغول, في مختلف هيئاته العسكرية, وأعماره, تملأ الساحات والواجهات, والشرفات أيضا.

سيداتي سادتي.

إن المرء ليتساءل, أين كانت الروح الوطنية الفرنسية مخبأة, في ظل كل مظاهر هذه العولمة, والقول بزوال عهد الدولة الوطينة؟

هذه الجماهير كأنما كانت على موعد, مع بعضها, فما أن أعلن عن قبول المقترح الفرنسي, لإخراج أمريكا من الحلف, حتى هبت, تعلن عن فرحتها, وعن تشفيها, وعن تنديدها بالإمبريالية والاستعمار الجديد والقديم, وتدين الأساليب النازية المتبعة في التعامل مع العرب في الشرق الأوسط.

غريب أمر هؤلاء الأوروبيين, فمهما كانت أمميتهم, ومهما بدا من أوروبيتهم, ومهما غيروا من تسميات وأشكال عملاتهم ونقودهم, فإنهم يظلون, يحملون في جعابهم, وطنيتهم الحادة, يمتنون بها لحمتهم, ويؤكدون هويتهم. هذه الهوية التي نسخر نحن منها, محاولين قدر الإمكان, التخلي عنها والتمظهر بهويات سادتنا المستعمرين.

- نعود إليك فيما بعد, يا عبد الرحيم, ونتركك في خضم الحماس وسط المتظاهرين, وننتقل إلى مراسلنا في برلين.

- أهلا بكم. فهنا, لا جديد, عما برز في العواصم الأوروبية الأخرى. ولو أن الحكومة الفيدرالية, أعلنت وقف التعامل بغير الأورو.

- نفهم من ذلك, أن الدولار.

- نعم. الدولار لم يعد عملة قابلة للتداول في ألمانيا على الأقل, كما فهمنا. أما الصحف الألمانية, وباقي وسائل الإعلام الأخرى, فقد اكتفت, بإعلان الظاهرة مع صورها, ومختلف الآراء حولها, ومختلف المواقف الناجمة عنها, وأشارت الصحيفة الحكومية, في آخر المقال الافتتاحي لها, إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية, تخطئ إذ تفكر في مستقبل البشرية, دون وضع حساب للعملاق الأصفر, كعامل أساسي في كل معادلة. فنحن كلنا جئنا من هنالك.

إن الحضارة, أضافت الصحيفة, لا يصنعها البترول وحده, ولا البندقية وحدها.

تعلمون أن الشعب الألماني, يخفي أشياء كثيرة في صدره, وهو إذا كشف عن نواياه العميقة, فإنما بالأفعال, وليس بالأقوال, ويكفي أنه شعب جوته, وكارل ماركس, وموزارت, وهيجل.

قد يسمعك الألماني يوما كاملا, تشتم هيتلر, ولكن في إشارة قصيرة, ولماحة, يفهمك أن الأخطاء من خصائص البشر, وأن الأفلام الأمريكية, خاصة عن الألمان, مضحكة.

قيل لي إن أحد الكتاب العرب, تساءل وهو يرى جدار برلين يقسم بين أفراد الشعب الواحد, هل هناك, كما هو الأمر عندنا, حزب بعث عربي ألماني, فأجابه ألماني كان معه, يعرف الكثير عن أحوال العرب, وتاريخهم, بأنه لا يوجد سوى ألمان وراء الجدار, وسيلتقون, دون حزب. فأضاف الكاتب العربي ساخرا, وهل ستتوحدون بدون شعر وبكاء, وعفلق ومطاع صفدي؟

والغريب في الأمر أنه لم تمر على الواقعة سنة كاملة, حتى كانت برلين موحدة, وحتى كان الجدار يتحول شيئا فشيئا إلى سلة الذكريات السيئة في تاريخ, ليس الشعب الألماني وحده, ولكن في تاريخ الإنسانية.

- ذكرتني بجدار العار الذي يبنيه, شارون, والذي لا يفصل فقط بين مدينة واحدة, وإنما يفصل بين وطن برمته, بمختلف مدنه وقراه, بين شجرتي الضيعة الواحدة, وبدل أن يموت دونه, أعضاء السلطة, راحوا يجلبون له الإسمنت من مصر.

لله في خلقه شؤون.

أتركك, وأترك معك الألمان وبرلين, فقد كدت تنسيني, الهمّ الذي نحن فيه.

هذه تنسي في تلك. سيداتي سادتي. أعود بكم إلى عالمنا العربي الذي يحيا من محيطه إلى خليجه, في قِربة من ظلام دامس, حسب وصف الأقمار الصناعية, ومعي من صنعاء مراسلنا. ماذا عندكم؟

- عندنا الظلمة الحالكة.

- صف لنا الحالة يا فقراء.

- والله. ليس هناك حالة استثنائية, فكل واحد, انبطح قرب كومة أو شجرة القات, وأغمض عينيه, وراح يعلف.

- أليس هناك ضحايا, ألم يصطدم الناس ببعضهم؟ ألم يتشاجروا على الحساب, وهم يتبادلون النقود والقات؟

- بلى. حدث كل ذلك, ولكن الناس لم يولوه أهمية كبرى, فقد كانوا على عجلة من أمرهم, لاستباق الظلمة.

- فهل قيل شيء بخصوص هذه الظلمة كما تسميها.

- نعم قيل بعض الشيء. الحكومة, قالت إنه الإرهاب, والمعارضة قالت إنهم الأمريكان, والشعب قال ما قاله الأئمة. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. سبحانه جل وعلا.

ربما. ربما. سيتساءل الناس هنا عندما يستيقظون, عما إذا كانت الحالة ستطول, لأن الوصول معها إلى شجر القات, لقطفه طريا منتعشا, سيكون عسيرا, إن لم يكن مستحيلا.

- وهل بلغكم ما يجري في العالم.

- علمنا أن سعر البترول في الأسواق الأمريكية بلع ألف دولار, وأما بنعمة ربك فحدث.

- كان الله في عون الشعب اليمني.

أيها السادة والسيدات, نعود إلى العراق, فعلى ما يبدو فإن بعثتنا تمكنت من تشغيل المولد الكهربائي, الذي هاجمته عصابة مجهولة الهوية, وكادت تختطفه وتستولي عليه.

- نعم, ولولا يقظة حراسنا, لأضيف إلى ظلمتنا الضوئية, ظلمة صوتية.

تجري هنا في بغداد, وفي باقي المدن العراقية, أمور عجيبة وغريبة. أولها أن ثمن القط الواحد, خاصة إذا كان أسود, بلغ خمسة مائة دولار. ذلك أن أعين القطط, تخترق جزئيات السواد المتكتل, فتحدث فيها فجوة مستنيرة, عرضها, حسب سن القط, ولونه, من عشرين إلى ثلاثين سنتمترا, وطوله قد يصل المتر.

لقد شاع بين الناس, أن مكتشف هذه الخاصية للقطط, هو الرئيس المخلوع, السيد صدام حسين, فقد كان في سجنه يربي قطة فارسية, وفي الحق, القطة كانت من محتويات قصره أيام عزه, ظلت تبحث عنه وتتبعه, إلى أن عثرت عليه, فظلت تموء بينما هو يبكي, ويقول فيها ما قال أبو فراس الحمداني في الحمامة جارته.

لاحظ السيد الرئيس ذلك, وكان ساعتها في الباحة وغير مغلول بالأصفاد, فبادر بالتقدم خطوة فخطوة نحو المخارج العديدة, وكما هو معلوم, فإن أبا عدي, يحسن الهروب والتخفي والتمويه, إلى أن بلغ الباب.

التفت إلى العلوج الأمريكان, وكانوا في حيص بيص, من أمرهم كما يقال.

ظن في الأول, أن الأمر خدعة, ولكن عندما لاحظ أن أمرا صارما, صدر بالانبطاح, وعدم الاستجابة, لأية حركة خارجية, حتى تتجدد الأوامر, قصد ضابطا منبطحا, عراه, وارتدى ثيابه, ويقال, إنه فعل فيه الإرادة, أو على الأقل حاول ذلك.

انطلق السيد الرئيس كالبرق, يستنير طريقه بقطته الوفية, التي كانت تسبقه, وكأنما تدربت على العملية قبل اليوم.

اختفى من جديد, أبو عدي. لكن أخباره عمت العراق في سرعة عجيبة, ليتفرغ الناس إلى البحث عن القطط, ومعلوم أن العرب عموما في المشرق العربي, يستنكفون من معاشرة الحيوانات الأليفة, مثل الكلب والقط. وهذا نتيجة ثقافة, نمت على مر العصور, فالكلب عندنا إذا ولغ في إناء, غسل ذلكم الإناء سبع مرات. بينما ينام الكلب أو القط في فراش واحد مع صاحبه أو صاحبته عند الأوروبيين, ويأكل كثير من الآسيويين الكلاب والقطط.

قلت إن العراقي الذي كان يتقزز إذا لمس قطا أو كلبا, صار يشتريه بمئات الدولارات, ويحتضنه, مستعملا إياه, مصباحا كشافا.

والمعجزة في نور القطط, أنه لا يبصره إلا حامله.

- ألم يتفطن الأمريكان والحلفاء إلى الأمر؟

- بلى, وقد صار الشغل الشاغل لكل علج, شراء قط. ولقد بلغ سعر القط الواحد مقايضة عشرين رشاشا, أو مدفعا, أو حتى صاروخا أرض جو, إذا كان القط أسود وغير عدواني, إذ يمكن القول إن قطط العراق متوحشة بشكل أو بآخر. وكثير منها يستعصي غسله وتنقيته من الطفيليات, خاصة البراغيث.

إن العراق يعيش حاليا, لحظات تآخ وتآلف عجيب, بين جنود الاحتلال, وبين العراقيين, وبين هؤلاء جميعا وبين القطط.

- فيم يستعمل الأمريكان هذه القطط.

- على ما يبدو والله أعلم, يستعملونها في تفتيش جراب بعضهم, بحثا عما قد يليق للتخدر. وسرقة لما قد يكون هناك من أشياء ثمينة, مثل الحلي, والتحف, المسروقة من الشعب العراقي أثناء المداهمات. والبعض الآخر, استعمل هذه القطط للهروب من الوحدات. وقد تشكلت فرق من العراقيين, والعلوج الأمريكان, للتهريب نحو دول الجوار.

- كيف ذلك؟

- هناك سلسلة من خلايا التهريب تقوم على كامل الطريق نحو تركيا مثلا, وهي الاتجاه الأمثل بالنسبة للفارين.

- هكذا بمثل هذه السرعة, وفي عمق هذا الظلام الدامس, ترتبت الأمور؟

- نعم. ولقد اتخذت المقاومة شكلا جديدا, يهدف إلى ضرب الجيش الأمريكي, من داخله, وتحطيم ما يبدو من انضباط خارجي, فتهريب جندي, يقولون, خير من قتله, لأن ذلك سيساعد على خلق رأي عام داخل معسكر العدو, يرفض البقاء في العراق, وسيندد بالحرب, حال خروجه منها, وأكثر من ذلك, العملية تخلق إحراجا كبيرا للقيادات الأمريكية.

- إنها فلسفة, على كل حال. ما هي أخبار مجلس الحكم؟

- عادية. لم يعودوا يخافون, وقد شوهد أحدهم في الشارع يحمل قطة, يقال إنه اشتراها بمرسيدس مدرعة هي ملك للمجلس.

- وأخبار صدام حسين.

- لم يعد أحد يذكرها أو يذكره, إلا في حالة الحديث عن القطط, ولو أن أحد الذين يبدو عليهم أنه من بقايا البعثيين, حاول إيهام الناس, بأن هذه الظلمة, هي نتيجة لسلاح فتاك, أنتج من كميات البلوط المستوردة من غابات الأطلس الشامخ. ولما رد عليه, بأن الظاهرة تعم كل العالم العربي, ادعى أن ذلك مخطط له أيضا, فالقادة الكلاب, عملاء الأمريكان والصهاينة, صدوا الثورة العربية بقمع الجماهير الشعبية. وهم لا يستحقون سوى العماء.

- وكيف يتصور الناس مستقبل العراق, في ظل هذه الحالة؟

- إن شئت الحق, فإن هذه الظلمة, فتحت أفقا جديدا أمام العراقيين, فبدل أن يقتلوا ويموتوا, يخرجون الأمريكان هكذا فردا فردا, وحتى جماعات فقد بلغني قبل قليل, أن ضابطا برتبة نقيب, خرج هو وفرقته, في اتجاه الحدود التركية مستعينا بالقطط وبحلقات التهريب. وإذا تواصلت الحال على ما هي عليه, فإن بغداد تفرغ في ظرف يومين أو ثلاثة من الجنود الأمريكيين.

أما الرئيس السابق, إذا ما ظهر من جديد, فسيبادر الناس لقتل قطته, ومطالبته بالانتحار, تكفيرا عن جميع آثام العراقيين, سُنة وشيعة, مسلمين ومسيحيين وصابئة, عربا وأكرادا. وتكفيرا عن جرمه, بعدم الانتحار في الإبان, أثناء الخروج من الكويت, وتوقيعه على اتفاقيات الهزيمة والذل والعار.

- نترك العراق الشقيق في شأنه, والذي لا شك, أن الإخوة العرب أينما كانوا سيستفيدون من تجربة القطط الرائعة هذه, والتي لم تقلب فقط موازين الحرب وإنما انتصرت على هذه المصيبة التي ألمت بنا جميعا.

عبد الرحيم فقراء في دمشق إليك الخط الآن. ماذا يجري في عاصمة الأمويين؟

- الأمور مستقرة, وقد صدر قبل قليل عن قيادة حزب البعث العربي السوري, بيان يؤكد صدق شعار الحزب, أمة واحدة ذات رسالة خالدة.

