ÇáÌãåæÑíÜÜÉ ÇáÌÒÇÆÑíÉ ÇáÏíãÞÑÇØíÉ ÇáÔÚÈíÉ

 

الجمهوريــة الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

المدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الإنسانية

بوزريعة

 

 

شخصيات رواية "الشمعة والدهاليز"

للطاهر وطار

(دراسة سيميائية)

مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الأدب

 

إعداد الطالب:                                              إشراف الدكتور:                                                                     

فضالة إبراهيم                                              نور الدين السّد                                                                     

أعضاء لجنة المناقشة:

الدكتور:.................................رئيسا

الدكتور:................................عضوا

الدكتور:................................عضوا

الدكتور:................................مقررا

 

السنة الجامعية:2000/2001


الأستاذ إبراهيم فضالة

·           من مواليد 7 أوت 1950 بتازمالت ولابة بجاية

·           تابع دراسته الابتدائية والثانوية والمتوسطة  بتازمالت

·           انتقل إلى البليدة ليمارس بها التعليم

·           واصل دراسته الثانوية بمعهد التعليم الأصلي فنال الباكلوريا عام 1947

·           نال شهادة الليسانس من جامعة الجزائر في 1983

·           واصل مهنة التعليم بالمعهد التيكنولوجي للتربية

·           حصل على شهادة العلوم القانونية في 1992

·           حصل على شهادة الكفاءة المهنية في 1993

·           التحق بالجامعة مدرسا وطالبا في 1998

·           نال شهادة الماجيستير في 2002


تعددت الكتابات النظرية والبحوث التطبيقية التي تناولت الشخصية الروائية بالدراسة، وذهب النقاد مذاهب مختلفة حول فعاليتها وبنيتها في الخطابات السردية. ازداد اهتمام الباحثين بعنصر الشخصية، منذ أن اتجه الشكلانيون الروس إلى دراسة النصوص السردية، بعد ما كان اهتمام رواد التجديد يكاد ينحصر في النصوص الشعرية. فهذا التوجه الجديد أدى إلى ظهور الدراسة العلمية للقصة، وتعد البحوث التي أنجزها كل من "الجيرداس جوليان غريماس" و"كلود بريمون" و"رومان ياكبسون" و"تزفيطان تودوروف" و"فيليب هامون" من أهم ما كتب من أفكار عن تحليل النص السردي. ولذلك ستحاول الدراسة أن تستفيد من أراء هؤلاء في الجانب النظري حول مقولة الشخصية، وإجراءات تحليلها، قد يكون ذلك مساعدا في تبيان الخلفية النظرية التي انبنت عليها الدراسة التطبيقية لشخصيات "الشمعة والدهاليز". ويلخص الجانب النظري عرض أهمية الشخصية في النص الروائي ومفهومها في الدراسات المعاصرة، وإن كانت الخلفية النظرية بنوية سيميائية. فسيكون التركيز على مقترحات "فيليب هامون" في تحديد الشخصيات ، حيث يعتمد عليها في هيكلة الدراسة بشكل عام.

وأما سبب اختيار رواية "الشمعة والدهاليز" فإنه يعود إلى قناعة شخصية، حيث أن أدب "الطاهر وطار" يجنح إلى عرض قضايا فكرية عامة، وقضايا وطنية بشكل خاص، وكثيرا ما تتسم شخصيات رواياته بطابع فكري سياسي أكثر منه إنساني عاطفي. لكن رواية "الشمعة والدهاليز" تعد قفزة نوعية مع تجاربه السابقة، وإن حافظت على الجانب الفكري الفلسفي، لكنها برؤية صوفية تستوعب الواقع والتاريخ والدين والأسطورة، في خطاب جديد يجمع بين السياسة والوجدان، وبين صرامة العقل وجنوح العاطفة.

قسمت الدراسة إلى ثلاثة فصول، اشتمل كل فصل على مجموعة من العناصر، حاولت من خلالها أن تعالج ما يقتضي البحث والعرض، وما يستوجب الدراسة والتحليل.

يتطرق الفصل الأول إلى تقديم ملخص حول أهمية الشخصية الروائية، قديما وحديثا، ومفهومها في الدراسات المعاصرة، خاصة عند كل من "فلادمير بروب" و"الجيرداس جوليان غريماس"، و"تزفيطان تودوروف"، و"كلود بريمون"، و"فيليب هامون". وتم انتقاء هؤلاء بالخصوص، كون "فيليب هامون" أشار إليهم إشارة واضحة للعلاقة بين مقترحاته وآرائهم. ثم عرض أراء فيليب هامون مختصرة وهي محاور ثلاثة، دال الشخصية ومدلولها ومستويات وصفها، مع الإشارة إلى تصنيف الشخصيات.

 

تناول الفصل الثاني دراسة الشخصيات المرجعية لرواية "الشمعة والدهاليز" حسب تصنيف "فيليب هامون". تاريخية سياسية وثقافية، واجتماعية ومجازية وأسطورية، مع تقديم تمهيد نظري مختصر كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك.

عالج الفصل الثالث الشخصيات الأدبية، وتم التركيز في تحديدها على الوظائف السردية، والصفات التأهيلية. وبعد تمهيد يضم تقسيم النص إلى وحدات حيث لخص مضمونه وأبرز مدى حضور كل شخصية في الرواية. تطرقت الدراسة إلى الوظائف السردية للشخصيات الفاعلة، وتوزيع العوامل وبيان العلاقات بين مختلف الشخصيات. أما تحديد المؤهلات فتم بتطبيق المقياسين الكمي والنوعي، حيث تم تعيين كل شخصية على حدة، والتقابل فيما بينها، وتوزيع الشخصيات جغرافيا، وختم الفصل بمقروئية الأسماء.

وقد تبنت الدراسة تحديدات "فيليب هامون" لتحليل الشخصيات نظرا لإمكانية هذه الإجراءات الإحاطة بكل ما يتعلق بتقديم الشخصية بمختلف أنواعها بشكل دقيق، بعيدا عن الغموض والالتباس الذي كان يلحق دراسة الشخصيات في التحليلات التقليدية، ولكن لا يعني ذلك تطبيقا آليا للإجراءات، وإنما استيعاب واستلهام لروحها، وستحاول الدراسة تجنب الغوص في الفروقات الدقيقة التي تقدمها اقتراحات "هامون".

وقد واجهت الدراسة صعوبات كثيرة منها:  قلة المراجع-في الموضوع- باللغة العربية، واضطراب المصطلح من كاتب إلى آخر، وصعوبة الترجمة إضافة إلى آراء "فيليب هامون" التي لم تلق الاهتمام من قبل نقاد العرب مع شعور الباحث بخطورة تحليل عنصر واحد في عمل أدبي تتشابك فيه العناصر وتتداخل فيه مكوناته.

إذا كانت الدراسة حققت جزءا من الأهداف المسطرة لها. فالفضل يعود إلى صرامة توجيهات أستاذي الكريم "نور الدين السد" الذي تابع مراحل الدراسة بعناية. فكان خير معين، يخفف من ثقل الصعوبات التي كادت أن تعرقـل العمل. فلم يكن مشرفا فقط بل قدوة في التواضع وصديقا حميما أيضا. فشكرا أستاذي.

كما أشكر أساتذتي الكرام: الأستاذ "عـثـمـان حشلاف" والأستاذ "الأخضر جمعي"، وجميع الأصدقاء والزملاء الذين مدوا يد المساعدة في إنجاز هذه الدراسة التي أرجو أن تكون قد حققت بعض الفائدة.

æÈÇááå ÇáÊæÝíÞ


      الــفــصـل الأول

           الشخصيـة الروائيـة

 

1/ــ إشكالية مقولة الشخصية

 

2/ــ أهمية الشخصية في النص الروائي

   2-1) في الرواية التقليدية

   2-2) في الرواية الحديثة

 

3/ــ مفهوم الشخصية عند بعض النقاد المعاصرين

   3-1) فلاديمير بروب

   3-2) الجيرداس جوليان غريماس

   3-3) تزفطان تودوروف

   3-4) كلود بريمون

   3-5) فيليب هامون

 

4/ــ تحديد الشخصية عند فيليب هامون.

   4-1) تصنيف العلامات والشخصيات

   4-2) مدلول الشخصية

   4-3) مستويات وصف الشخصية

   4-4) دال الشخصية 


 

 

      1/ــ إشكالية مقولة الشخصية:

      شهدت الرواية في العصر الحديث اهتماما متزايدًا من قبل النقاد والدارسين، دراسة وتنظيرا. إلا أن هذه العناية لم تمنع من جعل الدراسات المتصلة بها محل نقص، وغموض،واضطراب في جوانب كثيرة. لاسيما منها ما يتعلق بمقولة الشخصية(1)، لعل السبب في ذلك يعود إلى تهيب الدارسين مجالا بكرا، يفتقر إلى النظريات الجامعة، و أدوات العمل الدقيقة. إضافة إلى كثرة المصطلحات و الخلط بينها من جهة، وانعدام المنهجية العلمية من جهة أخرى.

     تكاد تجمع آراء النقاد على الغموض الذي يكتنف مقولة الشخصية . ف "ميشال زيرافا" يعترف << أنه من الصعب تحديد تعبير الشخصية الأدبي (2) >> . والقول نفسه يشير إليه "فيليب هامون" في أكثر من مرة في مقال له. « من أجل قانون سيميولوجي للشخصية » حيث يعـدّ مسألة صيغ تحليل الشخصية إحدى الركائز الأساسية في النقد، و تشكل عائقا لنظرية الأدب قديمة كانت أم حديثة. فهي مشكلة غامضة ، و قدمت بشكل سيئ .السبب في ذلك حسب "ف .هامون" إنما يعود إلى انتشار نقد سيكولوجي من جهة ، و إلى الروائيين الذين يخلطون بتصريحاتهم الأبوية التمجيدية من جهة أخرى(3).

     دعم رأيه بالدراسات التي تذهب في هذا الاتجاه ، حيث يقول في المقال السابق: << بعض الدراسات الحديثة قد لاحظت أن مقولة الشخصية ظلت و بشكل مفارق إحدى المقولات الأشد غموضا في الشعرية>> (4).

       و" حسن بحراوي" في كتابة << بنية الشكل الروائي >> لخص مجموعة من أراء الـنقـاد في هــــذا المعنى بقوله << فقد ظل مفهوم الشخصية غفلا، و لفترة طويلة من كل تحديد دقـيق، مما جعلها من أكثر جوانب الشعرية غموضا >> (5).

     ولعل ما ذكر "شارل بودلير" في تسميته للشخصية << بأخوة الفنون>> يُعـدّ من أبرز عوامل غموض مقولة الشخصية،فهي تشترك في استخدامها فنون مختلفة: السينما ، المسرح ، الرواية،الشعر ... (6) فتشتتها بين الفنون، حال دون تحديد مفهوم دقـيق لها .

     كما يمكن أن يكون من أسباب الغموض قلة اهتمام الكتاب، والنقاد بمقولة "الشخصية" كونها إنسانًا من الواقع الحياتي ـ عند كتاب القرن التاسع عشرـ وبالتالي فلا مجال للبحث عن المقولة والتعريف والتنظير لها. فيكفي للكاتب أن يعرف الشخصية الحياتية من الداخل، يروي أقوالها وأفعالها  وأحلامها وانفعالاتها في صيرورة الحكاية إلى نهايتها التي تعني نهاية الشخصية، أو نهاية مغامرتها.

     أو شدة الاهتمام بها كونها عنصرا من عناصر الرواية. فليس بالضرورة أن تكون مؤنسنة ـ عند الحداثيين ـ فحسب بل يمكن أن تكون أيضا حيوانا أو وصفا أو شيئا آخر، فهي كائن ورقي لها دور في النص السردي، مجردة من البعد النفسي ولا اعتبار فيها إلا لمكونها النصي بالمعنى اللغوي (7) واختـلـفت أراء النقاد في ذلك اختلافا شديدا و ازداد بذلك غموض مقولة الشخصية .

  2ــ أهمية الشخصية في النص الروائي

  2-1ــ  في الـروايـة الـتـقـلـيـديـة :

          كانت الشخصية في الشعرية الأرسطية لا تمثل إلا ظلا للأحداث التي تقوم بها .فالمؤلف يهتم بالأحداث أولا، ثم يختار الشخصيات التي تناسبها.

          فـ "أرسطو" يرى أن المأساة محاكاة لعمل ما . فكان من الضروري وجود الشخصيات التي تقوم بذلك العمل . وتحمل كل واحدة منها الصفات الفارقة في الشخصية و الفكر ، تنسجم مع الأعمال التي تسند إليها (8) يقصد بالشخصية كل ما من شأنه أن يسم شخصيات الأفراد، يجعله يُلحق بهم بعض الصفات الخلقية ، و أما الفكر يقصد به كل ما تقوله الشخصيات .

         يذكر في هذا المعنى "رشاد رشدي" في حديثه عن الشخصيات و القصة. أن "أرسطو" في صدد تفضيله الحدث عن الشخصيات .أن العبرة ليست بما يتصف بها الإنسان من أخلاق بل بما يفعل .

         وعلى هذا الأساس فالمؤلف يعنى بما يفعل الناس بالدرجة الأولى ، ومن ثم فإن عنايته بما يسميه "أرسطو" بالطباع لا تأتي إلا في المحل الثاني. فالعناية بالطباع تكون على قدر ما تـفصح الأعمال عنها ، وقد أوضح "أرسطو" أن الفعل أو الحدث هو موضوع الدراما . و بـيّـن في الوقت نفسه .أن الشخصية لا يمكن أن تكون في ذاتها مادة الدراما. بل أن كيانها يرتبط ارتباطا عضويا بالحدث(9) .

       و في هذا التحديد الأرسطي تكون طبيعة الأعمال هي التي تتحكم في رسم صورة الشخصية ، والمأساة بهذه الصورة لا تحاكي عملا من أجل أن تصور الشخصية، و لكنها محاكاتها للعمل تتضمن محاكاة الشخصية (10) .

       استمر هذا التصور عند المنظرين الكلاسيكيين الذين يرون الشخصية مجرد اسم يقوم بالحدث(11) وفاءً منهم لرؤية "أرسطو" التي ترى أن العمل الفني محاكاة للحياة بما فيها، من سعادة و شقاء. لأن السعادة تكون في العمل ، فالناس يكونون سعداء أو أشقياء بأعمالهم وحدها لا بصفاتهم(12). فاعتبروا الشخصية من مقتضيات الأعمال و توابعها. فهي ــ كما يقول علماء الأصول ــ الواجب بغيره لا الواجب بذاته(13) .

       في الـقرن التاسع عشر بدأت الشخصية، تحتـل مكانا بارزا في النص الروائي، و أصبح لها وجود مستقل عن الحدث.

       يرى " ألآن روب قريي " أن الاهتمام بالشخصية إنما يعود إلى ارتقاء قيمة الفرد ورغبته في السيادة . هذا ما أدى بالنقاد أن يجعلوا الشخصية تختـزل مميزات الطبقة الاجتماعية. وأصبحت عناصر السرد توظف لإظهار الشخصية، و إعطائها الحد الأقصى من البروز(14) .

       تـُعامل الشخصية في هذه الفترة على أساس كائن حي له وجود فيزيائي ومدني، فتوصف ملامحها وحيويتها و انفعالاتها... ذلك أن للشخصية دورا فعالا في أي عمل روائي (15) .

       ساد آنذاك النقد الاجتماعي بحيث تمثـل الشخصية شخصا اجتماعيا. فقد كانت غاية "بلزاك" في <<الملهاة الإنسانية>> تصوير موقـف البرجوازيين مما ساد مجتمعهم من تقاليد ونظُـم . وقصد "إميل زولا" تصوير كفاح العمال للحصول على حقوقهم، وإزاحة الستار عن قوى الشر في مجتمعهم، و من خلال الوعي اليائس لشخصياتهم ، رسم قوى الشر وهي تغتالهم اغتيالا لا رحمة فيه (16) .

       يقول في هذا الصدد "محمد غنيمي هلال" :  <<الأشخاص في القصة مدار المعاني الإنسانية ومحور الأفكار و الآراء العامة... الأشخاص كذلك مصدرهم الواقع >> (17) و يظهر جليا في القول.أن للشخصية مكانة هامة في البناء الروائي، وأنها تعكس الواقع الاجتماعي بكل تناقضاته.

       ولعل الكاتب الفرنسي "بلزاك" يُعدّ من أبرز من يمثـل مرحلة ازدهار الشخصية الروائية. حيث كتب حوالي تسعين رواية، أقحم في نصوصها أكثر من ألفي شخصية(18) وكأني به يريد أن يرصد كل ما يحدث في المجتمع. وهذا العدد الهائل من الشخصيات يُعدّ مسحا يكاد يكون شاملا لحركة المجتمع في نظره .

       وعلى هذا الأساس ساد الاعتقاد، في النقد الغربي طيلة القرن التاسع عشر ــ العصر الذهبي للرواية ــ عند الكتاب، ومحصله << أن أساس النثر الجيد هو رسم الشخصيات ولا شيء دون ذلك>> (19) وصارت الشخصية ذات وجود فعلي، متعدد المستويات لا يستمد شرعيته من الأعمال وحدها .بعد أن أضحت الشخصية ذات هوية، وخصائص مختلفة، وما يدل على هذه الأهمية من الشخصية. جاءت في بعض الأعمال السردية مدار القصة ومادتها، وربما أعطتها اسما، فصار عالمها واحدا مثـل شخصية الأب "غوريو" لـ "بلزاك" و السيدة "بوفاري " لـ "فلوبير" و "زينب" لـ "هيكل" و"إبراهيم الكاتب "     لـ"المازني" (20).

 

 

2-2ــ  في الرواية الحديثة :

       في بداية القرن العشرين بدأت الرؤية إلى الشخصية تتغير، فحاول الروائيون، والنقاد التقليل من سلطتها في الأعمال الروائية . فلم تعد عند البعض إلا مجرد كائن ورقي بسيط <<فهي مجرد عنصر شكلي، و تقني للغة الروائية، مثـلها مثـل الوصف، و السرد، و الحوار>>(21) .

       لقد كان رد فعل النقاد شديدا على المكانة التي تتبوؤها الشخصية في النص الروائي. إلا أنه من الصعوبة بمكان، البحث عن موقف موحد للشخصية في الرواية الحديثة. وذلك لتضارب مواقـف الكتاب و الدارسين بشأنها. منهم من يجعلها إنسانا حيا من الواقع، ومنهم من يشيئها، ومنهم من يتنكر لها تماما، و هناك من يقف موقفا وسطا منها(22) .

       البحث في هذه العجالة سيكتفي بالإشارة إلى بعض الآراء المختلفة حول الشخصية في الرواية الحديثة.

       أحد أقطاب الشكلانيين الروس "طوماشفسكي" يعلن صراحة أنه يمكن الاستغناء عن الشخصية في الخبر، في قول له: << إن البطل ليس ضروريا للخبر. فالـقصة من حيث هي نظام وحدات سردية يمكن أن تستغني عن البطل، وعن الصفات التي يتصف بها>> (23) . التقليل من أهمية الشخصية واضح في قول "طوماشفيسكي"، إلا أنه لا يتنكر لها تماما، حيث يمكن وجودها عبر النص السردي ككائن حي و كلمة  <<البطل>> إشارة إلى ذلك .

        أورد "عبد المالك مرتاض" في كتابه << في نظرية الرواية >> جملة من الآراء التي تدعو إلى ضرورة الحد من سلطة الشخصية . منهم على الخصوص "أندري جيد" الذي يُعدّ ــ حسب رأيه ــ من الأوائل الذين دعوا إلى التقليل من أهمية الشخصية الروائية . ولقي رأيه صدى واسعًا بعد انتشاره عام 1925 ولعل ذلك الرأي هو الذي جعل "فيرجينا ولف" تُـردد قول "أندري جيد" حينما ألـقت محاضرة في صدد الدفاع عن تصورها للشخصية، و ما ينبغي أن تكون عليه: << إن العلاقات الاجتماعية والطبقية تغيـرت على ما كانت عليه من قـبل. حيث يعسر إيـجاد نوع موحد للشخصية >> (24) .

       إنها ترفض التحديد الاجتماعي، والنفسي للشخصية الروائية، ومعها كثير من الكتاب  العالميين يرون أن مثـل هذا التحديد لم يكن إلا وهما، أو خداعا . فهم يقولون: إن واقع الفرد وحقيقته لا يتحدد بموضعه ولا بطبعه في المجتمع، ولكن بطائفة من القيم الثابتة التي تنهض في الغالب على غير المتوقع(25) .

       لعل رأي "ولاك" و "وارين" يذهب في هذا الاتجاه . حيث ينفيان علاقة الشخصية بالواقع . ويختـزلانها في الجمل التي تقدمها وصفا، أو سردا، أو تنطقها . فهي حسب هذه المعطيات مجردة من  البعد النفسي، ولا اعتبار فيها إلا لمكوناتها النصية بالمعني اللغوي(26) .

       وموقـف " فلادمير بروب " من الشخصية معروف، فهو لم يهتم في كتابه << بنية الحكاية العجيبة>> بالشخصيات في ذاتها، وإنما نظر إليها من زاوية الوظائف . بينما تأتي  الشخصيات لخدمتها(27).

       وما يُعدّ تـقزيما للشخصية الروائية، بحق ما نجده  عند " كافكا " الذي يقـلص دور الشخصية في روايته  <<المحاكمة>> بإطلاق مجرد " رقم" على شخصيته.  وقد أطلق فيما سبق على شخصية رواية <<القصر>> مجرد حرف "K" (28) .

       ومن الروائيين الجدد الذين ثاروا علي البعد الإنساني في الشخصية.  ونادوا صراحة أن الحديث عنها، يُعدّ من الأمور البالية . " ألان روب قرييي"  وهو من رواد المدرسة الجديدة بفرنسا  حين يقول مما كتبه عن الشخصية .<< القول في بعض المفاهيم البالية  الشخصية >>(29) . ومعروف عن " ألان روب قرييي " عزوفه عن الشخصية . حيث يجد الدارس في كتاباته  شخصيات مختـلفة يطلق عليها اسما واحدا في الرواية الواحدة ، والشخصية الواحدة تحمل أكثر من اسم(30) .

       وكثيرا ما يجد القارئ في رواياته عالما لا يوجد مكان فيه للإنسان، كل المكان المتاح قد أخذته الماديات الصلبة التي  تصدم بها بقايا الإنسان . وفي  روايته <<الغيرة >> بالرغم أن زاوية القص هي زاوية الشخص المتكلم . فإنه لا توجد أية إ شارة في الرواية كلها إلى  "أنا" حتى أن أحد النقاد تحدث عن وجهة نظر السرد  في الرواية  علي أنها " آلان روب" الغائب (31) .

       أمام هذه المواقـف المتـشددة إزاء الشخصية الروائية، هناك طائفة من الدارسين من أنصفها من بينهم " تزفطان تودوروف " الذي يرى دورها أساسيا في الرواية، فيقول في هذا المعنى: << إن الشخصية تشغل في الرواية بوصفها حكاية دورا حاسما، وأساسيا بحكم أنها المكون الذي تنتظم انطلاقا منه مختلف عناصر الرواية >>(32) .

   الملاحظ في هذا القول، ذكرَ أهمية الشخصية إلا أنه لم يحددها، كونها إنسانا حيا، أو شيئا آخر.

       و"كلود بريمون " يُعدّ من بين الذين أعادوا للشخصية اعتبارها بوصفها فـاعلا، وإن كان استعمل مصطلح الوظيفة كما عرفها "فلادمير بروب " إلا أن ذلك يعود إلى كون استعمال المصطلح ضرورة لهيكله كل رسالة سردية .