إن الأمة في السراء والضراء, لها نفس المميزات والخصوصيات, وقد حباها الله تعالى, بما فيه خير البشرية. وسوريا تتشبث بخيار السلام وبأراضيها المحتلة.

- ثم ماذا في مسألة القطط والظلمة؟

- أوامر القيادة صارمة. لا أحد يتحرك من مكانه, فلا شك أن العدو يتربص بالأمة.

- وكيف يتحرك القادة على الأقل؟

- تعلمون أن سوريا, بفضل قيادتها الرشيدة, ذات النظرة المستقبلية, لا يوجد فيها أعمى واحد, ولا قط واحد في الشارع. إن صحة المواطن هي من أولويات حزب البعث العربي الاشتراكي السوري.

- ما كان مصير العمي والقطط.

- بالنسبة للقطط, أقيمت لها مقاطط خاصة تربي فيها, ويستعملون هنا عبارة تقطيطها, فالسوريون كما هو معروف, بارعون في اشتقاق المفردات ونحتها, ويعتبرون ذلك مهمة قومية, هذه القطط, تسمن وتصدر إلى الصين الشعبية, والفياتنام, وكل تلكم المنطقة. وقد علمنا أن القطط العربية السورية, لها حظوة كبرى في المطبخ الصيني.

- ما شاء الله! وبالنسبة للعميان؟

- نعتذر سيداتي سادتي عن انقطاع الخط من دمشق, ويبدو أن المسألة تتعلق بالتيار الكهربائي. فكما هو معلوم فإن أزمة التموين بالكهرباء لم تعل بعد, وهي من أشد انشغالات السيد الرئيس.

أغتنم الفرصة, لأقدم لكم خلاصة ما وافانا به مراسلونا من بقية أنحاء الوطن الكبير.

فكرة القطط هذه, لم تفلح إلا في قطرين, هما العراق والسودان, وقد برر بعض العلماء الظاهرة, بأن القطط هذه, ربما تكون تغذت من لحم الإنسان, ولربما تعرضت لإشعاعات كيميائية, غير معروفة.

تبقى إذن الآمال معلقة على العمي, الذين نشطوا, والذين, أضحوا خطرا لا يستهان به في بعض البلدان, مثل مصر والجزائر. مصر, كما قال مراسلنا, اعترتها الحالة, والحديث عن ضرورة التغير يرد بإلحاح. أما في الجزائر, فيقال, إن زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية الأخيرة, ترتبت عنها زعزعة, في قيادات جيشها التي تمكنت, أو تكاد من تصفية المعارضة الإسلامية, والتيار العروبي, عموما.

والعمي أيها السادة والسيدات, عوضهم المولى عز وجل, عن أبصارهم, بالبصيرة الحادة, وصدق الله العظيم, إذ يقول.. لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب.. وهم شديدو الذكاء بالغو الحيلة والمكر, وقد تناولهم العلامة العربي الجاحظ برسالة خاصة, ويكفي أن نذكر من جهابذتهم أبو العلاء المعري, وبشار بن برد, والشاعر اليماني الكبير المرحوم عبد الله البردوني, وطه حسين, وكشك, وصاحب المخصص, ابن سيده الأندلسي, والشيخ إمام, المغني الملتزم الذي زعزع حكم السادات والشيخ السعودي بن باز, وأخيرا وليس آخرا الشيخ عمر عبد الرحمان, رهين المحبس الأمريكي, وغيرهم كثيرون.

يقول مراسلانا من مصر والجزائر, أن هذين البلدين, خاصة الجزائر, لهما تجربة كبيرة في حركات المكفوفين, فتنظيماتهم, قوية, تنبث على كامل المناطق, وما من كفيف جزائري, إلا ويحمل بطاقة المنظمة...

يجمع مراسلونا, من مختلف الأقطار على أن نوعا من النعاس الشبيه بالتبلد يسيطر على الناس, فيجعلهم في حالة استسلام غريب للأمر الواقع.

أضيف سيداتي سادتي, أننا نحن أيضا هنا في الأستيديو, نشعر بذلك, حتى أنني شخصيا, أروح أحيانا كثيرا, ناسيا الظلمة أبحث عن متكئِ أو مستند. أضيف أيضا, أن مراسلنا بالعراق لم يشر إلى ظاهرة التبلد هذه لا عند العراقيين, ولا عند قوات الاحتلال. وحسب ما لاحظت شخصيا, فإن التبلد, وأستسمحكم باستعمال عبارة التبلد, فكلنا في الهوى سواء كما يقال. قلت إن التبلد هذا, يسري بالتدرج, وكما لو أنه نتيجة تعاطي مخدر ما. وهو - حسب حالتي الشخصية, وحالة الفريق المجند معي منذ عشر ساعات الآن- ينزل من فوق إلى أسفل. من الرأس إلى الأخمص.

وأخشى ما يمكن أن نخشاه جميعا, هو أن نصاب في أية لحظة بالانهيار, ربما نستيقظ بعده, وربما ندخل في حالة غيبوبة لا يعلم مداها إلا الله, وقد ذكر مراسلنا في الأرض المحتلة, أن الدكتور الباحث حنزليقة, نشر في معاريف أيضا, ما يبرر هذه التخوفات, بل لقد ذهب الدكتور حنزليقة, إلى ما هو أبعد, إذ ركز على التبخر, فالأمريكان, ومعهم الصهاينة, يسعون بالتبخر إلى محو كل أثر للجريمة, وهم لا يريدون إتباع أسلوب هتلر, أو صدام حسين بإنشاء مقابر جماعية, فيظلون محل لعن, على مر الأجيال والأزمان.

إن تجربة هيروشيما, والمحارق النازية في حالة وجودها فعلا, جعلت الأمريكان وحلفاءهم الأقربين يحتاطون للأمر, ثم إن المسألة بالدرجة الأولى اقتصادية, فدفن مائتي مليون عربي ليس بالأمر الهين. يضيف الدكتور حنزليقة.

ولو أن العالم الإسرائيلي الدكتور ضرططوخ, تصدى لآراء الدكتور حنزليقة, بالحجج التالية, لو أن أمريكا وحلفاءها أرادوا محاربة الإرهاب بهذه الصفة لاستعملوا القنابل النووية ذات المجال المحدود, ولا أحد كان يمكن أن يتفطن إليهم أو يعترض سبيلهم. ثم إنه, إذا كان الهدف إفناء العرب, فيجب أن تكون العملية, مثمرة, وبالتالي بطريقة التذويب, وليس التبخير. فعندما يذوب مائتا مليون عربي دفعة واحدة تتضاعف الثروة الباطنية, ويطول عمر استعمال النفط كطاقة أساسية, عشرة قرون أخرى على الأقل.

على كل وعلى رأي المثل العربي الكسول: يا خبر بفلوس بكره يبقى ببلاش.

سيداتي سادتي. يقول عبد الحليم حافظ, على لسان الشاعر الكبير, المرحوم نزار قباني, إني أغرق, إني أغرق, فأنا, وكل مراسلينا, ولعلكم أنتم أيضا بدوركم, أقول لكم من تحت السواد الدامس, إننا نغرق إننا نغرق.

السبات يدهمنا. السِّنة تنطفئ, والنوم يأخذنا.

 

 


 

ما نخاف....

 

 

تواصلت صرعة الولي الطاهر, وتواصل معها التحديق في الشاشة المسودة, والتي كان في الحقيقة, يرى ويبصر من خلالها, صور ومناظر كل ما كان يتفوه به, سواء المذيع الرئيس, أو المراسلون من مختلف أنحاء العام, وقد رأى بأم عينيه قطة صدام حسين, وهي تتمسح بأقدامه الحافية, ثم تموء, وتنير له البهمة المدلهمة, وقد تبعه إلى أن دخل منزلا, يقع على ضفة الفرات, ليس به سوى امرأتين تقدم بهما العمر, لم ترياه في البهمة, لكن سمعتا حركة, ومواء قطة, وصوتا مكدودا, يطمئنهما قائلا:

- ضيف رب العالمين.

- هذا الصوت, ليس غريبا.

قالت إحداهما للأخرى, فردت عليها:

- ما عساه يفعل, كل شيء أخذوه, ما تبقى على الأمريكان, استولى عليه اللصوص.

- خش يا غريب. عليك أمان الله.

- وعليكما أمان الله.

- لكن كيف عرفت في هذه البهمة عددنا؟

- لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

- صدق الله العظيم.

قالت المرأتان, في حين قصد صدام, حصيرة عليها زربية مهلهلة, ومخدة, وما أن استلقى حتى انبعث شخيره. بينما امتدت القطة عند رأسه, وراحت تسوي وضعها, كي تنام بدورها.

- المخلوق تعبان. تراه من يكون؟

قالت إحداهما, فعلقت الأخرى:

- قولي ما يكون أمره بالأصح, فالزمن الذي نحن فيه, لم يبق أحد على ما كان عليه, العزيز, ذل, والذليل, عز. والغريب, صار صاحب الدار.

- والله.

أضافت الأخرى.

وساد الصمت إلى جانب السواد.

لم يعلق الولي الطاهر, وأعاد بصره إلى الشاشة التي انبعث فيها النور, وتراءت منها صورة, جمدت عليها الكاميرا, تمثل خارطة العالم العربي بالألوان.

مرت لحظات طويلة, والصورة لا تتحرك, قبل أن ينطلق صوت عرفه, يتساءل:

- فقراء. عبد الرحيم فقراء. أو تسمعني. أنا عبد الرحيم فقراء كبير المراسلين بالجزيرة والخليج, وجميع دول مجلس التعاون.

النور يتجلى, يا عبد الرحيم. والفرحة تعم الناس, والوجوه مستبشرة. لم يستيقظ الجميع, بعد. لكن العملية تتواصل, والشمس استعادت كل وهجها, ولمعانها, وحرارتها, أيضا.

عبد الرحيم فقراء, أنا عبد الرحيم فقراء. هل تسمعني؟ يبدو أنكم مازلتم نياما.

توقف الصوت, فجأة, وساد الصمت لحظات, لينبعث صوت آخر:

- عبد الرحيم فقراء. هنا القاهرة. مراسلكم عبد الرحيم فقراء. هل تسمعني وتراني؟

نحن نرى الخريطة, ونسمع صوتنا, ولعل من هم مستيقظون من السادة والسيدات المتتبعين لقناتنا, يسمعوننا أيضا.

الوضع هنا بالقاهرة المعزية, عاصمة مصر العروبة, مصر التي قال تعالى ادخلوها آمنين, والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم. قلت الوضع هنا, وضعان.

وضع الحالة التي عادت إلى طبيعتها الأولى, فالشمس ساطعة, والنور عامّ. والناس يستغفرون ويكبرون, ويسبحون لله الواحد القهار الذي يولج الليل في النهار والنهار في الليل, وهو على كل شيء قدير.

ووضع آخر يمكن نعته بالسياسي, فالعمي الذين استولوا على بعض المؤسسات, مثل وزارة الدفاع, والإذاعة والتلفزة, والقصر الجمهوري, وتمكنوا من احتجاز عدد لا يستهان به من المسئولين رهائن, ربما من ضمنهم سيادة الرئيس, أو على الأقل, السيدة الموقرة حرمه, يقول هؤلاء العمي:

العصفور في يد من زوّى, وهو في أيدينا, ودونه جميع المنايا.

وقد التف حولهم, كثير من المشاغبين, والصعاليك, ومجودي القرآن الكريم, وبعض الشيوعيين, الذين لا يرتبطون بأي تنظيم سياسي, وكثير من مديري ورؤساء تحرير المجلات الحكومية, هؤلاء الذين لا يجدون حرجا في أن ينعتوا أو ينعتوا أنفسهم بالانتهازيين, ويمكن القول إن جميع أئمة المساجد الفرعية, ومساجد القرى والمدن الإقليمية, وكذلك طلبة الأزهر الشريف.

والهمس جارٍ, بأن مسألة الخلافة, مطروحة بقوة, وبأن اسم بلادن يتردد إلى جانب اسم صدام حسين.

لقد انطلقت فرقنا, بعد أن فشلنا في الاتصالات بواسطة الهاتف, تحاول الاتصال, بقادة الجيش, ولو أن حصارا شديدا مضروبا على كل رجال الإعلام. فوراء كل كاميرا أو صحفي يقف رقيب فضولي.

بلغنا, أن كل قادة الجيش, أعلنوا أنهم جيش نظامي غير مسيس, وبالتالي لا يعنيهم الشأن الذي يجري بين العمي وغيرهم من السياسيين. ومهما كان الأمر فإنهم ينتظرون الأوامر من المصادر العليا, أما الثكنات, فإنها محكمة الإغلاق, على كل مدني, حتى يتجلى أولا أمر هذه الزوبعة السوداء التي تضاربت في شأنها الآراء والتحاليل, وحين ينجو الوطن من الخطر الخارجي, نولي العناية التامة للمسائل الداخلية.

أما مؤسسات الأمن المدنية, فبدءا من وزارة الداخلية, إلى آخر نقطة شرطة في تراب الجمهورية, هي تحت الإشراف التام, للعمي ومن والاهم.

سيداتي سادتي, حضر الآن أحدهم وطلب من جميع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية تجنب استعمال عبارة العمي في جميع ما يكتبون أو يقولون, وذكرنا بقوله تعالى, عبس وتولى أن جاءه الأعمى, إلى آخر الآية التي نزلت في حق عبد الله بن أم مكثوم.

 أيها السادة, أيتها السيدات, نأسف كثيرا لهذا الانقطاع الذي حدث, ففي غمرة النوم الذي داهم الأمة من محيطها إلى خليجها, عمل عامل التعب فينا, فعله, نحن الذين, ظللنا ساعات وساعات, وسط البهمة, نتحدث دون أي دعم من الكاميرا.