   

   و في حديثه عن المكوّن المقطعي يرفض " كلودبريمون " بإلحاح إقصاء الشخصية من بنية القص قائلا: << إن الوظيفة ليست فـقط ترجمة الحدث (إساءة. معركة .انتصار) دون عون، ولا ضحية معينة. وكأنه ليس من الأهمية بمكان أن نعرف القائم بالإساءة . سيصبح بعد ذلك واحدا من المتصارعين ثم، غالبا أو مغلوبا في المعركة. فهو يعزز من مكانة الشخصية التي يعود إليها الفضل ـ حسب رأيه ـ في التعريف بالوظيفة من زاوية مصالح، أو مبادرات الشخصيات التي تكون ضحيتها، أو فاعلتها . و قد انتقد ترسيمة " بروب" الوظائفية التي تنكر على الشخصية قيمتها(33) .

       و رأي " إتيان سوريو" يقترب كثيرا من موقف " كلود بريمون " حيث أنه اعتمد على ترسيمة "بروب" الوظائفية كذلك، إلا أنه عندما قام بإعداد << نموذج عاملي>> من ستة وحدات يسميها (وظائف درامية) وهي تختـلف عن الوظيفة عند "بروب" فيشير أن هناك البطل وهو يتزعم اللعبة السردية . هذه الشخصية تعطي قوة الدفع إلى الأمام،  وهناك البطل المضاد وهو القوة المعاكسة التي تعرقـل قوة الدفع ، وفي هذا يتضح أن للشخصية دورا في ترسيمة " سوريو" بخلاف ترسيمة "بروب"(34) .

       وموقـف "أ.ج .غريماس" يكاد يتـفق مع "سوريو" إلا أن فكرة الشخصيات عنده  هي العوامل التي تبرز شيئا من الاختلاف عن مفهوم الأدوار عند "سوريو"(35) .

إن "غريماس" انطلق من العوامل، لا من الأحداث(36) . كما أن مستوى الممثلين، ومستوي العوامل، والعلاقة بينهما في إطار التحليل يكشف العلاقة بين الشخصيات  والعوامل(37) .

       إلا أن الشخصية عند "غريماس" قد تكون مؤنسنة أو شيئا آخر، سواء أكان مفهوما  معنويا،  كالحب و الكراهية، أو مظهرا طبيعيا كالنهر الذي يمكن أن يكون عائقا للفاعل يوضع في الترسيمة العاملية معارضا .

        أما " رولان بارت " يُعدّ  موقفه وسطا . حيث يؤنسن الشخصية، ويجعلها في الوقـت نفسه علامة لسانية، تنتج الخطاب . كما أن الخطاب ينتج الشخصيات يقول: << الخطاب ينتج الشخصيات فكأن هناك شيئا من التضافـر الحميم بين الخطاب والشخصيات التي تضطرب عبره علاقة معقدة تقوم على التمثل الجمالي العاطفي للأحياء والأشياء فكأن الشخصيات عينات من  الخطاب، وكأن الخطاب يصبح عبر هذه العلاقة المعقدة مجرد شخصية>> (38) .

        أما "فيليب هامون " حاول أ ن يستـفيد من الآراء المختلفة حيث يعد الشخصية  علاقة لسانية، وإنسانا حيا من الواقع ، ومفهوما معنويا، وشيئا من الجمادات كالدقيق، والفيروس .

     

  وقد ورد هذا التنوع في استعمال الشخصية في مقاله << من أجل قانون سيميولوجي للشخصية>> كما أنه أشار إلى بعض الأسماء من الدراسيين الذين استفاد منهم "غريماس". و"تودروف" و " إتيان سوريو"   و" كلودبريمون" و"رولات بارت". فيمكن ذكر بعض من هذه النصوص : << إن الشخصية باعتبارها مورفيما فارغا...>> و يقصد بالمورفيم المصطلح اللساني الذي يعني أصغر وحدة صوتية لها معنى. فهنا إذن يؤكد أن الشخصية قـضية لغوية(39) .

        إن الشخصية وحدة دلالية ، وإذا قبلنا فرضية المنطلق أن شخصية رواية ما تولد من وحدات المعنى. و أن هذه الشخصية لا تبنى إلا من خلال جمل تنطق بها، أو يتـلـفظ بها عنها(40). وفي نص آخر يجعلها إنسانا تؤدي دورا اجتماعيا في الحياة . حيث يقول : << ركيزة السرد المستندة عادة على الشخصيات المؤنسنة "(41) .

        وقد تكون عنده شيئا. كالوصف، والفكر، والفيروس، والسهم، والشركة، والدقيق، وغير ذلك . فيقول في هذا المجال:<< فالوصف في رواية واقعية يعتبر عاملا جماعيا مشخصا إلى حد ما>>.  << فالفكر في عمل "هيجل" يمكن اعتباره شخصية>> .

         << الشركة المجهولة الاسم . السلطة .السهم .المشرّع .الرئيس المدير العام >> كلها تشكل شخصيات في نص قانوني .   << البيضة.الدقيق .الزبدة. الغاز هذه المواد تشكل شخصيات لا تبرز إلا في النص المطبخي>>.  كما يشكل الفيروس والميكروب شخصيات في النص يسرد السيرورة التطورية لمرض"(42) .

        هكذا يتبين من خلال عرض هذه الآراء . أن هناك تباينا في المواقف حول مقولة الشخصية. يصعب إيجاد صيغة توحد هذه المواقف، ولعل اختيار موقف " فيليب هامون " يُعدّ نوعا من التوافق بين هذه الآراء المختـلفة تجاه الشخصية في الرواية .

       و يمكن اعتماد قول " يمنى العيد" الذي يقترب من رأي "فيليب هامون" من حيث التنوع من استعمالات الشخصية مع الاحتفاظ على دورها الهام في النص الروائي حيث تقول : << إن الشخصية الروائية ليست مجرد نسيج من الكلمات بلا أحشاء ـ لذا يبدو اعتماد التأويل في تحليل الخطاب الروائي اختيارا يعيد للشخصية الروائية طابع الحياة كما يحافـظ عليها ككائن حي>>(43) .

 

 

 

 


  3ــ مفهوم الشخصية عند بعـض النقاد المعاصرين:

 

         لعل انصراف الشكلانيين الروس* إلى النصوص النثرية بعد ما كان اهتمام رواد التجديد        يكاد يكون منحصرا في النصوص الشعرية سبب في ظهور الدراسات الأولية للقصة دراسة علمـية (44) .

        أحدثت هذه الدراسات ثورة على جملة من المفاهيم التي تتعلق بعناصر النص السردي ، فأكثر العناصر التي اشتد حولها النقاش. هو عنصر الشخصية الروائية و قد يعود سبب تلك الثورة التي أحدثتها الدراسات إلى هذا العنصر الهام في النص الروائي .

     ونتيجة هذا النقاش أظهرت مفاهيم مختلفة للشخصية. فبعدما كان التصور التـقليدي، يعتمد أساسا على الصفات، مما جعله يخلط بين الشخصية الروائية، والشخصية في الواقع الحياتي (45) .

     فظل التركيز عليها كونها كائنا إنسانا مليئا بالحياة وعلى تجاهل للقصدية وراء خلقها وتشكيلها. وبناء الشخصية يحكمه المفهوم المثالي القائم على مقولة الإلهام (46) .

     أهم ما يميز الاتجاه الجديد في نقد الشخصية، هو الانتقال من داخل الشخصية إلى خارجها أي إلى وظيفتها، والأدوار التي تقوم بها، والاستعمالات المختلفة التي تكون موضوعا لها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* من أهم أعلام الشكلانيين الروس .

·       تينيانوف :1894 /1943 من أشهر مقالاته مفهوم البناء 1923 وفي التطور الأدبي 1927 ومقال له كتبه بالاشتراك مع رومان جاكبسون عنوانه مشاكل الدراسات الأدبية واللسانية 1928.

·       طوماشفسكي :1890/1957 من أشهر مقالاته الغرضية (THEMATIQUE)1925.

·       إخنباوم: 1886/1959 من مقالاته المشهورة "حول نظرية النثر" 1925 ، كيف أنشئ معطف غوغول 1918.

·       فينوغرادوف:1885/1969 من أشهر أعماله مقال عنوانه"من مهام الأسلوبية" 1922.

·       شكلوفسكي :1893/1984 من أشهر أعماله "انبعاث الكلمة"1914 ومقال عنوانه "الفن من حيث هو طريقة نسقية"1917.

·       رومان جاكبسون:1896/1982 من أشهر أعماله في الواقعية الفنية 1921 .

[نقلا عن صادق قسومة ـ طرائق تحليل القصة ص30 ـ]

    

 

 

3-1ــ فـلادمـيـر بـروب :

     يعد " فلادميربروب" أحد أعلام الاتجاه الجديد في النقد الأدبي ، الذي اعتمد على الوظائف في دراسته للقصة بصفة عامة ،ولتحديد الشخصيات بصفة خاصة. فهو يرى أن الشخصية تحدد بالوظيفة التي تسند إليها وليس بصفاتها، واستنتج من دراسته لمجموعة من القصص: أ نّ الثوابت في السرد هي الوظائف (الأفعال) التي يقوم بها الأبطال، والعناصر المتغيرة هي أسماء، وأوصاف الشخصيات، واستخلص من ذلك ما يلي:

<< إن ما هو مهم في دراسة الحكاية هو التساؤل عما تقوم به الشخصيات، أما من فعل هذا الشيء، أو ذاك، وكيف فعله. فهي أسئلة لا يمكن طرحها إلا باعتبارها توابع لا غير " (47) .

مفهوم الشخصية عند "بروب " هو التقليل من أهميتها وأوصافها. إن الأساس هو الدور الذي تقوم به. وهكذا لم تعد الشخصية تحدد بصفتها، وخصائصها الداخلية بل بالأعمال التي توظف من أجلها، ونوعية هذه الأعمال.

      إن ما قام به "فلادمير بروب " هو محاولة الفصل بين الحدث والشخصية ، وكان يسعى إلى تعريف الخرافة من خلال ترتيب تسلسل الأحداث. إلا أنه عمليا اضطر إلى تعريف تلك الأحداث بإسنادها إلى الشخصيات، فوزّعها إلى سبع دوائر ـ دائرة المعتدي ـ دائرة المانح ـ دائرة المساعد ـ دائرة الأميرة وأبيهاـ دائرة المرسل ـ دائرة البطل ـ دائرة البطل المزيف.

     وهذا التوزيع لا يخدم في نظرية "بروب" مفهوم الشخصية، وإنما تصنيف مختـزل للأحداث(48)  .

    3-2ــ الجيرداس جوليان غريماس :

        عرف مفهوم الشخصية الروائية تطورا ملحوظا، بمجيء "الجيرداس جوليان غزبماس" الذي اعتمد على التحليلين اللذين قاما بهما كل من "بروب" وبعده بعشرين سنة "أتيان سوريو " ليؤسس "غريماس"  أول نظام عاملية للشخصيات، وهي محاولة لإقامة تناسب بينهما، ومن جهة أخرى أراد أن يوجد القرابة بين جدول الأدوار عندهما، والوظائف في اللغة (49) .وقد استفاد من اللغوي" ل.تسنيار" L.TESNIERE في قول له (كل قول يشترط فـعلا وفاعلا وسياقا) في تحديد العوامل (50) .

       إن العوامل عند "غريماس" هي الذات، والموضوع ،المرسل ، المرسل إليه،المساعد،المعارض .

 

 

       العلاقات التي تقوم بين هذه العوامل. هي التي تشكل الترسيمة العاملية . الملفت للملاحظة في عمل "غريماس" الدقة في تمييز بين العامل و الممثل، حيث قدم وجها جديدا للشخصية في السرد. هو ما يصطلح عليه بالشخصية المجردة فهي قريبة من مدلول <<الشخصية المعنوية >> في الاقتصاد. فعنده ليس من الضروري أن تكون الشخصية هي شخص واحد، وذلك أن العامل في تصور "أ.ج. غريماس" يمكن أن يكون ممثـّلا بممثلين متعددين. كما أنه ليس من الضروري أن يكون شخصا. فقد يكون فكرة كفكرة الدهر، أو التاريخ ، وقد يكون جمادا، أو حيوانا  إلخ (51).

       هذه المجهودات التي بذلها "غريماس" لتحديد مفهوم الشخصية  وفـق خطة وصفية رائدة ضمن الترسيمة العاملية مكنته من الوصول إلى القول : << إن الشخصية الروائية هي نقطة تقاطع والتقاء مستويين سردي وخطابي>>. فالبنى (أو البرامج) السردية تصل الأدوار العاملية بعضها ببعض  وتنظم الحركات والوظائف، والأفعال التي تقوم بها الأشخاص في الرواية. بينما تنظم البنى الخطابية الصفات، أو المؤهلات التي تحملها هذه الشخصيات " (52)  .

      ويمكن التمييز بين العامل والممثل لتوضيح مفهوم الشخصية بما يلي:

·       مستوى عاملي تتخذ فيه الشخصية مفهوما شموليا مجردا، يهتم بالأدوار ولا يهتم بالذوات التي تقوم بها.

·       مستوى ممثـلي تتخذ فيه الشخصية صورة فرد يقوم بدور ما في السرد. فهو شخص فاعل يشارك مع غيره في تحديد دور عاملي واحد، أو عدة أدوار عاملية (53).

 يبين "غريماس " من خلال المستوى الثاني. أن لكل ممثـل دورين: دور حدثي من حيث هو يقوم بعمل ما. أو أكثر في الرواية، ودور معنوي من حيث مـُسند إليه تأدية دور معين، وبعبارة أوضح أن لكل ممثل دورا في مستوى تقدم الأحداث، ودورا في مستوى بناء المعنى. مثلا: فـعندما تساعد نور في(اللص والكلاب) "سعيد مهران" على إحضار لباس ضابط، فإنها تساهم في تطور المغامرة التي يخوضها، لكنها في الوقت نفسه تعبر بهذا الحدث عن معنى معين، وهو تلوث القيم والعلاقات وانقلابها، والاعتراف بالجميل لهذه الأنثى المحترفة لعمل يتنافى وأخلاق

المجتمع (54).

 

 

 

       ومفهوم العوامل عند "ا.ج غريماس" يصف ويصنف الشخصيات في الرواية ليس وفقا لما تكون بل لما تـفعل ليبحث في الوظائف. والعوامل الستة من ترسيمة "غريماس" يشاركون في ثلاثة محاور كبرى هي:

 1. محور الإرادة (الرغبة) الذات(الفاعل) Û الموضوع

 2. محور المعرفة(التواصل) المرسل (الدافع) Û المرسل إليه (المستفيد)

 3. محور القدرة على العمل (المشاركة ) المساعد ¹ المعارض (55)

    من خلال هذه المحاور وما يقابلها من العوامل تكون ترسيمة "ا.ج غريماس" أقرب من ترسيمتي "بروب" و"سوريو"  إلى حقيقة العمل السردي على اختلاف أجناسه .

       في كل القصص تتوفـر قوة الدفع، وقوة الجذب ، قوة الرغبة وقوة الرغبة المضادة، لكي يتحقق مسار التحول، إذ بدون التحول ينتفى البعد السردي في الرواية (الانفصال والاتصال)، ولذا لابد أن تـُشبع، أو تـُكبت الرغبة وينشأ هذا الصراع في السرد كما هو في الواقع .

       فالموضوع المطلوب واحد والذوات الراغبة جمع. فيؤدي هذا التشبث والإصرار إلى المواجهة وبالتالي إلى نشأة الحكاية (56) .

وهكذا يتضح أن الميزة الأساسية للترسيمة العاملية التي وضعها "غريماس" أنها قادرة على استيعاب خطابات أخرى غير الخرافة والمسرح والأسطورة .

    3-3ــ تزفيطان تودوروف:

    إن الأسس العلمية التي انطلق منها "ت. تودروف" في تعريفه للشخصية الروائية هي اللسانيات.  حيث يقول: << إن قضية الشخصية الروائية هي قبل كل شيء قضية لسانية، فالشخصيات لاوجود لها خارج الكلمات. لأنها ليست سوى كائنات من ورق " (57) .

    إن هذا التعريف ينسجم مع المفهوم اللساني للشخصية الذي لقي استحسانا من قبل النقاد البنويين. "ف.ت.تودوروف" يجرد الشخصية من محتواها الدلالي، ويتوقف عند وظيفتها النحوية فيجعلها بمثابة "الفاعل"  في العبارة السردية، لتسهل عملية المطابقة بين الفاعل و الاسم الشخصي (للشخصية) (58). لا شك أن هذا الرأي يتـفق إلى حد بعيد مع قول "بول فاليري" << الشخصيات تحولت إلى كائن من الكلمات أي إلى (السيم) أصغر وحدة معنى >>(59) .                                                                                        

        و في هذا المجال يؤكد "محمد ساري" الخلفية اللسانية لمفهوم الشخصية نقـلا عن " دوسوسير" بأن بعض الفقرات السردية الصغيرة غير المستقرة هي التي ستتحول إلى شخصيات، مـثـل الغني الذي يتحول إلى فقير. الأعزب الذي يتزوج، ويتم الانتقال من شخصية إلى أخرى أومن شخصية إلى كائن جامد، يمكن للأوصاف (بارد، أخضر ، مرتـفع) أن تتحول إلى شخصية، والعكس صحيح من وجهة نظر لغوية، يمكن لاسم الشخصية أن يحتوي على برنامج سردي...)(60) . فرغم هذه الخلفية اللسانية في تعريف "ت تودوروف"  إلا أنه عند دراسته للشخصية الروائية ركز على استخدام نموذج العلاقات بين الشخصيات الذي قدمه "غريماس"  وتتماهى هذه العلاقات في محاور ثلاثة كبرى وهي:  ـ الرغبة  ــ التواصل ــ المشاركة (61) .

        تقول "يمنى العيد" توضيحا لاتجاه "ت تودوروف " في دراسته للشخصيات :

<< أن هناك صعوبة فـصل دراسة الشخصيات والعلاقات فيما بينها عن الحوافز، وذلك أن الشخصيات حين تقوم بأفعالها، وتنشئ علاقات فيما بينها، فيتم ذلك بناء على الحوافز التي تدفعها إلى عمل ما".

       وقد أشارت إلى المجهودات التي بذلها "تودوروف" في توضيح وتدقيق الحوافز حيث اعتبرته أحسن من تحدث في الحوافز. فهو يرى أن العلاقات القائمة والمتغيرة بين الشخصيات في الأعمال السردية الروائية تبدو كثيرة ومتعددة. إلا أنه يمكن اختزالها إلى حوافز أساسية وهي المحاور الكبرى التي تتمثـل في الرغبة.  التواصل. المشاركة .

    أ- الرغبة وشكلها الأبرز الحب

    ب- التواصل .الأسرار بمكنونات النفس  إلى صديق

    جـ- المشاركة وشكل  تحققها هو المساعدة

           وتواصل " يمنى العيد" في توضيح هذه الحوافز الأساسية وكيفية اشتقاق حوافز فرعية، والعلاقات فيما بينها. أن الحوافز الأساسية هي حوافـز إيجابية بمعنى تدفع إلى علاقات التقارب بين الشخصيات الروائية، وتقابل هذه الحوافز الإيجابية حوافز ضدية و هي الكراهية، والجهر، والمعارضة وهي حسب هذا التعريف أنها تدفع إلى علاقات التباعد بين الشخصيات. ونلاحظ في هذا الصدد أن الحوافز الإيجابية والضدية تعتبر حوافز نشطة لأنها تدفع إلى فعل ما. الأولى تقرب والثـانية تبعد، ومن ناحية أخرى أن الحوافز النشطة التي تقوم بها الشخصيات. إنما هي أفعال تـقع على شخصيات أخرى، وبمعنى آخر أن هناك من يفعل وهناك من يقع عليه الفعل ، وهذا يؤدي بالضرورة إلى مقابل كل حافز نشط حافز سكوني، وبذلك يصبح عدد الحوافز إثني عشر حافزا ، غير أن الشخصية التي يقع عليها الفعل تكون في وضعية مهيأة لتحفز نشط (سلبي أو إيجابي)  فالشخصية في هذه الحالة فاعل وموضوع في الوقـت نفسه .

هذا ما حمل الباحثين على تسمية الشخصيات (من حيث هي فاعلة وموضوع فعل ) وكذلك الأفعال من حيث هي تحفز سكوني وتحفز نشط (62) .

       وقد انتهى "ت.تودوروف" إلى خاتمة في حديثه عن الحوافز و العلاقات بين الشخصيات ومجمل قوله : أننا نحتاج إلى ثلاثة مفاهيم لوصف عالم الشخصيات.

       أولا: بدءا  بالحوافـز وهو مفهوم وظيفي  من قـبل "أحب" "أسر" وأرغب .

       ثـانيا: مفهوم الشخصية (الشخصيات الروائية مثـل "فالمون" ." مارتوي "وهي أسماء لشخصيات روائية) والشخصيات عنده إما فواعل أو مفعولات وأطلق عليها تودوروف مصطلح عام وهو (العون) الذي يمثل الفاعل والمفعول وبذلك يرى أن الحوافـز والفواعل وحدات قارة في العمل السردي .

      ثالثـا: وأخيرا مفهوم قواعد الاشتقاق التي تصف العلاقات بين الحوافز المتباينة ، وينهي خاتمته بقوله: << إن العرض الذي يقوم على هذه المفاهيم الثلاثة يبقى جامدا جافـًا >> ولتفادي ذلك ، يقترح سلسلة جديدة من القواعد يطلق عليها اسم قواعد الفعل تمييزا عما يسمى بقواعد الاشتقاق " إن منطلق قواعد الفعل هي العلاقات بين الأعوان والحوافز حسب المحاور المذكورة :

 - الرغبة - التواصل - المشاركة (63) .

     3-4ــ كلود بريمون:

        انطلق " كلود بريمون" في دراسته لمفهوم الشخصية من مفهوم الوظيفة عند "بروب " حيث لاحظ نقصا وغموضا في نظرية "بروب" وخاصة تنكر هذه النظرية للشخصية ، و"كـ.بريمون" يرى أن الوظيفة في الحكاية  تترابط بالشخصية . فالانتصار مثلا لا يمكن أن يرتبط بصراع إلا إذا كان كل منهما متعلقا بالشخصية ذاتها، فالوظيفة تعرف بكونها ترابطا بين الشخصية من جهة وعمل من جهة أخرى. وبهذا تصبح تركيبة الرواية قائمة لا على سلسلة أعمال، وإنما على نظام أدوار، فالقصة في نظرية "بريمون" دائرة حول شخصية  أو أكثر، وأن نمو الحبكة يعني تغييرا يمس شخصية واحدة أو شخصيات عديدة ، وهنا ـ يرى ـ يستوجب النظر في هيكل الرواية باعتباره مجموعة أدوار يعبر كل منها عن تطور وضعية ما تكون فيها الشخصيات فاعلة أو مفعولا بها. فكل قصة ـ في النهاية ـ قصة الشخصية أو أكثر فالشخصية بهذا المعنى مدار القصة ومادتها (64).

 

 

 

 

 


      إن إتجاه" كلودبريمون" في مفهوم الشخصية يتمـثـل أساسا في أعمال الشخصيات .

يقول "رشيد بن مالك " << إن إتجاه "بريمون" يهدف إلى معالجة الشخصية من حيث الإسهامات التي تقوم بها في مقطوعة سردية تأخذ في الأعم الأغلب منحيين>>.

/ إلحاق الضرر / يقابله الفشل في الحماية .             