وكل ما نأمله, هو أن لا يكون غيابنا عنكم, قد تعدى حدود اللياقة, ولحسن الحظ, ولحسن الحظ, أكرر, أن ظلت قناتنا مفتوحة, ورب ضارة نافعة, وما رميت إذ رميت, ولكن الله رمي. ففي الحق, غُلبنا على أمرنا, فتثاءبنا وتمططنا, وصابرنا, ولكن فعل الشيء الأسود الذي يبدو أنه انقشع, هزمنا, إي هزمنا وأيم الله. فلكل جواد كبوة.

على كل ها نحن والنور, وصور عالمنا العزيز, نعود إليكم, والعود أحمد إن شاء الله. وهذا مراسلنا من القاهرة الأخ عبد الرحيم فقراء, يشرع في مراسلته.

- بل, قل يوشك أن ينهي مراسلته, فمنذ نصف ساعة, وأنا أتحدث, ولقد بلغ صوتنا كل من كان مرتبطا بالمحطة, إذ كنا نسمع أنفسنا, فكما قلتم, المحطة كانت مفتوحة, وهذا لحسن حظنا وحظ مستمعينا.

- نعم. فما الجديد؟

- مبدأ الخلافة, أقر, في اجتماع مجلس الحكم الجديد, والذي يتشكل كما أبان الناطق الرسمي باسمه, من عشرة أعضاء, واحد منهم فقط مبصر.

- ماذا تقول يا عبد الرحيم.

- ألخص ما فاتك, يا عبد الرحيم, فهنا في أرض الكنانة, استيقظ الناس ليجدوا أن الحكم في يد من كانوا مرشدين للناس.

- العمي؟

- هذه التسمية, منعنا من استعمالها, فالرجاء حذفها من قاموس المحطة. قلت, قال كبير المرشدين:

 "الفرخ في يد من زوى". بيدي لا بيد عمرو.

- عمرو موسى يعني.

- كلا, فهذا مثل لا غير. أرجوك يا عبد الرحيم فقراء, أن لا تعطلني, فالأحداث تتسابق, ها هنا.

سيداتي سادتي, قلت. مبدأ الخلافة أقر بالإجماع, ولكن عندما طرح أمر من يكون الخليفة. ثارت الزوبعة, حتى أن اللغط سمع من خارج قصر عابدين.

هناك ثلاثة أسماء تتردد, هي اسم الشيخ أسامة بن لادن, اليمني السعودي, واسم الشيخ بن باز, السعودي, واسم الشيخ عمر عبد الرحمان المصري.

- أيها السادة والسيدات طلبات الاتصال تتزاحم علينا من كل عواصم الدنيا, وقد تولينا تلخيصها إليكم, عدا مراسلة الجزائر, التي تركناها على حالها.

عبد الرحيم فقراء من الجزائر إليك الخط.

- شكرا عبد الرحيم.

- تفضل.

- الوضع هنا استقر بسرعة, إذ ما أن عاد النور إلى الدنيا, حتى ألقي القبض على ثلثي العمي الجزائريين, فقد كانت السلطات لهم بالمرصاد. حيث كان لها نصيبها من العمي يعملون في أجهزتها العسكرية والمدنية, وكل ما جرى من حديث سري, وخاصة المشفر بلغة براي, وصل في إبانه, إلى خلية الأزمة التي نصبت في أعلى هرم القيادات العسكرية, والتي تمتد فروعها إلى جميع المؤسسات الاستراتيجية, وغير الاستراتيجية, وقد ورثت الجزائر, هذا النظام من سنوات السبعينات, أيام الرئيس الراحل الهواري بومدين. كما ورثت الاستعانة بالعمي في الشؤون الأمنية من أيام العهد العثماني, إذ كانت أبواب مدينة الجزائر, توكل في الليل للعمي كي يحرسوها, ويتضح من هنا أن الجزائريين يعرفون من هذا العهد, أن حاستي السمع والشم, هما مما عوض به المولى عز وجل فقدان البصر.

لم يعرف المؤرخون سبب استعمال العمي في الحراسة, ولكن واضح هنا أن المسألة تعني تحديد دور الحارس بدقة بالغة, عليه أن يفتح الباب, إذا توجب, وغلقه بعد ذلك. وأن لا يهتم بمن أو بما دخل.

احتياط بالغ في الحفاظ على أسرار الدولة.

محاولة الانقلاب هذه تمت, والغريب في الأمر, أنه إلى حد الآن لم يصدر ما يشير إليها, لا من قريب ولا من بعيد.

 كل ما هنالك, هو إشاعات مرتبة ومنظمة, وحثيثة أيضا, ينقلها صحافيون جزائريون, يقولون إنها من مصادر مقربة أو عليمة, وعادة ما تعني هذه المصادر مؤسسة عسكرية واحدة, تبدو أكثر المؤسسات من نوعها تواضعا في العالم أجمع.

يخال المرء من بعيد, أنها بلهاء, أو نائمة, أو تعاني السبهللة. لكنها أشبه ما تكون بالذي يحرك عرائس الكاراكوز, جميع خيوط العرائس, وجميع خيوط كل عروس, في أصابعه, يحركها حيثما شاء, وكيفما شاء, فتبدو الأمور والحركات كلها طبيعية, عادية.

- وهل هناك تواتر في المعلومات التي أسميتها إشاعات.

- التواتر في هذه المنطقة, لا يعني شيئا, وكأنما رأي ابن خلدون يظل يسري مع الزمن.

- ما هو رأي ابن خلدون هذا الذي لم يغب عنك حتى في مثل هذا الظرف الغريب؟

- يقول ابن خلدون, وهو المؤرخ والعالم الاجتماعي الذي أولى أكثر من غير الاهتمام بالبربر, مرة يعلي من شأنهم, ومرة, يذمهم.

قال يذم على ما هو واضح من عبارته, كل تواتر يفيد القطع إلا تواتر أهل المغرب.

على كل, بالنسبة, لنا نحن الصحفيين الأجانب في هذا البلد, فهمنا الرسالة التي بُلِّغنا بواسطة الإشاعة.

لقد جرت محاولة انقلاب من طرف منظمة العمي, لكن تمت السيطرة عليها في الوقت المناسب, وتم إيقاف جميع عناصرها, بما فيهم المشبوه في أمرهم. وهم كلهم عمي.

وقد تم إنقاذ الجمهورية.

- وماذا يقول الشعب هنالك؟

- الشعب الجزائري عادة ما يقتصر في مثل هذه الحالات عن جملة واحدة, لها ثلاث صيغ, فهو إما أن يقول لك:

هم في هم. ويمدد هنا فيقول هوما في هوما.

وإما أن يقول لك: موسى الحاج, هو الحاج موسى.

وإما يقول هازئا: اللعاب حميدة, والرشام حميدة. والرشام هنا, تعني من يقوم بتسجيل حساب اللاعبين.

وكل هذه التعابير قريبة من القول العربي, عن الخصم والحكم, ولو أنه أبلغ منه إذ يحدد من هو الخصم, ومن هو الحكم.

لا ننس أن عقبة بن نافع رحمه الله, ظل – دون أن يدري, تحت تهديد الذبح, طوال المسافة بين المغرب الأوسط والمغرب الأقصى ذهابا وإيابا, إلى أن تمت العملية الشنيعة في التكتم التام.

وهم يعيبون علينا نحن المشارقة, التبجح وحب الظهور في التليفزيون, والثرثرة, وصبغ الشعر, خاصة, الشوارب.

- أتركك في الجزائر, مع الإشاعات, وابن خلدون, وعقبة بن نافع, لأقدم لحضرات المشاهدين والمشاهدات, كما وعدتهم ملخصا عن أهم ما وردنا من فقراء عبد الرحيم, من جميع أنحاء العالم.

نواق الشط, ليس فيها جديد, فلا أحد تحرك من موقعه أو فاه بكلمة, والناس عندما استيقظوا راحوا يسلمون على بعضهم البعض, مهنئين أنفسهم بالسلامة.

أما في الرباط, فما أن استيقظ الناس, حتى راحوا إما يخفون الأسلحة التي كانوا يستعملونها, وإما يتخفون عن بعضهم البعض, ويقول مراسلنا, إنه نظرا لقرب المغرب من أوروبا, ونظرا للقواعد العسكرية المتواجدة, فهناك حسابات متوازية كثيرة, ومعظم الناس هنا من العنصر البربري, ولو أن الكثيرين منهم عاش في الأندلس واكتسب هنالك عادات, ليست من خصائصه.

وفي تونس, يؤكد عبد الرحيم فقراء, أن الناس لا يزالون يحاولون في استرخاء فك الارتباط بينهم, وملامح البشر بادية على الجميع, وقد صرح لنا أحدهم, ويبدو أنه مسئول كبير, بأن الليلة كانت للأسف الشديد, قصيرة جدا.

أما في عاصمة الجماهيرية العربية الكبرى, فقد استيقظ الناس على عد نقودهم, قائلين إن الغرب ما سلط علينا هذا الشيء إلا ليستولي على ما تبقى من نقودنا, وقد اضطرت أمانة مؤتمر الشعب العام, إلى إصدار بيان, أكدت فيه, أن الجماهيرية العربية الكبرى, طبقت حرفيا, المثل الشعبي الذي يقول: اخسر وفارق. وأن كلمة طز في أمريكا, كان المقصود منها, طز في من عادى أمريكا, وبكل صفة لا طزْ بعد اليوم.

وقد سمعنا أحدهم يقول قبل أن يُختطف من طرف كوكبة من حاسري الرؤوس:

يا ليتنا فارقنا. "الحب ما انحبك والصبر ما نصبر عليك".

في مصر, الانقلاب الأبيض, كان أبيض بالفعل, رغم السواد الداكن, إذ لم تسل لحد الآن, قطرة دم واحدة,

جاء في آخر مراسلة لعبد الرحيم فقراء, أن النظارات السوداء تكاد تختفي من السوق, وقد بلغ ثمن الواحدة منها, آلاف الجنيهات, وصار يشترط في ثمنها أن يكون بالأورو, ومعلوم, أن مصر ككل الدول العربية, تتعامل بالدولار أكثر من غيره من العملات, فأمريكا مهما كان الأمر, إنما تتبرع حين تتبرع بالدولار, وليس بالليرة الإيطالية مثلا, وهذا رغم ما تقوله المعارضة من أن أمريكا, تأخذ ولا تعطي, وهي حين تتبرع, تتبرع بالديون المترتبة عن الديون وليس بشيء آخر.

كما بلغ سعر العصي البيضاء أسعارا خيالية, هي الأخرى, وعندما حاولت المعارضة, أن تصنعها من قصب السكر, المتواجد كثيرا في شوارع القاهرة, ارتفع سعر الرطل الواحد من الطلاء الأبيض, إلى مئات الدولارات. وقد شهدت بعض المناطق المعزولة, عمليات سلب ونهب, استهدفت متاجر العقاقير, والطلاء الأبيض وحده.

إن الشعار المرفوع, في المعزية, هو:

كلنا عمر عبر الرحمان.

ويظهر أن المصريين, يخشون أن يضيع منهم مقر الخلافة.

في عاصمة الرشيد سيداتي سادتي وباقي المدن العراقية, استيقظ الناس ليجدوا أن القطط فرت منهم، ويجد الكثيرون منهم أنفسهم, يحتضنون العلوج الأمريكان, وقد نٌصبت أسواق في معظم المدن العراقية, يبيع الناس فيها, أسلحة وعتادا وألبسة أمريكية, خاصة السراويل.

وما لوحظ, هو أن الجنود الأمريكيين, وكذا ضباطهم لم يعودوا يتخفون, أو يتخوفون من الاستهداف كما في السابق.

كانوا يبتسمون في رضا تام.

ولقد راح الناس يتكهنون, فمن قائل, بأن أخبارا من أمريكا وردتهم, تقول إن الرئيس بوش, ووزير دفاعه قد ألقي عليهما القبض في حاملة الطائرات أبراهام لنكولن, ومن قائل, أن سبب ابتهاج العلوج, يعود إلى فرار صدام حسين من السجن, فقد كانوا بصدد التنازل والتفاوض معه, على ترشيح من يتولى الحكم في العراق من غير المعروفين من رجال الحكم السابق.

بفرار صدام يكونون, قد تجنبوا عار لعق قيئهم, كما عبر أحد الجنرالات, وللعلم فإن خبر اختفاء صدام شاع بسرعة بين الناس, وكأنما بثه مختصون جزائريون, وتقول الأوساط المقربة من الحكومة المؤقتة, التي أعلنت, ما أن عاد الضوء, إلى الدنيا عن استقالتها. وهاهم أعضاؤها يتوجهون في قافلة تصحبها نغمات آلات موسيقية مختلفة, ودقات قوية للطبول والدفوف, إلى الكويت, عاصمة دولة الكويت.

إن أمورا عجيبة, تجري في العراق, برمته, لا يجد الإنسان لها تفسيرا. حتى أن أحدهم كتب مقالا, في جريدة صدرت بصفحة واحدة, تجرأ فطالب فيه, باسترقاق العلوج الأمريكان المتواجدين بالعراق, باعتبارهم أسرى, واستغلامهم, واستعمالهم, في حرب مع دول الجوار هي آتية لا محالة. كما طالب أن يفكر العراق بجدية, في استعادة الدولة العباسية, ومجدها, وإن اقتضى الأمر أن يستعين بإسرائيل.

في شأن صدام حسين, لا جديد, فالرجل كما تعلمون يحسن التخفي.

من دمشق, مراسلنا عبد الرحيم فقراء, قال بإيجاز كبير, إن الإضراب الذي شنه العمي المتواجدون في سجن المزة قد انتهى, بعد أن اعترفت الدولة بوجودهم وبتنظيمهم, وطلبت منهم الدخول في الجبهة القومية, كقوة لها وزنها في المجتمع.

وقد جاء في بيان لقيادة حزب البعث العربي السوري, إن الأمة تستعين بكل قواها الفاعلة من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية, ومن أجل فلسطين, وكل الأراضي العربية المحتلة, بما فيها لواء الإسكندرون, وسبتة ومليلة, والجولان.

سوريا العروبة, في طليعة الأمة, وهي رأس حربة في صدر العدو.

وأضاف بيان حزب البعث العربي السوري, أن الغمة التي شهدتها الأمة العربية, أمس واليوم, تعود إلى تمزق الوطن العربي وإلى خلافات العرب فيما بينهم, وأن الوحدة وحدها, السبيل لتفادي مثل هذه الوضعيات, كما أكد ذلك الرئيس القائد, في أكثر من مناسبة.

ننتقل إلى الخرطوم, سيداتي سادتي, حيث وافانا من هنالك مراسلنا عبد الرحيم فقراء, بما مفاده, أن النيل لم يعرف أي فيضان, وأن القيادة السياسية, انضمت إلى المعارضة, وأعلنت الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية, وعلى ليبيا التي تساندها, وبخصوص الحالة, قالوا, نحن في السودان, نحمل السواد اسما, وجلودا, ولكن قلوبنا بيضاء كحليب الماعز.

ومن باقي منطقة شبه الجزيرة والخليج, لم يتصل بنا عبد الرحيم فقراء, ويبدو أن التيار الكهربائي منقطع عنهم, أو أنهم ما يزالون نياما, ولربما لا قدر الله, هناك انعكاسات, لا أحد يعرف كنهها.

وقد حاول أحد المواطنين أن يتصل بنا بالخلوي, إلا أن صوته سرعان ما اختنق, ولم نسمع منه, سوى كلمة واحدة, هي القبض, فلا ندري هل يقصد عمليات إلقاء القبض؟ وهل هي جارية, أو جرت وانتهى الأمر, والاحتمال الكبير, أنه يقصد إلقاء القبض على عبد الرحيم فقراء, وعلى زملائه من المراسلين والصحفيين الآخرين, وما يعزز هذا الاحتمال, أن خلوي عبد الرحيم, لا يستجيب, كما أن الفضائيات المحلية, مكتفية ببث القرآن الكريم, واستفدنا, من محطة أمريكية, أن الأقمار الصناعية, لم تسجل غيابا كليا للغيمة السوداء التي كانت تعم, إنما شبه ضباب, يلف مناطق آبار البترول.

وفي الحق ليس في شبه الجزيرة والخليج فحسب, وإنما أيضا, فوق كل آبار النفط.

وقد قالت المحطة, إن هذا الضباب أشبه ما يكون ببخار صاعد من قدر يغلي فيه الماء.

سيداتي سادتي, كنا نود لو أن عبد الرحيم, حدثنا عن الروسيات وعن مصيرهن ومصير علوجهن, وعما قد يكون من ضحايا, وعن ألوان قمصان إخواننا هنالك, وهل حافظت على نصاعة بياضها أم اعتراها التغيير, فيجب أن تنأكد مما إذا كانت هذه الموجة السوداوية, مجرد ضباب أسود, أم هي كما يقول الدكتور حنزليقة, سلاح فتاك, تكون له عواقب وخيمة, على المديين القريب والبعيد.

وهذا عبد الرحيم فقراء من فلسطين في بث مباشر, بالصوت والصورة اليوم.

سيداتي سادتي, قرر شارون ومعه الكنيست, تمديد إقامتهم بتل أبيب, ولم يفصحوا عن سبب ذلك, وقد توقع الدكتور حنزليقة في مقاله اليوم, حدوث تغييرات كبرى في الجيو-سياسية, وقال بخصوص إسرائيل, إما وإما.

إما مورطة, وسينجر عن ذلك, أكبر جريمة في تاريخ البشرية, وإما غير مورطة, وستكون هي الضحية الأولى, أو على الأقل إحدى الضحايا الهامة في المنطقة, فأمريكا, عندما تعد لقمة جيدة في ملعقتها, تفضل أن تنفرد بها, وهي كما يقال, من الحيوانات, التي لا تشرك غيرها, في السقيطة.

بالنسبة للضفة والقطاع, ها هي صور مكتب أبي عمار, كما شاهدناه حال عودة النور, إذا صح التعبير, محمد دحلان بصدد أن ينقل، إلى المستشفى, وعلى ما يبدو فإنه فقدَ كمية كبيرة من الدم, وهو في غيبوبة.

أبو عمار, ما يفتأ يروح ويجيء زائرا كالأسد في القفص: رئيسا. رئيسا. رئيسا.

أما أعضاء الحكومة الآخرون, فلم يظهر منهم سوى رئيسهم, محاطا بأربعة شبان, يضعون نظارات سوداء على أعينهم, ورغم انعدام العصي البيضاء من أيديهم, فإنهم بالتأكيد من المرشدين العمي. الأمور هنا, تزداد غموضا, لحظة بعد أخرى.

قال أحدهم, وهو يشير إلى دحلان, زلة إصبع, ليس إلا.

وبالمناسبة, فقد أعلنت جميع بلديات الضفة والقطاع, أن المواليد المسجلين اليوم, أصر أولياؤهم على إطلاق تسميات غريبة عليهم, فالإناث كلهن سجلن بأسماء مركبة, من اسم أول واسم ثان, هو السلطة التنفيذية.

أُلفت, تصير ألفت السلطة التنفيذية, ونزهة تضحي نزهة السلطة التنفيذية, وقس على ذلك باقي الأسماء, ولو أن اسم ألفت شكل ما يقرب السبعين في المائة.

بالنسبة للذكور, يضاف إلى الاسم الأول نعتا, أو تمييزا, أو حالا, والمسألة تترك للنحاة أفضل, يشكل اسما هو رئيسا. فتقول مازن رئيسا رئيسا رئيسا, مروان رئيسا رئيسا رئيسا, ومحمد رئيسا رئيسا رئيسا, وياسين رئيسا رئيسا رئيسا إلخ ,

وقد تواتر اسم مروان إلى جانب اسم محمد, وياسين بنسبة عالية.

وهذا أحد المواطنين يخرج من مكتب تسجيل, أسأله, يا أخ يا أخ.

- ماذا كنت تفعل داخل مبنى البلدية؟

- سجلت مولودا, ازداد في بيتي هذا الصباح.

- مبروك.

- الله يبارك فيك.

- ماذا أسميته على بركة الله.

- مروان رئيسا رئيسا رئيسا.

- ولماذا هذه التسمية المركبة, ثم مروان بالذات, ورئيسا وليس اسما آخر.

- يا أخ الشعب الفلسطيني يسعى دائما للتأكيد لأبي عمار, بأنه يناصره, ولم نجد ما نعبر به غير ترديد شعاراته.

- هذا جميل, ولماذا مروان بالذات.

- كيف؟ يعني ننساه والسلام؟ كأسنان العجوز, كل ما سقطت واحدة استراحت؟

- مبروك مجددا. هاهو مواطن آخر أمامي سيداتي سادتي, يا أخ يا أخ.

- نعم.

- ماذا كنت تفعل بالمكتب البلدي؟

- سجلت وفاة قريبة لي. أبعد الله عنكم الشر.

- عظم الله أجركم. إنا لله وإنا إليه راجعون.

- وأنت يا أخ؟

- سجلت توأم.

- ولد وبنت. لا شك.

- لا. بنتان.

- ما شاء الله. مبروك. ماذا أسميتهما؟

- سُكينة السلطة التنفيذية. وزينب السلطة التنفيذية.

- أنت أيضا موالٍ لأبي عمار ما في ذلك شك؟

- والشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه يساند أبا عمار. وتحيى المقاومة. ويحي الشيخ ياسين. ويحي صدام حسين.

نتركك يا عبد الرحيم, في الأرض المحتلة, كي نفسح المجال لمراسلينا, في بقية أنحاء العالم, على أمل أن يعود الاتصال بشبه الجزيرة والخليج, فنعرف ما يجري هنالك.

- حدثنا يا عبد الرحيم فقراء. ماذا يجري في عاصمة الجن والملائكة؟

- نعم يا عبد الرحيم. عاصمة النور والجن والملائكة, ويمكن أن تضيف, عاصمة الثورة ضد الظلم والجور والطاغوت بصفة عامة.

إن باريس لم تهدأ لحظة واحدة, منذ أن بلغتها أنباء استعمال الأسلحة الكيماوية ضد الشعب العربي من المحيط إلى الخليج, شيبا وشبابا وأطفالا ونساء ورجالا.

- هل هناك معلومات مستجدة, عن الغيمة السوداء التي سادت. إنك تقول الأسلحة الكيماوية.

- نعم فالصحف الفرنسية, أجمعت صباح اليوم, على تبني رأي الدكتور حنزليقة.

وقد قالت إحداها إن الوقاحة لا يمكن وضعها في ميزان, ومن أبداها مرة, لن يتورع عن مواصلتها, ما لم يجد رادعا يردعه. والأمريكان, تحدوا الأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية, عندما راحوا يبيدون الشعب الأمريكي الأصيل, وداسوا على كل الاعتبارات, عندما أطلقوا قنبلة الشر على اليبانيين. وها هم يخرجون ألسنتهم للعالم كله, وهم يحطمون دولا وشعوبا في المشرقين الأدنى والأقصى.

من بعد العرب. الدور على من ؟

أمريكا الشرقية, تتطلب أمريكا الغربية.

سيداتي سادتي, كما ترون, انطلاقا من هنا من ساحة لاباستي, إلى كل ساحات باريس العديدة, يرابط الملايين منذ الأمس, وهم يتوافدون من كل أنحاء أوروبا, زرافات ووحدانا. من حماة البيئة, إلى أطباء بدون حدود, إلى جماعات السلام بكل فصائلهم, إلى منظمات الإجهاض, الدعاة والمناهضون, إلى أنصار الزواج المثلي, هؤلاء الذين يواجهون الكاميرا الآن. نواب ووزراء, ورؤساء حكومات سابقون ضمنهم.

تأملوا الشعارات التي تحملها اللافتات:

انحروا الوحش المسعور.

الشعوب بدل العصابات,

بوش هتلر وقح.

عاشت فلسطين,

تسقط الصهيونية,

هيئات أممية جديدة خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

 اطردوهم من أوروبا قبل أن يطردونا.

عاش صدام حسين.

أين أسلحة الدمار الشامل يا مجرمين.

شعارات وصور, ورسومات لا عد ولا حصر لها, تتوالى أمام الكاميرا, إلى جانب الهتافات, التي تصدح بها الحناجر بجميع لغات العالم, بما في ذلك العربية , فالعرب بمختلف أجناسهم, يتواجدون عادة في مثل هذه المناسبات, وهم عادة من المعارضين لأنظمتهم, ومن مثقفي لقمة العيش, ومن طلبة, أنهوا دراساتهم العليا, فاستهوتهم الحياة في أوروبا, ومن خونة سابقين لثورات بلدانهم, مثلما هو الشأن للحركى الجزائريين, ومن خونة جدد, لم يهضموا أوطانا بدون مستعمريها السابقين.

- يا عبد الرحيم. يا عبد الرحيم.

- نعم يا عبد الرحيم.

- هل هناك جديد, على المستوى الرسمي, بعد قرار تجميد عضوية أمريكا في الحلف الأطلسي, وبعد انقشاع الضباب الأسود.

- لا جديد, أوروبا ماضية في قرارها على ما يبدو سواء بقناعة مسئوليها, أو بضغط هاته الملايين المتظاهرة. وعلى ما يبدو, ونظرا للسرعة التي اتخذ بها القرار, ولجرأة القرار الأمريكي, فإن أوروبا, ضجت منذ فترة بعيدة, من التهور الأمريكي الذي يفسد مشروع الاستعمار الجديد, والعولمة, بالعودة إلى أساليب القرون الوسطى.

الصحافة وحدها, هي التي تفصح عما يدور في رؤوس الحكام, والنخب المثقفة, والأحزاب.

وهي. الصحافة, ما تفتأ تشير إلى العملاق الأصفر, قائلة, إن التصرفات الأمريكية, تستحثه, ليجعل معركته معنا معركة بقاء.

ما دمنا بصدد الحديث عن الصحافة وعن صراع البقاء, بين يدي مقال كتبه مفكر فرنسي من أصل ألماني, يقول, لا شيء اسمه صراع الحضارات, إنما, كل ما هناك هو صراع المساحات, فالمساحات الممتلئة تبتلع المساحات الفارغة, إلى غير ذلك, وأمريكا, تخوض حروبا غير تاريخية, وغير ضرورية, وغير بشرية بالتالي, شأنها شأن إسرائيل. تتحرك من مساحة فارغة إلى مساحة ملأى, وهذا ما يضفي طابع العبثية, على كل ما يفعلانه.

وأشار المفكر الفرنسي ذو الأصل الألماني, إلى جدار شارون, فقال ساخرا, لو كنت عربيا هناك, لابتهجت به, ولعملت على تمتينه علوا وعرضا, لأن إسرائيل بهذا الجدار, تضع حدا لحرب المساحات, وتُعدُّ لانفجارها.

سنعود إليك يا عبد الرحيم فقراء في برنامج مرآة الصحافة, أما الآن, فأنتقل إلى بروكسيل, لأسأل عبد الرحيم فقراء هنالك, عما يحدث.

- وهو كذلك يا عبد الرحيم فقراء. على المستوى الشعبي والجماهيري, تكاد مدن دول البنيليكس تفرغ من سكانها, فهم، أجمعهم, وبمختلف الوسائل, يتوجهون إلى باريس ليجعلوها عاصمة أوروبا الموحدة, في مقاومة النازية الجديدة - كما يقولون هنا, أما على المستوى الرسمي, فقد بدأت بعض المعلومات تتسرب, إلى وسائل الإعلام.