  وقد وضع الجدول التالي للتوضيح :

 

منظور المعتدي                                     منظور المعتدى عليه           

الخصم المستهدف

    للتصفية

      ¯

الضرر المقدر إلحاقه                عكس          الخطر المقدر إبعاده

       ¯                                                        ¯

السياق العدائي                       عكس           السياق الوقائي

       ¯                                                        ¯

إلحاق الضرر                        عكس           فشل في الحماية  (65)

      وعلى هذا فإن أحداث السرد في نظر "بريمون" ترتب وفق الجدول السابق على نمطين أساسيين وهي حسب الشروط المهيأة الملائمة لتنفيذ العمل أو تعمل ضد التنفيذ وهذان النمطان هما نمط التحسين، ونمط الانحطاط . توزع الإمكانات عليهما وفق الشكل التالي :

                         

 

           

 

 

      قد يكون تـصور الأحداث بهذا الشكل نتيجة تفكيره المنطقي للأمور بحيث يرى أن انتهاء البطل حتما إلى الانتصار أمر غير مقبول في واقع الحياة ، فالمنطق أن الانتصار ليس حتميا ، باعتبار صراع البطل فـعلا إنسانيا، قد يؤول إلى الانتصار، وقد يؤول إلى الفشل فهو معرض للمآل وضده. وذلك حسب الشروط المهيأة ، وعزيمة الشخصية(67)  .

        أما فيما يتعلق بعلاقات الشخصيات في مستوى الأدوار يضع "بريمون" جدولا يقوم المتدخل قبل وقوع الفعل وهو (المؤثر) .

- المؤثر هو الذي يؤثر في الشخصيات يدفعها إلى القيام بالفعل.

- العون هو الفاعل أو القائم بالفعل.

- المتقبل و هو الذي يقع عليه الفعل.

          الجدول التالي يوضح ذلك :

  

 

 

 

 

 

      

    وقد أنجز  "كـ بريمون" تصور الأطراف المتصلة بالفعل على هذا الشكل ، بناء على ما لاحظ من نقص عند "بروب" في هذه النقطة كما أن "اج غريماس" حسب بريمون أسرف في التجريد والتعميم، خلال دراسته للفواعل. لذلك يرى ضرورة وضع تصورات قائمة على الاضطلاع الفعلي بالأدوار يراعى فيها تحول الأدوار والعلاقات عبر الرواية (68).

       فالأدوار التي تؤديها الشخصية ثنائية الضحية والفاعل ، الأولى تقوم بدور المفعولية فيمارس عليها نوعان من الأفعال: التأثيرات التي تخاطب فيها الوعي الذاتي ، ومن خلالها تحصل الشخصية الضحية على أخبار خاصة بمصيرها. فإذا هي تشعر بالرضا أو السخط . والأحداث التي تمارس بشكل موضوعي على مصيرها ، فإما تحسنه أو أن تـزيده تدهورا. وإما تبقي الوضع على حاله تكبت عزيمة الشخصية وتعوقها ، قد يؤدي المسار إلى النجاح أو إلى الفشل. والطرف الثاني في الثنائية الفاعل الذي يتابع مسارا  لتحقيق هدف معين وذلك حسب الظروف(69).

 

 

 

 

       

 

 

 إن "كلودبريمون" يقترب كثيرا مما توصل إليها "غريماس"* وصاغها في ترسيمته . وهو يستخدم مصطلحات كثيرة وغير ثابتة لتحديد الأدوار الأساسية في السرد في كتابه << منطق السرد>> فهو يستخدم ستة مصطلحات ، تتعلق بالأدوار الرئيسية ، يمكن مقارنتها مع تلك عند " غريماس" و عند "بروب" إن "بريمون"  لا يبتعد كثيرا عن التحديدات التي سُبق إليها (70)  .

إن ما فعله "كلود بريمون" فيما يتعلق بالأدوار التي تقوم بها الشخصيات ، سمح له بوضع ترسيمة تتجاوز ترسيمة "بروب" إلى منطق قصصي قابل للاستعمال في الأعمال الأدبية السردية مطلقا. تمكـّن من إضافات ، مثل مفهوم الدور ، ومفهوم السيرورة ، فالقصة بهذه المفاهيم تتقدم في جملة من المنعطفات يحصل في كل منها تأزيم أو انفراج(71) .

        ولكن رغم هذه النتائج التي توصل إليها، لم يسلم من انتقادات لأغلب النقاد حيث لاحظوا عليه بعض النقائص في دراسته للأدوار ، لأن ترسيمة الأدوار عنده قد شُـكـلت على أساس جدولي لا على أساس سياقي ، فمفهوم الدور تـَمثله من خارج النص لا من داخله ، فعمله نظري أكثر منه تطبيقي، ولذلك يصعب على الدارس اعتماد ترسيمة "بريمون" لتحليل الأعمال الأدبية(72).

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       * الأسس العلمية التي انطلق منها كل من غريماس (السيميائية) وتودوروف (اللسانيات) وبريمون( المنطق) إنهم جميعا يجمعون على أن للقصة في معناها البسيط أو المعقد بنية سردية هرمية أو ثلاثية الضلاع .

 

ما ينعته تودوروف             الــتـــوازن                          الهرم الثلاثي الأضلاع

 ينعته غريماس + بريمون     الوضع الابتدائي                    غريماس:   1ـ الوضع الابتدائي 

ما ينعته غريماس              الــنــقــص                              2ـ الــنـقـص

ينعته تودوروف               الاخــتـــلال                               3ـ الوضع النهائي

ينعته بريمون                  الــتــدهــور                  بريمون:   1ـ الوضع الابتدائي

ما ينعته بريمون               الـوضـع الـنـهـائي                        2ـ الــتـدهـور

ينعته غريماس                 الـوضـع الـنـهـائي                        3ـ الوضع النهائي

ينعته تودوروف               الـتـوازن الـثــاني             تودوروف: 1ـ الــتــوازن

                                                                                 2ـ الاخــتــلال

                                                                                 3ـ التـوازن الثاني

(نقلا عن عبد الوهاب رقيق في السرد ص 164-165)   

 

 

 

19

       3-5ـــ فـيـلـيـب هـامـون :  

        إن ما ميز فيليب هامون عن غيره من النقاد ، والدارسين في موضوع « مقولة الشخصية الروائية » هو تخصيصه مقالا خاصا شاملا ، كاقتراح لمفهوم الشخصية ، وإجراءات تحليلها، كما أنه استفاد من آراء مختلفة ، محاولا في ذلك التوفيق بينها ، حيث أشار في مقاله إلى اتجاهات عديدة تطرقـت إلى مقولة الشخصية بالدراسة والتنظير .

  ففي المقال المعنون " من أجل قانون سيميولوجي للشخصية " ومن خلال الإحالات التي أعقبت مقاله، قدم توضيحات كافية ودقيقة للمسائل التي استفاد منها ، ولم يكتف بالإشارة إلى المراجع وأرقام الصفحات كما جرت العادة .

       من بين النقاد والدارسين الذين أشار إليهم على الخصوص "دوسوسير" في << دروس في اللسانيات العامة >> « موضوع السيميولوجية » و " ت.تودوروف" << في الشعرية>> و" غريماس " <<التحليل السيميائي للخطاب القانوني>> << في المعنى>> << الدلالة البنيوية >> <<النموذج العاملي>> و" كلود بريمون" << منطق السرد>> " وفلادمير بروب" << بنية الحكاية العجيبة>> و"رولان بارث" <<تحليل القصة تحليل هيكلي>> من آرائه (اسم العلم أمير الدوال إيحاءاته غنية إنها اجتماعية ورمزية) وكذلك صاحب المقولة (إن المعنى لا يوجد في نهاية الحكاية إنه يتخللها ) و" إتيان سوريو" <<الأدوار الدرامية>> و" ل.سبيتزر" << دراسات في الأسلوب>>  فهو يعرف الاسم ( الأمر المطلق للشخصية) و"ميشال زيرافا " << الشخص والشخصية>> و"لوري لوتمان" << بناء النص الفني>> . (يقابل بين الشخصية الأوفى والشخصية المتغيرة)  و<< قاموس علوم اللغة الموسوعي>> لـ "دكرو" و"ت.تودوروف" >> موضوع الشخصية<< و"جيرار جينات " <<المحتمل والتعليل>> و" رومان جاكبسون" << مستويات تحليل اللسانيات>> و" إميل بنيفست " <<المشكلة اللسانية العامة>> و "والك" و"وارين" << النظرية الأدبية>> و" ب. إسبنسكي" <<أحوال العلاقة بين تسمية الشخصيات>> و"ج.باتيني " (في الجذور المعجمية النحوية أو الثقافية قد تلعب دور عنصر "إيحائي" للشخصية ، وغير هذه الأسماء كثيرة(73).

        لذلك كثيرًا ما يجد الدارس ، في حديث فـيليب هامون عن مفهوم الشخصية يتقاطع مع عدد من النقاد الذين استفاد منهم . إلا أن مفهوم الشخصية عنده إلى تحديد اللسانيات أقـرب. فهو يحدده بأنه يلتـقي بمفهوم العلاقة اللغوية . حيث ينظر إليه كمورفيم فارغ في البداية سيمتلئ تدريجيا كلما تقدمت القراءة .

 

         ونظر إلى الشخصية الروائية على أنها "علامة" تقوم ببناء الموضوع ، وذلك من خلال دمجه في الإرسالية المحددة ، هي الأخرى كإبلاغ مكونة من علامات لسانية (74)  .

        ذلك أن النص الأدبي ما هو إلا مدوّنة كلامية وعلاقته بلغة التداول علاقة مرحلية ، ثم تفسح المجال للتشكيل الأسلوبي ، الأمر الذي يجعل الكتابة الأدبية أكثر إيحاء ورمزية بدلالاتها ، وتراكيبها، عما هو تقرير مباشر. فالشخصية عند "فيليب هامون" تمتد لتشمل جميع بنيات النص إذ أن مفهوم الشخصية لديه ليس:

أ- مقولة أدبية محضة ، إنما هو أمر مرتبط أساسا بالوظيفة النحوية التي تقوم بها الشخصية داخل النص ، أما وظيفتها الأدبية فتأتي حين يحتكم الناقد إلى المقاييس الثقافية والجمالية .

ب- كما أن الشخصية ليست مؤنسنة بشكل خالص فقد تكون بعض المفاهيم المعنوية كالفكر في عمل "هيجل" شخصية ، وكذلك الشخصية الاعتبارية في النصوص القانونية ، كالمدير العام ، والشركة المجهولة الاسم والسلطة ـ وكذلك الدقيق ـ البيض ـ الزبدة ، الغاز هذه المواد تشكل شخصيات تبرز في النص المطبخي إلخ .

جـ- إن الشخصية قد يعيد بناءها القارئ كما يقوم النص بدوره ببنائها (75) .

          وقد تميز "فيليب هامون" في هذا الباب عن مقاربات التاريخية والنفسية والاجتماعية بمقاربته العلامية للشخصية ، عنده رديف العلامة اللسانية تخضع للتقطيع المزدوج ، وتندرج في شبكة العلامات السياقية ، لها وجه دال ووجه مدلول (76) .

ويقول أيضا إن أشكال تجليات الشخصية عسيرة المحاصرة أحيانا لتعددها ، وتنوعها ، فالشخصية ليست هوية قبلية وثابتة بل تتكون بعملية بناء من خلال القراءات وصيرورة الحكاية .

          يقول في هذا المعنى: فالظهور الأول للشخصية في السرد يشكل شيئا شبيها ببياض دلالي، أو شكل فارغ ، ستقوم التحولات المعنوية التي كانت الشخصية فاعلا فيها بملئها .  إلا أن مدلول الشخصية .إذا أخذنا بمفاهيم "فردناند.دي سوسير" لا يتكون فقط من تكرار النعوت والأوصاف التي تخضع لها ، أو من خلال التراكم والتحولات ، ولكن يتشكل أيضا مدلول الشخصية من التعارضات والعلاقات التي تقيمها مع الشخصيات داخل الملفوظ الروائي (77)  .

ويظهر من خلال هذه النصوص الارتكاز  على المفهوم اللساني للشخصية الروائية في اقتراحات "فـيليب هامون"، شأنه في ذلك شأن النقاد الحداثيين الذين بنوا أسس دراساتهم على المفاهيم اللسانية الحديثة التي ظهرت بعد انتشار الأفكار الدوسوسيرية .