- مثل ماذا يا عبد الرحيم فقراء؟

- مثل إيقاف كل اتصال جوي أو بحري بالعالم العربي, من خليجه إلى محيطه, ومنع كل اتصال أو احتكاك, بين الأوروبيين وبين سكان المناطق العربية, حتى وإن كانوا أوروبيين. إنشاء مراكز بحوث متطورة للتدقيق, فيما حدث, وما يمكن أن يترتب عنه. تقنين توزيع النفط, بإنشاء بطاقات تموين, مع إجراء دراسة معمقة حول إمكانية إيقاف السيارات التي لا تستعمل للضرورات الاجتماعية, وعن الحركة, وإمكانية تحديد الكمية المستحقة للسيارات السياحية, الاستعانة بالمخزون من النفط, وتوسيع التبادل الاقتصادي مع روسيا وأمريكا اللاتينية وبعض البلدان الإفريقية النفطية التي لم يمسسها السواد. عدم الاكتراث بارتفاع أسعار النفط.

- وبخصوص العلاقات مع أمريكا؟

- المبادرة الألمانية, بتجميد تداول الدولار, تنال اهتمام باقي الدول الأوروبية, وقد تجلى ذلك أول ما تجلى في قرار استعمال الأورو في شراء البترول, وهذا القرار, ينزع الغبن عن كثير من دول العالم النامي, التي تبيع بترولها بالدولار, وتدفع ثمن مشترياتها بالأورو.

 إن الأمور يا عبد الرحيم تتطور بجدية في اتجاه الانفصال التام عن أمريكا. 

- ننتقل الآن سيداتي سادتي, إلى عبد الرحيم فقراء في واشنطن, لنطرح عليه السؤال الاعتيادي, ماذا يجري عندكم يا عبد الرحيم فقراء؟

- سيداتي سادتي, لقد تأكدت هنا مسألتان لا ثالث لهما, إذ أن كل الدلائل تنحصر عندهما.

المسألة الأولى هي أن أمريكا, بريئة كل البراءة مما جرى, ويجري بالشرق الأوسط من السواد والضباب, وغير ذلك, وهذا نظرا للتخوفات التي أبداها كل المسئولين في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية, والاضطراب في توجيه التهمة, فحينا, تتجه الأصابع إلى بلادن, وأحيانا إلى صدام حسين, وكذلك نظرا للعواقب الوخيمة الاقتصادية والسياسية, التي ترتبت لحد الآن عن هذه العملية, إن كانت بالفعل عملية. فالدولار صار يقارن بالدينار العراقي, وقد جمد منذ البارحة إلى اليوم ما يزيد عن أربع مرات, دون جدوى, والعلاقات مع أوروبا في أتعس أيامها, ما يمكن أن ينذر بحرب من نوع خاص, لم تعرفها البشرية, ثم هذا الذعر الذي سيطر على كل المسئولين, ما جعل الرئيس بوش ورامسفيلد وباول يغيبون عن الأنظار منذ اندلاع السواد, إذا صح التعبير.

المسألة الثانية, هي أن الإدارة الأمريكية, ضالعة, والغة, في الضباب والسواد, لكن هناك فلَتانٌ ما, على حد تسمية إخواننا الفلسطينيين للفوضى, نتج عن سوء تدقيق, في الحسابات, وسوء تقدير لنتائج العملية, العسكرية, جعلها, هذه الإدارة, إما تتنكر وتتملص منها, وإما تترقب ما سينتج في نهاية الأمر.

قالت مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي, وقد ظهرت للمرة الأولى كما تشاهدونها في هذا التسجيل, دون زينة, وفي لباس رياضي بني داكن, فتبدو في سن غير تلك التي كانت تبدو بها, كما أن فمها, تخلص من مراقبتها له, فبدا عريضا جدا, يظهر كامل أسنانها الناصعة البياض, كلما فتحته, ويجعل ذقنها, تظهر وتختفي, كلما تحركت, وأنفها الغريب يعجز عن الاستقرار في وجهها, بينما ازدادت عيناها ضيقا وصغرا وحدّة, فتكشفان عما يكمن في رأسها من عدوانية واحتقار.

قالت المستشارة, إن مزاعم الدكتور حنزليقة لا تستقيم, لأن لأمريكا, ما يزيد عن المليون من أبنائها وأصدقائها في المنطقة, وهم مثل غيرهم عرضة لأي أذى.

يبدو والله أعلم, أن ما ساد المنطقة العربية بالأمس, خارج عن المخططات الأمريكية, وهذا ليس تنزيها لها, ولكن زيادة في تبيان مدى تعقد الأمور.

فمن يحارب بهذه الطريقة في المنطقة؟ وما هو هذا السلاح؟ وما هي الآفاق بعد أن بلغ سعر برميل البترول الواحد, ألف دولار؟ من يحارب من؟

- يا عبد الرحيم. ماذا قالت المستشارة عن المواقف الأوروبية.

- لم تقل شيئا ذا أهمية, واكتفت بالابتسام قائلة, ينسى الأوروبيون, أن أمريكا خرجت من ضلع أوروبا كما خرجت حواء من ضلع آدم.

نادرا ما يتفق الأجداد مع الأحفاد. أضافت.

ولقد استاء مراسل وكالة الأنباء الفرنسية, فهاجمها مذكرا إياها بأنها ليست من أصول أوروبية, فردت عليه بجفاء وباحتقار أيضا, بأنها إحدى الشهادات الحية على السلوكات الخاطئة للأجداد, إننا لم ننزل من السماء أو نأتي من الهملايا, ولا نستعمل لسان التوتسي أو بالوبا.

إن الانفعال, الذي اصطبغ به هذا الحوار القصير, ينم عن توتر بالغ بين أمريكا وأوروبا, وفي هذه الجمل الذكية التي استعملتها المستشارة, خلاصة ما ستنبني عليه في المستقبل العلاقات الأورو- أمريكية. فالأمريكان يريدون أن يقف معهم الأوروبيون, إيمانا منهم بأنهم يشكلون امتدادا وتواصلا واحدا, وبالتالي شعبا واحدا تختلف مصالحه في هذه القارة أو تلك, ولكن يواجه خطر الآخر, أينما كان خارج القارتين. وللمسلمين الحق, وهم أصحاب المبادرة, إذ يقولون, لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

من قتل الهندي في أمريكا, هو الذي قلص عدد الجزائريين من ستة ملايين إلى ما يقل عن مليون, وهو الذي قتل في كامل إفريقيا والهند, والهند الصينية, وما زال يقتل, واليوم يريد أن يظهر بمظهر الإنساني المتباكي, وكل همه أن يمارس الامتصاص بشكل آخر.

- كفى نفاقا.

قالت المستشارة الأمريكية للأمن القومي.

- عبد الرحيم فقراء. لماذا هذا التغاضي عن أخبار, بوش ورامسفيلد, وباول؟

- تعلم أن الأمريكان, يغرقونك في الأخبار التي يريدون, وينسونك في الأخبار التي تريد أنت.

الغريب في الأمر, وأكرر الجملة, أن ظلال القيادة الأمريكية تختفي شيئا فشيئا, وما عدا بعض الإشاعات من هنا وهنالك, فإن القيادة الأمريكية, همشت تمام التهميش.

- حدثنا عن الإشاعات.

- لقد حدثتكم عنها بالأمس, وملخصها كلها, أن بوش الابن, توقف عن إلقاء خطابه على ظهر باخرة جورج واشنطن.

- أبراهام لنكولن, قلت بالأمس.

- نعم أبراهام لنكولن. المعذرة عن الهفوة,

قلت. ولم يظهر منذ لحظتها, وقد كانت الجملة التي توقف عندها هي التي أعلن فيها أن أمريكا, لن تخرج من العراق قبل أن تستعيد ما أنفقته ماديا ومعنويا, وهذا يستغرق سنوات طويلة.

البعض يقول إنه في تلكم الأثناء وجهت له عدة طلقات نارية, والبعض يقول, إنه ما أن بلغ هذه الجملة, حتى تقدم منه قائد عسكري كبير, قاده من ذراعه, وكأنما العملية, إلقاء قبض مستتر, في فيلم بوليسي. البعض يقول, إنه بينما كان يتابع على الشاشة, وهو يخطب صور قمر فضائي, عن الوضع في العراق, وفي النجف بالذات, فوجئ بالسواد الحالك, يغمر الشاشة, فأغمي عليه, وهو الآن في المستشفى يتعرض لعلاج نفسي.

لكن الإشكالية كلها تكمن في أن الأمر لو كان يتعلق ببوش وحده لهان، إنما يتعلق بكل القيادة الحالية, وما يسمى بالصقور منها بالذات.

فهل العملية, انقلاب قام به العسكر على غرار بلدان العالم الثالث, غير الديموقراطية؟

ما من شك, في أن هناك غضبا قويا, وسط الجيش الأمريكي, الذي وُعد بجولة سياحية في العراق, ولربما في الدول المجاورة, مثل إيران, وسوريا, ولبنان, أو ما يسمى بالهلال الرافض لنجمة داود, وإذا بهم يُصلون نارين, نار الطبيعة الحارقة, ونار حرب عصابات ضروس, لا يبدو لها آخر, ولا يظهر لها مفصل.

إن المعلومات الواردة من تنقل الكنيست ومجلس وزراء إسرائيل من القدس إلى تل أبيب, ليس بمنأى عن مصير الصقور الأمريكان, فالبيت الأبيض, كما هو معلوم, ليس سوى المرآة العاكسة, لرؤى إسرائيل الاستراتيجية, واللسان الذي تموه به الدولة العبرية.

- عبد الرحيم يا عبد الرحيم. أنتزع منك الخط, لأقدم لحضرات المشاهدين والمشاهدات, خلاصة ما جاءنا من الجزيرة والخليج وبعض دول المنطقة, بعد أن أفرج على خلويات مراسلينا, دون الإفراج عن كاميراتنا.

قال عبد الرحيم فقراء من الرياض ما قاله عبد الرحيم فقراء من كل عواصم مجلس التعاون الخليجي.

منعنا من التصوير, كما منعنا من استعمال الهاتف, بل وقد منع بعض زملائنا, حتى من النظر, إذ عصبت أعينهم.

كان السبب في ذلك, أن جبب وقمصان, وكوفيات الجميع, اكتسبت لونا أزرق, مائلا إلى السواد, وقد قال المسئولون هنا, إن إظهار سكان المملكة, وسكان المشيخات, بهذا اللون غير النبيل, يجعلنا نبدو فعلة نفط, أو أجانب وفدنا نسترزق. دعونا نغير قمصاننا, ونغير ما على رؤوسنا, ثم صوروا ما طاب لكم أن تصوروا.

لكن ما أن يدخل الواحد منهم منزله, أو غرفة ثيابه, حتى يعدل عن الخروج, حتى خلت الشوارع والأنهج أو كادت  من الحركة, ومن مظاهر الحياة.

لقد اصطبغت كل ثياب الرجال بهذا اللون الذي يثير التقزز في نفوس سكان الجزيرة والخليج, إذ يعتبرونه, حطا من قيمتهم, ومن شرفهم بصفة خاصة.

وقد علمنا فيما بعد, أن ألوان الكوفيات مقننة, فكل لون وله مرتبة, ولا يجوز للبيدون مثلا, أو لليمني أو الباكستاني, أو أي وافد آخر- ولمفردة الوافد هنا, دلالة عرقية, وهي في بعض المناسبات, تستعمل كشتيمة - أن يتطاول, على طبقة الأسياد.

وبسبب, ما اعترى الجبب والقمصان والكوفيات والشماعات, شلت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولم نجد, من يعلق لنا على الظاهرة السوداوية, وما ترتب عنها من مواقف تجاه العرب وتجاه البلدان العربية عموما, فالكل هارب يتغنى بليلاه.

وسيترتب عن هذه الوضعية ولا شك, كما تكهن كل مراسلينا تقريبا, اجتماع عاجل لمجلس التعاون الخليجي, وسيكون لوزراء الدفاع, والداخلية, والإعلام الدور الرئيسي في هذا الاجتماع.

ولقد ظهرت السيارات السوداء, ذات الزجاج الواقي من الرؤيا من خارج السيارة, بدأت تخرج من مخابئها, وكأنما هي حيات تخرج من جحورها فتسعى. السواق الفيليبيون, يتولون بحماس وحمية, تنظيفها وإعدادها.

لا شك أن اجتماعات لهيئات ومؤسسات, وعشائر وقبائل بصدد الانعقاد, فحركة الحيّات السوداء هذه, بدأت دفعة واحدة, كأنها على موعد, ومما لا شك فيه أنها على موعد.

لعل وعسى, تتمكن وسائل الإعلام بعد هذه الاجتماعات, من ممارسة مهامها بصفة طبيعية.

سيداتي سادتي. حضرات المشاهدين الكرام. لم نتمكن من الاتصال بعبد الرحيم فقراء في صنعاء, ولكن استطعنا أن نلتقط لكم بعض مناظر من التلفزة اليمنية, التي اختل إرسالها بواسطة الأقمار الصناعية, بعد ظهور الغيمة السوداء مباشرة.

مناحة كبرى يشترك فيها الشيب والشباب, الذكور والإناث, الناس يلطمون خدودهم, ويمزقون جيوبهم, ويذرفون الدمع الحار, وهم حينا يحتضنون بعضهم, مواساة وعزاء, وأحيانا يتمرغون على الأرض, ضاربين رؤوسهم على كل ما صادفهم, وقد تساقطت من رؤوس الكثيرين منهم, العمائم, كما تساقطت قطع القماش التي يلفون بها نصفهم السفلي, فيبدون, حفاة عراة, في منتهى الهزال عُجفا ضامرين, يذكروننا بغاندي رحمه الله.

أيها الإخوة والأخوات. نواصل من تلفزة اليمن, عرض هذه الصور الحية, عن المناحة الوطنية التي يشترك فيها كل أبناء اليمن بشقيه, الشمالي والجنوبي, يتقدمهم, قائد الثورة السيد الرئيس.