 

 

   4 ــ تحديد الشخصية الروائية عند فيليب هامون

       يقترح "فيليب هامون" بعض المبادئ العامة لدراسة الشخصية الروائية يرى أنها تجنب الدخول في متاهات الالتباس والغموض الذي تلحق الدراسة التقليدية التي تعتمد على التحليل النفسي أو التاريخي أو الاجتماعي . وقد اعتبرها "حسن بحراوى" أهم وأغنى التبولوجيات الشكلية من الناحية الإجرائية ، وتكمن أهمية دراسة "هامون" في كونها ، تقوم على أساس نظرية واضحة(78) .

       4-1ـ تصنيف العلامات والشخصيات:

                  4-1-1 ـ تصنيف العلامات:

       في البداية أولى اهتمامه موضوع "العلامة " مميزا بين ثلاثة أنواع من العلامات :

- العلامات التي تحيل على العالم الخارجي (طالب بيكاسو. نهر. حرية. إلخ ).

وقد أطلق على هذه العلامات مصطلح < العلامات المرجعية> لكونها تحيل على معرفة شيء ملموس مدرك (دلالة) إلى حد ما قارة وثابتة ، وهذه العلامات يمكن التعرف عليها من خلال المعجم .

- العلامات التي تحيل على محفل ملفوظ ، هذه العلامات ذات مضمون (عائم) لا يتحدد معناها إلا من خلال وضعية ملموسة للخطاب. لا تتحدد إلا بمعاصرة مكوناته .أنا ـ أنت ـ هنا ـ الآن ـ علامات غير محددة في المعجم .

- العلامات التي تحيل على علامة منفصلة عن الملفوظ نفسه بعيدا أو قـريبا. فقد يكون هذا الملفوظ سابقا داخل السلسلة المكتوبة أو لاحقا لها .

       ووظيفة هذه العلامات وظيفة ربطية واقتصادية، ويمكن أن يطلق عليها بصفة عامة علامات استذكارية (79) .

         4-1-2 ــ تصنيف الشخصيات:

       وعلى ضوء هذه العلامات صنـّف "فيلب هامون" الشخصيات إلى ثلاث فئات:

    أ ـ فئة الشخصيات المرجعية. وقسمها إلى الأصناف التالية :

 ــ الشخصيات التاريخية .

 ــ الشخصيات الاجتماعية كالعامل . الفارس. المحتال .

 ــ الشخصيات الأسطورية (فينوس ، زوس ) .

 ــ الشخصيات المجازية كالحب ، الكراهية .

    ب ــ الشخصيات الواصلة : وتكون علامات على حضور المؤلف، أو القارئ ، أو من ينوب عنهما في النص . شخصيات ناطقة بـاسم المـؤلف ( الوسائط) وهم لسان المؤلف.

الكاتب قد يكون حاضرا بشكل قبلي وراء ضمير الغائب (هو) أو ضمير المتكلم (أنا) . وراء شخصية أقل تمييزا، أو وراء شخصية متميزة بشكل كبير .

    جـ ــ الشخصيات المتكررة (التكرارية): هي عموما تحيل إلى النظام الخاص بالعمل الأدبي . فالشخصيات  تنسج داخل الملفوظ شبكة من الاستدعاءات  والتذكيرات ، لمقاطع الملفوظ منفصلة ذات طول متفاوت . هذه الشخصيات تقوم بوظيفة تنظيمية لاحمة . أي أنها علامات مقوية لذاكرة القارئ. مثل الشخصيات المبشرة بخير، و تظهر هذه النماذج من الشخصيات في الحلم المنذر بوقوع حادث أو في مشاهد الاعتراف ، و البوح، تحديد البرنامج. وأشار "فيليب هامون" بملاحظة حول هذا التصنيف الثلاثي ، أنه بإمكان أية شخصية أن تنتمي في الوقت نفسه أو بالتناوب لأكثر من واحدة من هذه الفئات الثلاث (80) .

     بعد هذا التمهيد الذي تحدث فيه " فيليب هامون" عن العلامات و أنواعها و مفهوم الشخصية وأصنافها. انـتـقـل إلى تحليل ثلاثة محاور أساسية هي:  مدلول الشخصية، مستويات وصف الشخصية، دال الشخصية .

     وقد حدد هذه المحاور على ضوء مقولة << إن تحليل الشخصية الروائية وحدة دلالية قابلة للتحليل والوصف . حيث هي دال ومدلول ، وليس كمعطى قبلي وثابت >> (81)  .

وهي تشكل لبّ بحثه حول مقولة الشخصية ، قدم من خلالها مجموعة من الإجراءات النظرية التي تساعد الدارس في تحديد معالم الشخصية، مدعمة بجداول نموذجية لتصنيف المعلومات المعطاة ، في محاور المواصفات، و محاور الوظائف ، وجدول خاص ، تـُحدد فيه المواصفات، والوظائف تبعا لكيفية الحصول عليها في ثنايا النص ، هل هي مواصفة وحيدة ، أو مكررة ، أو احتمال وحيد، أو احتمال مكرر ، أو فعل وحيد، أو مكرر .

     4-2ــ مدلول الشخصية .

       قدم في هذا المحور مجموعة من الآراء حول مفهوم الشخصية حيث قال << مفهوم الشخصية وحدة دلالية باعتبارها مدلولا لا متوصلا ويفترض أن هذا المدلول قابل للتحليل والوصف، وأن الشخصية تولد من المعنى ،والجمل التي تتلفظ بها أومن خلال الجمل التي يتلفظها غيرها من الشخصيات>> وقد دعم آراءه بأقوال بعض النقاد السيميائيين مثـل " لوري لوتمان" الذي يرى مفهوم الشخصية تجميعا لصفات اختلافية (صفات تمييزية). 

      بينما "غريماس" نظر إلى الممثلين باعتبارهم "لكسيمات" (مورفيم حسب الاصطلاح الأمريكي) ينتظمون بفعل علاقات تركيبية في ملفوظات وحيدة المعنى.

       وأما" كلود ليفي شتراوس " يرى أن أية شخصية ليست معطاة على شكل عنصر معتم. يستوجب على التحليل البنيوي أن يتوقف عنده .

      ففي حكاية ما، نقارن الشخصية بكلمة نصادفها في وثيقة ما. إلا أنها غير موجودة في القاموس .أو اسم العلم الذي لا يستند على سياق . إنه سند لكون حكائي ـ يحلل كثنائيات تقابلية متآلفة بشكل متنوع . هذه الشخصية تشبه "فونيما" كما تصوره " رومان جاكسبون" أي شبكة من العناصر الاختلافية(82). ويعلق "فيليب هامون" على هذا الرأي :  أن الشخصية تختـلف عن المورفيم اللساني الذي يُتعرّف عليه بسرعة . بينما السمة الدلالية للشخصية ، متحركة، ويتم بناؤها عبر زمن القراءة ، فهي دائما وليدة الأثر السياقي (83) . وبعد هذا أورد مجموعة من الآراء تنص في عمومها أن مدلول الشخصية ينبني بفعل التكرار ، والتراكم ، والتحول . يقصد بالتكرار إيراد مواصفة ما أو وظيفة عدة مرات . أما التراكم يعني أن الشخصية غنية بمواصفات ووظائف مختلفة من خلال النص الروائي . بينما يقصد بالتحول مقدرة الشخصية على التغير بفعل التأثيرات التي تمارسها الأحداث على بنية الشخصية (84) .  ولكي يتم التعرف على الشخصيات من أجل تصنيفها دلاليا يقترح "فيليب هامون" مقياسين هامين :

المقياس الكمي : ينظر إلى كمية المعلومات المتواترة المعطاة صراحة حول الشخصية .

المقياس النوعي : مصدر تلك المعلومات حول الشخصية هل تقدمها الشخصية عن نفسها مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة  عن طريق التعليقات التي تصدر عن الشخصيات الأخرى،أو من قبل المؤلف(85).       

      ويشير إلى ضرورة التمييز بين بعض الثنائيات عند كل تحليل للحكاية، فالدارس سيضطر في لحظة، أو في أخرى إلى أن يميز بين كينونة الشخصيات ،وفعلها ، ما بين المواصفات والوظائف، في بعض الأحيان لا تتطابق كينونة الشخصية مع الفعل، أو من أجل وصف شخصيات متذبذبة حيث أن مشروع  تغيير الوضع لا يتبعه إنجاز والتمييز بين الملفوظات الوصفية والملفوظات السردية (86) . 

     قد وضح هذا التمييز إبراهيم صحراوي بقوله الملفوظات السردية هو ذكر للأحداث وإيراد للحركات، وأفعال تقوم بها الشخصيات،بينما الوصف تصوير لحالات ووضعيات تتعلق بهاته الشخصيات والأمكنة التي وقـعت بها الحركات (87) .

     وبعد هذا خلص إلى أهمية التمييز بين الشخصيات على مستويين: مستوى المواصفات، ومستوى الوظائف ، مقترحًا جداول لتحديد الفروقات التي يمكن أن تظهر بين الشخصيات، ويتم تصنيفها وفق تلك المميزات .

       الجدول الأول يتضمن محاور السمات الدلالية المتعلقة بالمواصفات التي يجب أن تصنف حسب استخدامها في التمييز بين كل شخصيات الرواية أو البعض منها.فأفترض أن التحليل سيحتفظ بالمحاور التالية:

ــ الجنس ـــ الأصل الجغرافي ـــ الأيديولوجيا ـــ الثروة .

الشخصيات/الـمـحـاور

الجـنـــس

الأصل الجغرافي

الأيديولوجيا

الـثــروة

ش1

+

+

+

+

ش2

+

+

+

+

ش3

+

Æ

Æ

Æ

ش4

+

+

Æ

Æ

ش5

+

+

Æ

Æ

      وبهذا يمكن تحديد الشخصيات/نمطية أو كتل غامضة أو تجمعات منسجمة لشخصيات محددة بعدد المحاور الدلالية نفسها ، أو بالسمات الدلالية نفسها.ففي الجدول السابق يمكن استنتاج مايلي:

ش1 ـ ش2 تنتمي إلى فئة واحدة ، وش4 ـ ش5 إلى فئة أخرى ، في حين تتقابل مع (ش1+ش2)(ش4+ش5) الخ.

      وجدول المواصفات يمكن وضعه في مواجهة جدول آخر يتضمن وظائف الشخصيات ، أي مختلف الأفعال التي تقوم بها في الرواية .

الشخصيات/الوظائف

الحصول على مساعد

توكيل

قبول التعاقد

الحصول على معلومات

الحصول على متاع

مواجهة ناجعة

ش1

+

+

+

+

+

+

ش2

+

+

+

+

+

+

ش3

+

+

+

+

Æ

Æ

ش4

+

+

Æ

Æ

Æ

Æ

ش5

+

Æ

Æ

Æ

Æ

Æ

ش6

+

Æ

Æ

+

+

+

         يمكن استنتاج من الجدول السابق، وجود تراتبي :ش1 وش2 تصنفان في فئة الشخصيات النمطية (تقوم هاتان الشخصيتان بالوظائف نفسها وبأكبر عدد منها). تـُعدُّ ش1 وش2 وش3 أكثر نشاطا من ش5 الخ.

       وعلى التحليل أن يقارن بين هذه الشخصيات ، ومن خلال هذه التصنيفات يحصل الدارس على تحديد الشخصيات الرئيسية مثلا: (ش1 أقل شكلنة وأكثر تعقيدا من ش3 وش5) والشخصيات الثانوية أو ذات "الأدوار" العادية ،وهذه تحدد من خلال وظيفة واحدة أو مواصفة واحدة.       ويبقى هذا التصّنيف المعتمد على ثنائية بسيطة عاجزا عن تحليل جزئيات السمة الدلالية، لأن النتائج التي تمَّ الحصول عليها عبر الجدول . يمكن أن تخضع بدورها للتحليل كمجموعات فرعية ، في صفات عالقة. فالأصل الجغرافي لشخصية ما ، يحدد للدارس << أهلي >> أو<<دخيل>> والأيديولوجية يمكن أن تحدد إن هو << تقدمي >> أو << رجعي >> ، ومقولة الجنس قابلة هي الأخرى أن تفكك في :

     (إمــا مــذكــر ، إمـــا مــؤنـــث  )

 


      

 

 

 

 

 

 

 

 

 


  في هذا الرسم تشير العلامة           إلى العلاقات الضدية (مذكر غير مذكر )

 وتشير العلامة                          إلى العلاقات التضمينية .