ها هي اليمن كلها, عن بكرة أبيها, تخرج لتعلن حزنها لهذا المصاب الجلل, المتمثل في جفاف كل أوراق القات, فما أن عاد النور, واستبشر الخلق الذين هرعوا إلى الحقول, وكأنها أسراب نحل, مبكرة, حتى ارتفع التهليل والتكبير, ثم النواح والبكاء.

أشجار القات, كما ترون بأم أعينكم سادتي سيداتي, أشجار القات, مصدر رزق الملايين من الناس, ومصدر سعادتهم الوحيد, كلها, كلها, جفت أوراقها, ولم تبق هنالك, ورقة واحدة خضراء, تبعث الأمل في نفوس الناس بعودة الحياة, لشجرة الحياة اليمنية هذه بكل فخر واعتزاز.

انظروا أيها الإخوة والأخوات, إلى هذا الاصفرار الذي عم حقول اليمن, فحوّل الاخضرار الدائم, إلى يباب. ولاشك أن كل هذا تم بفعل ما سلطته الإمبريالية والاستعمار, وفي مقدمتها أمريكا التي لم تنس ولن تنسى لنا مواقفنا القومية الشجاعة, الواضحة والتي لا مراء فيها, خاصة موقفنا المشرف في كل حروب العراق الشقيق, كما لا تنسى أن الشيخ أسامة بلادن, قد نشأ وترعرع في ربوع اليمن السعيد.

وفي هذا الجو الحزين, ووسط هاته الجموع الغفيرة, سيلقي الأخ القائد الزعيم الموحد, خطابا, يحدد فيه, المبادئ العامة والدقيقة, لسياسة اليمن الداخلية والخارجية, ولا شك أيها الإخوة والأخوات أنه سيعلن عن إجراءات ثورية, لمكافحة هذه الآفة التي نزلت علينا, ولاستعادة سعادة اليمن السعيد, حتى وإن توجب ذلك إعادة غرس عشرين مليون شجرة قات.

أيها السادة والسيدات, سنعود فيما بعد إلى اليمن, إذا ما جد جديد في خطاب رئيسه, في غمرة الحزن والأسى الذي يملأ أجواء اليمن الشقيق.

أما الآن, فمع هذا الفاصل القصير, وبعده عودة, والعود أحمد.


 

الإرهاب ينتصر

 

سيداتي سادتي, أوردت منذ لحظة وكالة الأنباء الأمريكية, نقلا عن مصادر في البانتاغون أن بترول الشرق الأوسط, قد تحول إلى سائل غير معروف حتى الآن, وقد شمل هذا المسخ العجيب كل الآبار, حتى تلكم التي دخلت مرحلة الاستعمال حديثا.

وما أن أذيع الخبر, حتى أغلقت جميع بورصات العالم أبوابها, وتوقفت عمليات بيع وشراء النفط. وجمدت أسعار العملات في كامل العواصم, الأوروبية والآسيوية, والأمريكية.

وللتأكد من هذا الخبر المشئوم, ها هم مراسلونا في أنحاء العالم العربي, نسألهم واحدا, واحدا.

- عبد الرحيم فقراء في الرياض. ما وراءك يا أخ العرب؟

- علمت هذا الصباح, أن كل إناث الخيل والإبل والأغنام والماعز والدواب, وضعت, توائم, وقد استبشر الناس بهذا, وقالوا إنه فأل خير, ولو أن بعض النساء تشاءمن, وقلن, إن الرجال عندما يرون تكاثر الحلال, تشتد بهم الرغبة في الزواج.

من كانت له واحدة يتوق إلى الثانية, ومن كانت له اثنتان تاق إلى الثالثة, ومن كانت له ثلاثة, تاق إلى الرابعة, ومن كانت له أربعة, طلق الأولى ودخل على الخامسة.

- جيد. لكن يا عبد الرحيم, قضية النفط, هل بلغتكم؟ العالم الآخر في هلع شديد.

- اسمح لي, أن أقول لك, إنني لم أجد مسؤولا واحدا أسأله, فالسيارات السوداء ذات الزجاج الساتر, غادرت مواقعها, ولم تعد بعد, وأنت كما تشاهد ويشاهد معك السادة والسيدات, ليس الآن أمام الكاميرا, سوى الهجن, يركبها أطفال عُجفٌ, وهي تركض مرغية مزبدة.

ربما الوقت غير مناسب للحديث عن الاقتصاد والنفط, والعملات وما إلى ذلك.

- عبد الرحيم في الإمارات. وأنتم؟

- نحن نسمع ولا نرى. تعلم أنه منذ دخل الناس إلى بيوتهم, ولم يجدوا ما يغيرون به ألبستهم التي تغير لونها إثر العاصفة السوداء, اعتصموا هنالك, بعد أن أرسلوا خدمهم وحشمهم, يطوفون بالأسواق عساهم يعثرون على قمصان بيضاء, لكن هيهات, على ما يبدو.

مع ذلك, فلله جند في الخلوي, الذي له فضل عظيم على الناس, وعلى الصحفيين بالذات.

نعم.

الشباب هنا شياطين, فأعينهم لا تنقطع عن شاشات البورصات العالمية, والبيع والشراء عندهم, لا يتوقف إلا حيني ينامون.

يشترون أسهما, يشترون طائرات, يشترون روايات وقصصا وأشعارا يضعون عليها أسماءهم.

يكفي الضغط على زر يتواجد حيثما يتواجدون. في السيارة, في بيت الحمام, في هاتف خاص بجيوبهم, وكل ما هو هنا, معلن في البورصة. تصعد قيمته, وتنزل.

منذ أيام, تفوه أمامي أحدهم, وكان قد بلغ من السكر وِدْرا. تفوه في هاتف خاص , يبيع فيليبينيته, كما قال, وعندما سألته, ردد, هذه بورصة داخلية, لا يباع ويشترى فيها سوى اللحم المستورد.

- بورصة تقول تُعرض فيها الفيليبينيات الخادمات.

- نعم. أكثر من ذلك, هناك بورصة أخرى سرية, خاصة بالسيدات, يباع فيها الرجال, من هنود, وغيرهم من الآسيويين, العاملين في السياقة, وفي الحدائق, وما شابه.

هاتان البورصتان, غير موجودتين على الأنترنات, وإن كانتا مصورتين, إنما تبثان على خطوط هاتفية بواسطة ألياف وموجات خاصة, ولهما على كل حال, صلة متينة بالأقمار الصناعية.

- عبد الرحيم فقراء. أنت جديد في الإمارات, واكتشافاتك هذه تبهرك حينا بعد حين, ولا شك. لكن ماذا عن مسألة مسخ النفط.

- العفو يا عبد الرحيم. فالحديث عن شأن هؤلاء الناس, يجر بعضه إلى بعض, فهو حلقة في سلسلة كاملة.

على كل. مؤشران اثنان يدلان على صحة ما توارد من أنباء النفط.

المؤشر الأول, هو أن جميع من اتصلنا به من المسئولين, قال إن العلم سيجد مخرجا, وإن الإرهاب لا يمكن أن يطال أعماق الأرض.

المؤشر الثاني, هو أن جميع الوافدين من غير العرب, يغادرون مواقعهم ويركضون نحو مكاتب شركات الطيران, ونحو الموانئ. هذه بعض صور التقطتها كاميراتنا, تظهر بعض هنود يستولون على باخرة سياحية عليها علم روسيا, وينطلقون بها عَرض بحر العرب, كما يسمى في الهند, والمحيط الهندي كما يسميه العرب.

ها هي صور أخرى عن طوابير طويلة من الوافدين الآسيويين وبعض الروسيات والروس.

أقترب من هذه الروسية وأسألها:

- ماذا تفعلين هنا؟

- أرحل عن هذا البلد المشئوم.

- مشئوم تقولين؟

- نيات[6][6] دولار. نيات ...

قالت وأتت بيدها, حركة, يعز علينا أن نعرضها على مشاهدينا, ثم سألتها:

- ما علاقة الدولار بحديثنا؟

- نيات نفط, نيات دولار, نيات عرب, نيات خبيبي.

يشهد الله أنها كانت رائعة كلمة حبيبي هذه وحاؤها تتحول إلى خاء, خاصة وقد قالتها كما شاهدتم بغنج ودلال ورقة.

- اسألها ماذا جرى معهن البارحة؟

- لن أسألها فلدي تفاصيل مدَّني بها صديق لنا, في محافظة الشرطة, لا يعرفها إلا من كان من المقربين, أوافيكم بها فيما بعد.

أما الآن فكما تشاهدون, ها هي سيدة إماراتية, تلتف في لباس من الحرير أسود, على وجهها نقاب, وردي, لا يبين إلا عينيها الكبيرتين, الدعجاوين هاتين.

إنها تمسك, بخناق شاب هندي وسيم.

- أتهرب هكذا؟

- لا نفط.

- أضاعف ماهيتك, عد معي.

- لا نفط.

- أدبر لك الجنسية.

- لا نفط.

- اللعنة على النفط. ما دخله فيما نحن فيه؟

- العرب نفط. أنت نفط. أنا نفط. وافد يعني نفط.

التفتت المرأة إلى الشرطي الذي كان يتابع معنا المشهد, ويبدو من هزاله, أنه يمني, ورجته أن يعيده إليها.

- إنك تسمعينه يشتم العرب, ويشتم العالم أجمع. ابحثي عن مغربي, أو تونسي يا سيدتي, فهم أولى. فقط احذري الجزائريين, فهم فضوليون, أدعياء, يضيفون دائما إلى معلومتك, شيئا, أو يصححونها بوقاحة, يبادرك قبل أن تتحدثي إليه في أمر بقوله, أعلم ذلك.

يشتغل عندك ويلبس أفضل من أولادك.

- يا عبد الرحيم, أنتزع منك الخط, لأعطيه إلى عبد الرحيم في الكويت. عبد الرحيم. ماذا يفعل الناس الآن؟ هل تأكدتم من خبر المسخ الذي لحق النفط؟

- عبد الرحيم. الكويتيون, هم أكثر العُرْب اطمئنانا على مستقبلهم, فبعد الغزو الصدامي اللئيم الغادر, فقدوا الثقة, في أمنهم, حتى وإن وظفوا كل علوج العالم, وليس الأمريكان وحدهم, ذلك أنه, وكما يقول المثل الشعبي, السارق يغلب العساس, والوطن من محيطه إلى خليجه, سراق ولصوص.

لذا فما أن علموا بالنبأ العظيم, حتى ارتدوا ثيابهم الأوروبية, وهرعوا إلى سياراتهم يقودونها بأنفسهم, بعد أن كان من الآسيويين نفس رد الفعل الذي اتخذه إخوانهم في الإمارات, ولقد حجزوا كلهم لنهار اليوم, في اتجاه أسبانيا, وسواحلها تحديدا, إذ من المعلوم, أن هناك مدنا كاملة, نشأت هناك, يمتلكها الكويتيون.

وقد قيل فيها, إنها أندلس وهمية. لا ينقصها سوى ولادة, وابن زيدون, وزرياب, وابن عباد.

وبعد الحجز مباشرة, عادوا إلى بيوتهم, ليأخذوا ما خف وزنه, وغلا ثمنه, حتى لا تتكرر, مأساة الغزو الأحمق, حيث جعلتهم المفاجأة يفرون بجلودهم, وإلى اليوم ما يزال الكثيرون يلحون على الأمم المتحدة أن تعوضهم, ما نهب منهم من حلي يمتلكون فواتيرها من باريس.

ها هي كما تبين الكاميرا, أرتال من السيارات الفخمة تتجه إلى المطار, يطل منها الأطفال بنين وبنات, على رءوسهم قبعات من مختلف الألوان الزاهية البهيجة, ما يضفي على الموكب طابع عرس كبير.

وها هي طوابير الوافدين رجالا ونساء, يكادون جميعا يكونون في عمر واحد, تقف أمام وكالات الأسفار.

ومعلوم أن مطار الكويت, من أكبر المطارات العالمية, ومن أكثرها نشاطا وحركة طيران, لذا فمن الممكن أن تخلو دولة الكويت, هذا المساء إلا من البيدون.

هؤلاء, هم المُرجَأة, فهم كويتيون, وعرب ما في ذلك شك, لكن, تنقصهم الأصالة, أو بالأصح الانتماء لقبيلة من القبائل, يحصل البعض منهم باستمرار, على وثائق جنسيته, وخاصة ما يتعلق منها بالسفر إلى الخارج, ويترقى البعض منهم في بعض المسؤوليات, ويحلون محل الوافدين شيئا فشيئا, وعلى مر الأيام سيحصل ولا ريب الاندماج التام.

هؤلاء البيدون, هم الذين سيعمرون من الآن فصاعدا, مع من لم يستطع السفر من الوافدين, ومع مجموعة من الشباب العرب, الكويت.

يا أخ, يا أخ. أنت كويتي, ما في ذلك شك؟

- يعني.

- ماذا يجري في هذا البلد الطيب؟

- النفط.

- ما له النفط.

- يقال نضب. والناس لم يبق لها, ما يشدها لهذه الصحاري.

- ألهذا الحد ارتبط الناس بالنفط؟

- المصير غامض, مجهول يعني.

- وأنت, هل فكرت في الرحيل؟

- أنا راحل أبدي. فمقامي هنا, رحيل في حد ذاته.

- أفهم من هذا أنك من البيدون؟

- من الجد للجد.

- وما رأيك فيما حدث للنفط؟

- ربنا سبحانه وتعالى, له حكمته.

- أتركك يا عبد الرحيم فقراء, وسأتصل بكم حال أن يجد جديد.