وتشير العلامة                          إلى العلاقات العكسية مذكر مؤنث .     

       وختم محور مدلول الشخصية بأنه يمكن تصنيف الشخصيات وفق ما تخبر عنها الشخصيات الأخرى، إن تم ذلك من خلال شخصية واحدة أو شخصيتين إلخ .

      ويكون ترتيب الشخصيات في الأهمية حسب التواتر والوظيفة . تكون الشخصية الأكثر أهمية هي الشخصية التي يخبر عنها أكثر من غيرها إلا أنه أشار في ملاحظة :  ليس بالضرورة أن الشخصية التي تقوم بوظيفة ما مرات عديدة تكون أكثر أهمية من شخصية أخرى قامت بوظيفة ما مرة واحدة .   

      قدم مثلا على ذلك . القس وهو يؤدي الصلاة مرات عديدة يمكن اعتبار ذلك توضيحا مبالغا فيه، تدخل ضمن مقتضيات أسلوبية التي تجنح إلى التوضيح والتفخيم (88) .

   4-3ــ مستويات وصف الشخصيات :

        إن الشخصية عند "فيليب هامون" تعد علامة مورفيم<<لا متواصلا>>إن هذا التحديد يستدعي ـ في رأيه ـ مقولة << مستويات الوصف>> فالشخصيات تربطها بالشخصيات الأخرى علاقات من مستويين : من مستوى أعلى (وحدات قد تكون أكثر عمقا أو تجريدًا ) . مع أخرى من مستوى أدنى (الصفات المميزة المكونة للعلامة ) ولتوضيح هذين المستويين أورد " فيليب هامون"المثال التالي:

ففي جملة من نوع.               بيـــــــير و بــول يعطيان ماري تفاحة

         المستوى الأعلى : فالجملة السردية والنحوية في الوقت نفسه تقدم ثلاثة عوامل :

مـــــــــرسل (بيـــير و بول )

موضــــوع  ( تفـاحـــــــــة )

مرسل إليه   ( مـــــــــاري )

       المستوى الأدنى: في حين يقترح المعطي النص أربعة ممثلين (بيـــير، بــول ،مــــاري، تفاحة)

       فالشكل العاملي لمقطع ما هو بنية ثابتة نسبيا وذلك لاستقلالها عن تشخيص الممثلين (كون الشخصية إنسان) تفاحة ، مــاري ، وعن العدد الحقيقي للشخصيات الظاهرة (بيـير بــول ) وكذلك أنه لا يتأثر عن عمليات القلب مثلا .  تفاحة أعطيت لماري من قبل بيـير وبول . أو ماري نعم، ماري هي التي حصلت شخصيا على تفاحة من عند بيـير و بول. كما هي مستقلة عن تشخيص للممثلين (تفاحة بـول  بيـير و ماري ).

       فهو يرى أن العوامل << وحدات دلالية >> داخل متن الرواية ، تتقابل منهجيا مع الممثلين من أجل تحديد إما التشابه (عامل= ممثل= تفاحة ) وإما التأليف (العامل= المرسل ممثـّل بممثلين بــول وبيـير) أو ممثل = مجموعة من العوامل .ففي الدراسة التي قام بها "بروب" في تحليله الحكاية الشعبية، نجد دائما البطل /الذات . ومرسلا إليه ويستفيد من الفعل الذي أنجزه في الوقت نفسه.

       4-3-1ـ توزيع العوامل:

 اقترح ثلاثة نماذج للتحليل . نموذج "بروب" ونموذج "سوريو" ونموذج "غريماس" وأوضح من خلالها أن التحليل سيحاول إقامة نموذج عاملي منظم لكل مقطع سردي، وخلص "هامون" إلى توزيع العوامل ثم حدد أدوارها بعد ذلك على النحو التالي:

·       توكيل (المرسل يقترح موضوعا . رغبة في الفعل على المرسل إليه)

·       قبول أو رفض من قـبل المرسل إليه .

·       في حالة القبول يقع تحويل للرغبة التي ستجعل من المرسل إليه ذاتـًا محتملة وقد يحدث (أو لا يحدث) إنجاز البرنامج تتحول الذات على اثر ذلك من ذات محتملة إلى ذات محققة .

        وعلى أساس هذا التوزيع يمكن الوصول إلى تحديد البنية العاملية لمقطع ما .(أو لمجموع النسق الروائي) الذي يعني في الوقت نفسه الوصول إلى انسجامه .

        إن عدم الإخلال بهذه البنية العاملية يعد عنصرا هاما في مقروئية النص الروائي . لأن القارئ يستطيع وفقها تحديد موضعة شخصية داخل سلم الشخصيات النمطية وعلاقاتها التقابلية أو التشابهية، وأيضا توقع بعض المسارات النمطية، فهذه المقروئية، ستدعم بدون شك إذا كانت الشخصية بالإضافة إلى وظيفتها العاملية القارة . (شخصية تكون دائما ذاتـًا فاعلة أو مرسلا إليه أو دائما معيقـًا داخل فقرة أو داخل رواية بأكملها). تبدو تملك تخصصا في الأفعال المهنية . فمزارع ما سيتحدد من خلال سلسلة مبرمجة نسبيا.إنها يمكن تحيينها بشكل كامل داخل الحكاية . حرث¬ زرع¬ تجميع¬ درس¬  تعليب إلخ. ومن هنا تأتي مقولة الدور التيمي ( الموضوعاتي) الدور المهني(طبيب، مزارع، حداد، قس...). أو سيكولوجي مهني (الوصولي، المتذبذب، الاجتماعي ) أو الأدوار العائلية (الأب،العم، الأخت، الأم، اليتيم) .

      4-3-2ـ العناصر التي تحدد الشخصية:

       ختم محور "مستويات وصف الشخصيات" بتحديد العناصر التي يمكن أن تحدد من خلالها الشخصية وهي على النحو التالي:

·       نمط علاقاتها مع الوظيفة ـ الوظائف (المحتملة أو المحينّة التي تقوم بها) .

·       خصوصية اندماجها (تشابه، تأليف ، تضعيف) في أقسام الشخصيات النمطية أو العامل .

 

 

·       كونها عاملا فإن الشخصية تحدد بنمط علاقاتها مع العوامل الأخرى إن الذات مثلا تحدد بعلاقتها مع موضوع داخل مقطع البحث، المرسل بعلاقته مع المرسل إليه داخل مقطع التعاقد.

·       تحدد الشخصية بعلاقتها من الصيغ (الرغبة ، المعرفة ، القدرة ...إلخ) المكتسبة، الفطرية أو غير المكتسبة وبنظام الحصول عليها.

·       بتوزيعها داخل الحكاية بأكملها

·       بشبكة المواصفات والأدوار "التيمية" التي تعدّ سندًا لها (السمة الدلالية غني أو فـقير متخصص أولا دائمة أو متحولة) (89) .

          4-4ــ دال الشخصية

          4-4-1ـ كيفية اختيار دال الشخصية وتقديمها في النص:

          لا شك أن عملية تقديم الشخصية، عبر الفضاء النصي، تعد من البحوث الهامة التي شغلت الدراسات النقدية الحديثة ، ذلك أن الشخصية، تشغل موقعا إستراتيجيا في بناء الرواية . لعل هذه الأهمية هي التي دافـعت "فيليب هامون" أن يخصص محورًا خاصا بتقديم الشخصية.

         يتم تقديم الشخصية عنده من خلال دال غير متواصل. بمجموعة متفرقات من الإشارات التي يمكن تسميتها ب "سمة " وخصائصها العامة ، تحدد في جزء هام منها ، بالاختيارات الجمالية للكاتب، فقد يقتصر على الحوار الباطني الغنائي أو السيرة الذاتية . فهنا عادة إشارات التعريف بالشخصية هي ضمير المتكلم (90) .

       أما في الرواية التي تروى بضمير الغائب، فالسمة الدلالية للدال ، فقد يركز على اختيار اسم العلم، وفي هذه الحالة حسب رأي "فيليب هامون" أنه من المستحسن على الكاتب أن يختار اسم العلم الذي يكون مؤشرًا واضحًا  للعلاقة بين الدال والمدلول، وأن تسم هذه السمة بالاتساع إلى حد ما، مع ثباتها، حتى تستقر في ذهن القارئُ من بداية الرواية إلى نهايتها. وعليه أن يتجنب الوقوع في التشابه بين دوال مختلفة لمدلول واحد، فمثل لذلك (أن سورال لا يمكن أن يصبح روزال أو بورال بعد أسطر قليلة).

       فذكـّر في هذا المجال المجهودات التي يبذلها الكاتب في اختيار أسماء الشخصيات، قد تستغرق مدة طويلة، مُستشهدا بزولا الذي تردد كثيرًا ، وهو يهيئ <<Au bonheur des dames >> بين "لويز" و"دفيز" كاسم البطلة (91) .

 

 

      غير أنه ، لاحظ أن الرواية المعاصرة، اتـَّخذت في اختيار أسماء الشخصيات منحى جديدًا، خاصة عند "صمويل بكيت" و "آلان روب قريي" حيث تتعدد أسماء الشخصية الواحدة في النص الروائي. كما قد تتعدد الشخصيات لاسم واحد، وقد يلجأ البعض الآخر إلى اختزال أسماء الشخصيات باستعمال الضمائر وأسماء الإشارة، كبدائل لاسم العلم. هوـ هم ـ هذا ـ الخ . كما اعتمد بعض الكتاب على حرف واحد كدال للشخصية مثل(K) عند فرانز كافكا (92) .

      إن هذه البدائل المختلفة التي تحتوي على السمة الدلالية الواحدة عبر النص بأحجام وتركيبات صوتية متفاوتة. تمكن الدارس أن يعرف أن الشخصية بأنها نسق من المعادلات في أفق ضمان مقروئية النص(93).

      انطلاقا من هذا يمكن التوقع من روائي واقعي ، أن يبذل جهودًا كبيرة ، من أجل تنويع السمات الدلالية لشخصياته المختلفة متحاشيًا أسماء العلم التي تتشابه من الناحية الصوتية ، كما أنه أشار إلى إمكانية توزيع السمة الدلالية  وفق(زاوية الرؤية) التي يسلطها السارد على شخصية ما. مثلا إذ كانت الظروف تكون فيها باريس ليست معادلا، ولا يمكن استبدالها بعاصمة فرنسا . كما يمكن حصر الأماكن التي يسمي " ستاندال" بطله "جوليان" ، والأماكن التي يسميه فيها الرجل الشاب، بطلنا ، صديقنا ، ومن أين يحدثه بضمير المخاطب المفرد "أنت" أو الجمع "أنتم" ، ومتى يتحدث عنه بالسيد سورال، أو ولدي الخ (94) .

        وبعد أن عرض مختلف الدوال ، والتي هي في العموم الأوصاف والنعوت وأسماء العلم، و الضمائر، وغيرها من البدائل . أشار إلى الضرورة التي دفعته إلى التمييز بين الدال و المدلول في عرض مقولة الشخصية. إنما هي من أجل توضيح التحليل لا غير .

      إن عملية توزيع الدال يمكن أن تصبح موضوعا للسرد بأكمله ، أو ذاتـًا للحكاية . بحث عن اسم العلم ـ بحث عن الأصول ـ بحث عن الأم أو الأب (أوديب في الرواية ).

      اختيار المؤلف الاسم لشخصيته ليس دائما من دون خلفية نظرية ، كما أنها لا تنفي القاعدة اللسانية حول اعتباطية العلاقة.  فالاسم الشخصي علاقة لغوية بامتياز ، فهو يحدد بكونه اعتباطيا أو لا. إن درجة الاعتباطية بين الدال والمدلول في مقولة الشخصية أقل منها في اللسانيات.