نتصل الآن سيداتي سادتي بعبد الرحيم فقراء بأرض الكنانة, فننزل مصر آمنين. اللهم آمين يا رب العالمين. عبد الرحيم فقراء هل تسمعني وتراني؟

- نعم يا عبد الرحيم. والأوضاع هنا تكاد تكون على حالها, وقد تغلب التيار المتشدد, على التيار المعتدل الذي يتجنب القطيعة النهائية مع الولايات المتحدة الأمريكية, فتم إعلان الشيخ بلادن على رأس الدولة المصرية خليفة للمسلمين, فالثورة ثورته, كما يقال هنا, غير أن بعض الإشاعات, راجت في الشارع المصري, فعكرت أجواء الفرحة التي تعم جميع التيارات الإسلامية, ومن يتقرب منهم, هذه الإشاعات, تردد ما ورد في صحيفة أمريكية عليمة, من أن بلادن, لا وجود له منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات, فقد مات ليس في معركة, أو نتيجة غارة وقصف, إنما بسبب ما يعاني منه من مرض في الكلى, إثر انهيار مغارته في بورا بورا, وتحطم المخبر الذي كان يعالجه.

بدون هذا المخبر, لا يستطيع أسامة بلادن, أو غيره العيش أكثر من بضعة أسابيع.

وقد نشرت الصحيفة, إلى جانب المقال, صورة لجثمان بلادن وهو يوارى التراب.

ويصاحب هذه الإشاعات, التي هي في الحقيقة ترويج لمقال, وليس لإشاعة, القول, بأن المعلومة التي نشرتها الصحيفة, أعطيت لها من طرف متعصبين لخليفة آخر, لا يذكرونه, ولكن المقصود, هو الشيخ السعودي بن باز. 

ويؤكدون أن مثل هذه المعلومات, وهذه الوثائق لا يمكن أن تتوفر, إلا في المملكة.

فهي التي, وهي التي.

- وعن النفط يا عبد الرحيم؟

- الخبر عم جميع الأوساط, لكن لم ينل اهتماما كبيرا, والكثيرون من الذين تحدثنا إليهم أبدوا شماتة, فالمصري كما هو معروف, أكثر العرب تعرضا للاضطهاد في الدول النفطية, فرغم أنه من خيرة الشغيلة من حيث المردودية,  فإن إدراك الناس لحاجته الشديدة للشغل, تجعلهم, يبالغون في مطالبته بمزيد من الامتثالية, والصبر, حتى لا أستعمل كلمة أخرى.

- وعن رجالات الحكم المطاح به؟

- أضيف أولا ملاحظة, عن ردود الفعل لدى شريحة المثقفين المصريين, فقد عمهم الحزن, وساءهم الأمر, وقد سمعت أحدهم يقول, لنحرق مقالاتنا, حينئذ.

هذا الدكتور, معروف بيساريته, وبمعاداته للبتر ودولار, وبموالاته لكل نظام يقوم في مصر, يكتب باسم مستعار, وباسمه في أكثر من مجلة وأكثر من جريدة خليجية, بما في ذلك مجلات هذا الجيش أو ذاك, وأحيانا يعيد المقال الواحد أكثر من مرة, مكتفيا بتغيير العنوان, وبعض الجمل في مقدمة وخاتمة المقال.

بالنسبة لرجال النظام البائد, فكما هو معلوم, فإن ذاكرة الشعب المصري ضعيفة, أو بالأصح, الشعب المصري متسامح, وابن يومه كما يقال.

فما أن يختفي حاكم من الذين كان يشكوهم, حتى ينسى أخطاءه, وفي الحقيقة, فإن هناك دائما وأبدا جيشا من المبررين والتوفيقيين, ومن فقهاء السياسة, يفتون اليوم بالتحليل, وغدا بالتحريم في نفس القضية.

أي مصري أسأله عن رجل من الحكام السابقين يبادر بالقول, الله يرحمه, أو الله يذكره بالخير. حتى أني سمعت أحدهم يقول عن شارون, الله يسامحه.

- أتركك يا عبد الرحيم فقراء في القاهرة, لأحيل الخط, إلى عبد الرحيم كبير مراسلينا في الأراضي المحتلة.

- هنا. الأفراح تندلع من كل بيت فلسطيني. النواح ينبعث من كل بيت يهودي. نعم. نعم. فقد عم بسرعة البرق خبر حل الدولة العبرية, ورحيل جميع اليهود الوافدين, وإعطاء الخيار لليهود من أصل فلسطيني في البقاء أو الرحيل.

علمنا, أن شارون تلقى برقية مشفرة, ما أن اكتشفت الأقمار الصناعية الإسرائيلية, أن محتوى آبار الشرق الأوسط برمتها تغير. تقول له:

لا فائدة من صدع الرأس بالحرث في البحر, فالبر واسع.

اجتمع الكنيست في جلسة طارئة, وأقر دون نقاش, تأجيل إقامة دولة صهيون, إلى أن يأذن الرب, كما اجتمعت مجالس جميع الأحزاب من أقصاها إلى أقصاها, وأقرت بسرعة خارقة وبالإجماع التام, حل الدولة وتأجيل المشروع, إلى أن تتوفر الشروط الموضوعية, وقد وجهت كل القوى السياسية, إلى شارون وأصحاب مشروع الجدار الفاصل, النقد اللاذع باعتبار, أنهم كسروا مبدأ هذه أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل.

وهناك من طالب بمحاكمة شارون والحكم عليه بتسليمه لأبي عمار, فما كان من شارون إلا أن ضحك ملء شدقيه. 


خذني معك

 

- ورام الله يا عبد الرحيم, ماذا يجري فيها؟

- نعم يا عبد الرحيم. أنا هنا في رام الله, وكما ترى أمام مقر السيد الرئيس, حيث ينعقد اجتماع مجلس الوزراء والبرلمان, وبعض من أعضاء المجلس التنفيذي, وبعض قياديين من حركة فتح.

وحسب ما قال لي وزير الثقافة, وهو داخل, فإن الاجتماع مخصص للحالة المتولدة عن هذا الفلتان العالمي الذي لم يكن ينتظره أحد.

وأشار السيد وزير الثقافة, إلى أن هناك, جدولي عمل, واحد وصلهم من رئيس الحكومة,  وآخر من السيد الرئيس بالذات, ومع أن الجدولين يتفقان في كثير من النقاط, خاصة تعزيز قوى الأمن وتوحيدها, فإن نقطة إشكالية إطلاق سراح الأسرى وكيف تواجه اجتماعيا وأمنيا, جاءت فقط في مذكرة السيد الرئيس.

يا عبد الرحيم. اسمعني وحدك رجاء, فلدي ما سأقوله لك.

- سيداتي سادتي, نعود إليكم بعد هذا الفاصل القصير.

ماذا يا عبد الرحيم؟

- تمكنت من إدخال ميكرو للتسمع على ما يجري هناك, فهل ترانا, ننقل على المباشر مداولات هذا الاجتماع التاريخي؟

- أرى أن نسجل الصوت, وننظر فيما بعد ما إذا كان قابلا للبث العام.

- انتظر يا عبد الرحيم, فها هو السيد الرئيس يخرج بنفسه, ويشير إلينا.

- تعالوا ادخلوا, فلا شيء يمكن أن نخفيه على إخواننا الصحفيين, خاصة وقد كانوا وما يزالون, السند الرئيس للشعب الفلسطيني البطل. تفضلوا. ادخلوا, احضروا معنا هذا الاجتماع التاريخي, أيها الأصدقاء الأعزاء.

ما أن استوى السيد الرئيس في مقعده يترأس الاجتماع, على يمينه رئيس الحكومة, وعلى يساره, رئيس البرلمان, حتى نهض قائلا:

- دقيقة صمت ترحما على روح ابني وأخي محمد دحلان, الذي شاءت الأقدار, أن يستشهد على يد أحب الناس إلى قلبه. قال عز من قائل ... رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

ابتسم أحدهم, وهو ينظر إلى أحدهم, وكأنما يكرر الجملة الأخيرة, من ينتظر.

شاءت الأقدار, وفي غمرة الظلمة الحالكة التي سلطها علينا بوش وعملاؤه في الداخل وفي الخارج, ولولا ستر الله, لكانت الرصاصة الطائشة, تستقر في صدري, وأقول لكم الحقيقة, أنني تمنيت, من صميم قلبي, لو أن ابني دحلان نجا, وكنت أنا الفداء له.

لكن هي الأقدار, وما أصابكم من مصيبة إلا بإذن الله. ولن يصيبنا إلا ما كتب الله.

الله أكبر. تفضلوا اجلسوا.

أنا جمعتكم اليوم, لنشترك في الفرحة العارمة التي تعم شعبنا في أنحاء فلسطين. وكل فلسطين. أكرر وأمام الصحافيين, كل فلسطين. كل فلسطين.

ولا غالب إلا الله.

يا إخوان, قلت لكم, ومنذ رفع الشعب الفلسطيني يده بالنضال والكفاح, إن النصر دائما حليف الشعوب, وإننا سننتصر, وإن فلسطين, كل فلسطين, ستتحرر, وستكون عاصمتها, القدس الشريف.

ويا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم, ويثبت أقدامكم, وقد قلت لكم هذا أكثر من مرة.

أنا جمعتكم لأهنئكم, وأهنئ من خلالكم الشعب الفلسطيني البطل, والأمة الإسلامية قاطبة, والإخوة العرب, كلهم, وفي طليعتهم الشعب المصري ورئيسه الأخ العزيز.

... نعم, نعم يا يحيى. أنا في الصورة, إنما أردت أن أقول, خليفة المسلمين, أمير المؤمنين الصديق العزيز أسامة بلادن. وأعرض عليه وعلى كافة المسلمين, أن تكون عاصمة الخلافة, القدس الشريف, الله أكبر والعزة للمسلمين. الجلسة مرفوعة.

فيما بعد فيما بعد. سنلتقي ما في ذلك شك. الأمور الشخصية, نتركها لما بعد. ثم إن علينا أن نتأكد أولا وقبل كل شيء من أن المسألة ليست إحدى خدع ومناورات الجلاد شارون.

فيما بعد. قلت لكم. انصرفوا, وليبق معي فقط صائب. الإخوة الصحافيين. انصرفوا وبلغوا إخوتنا العرب, أن نصرنا هو نصرهم ونصر لهم أيضا.

سادتي سيداتي, ها هي أبواب مقر السلطة, التي لا أدري, هل تظل مجرد سلطة كما سميت في أوسلو, أم ستتخذ اسما آخر. يا عبد الرحيم. الميكرو مفتوح, ويمكن الشروع في التسجيل.

- أنا أتابع يا عبد الرحيم. سيداتي سادتي, نعود إليكم بعد هذا الفاصل.

- ما هي أخبارك  يا صائب.

- زفت, يا سيدي الرئيس. اتصلت به شخصيا, وفتحت جميع القنوات.

- حتى تلك التي لا أعرفها.

- أنت الكل في الكل. أنت من لا تخفى عنه خافية, إنني كلما فتحت نافذة, وجدتك تطل منها.

- تعرف يا صائب, لقد حفظت أجهزتنا كل ما عند الكلاب الجزائريين, ما عدا أمر واحد مهم.

- ما هو يا سيدي الرئيس؟

- الجزائريون, كاليهود لا يتبجحون, وجماعتنا هداهم الله, يعشقون كلهم, الظهور في التليفيزيون. تصور. أنا الرئيس أتصور أقل من أي واحد منهم.

اعطني التفاصيل.

- في المقابلة الأولى بادرني هو, ضاحكا, بأنه كان ينتظر هذا الاتصال, وبأنه إذ يشكر السيد الرئيس, على حسن ثقته فيه شخصيا, فإنه وللأسف الشديد, لا يستطيع تأجيل حل الدولة العبرية, لحظة واحدة, بعد اكتشاف الخطأ الاستراتيجي الذي وقعنا فيه ببناء الجدار. لقد أفقد أصحابك أولاد صهيون توازنهم, ودوخوهم.

- يا سيدي نستورد الإسمنت, ونوسعه, خذوا ما تبقى فنحن نكتفي بالقصر الرئاسي.

- مشروع صهيون, هو ما تعرفونه أنتم أكثر من أي واحد آخر, لكن الأحمق بوش, بال في التاريخ.

- يا سيدي, نجعله من الفرات إلى النيل.

- وماذا نعمل بفراتكم أو نيلكم, بعد أن لحقتكم اللعنة, وغار بترولكم؟

- بلغه سلامي, وقل له, السياسة كما يقول لينين لعنه الله, خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء, وإن إسرائيل قطعت إلى الوراء عشر خطوات كاملة, وهذا بمحض إرادتها.

في المقابلة الثانية, وضع قنينة بوخة بيننا, وبعض كوامخ, وراح يطلعني على التعليمات التي تلقاها, من مصادر صهيون العليا, وها هي بصوته:

الهدف الأساسي, البعيد المدى والقريب, هو محو ما لحق اليهود من عار, بحكم تصرفات حمقاء, أملتها ظروف غير محسوبة.

لقد نسينا, ما عانيناه, في محاكم التفتيش نحن والعرب. فرحنا نتصرف كما لو أن الإيمان انقطع من قلوب الناس, وقد أعاد الأمريكان نفس الخطأ وهم يقتحمون العراق وقبله بلاد الأفغان.

اليهود ينبغي أن يستعيدوا يهوديتهم فيتخلصوا من التأمرك الذي أصابهم, ومن التهتلر الذي لحق ضباطهم.

على جميع اليهود أن يعودوا إلى مواقعهم, وأن يغسلوا أمخاخ الناس من الآثام التي ارتكبت في أرض الميعاد.

أطلقوا سراح جميع المساجين, ولا تنسوا أن تكرموهم بتقديم التعويضات لهم ولذويهم.

قد يطلب منكم بعضهم الذهاب معكم, فافهموهم الحقيقة, وهي أنه لا مقصد لكم.

أعيدوا طائرة العجوز, فلا مخرج له إلا السماء. والرب وحده غافر الذنوب.

- هكذا إذن؟

- نعم يا سيدي الرئيس.

- ومتى كان اليهود صادقين. ألم يقل رب العزة, لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم.

- صدق الله العظيم. ونستغفر الله العظيم, من كل ذنب عظيم, فربما يكونون قد رضوا.

- سيداتي سادتي توقف هذا التسجيل من إحدى غرف السيد رئيس السلطة التنفيذية, بعد طلقتي رصاص, لا ندري مصدرهما, ولا نتيجتهما, وفي انتظار أن يتصل بنا عبد الرحيم فقراء, نقدم لكم التقارير التي وافانا بها مراسلونا من جميع أنحاء العالم.


انقلاب السحر

 

عدة برقيات, أكدها عبد الرحيم من واشنطن, تقول الأولى إن الشرق الأوسط لم يعد يتوفر على النفط, وقد فقد بالتالي كل قيمة استراتيجية له.

الاستيلاء على كل أموال العرب المودعة في الولايات المتحدة, وعلى جميع ممتلكات العرب, الثابتة والمنقولة بما فيها السفارات والقنصليات ومراكز الثقافة, والمساجد, والمظان التي يلتقى فيها العرب والمسلمون. دون استثناء ممتلكات الصومال وإرتريا وموريتانيا, وبما في ذلك البواخر والطائرات التي تتواجد أو تدخل أمريكا. وطرد كل العرب المقيمين, ومنع القادمين من الشرق الأوسط من الدخول.

استعادة كل الجيوش الأمريكية المتواجدة في المنطقة, بما فيها العراق, حالا وبدون تأخير, والتخلي, عن الامتيازات الأمريكية, المترتبة, سواء عن حروب الخليج, أو عن الحرب الباردة.

وضع جميع القوات الأمريكية, بما فيها حاملة الطائرات أبراهام لنكولن, التي انقطع الاتصال بها, منذ يومين. وبما فيها القوات ذات الطابع الاستراتيجي, في حالة تأهب قصوى, وإنذار, كل الطائرات المدنية والعسكرية, وكل البواخر في البحار والمحيطات, بأن أي اقتراب منها, يعتبر إعلانا للحرب, من طرفها ومن طرف البلد الذي تنتمي إليه.

قطع العلاقات, مع إسرائيل, ومنح كل اليهود في العالم الجنسية الأمريكية, وجوازات سفر دبلوماسية.

الاعتراف بانتصار الإرهاب العالمي, وبهزيمة الديموقراطية الغربية في شكلها الحالي.

إعلام العالم أجمع بأن بلادن مات بمرضه هذه ثلاث سنوات خلت, وأن القاعدة, والزرقاوي, مجرد فزاعة  تحركها الأهواء.

سيداتي سادتي هذا أهم ما وافانا به عبد الرحيم فقراء من واشنطن, وهو ليس بالقليل.

أما من أوروبا, فلا جديد يضاف إلى قرارات الأمس, سوى أن مقاطعة الدولار عمت باقي العواصم الأوروبية بعد الخطوة الجريئة التي قطعتها ألمانيا, وسوى أن الاتحاد الأوروبي أعلن إيقاف جميع السيارات الخاصة, عن الحركة, كما أعلن عن تخصيص ميزانية ضخمة للتنقيب عن البترول في جميع البحار والمحيطات التي تحيط بأوروبا, أو القريبة منها, وسوى أنها ترفض كل قادم من الشرق الأوسط وبالذات من البلدان العربية, أكان يهوديا أم عربيا, وأن كل طائرة تدخل من المنطقة, أجواء أوروبا تعتبر محجوزة, فالأموال العربية المودعة في البنوك الأوروبية, وكذا ممتلكات الحكام العرب, لا تكفي لسد الديون التي عليهم, في نوادي القمار, وفي الفنادق الفخمة, وفي الوكالات العقارية حيث اشتروا عقارات كبرى, ولم يسددوا كل مبالغها.

فيما يتعلق بالعرب ذوي الجنسيات الأوروبية, أعلن من هم من أصل شمال إفريقيا بقيادة الجزائريين, أنهم سيلهبون كل خزانات البترول, لو يتخذ أي إجراء ضدهم, فأعلنت فرنسا وألمانيا ودول البنيليكس, أنه لا فرق بين مواطنيها مهما كانت أصولهم ودياناتهم, غير أنها لن تسمح لأي وافد جديد بوطء أراضيها, سواء بصفة شرعية أو غير شرعية.

الصحف الأوروبية, أكدت على مقولات الدكتور حنزليقة خاصة مقاله الأخير الذي أوضح فيه بالحجج الدامغة, أن العلماء الأمريكيين ارتكبوا خطأ في تركيبة السلاح الجديد, وهم لهذا السبب, يسحبون قواتهم, كما يسحبون أصدقاءهم اليهود, وأن العواقب البيولوجية الوخيمة ستظهر فيما بعد, ولئن ظهرت الآن في قمصان العرب وكوفياتهم فذلك مقدمة لما هو آتٍ.

أخطر قرار تشترك فيه أوروبا مع الولايات المتحدة الأمريكية, هو منع المواد الغذائية عن العرب, فلا لبن ولا قمح ولا طحين ولا أرز ولا شعير ولا ذرة, كما أن المواد الأخرى المعتبرة في الغرب كمالية, مثل التبغ والكحول بجميع أنواعها ومواد الزينة, وصبغ الشعر والشوارب, والنظارات, والعلك بصفة خاصة, كلها ممنوعة عن العرب.

لقد أثارت إحدى الصحف مسألة التجارة مع العرب, فتساءلت, هل المقصود معاقبة العرب, على ما اقترفه الأمريكان, أم خلو جيوبهم مما يسددون به مشترياتهم؟

وقد علق خبير ألماني موالٍ للعرب, قائلا, إنه بالفعل لم يبق للعرب ما يسددون به فواتير مشترياتهم, فكل احتياطهم يذهب في تسديد ما عليهم من ديون, خاصة المترتبة عن القمار وعن شراء الأسلحة.

إن الغرب, كل الغرب, يمكن أن يخطئ في أي شيء ما عدا حسابات ديونه, وفوائدها, فهي أهم سلاح اخترعه اليهود منذ آلاف السنين.

الخلاصة التي نخرج بها من أمريكا وأوروبا, هي أنه لا شيء يمكن أن يقف في وجه الأزمة التي عرفتها البشرية في ثلاثينيات القرن العشرين. وكما قال الدكتور حنزليقة, الذي أصبح المرجع الوحيد في الأزمة, السحر يعود على الساحر, وإذا لم يسُد التعقل والتبصر, فإن البركان الذي سينفجر هذه المرة ستكوي حممه الخليقة كلها.

سيداتي سادتي. وردنا قبل قليل, أن وزراء دفاع الصين وكل الدول الآسيوية, مضافا إليها روسيا, شرعوا في اجتماعات تكنفها السرية التامة.

ومعلوم أن العملاق الأصفر الذي لا يهمله الألمان من حساباتهم السياسية, لم يعلن عن موقفه مما حدث ويحدث بعد.

ويرى المراقبون في هذا الاجتماع, خطوة نحو تشكيل جبهة شرقية, تتمتع بكل إمكانات الدفاع والهجوم.


ويل العراق يا مويلية

 

- عبد الرحيم. عبد الرحيم. أنا عبد الرحيم فقراء من بغداد.

- أهلا عبد الرحيم, ماذا هنالك؟

- ها هو الرئيس السابق صدام حسين, قاهر السُّنة والشيعة, وقاهر العرب والعجم. ها هو أسير لامرأتين ضاربتين في الكبر, تقولان إنه اقتحم منزلهما قبل ليلة البارحة, مستنيرا بقطة فارسية, وأنهما اغتنمتا فرصة استغراقه في نوم عميق, فشدتا وثاقه, وقالتا, أيضا إننا أرحم عليه من الأمريكان, فمهما كان, فإنه يقول لا إله إلا الله, لذا لم نستعمل السلاسل, واكتفينا بحبل من صوف, وإن شئتم الحق, فقد ساعدنا على ربطه وهو يدندن, ويل العراق يا مويلية, طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيَّ.

كما ترون سيداتي سادتي, كما ترى يا عبد الرحيم فقراء, شارع أبو نواس يستقطب آلاف الناس, يأتون من كل حدب وصوب, ساكتين واجمين, على أكتافهم قناطير مقنطرة من الحزن والكدر, وعلى رؤوسهم سحب من الحيرة.

الرجل يقف مستسلما, عيناه, تتبادلان الدور, واحدة, تبدو بلهاء تعبة مكدودة, والثانية تلف يمينا شمالا متراقصة, كأنها لثعلب غدار.

لأول مرة يقف وسط جمهور غفير دون حراسة.

مواطن من بين ملايين المواطنين. له ما لهم, وعليه ما عليهم.

أحضر بعضهم من مقهى مجاور, طاولة وضعه فوقها, بعد أن فك وثاقه, وسأله هل يحتاج إلى ماء أو شاي, فأشار ممتنا للمرأتين, بأنهما أكرمتا مثواه, ولا ينقصه شيء.

- ما ترانا فاعلين بك يا صدام حسين؟

- إخوة كرام وأبناء إخوة كرام.

فكر أن يقول, لكن سأل نفسه, ما الفائدة؟

- حاكموه. حاكموه. نحاكمه جميعا.

هدرت الأصوات, فاهتز لها شارع أبو نواس.

- حاكموني على كل ما فعلت.

فكر أن يقول, لكن سأل نفسه, ما الفائدة؟

- يا صدام حسين, نحاكمك, فقط على ما لم تفعل.

- لم أفعل أشياء كثيرة.

فكر أن يقول, لكن سأل نفسه, ما الفائدة؟

ظل ساكتا, كأنما يفكر.

قال أحدهم, إنه يتوعدكم, وقال آخر, إنه يتساءل, لماذا لم يدفنكم جميعا, أضاف ثالث, ربما يتمنى لو أنه لم يعرفكم, بينما قال آخر, إنه يقول في قلبه, ليتني لم أحكم.

- نحاكمك, على المسائل التالية يا صدام حسين:

·      لم تسمع لنصيحة فرانسوا ميتران, بالانسحاب من الكويت.

·      لم تنسحب من الحكم بعد هزيمة الخروج من الكويت.

·      لم تنتحر إثر سقوط بغداد.

·      لم تنتحر, والعلوج يلقون عليك القبض.

·      لم تبصق على وجه القاضي الذي استجوبك.

هل تعترف بما لم تأت يا سيادة الرئيس؟

- رئيس الجمهورية العراقية من فضلك.

 فكر أن يقول, لكن سأل نفسه, ما الفائدة؟

- هل تعترف؟

- نعم أعترف.

فكر أن يقول, لكن سأل نفسه, ما الفائدة؟

- فما تراه يكون الحكم عليك الآن؟

- اقتلوه. الجبان. اقتلوه, قاتل الأطفال وذوي القربى.

- نحاكمه أولا.

- ويل العراق يا مويلية. طعن الخناجر ولا حكم العميل فيّ.

اهتز شارع أبو نواس, بالهدير الذي انطلق من حناجر المحتشدين, وظل يتكرر عدة مرات.

- الحكم, أن تغسل العار, فتأتي اليوم بعض ما كان بالإمكان إتيانه بالأمس.

- ها هو مسدس.

انتظر الناس لحظات طويلة, أن يمد يده، إلى رأسه فيطلق النار, ويغسل العار كما قيل له.

لكن لم يفعل. تأملهم بالعينين معا, ضحكته الصفراء التي يستعملها في التهديد والوعيد كما يستعملها في الاستسلام والعجز المطلق, لا تفارقه, ثم فكر أن يسألهم:

- هل أنتم جادون؟ كنت أنتظر منكم أن تفرحوا, هل وجدتم من يقودكم؟ ألا يوجد بينكم بعثيون نشامى؟

- أتريد يا صدام أن تعود فتقودنا, إلى عار آخر؟

- ويل العراق يا مويلية. طعن الخناجر ولا حكم الجبان فيّ.

باغتت امرأة الجميع. وثبت إلى الطاولة التي يقف عليها الرجل.

انتزعت المسدس الذي كان يتجه إلى القلب, من يده. صوبته إلى رأسه. ضغطت. انطلقت الرصاصة. التفتت إلى الجماهير المحتشدة. زعقت:

فليسترح الجميع. الناس لا ينتحرون بالأوامر.

قال القائلون:

- ربما كانت إحدى بناته.

ربما كانت زوجته, أو إحدى عشيقاته.

ربما إحدى من رمَّل من العراق أو من الكويت.

سنعود إليكم سيداتي سادتي, بعد فاصل قصير, فانتظرونا.

شنوة: شاطئ بن حسين

21 أوت 2004  مساء


 

الولي الطاهر 1

التحديق في الزمن. 7

التأرجح المتقاذف. 21

العكس أصح ..! 33

رسالة من تحت السواد الدامس.. 38

ما نخاف.... 96

الإرهاب ينتصر 144

خذني معك.. 162

انقلاب السحر 172

ويل العراق يا مويلية. 178

 



 



 مُجاّعة بن مرارة شيخ قبيلة بني حنيفة, أسير خالد بن الوليد.من هو مجاعة[1][1]

[2][2]    مالك بن نويرة شاعر صحابي كلفه الرسول صلعم بجمع الصدقات جفل لما مات الرسول, فاتهمه خالد بن الوليد بالارتداد وقتله, وطالب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقصاص من خالد.؟

[3][3]   سجاح ادعت النبوة مع مسيلمة الكذاب.

[4][4] مسيلمة الكذاب ادعى النبوة في اليمامة

[5][5] زوجة مالك بن نويرة تزوجها خالد بن الوليد وحرب الردة قائمة

[6][6]  ليس هناك.