      4-4-2ـ ظهور دال الشخصية بطرق مختلفة:   

      إن التحليل يقوم بمهمة إبراز الحركية السيميائية التي تمتد من الأصوات المحاكية إلى المجاز مرورًا بالرمز ، والنمط ، والتشخيص الخ (95) . وبطبيعة الحال، إن التعليل يُبنى على " قيمة " الشخصية التي تعد سندًا لمجموعة من الأخبار المتوفرة في النص لحكاية (96) . وهذا التعليل يمكن أن يظهر من خلال دال الشخصية بطرق مختـلفة قد تكون :

       أـ بصرية . وذلك حسب القدرات الطباعية للغة المكتوبة مثلا في اللغة الفرنسية أن حرف"O" يمنح لشخصية ضخمة ، أما الحرف " i " فيمنح لشخصية نحيفة وهكذا .

       ب ـ سمعية باعتبار الأصوات المحاكية لحصر المعنى. قد تكون تباعا للترخيم، والإيقاع في السمة الدلالية.

       جـ ـ تمفصلية (عضلية) يتم الحصول على جذر الكلمة من خلال حركة تمفصلية. خاصة للأعضاء الكلامية، ويشكل ذلك حقلا. مورفودلاليًا منسجمًا غالبا ما يكون دور التقابلات،   ترخيم-نشاز. مفتوح  - مغلق . نطق سهل - نطق عسير. الحركات- الصوامت . هو تدعيم التقابلات السردية الوظيفية لتحديد شخصيات رئيسية ، شخصيات ثانوية (97) .

        دـ صرفية. في هذه الحالة يتم بناء أسماء العلم وفق قواعد اشتقاقية اعتيادية. بحيث يتمكن القارئ من التعرف على العناصر القابلة للتعيين. وللقارئ حق عزل اللواحق و السوابق داخل اسم العلم، ويقوم بدراسة هذه المورفيمات بطريقة استرجاعية وذلك حسب مدلول الشخصية وتصبح لديه هذه المورفيمات أدوات يستخدمها كمراجع استشرافية، يقوم من خلالها بتوقع الشخصية ومكانتها الاجتماعية وغيرها . وكل هذه العناصر تستغل كإ شارات ، تحيل على هذا المضمون الأخلاقي أو ذاك على هذا المضمون الجمالي، الإيديولوجي المقولب. (النبل، الوضاعة، الدناءة الخ)(98) . ويتم هذا التعليل بطبيعة الحال على أساس اختلافه مع سمات شخصيات النص الأخرى .

       إن الأسماء الاشتقاقية (الشفافة) التي تحمل دلالات، تستغل كتكثيف لبرامج سردية، أو تسبق وتصور بشكل قبلي قدر الشخصيات التي تحملها، فهذا الاستغلال والتأويل يؤدي دورًا في مقروئية الحكاية. إلا أنه في الوقت نفسه، لا تكون مقروئية الأسماء الشفافة تتفق مع تسميتها، فأحيانا يقع القارئ في خيبة. ففي قصة << صديقان>> لـ" موباسن" يسمي أحد البطلين، وهو صياد وتَجسيد للصداقة الحقة. بمتوحش (Sauvage) ، والعكس صحيح قد تكون شخصية سوداوية تحمل اسما يـُوحي بالودعاة والحلم(99) .

      4-4-3ـ الدراسات التي لا تهتم بمشكلة البطل:

       ثم تطرق إلى مشكلة البطل وكيفية تحديده بحيث بعض الدراسات تعده شخصية كسائر الشخصيات، لا تقيم وزنا للتمييز بين مصطلحي البطل والشخصية ، وبالتالي يصعب تحديد من هو البطل في الحكاية . ما هي المعايير التي تعتمد عليها في التمييز بين البطل و "الخائن" أو البطل المزيف. أو التمييز بين الشخصيات الشريرة .وكيف يمكن التمييز بين السعادة والتعاسة. وبين الفشل والانتصار...  فهذه الدراسات لا تهتم بهذه المشكلة وإنما تحيلها إلى:

        أ)- سوسيولوجيا: أو علم القيم (مشكلة استثمار القيم الإيديولوجية داخل ملفوظ ما). هي مشكلة تتعلق بتلقي النص ، وبتحديد هويته وإسقاطات القارئ. فهي إذن متغيرات تاريخية وثقافية(100).

       ب)- أسلوبية:(تحيل هذه الفعالية على أساليب سطحية ،لا تدخل إلى اللعبة البنية العاملية العميقة للملفوظ) فإن الأمر هنا يتعلق بمغالاة وتصويغ للملفوظ بعوامل خاصة. تركز على هذه الشخصية أو تلك بواسطة أساليب بلاغية مختلفة(101) .

        ومن ضمن أهم هذه الأساليب التي يتم بها تحديد البطل هي أساليب يمكن الإمساك بها وإدخالها في التحليل المحايث للملفوظ ، الأساليب التالية:

          4-4-4ــ الأساليب التي تدخل في التحليل المحايث للملفوظ:

          أ)ـ مواصفات اختلافية :

         تكون الشخصية هنا سنـدًا لمجموعة من المواصفات لا تملكها أو تملكها بدرجة أقـل الشخصيات الأخرى.

 ــ مشخص                                  غير مشخص

 ــ يحصل على علامة                       لا يحصل على علامة

  بعد مغامرة(جرح مثلا)

  - ملقب ، مكنى ، مسمى                      مجهول .     (102)

        ب)ـ توزيع تفاضلي.

       يتعلق الأمر بتقدير ظهور الشخصية بصورة أكثر تواترًا في اللحظات المميزة في القصة .

 ــ ظهور في اللحظات الحاسمة .                        ظهور في لحظات غير هامة .

 ــ ظهور مستمر .                                       ظهور وحيد أو على فترات (103) .

         جـ استقلال تفاضلي:

         يتعلق الأمر هنا أن الشخصيات لا تظهر في فضاء النص إلا وهي مع شخصية أو شخصيات أخرى، في حين يظهر البطل منفردًا أو مع أية شخصية أخرى (104) .

         د)ـ وظيفة اختلافية تفاضلية:

         هنا يتم تحديد البطل بمعنى من المعاني انطلاقـًا من متن محدد بشكل لاحق ولا يمكن دراسته إلا بالإحالة إلى مجموع السرد مثلا:

 ـ شخصية وسيط   يحل المتناقضات                       ـ شخصية غير وسيط .                           

   

  ـ تتشكل من خلال فعل                    ـ تتشكل من خلال قول فقط.

  ـ تنتصر عل المعيق .                    ـ تنهزم أمام المعيق (105) .

         هـ)ـ تعيين عرفي مسبق :

         يحدد هذا النوع البطل بشكل قبلي، فالبطل يحمل مواصفات معينة مشتركة بين الباث والمتلقي ، وهي تقوم بتقليص أفق انتظار . فأفلام الوستيرن مثلا: تشتغل الأقنعة ، الملابس، الأسلوب الكلامي.طرق الدخول إلى الخشبة: يملك هذا النوع كمجموعة من الإشارات تقوم بتعيين البطل دفعة واحدة(106).

         و)ـ التعليق الضمني:

        وقد يتم تحديد البطل من خلال تعليق ضمني، وهنا يتولى التحليل تحديد الأماكن التي يقوم فيها النص بطرح منظوره الخاص ويسمى البطل بطلا، أو الخائن خائنا . يقوم هذا الفعل ، أو ذاك كفعل خير أو كفعل شر . وباختصار فالنص يتحدث عن نفسه، عن بنياته بالتفصيل . ويـُعدّ هذا الاطناب كبؤرة مفضلة لتجليات الكفاءة الثقافية (التي يقوم سارد أو شخصية بتجسيدها) وتتمركز هذه الأهلية الثقافية في مراكز ثلاثة هي: 

        ــ اللغة: معرفة القول . خطاب شخصيات عن شخصيات أخرى .

        ــ التقنية: معرفة الفعل ـ إن النشاط التقني للشخصيات(عمل. نشاط مهني أو ثقافي). لقاء ذات بموضوعها هل كان بواسطة أدوات أو كان يدويـًا، ينتج عنه تعليق حول معرفة عملها نشاط متقن أو غير متقن.

        ـ العلاقة الاجتماعية : إن هذه العلاقة تكون دائما حسب عادات وتقاليد مجتمع ما، فالعلاقة بين الذوات تحدد بواسطة معايير ،فن الاستقبال أسلوب الظهور . آداب الأكل... الخ.

       تعليق حول معرفة آداب تعامل هذه الشخصيات.(مواقف مقبولة، غير مقبولة. فظة. رقيقة. محترمة. غير محترمة الخ)(107).

      أشار في الختام إلى أهمية الوصف (الديكور) للشخصية، أنه يمكن أن يعـدّ كعامل جماعي ، يجب أن يدرس بعناية . إن نهرا لا يمكن اجتيازه يمكن أن يكون عاملا معارضا للذات . وحديقة ما (خطيئة القس موري) قد تكون في آن واحد موضوعا للبحث ومرسلا للمعرفة ورغبة في الفعل إلخ. والوصف يستعمل أساليب  مثل :(تنتصب . تحفر . تتمدد ). إن الهدف من هذه الأساليب هو التأكيد على مركزية الإنسان في الحكاية والتداول الدلالي ما بين الوصف والسرد(108). هذه أهم اقتراحات "فيليب هامون" في معالجة الشخصية الروائية، وما يمكن ملاحظته، أنها ليس من الضروري تطبيقها جميعًا عند التحليل.             


هوامش الفصل الأول:

                                                                                                                                                                       1.  الصادق قسومة، طرائق تحليل القصة، دار الجنوب للنشر، سلسلة مفاتيح،عام2000. ص.97.

                                                                                                                                                       2.  عبد الوهاب الرقيق، في السرد، دراسات تطبيقية، دار محمد علي الحامي، تونس،عام1998.ص.126.

                                                                   3.  فيليب هامون، سيميولوجية الشخصيات الروائية، ترجمة سعيد بن كراد،تقديم عبد الفتاح كيليلطو، دار الكلام، الرباط، 1990 .ص.ص.15 .16.

                                                                                      4.   Hamon Philippe « pour un statut sémiologique du personnage poétique du récit EDT Seuil 1977 p:116.

                                                                                                                                               5.  حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي،المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.1،1990.الدار البيضاء ص.207.

                                                                                                                                                                                                                                                                      6.  عبد الوهاب الرقيق،المرجع السابق، ص.126.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  7.  المرجع نفسه، ص.128 .

                                                                                                       8.  ديفيد ديتـشس، مناهج النقد الأدبي، ترجمة محمد يوسف نجم، مراجعة إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1967 .ص. 49 .

                                                                                                                                                 9.  رشاد رشدي، نظرية الدراما من أرسطو إلى ألان، دار العودة، بيروت، ط.2. 1975. ص.ص.17. 18.

                                                                                                                                                                                                                                                                                    10. دفيد ديتـشس،المرجع السابق، ص.50.

                                                                                                                                                                                                                                                                           11. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.208 .

                                                                                                                                                                                                                                                                                  12. دفيد ديتـشس، المرجع السابق، ص.50.

                                                                                                                                                                                                                                                                            13. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص. 96.

                                                                                                                                                                                                                                                                           14. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.208 .

                                                                                                         15. عبد المالك مرتاض، نظرية الرواية(بحث في تقنية السرد)،سلسلة عالم المعرفة، ع.240. ديسمبر1998.  الكويت، ص.86 .

                                                                                                                                                                                    16. محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، ط.1، 1982. ص.571.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                17. المرجع نفسه، ص.562 .

                                                                                                                                                                                                                                                                     18. عبد المالك مرتاض،المرجع السابق، ص.104.

                                                                                                                                                                                                                                                                     19. عبد الوهاب الرقيق،المرجع السابق، ص.127.

                                                                                                                                                                                                                                                                              20. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.97.

                                                                                                                                                                                                                                                                     21. عبد المالك مرتاض،المرجع السابق، ص،104.

                                                                                                                                                                                                                                                                       22. عبد الوهاب الرقيق،المرجع السابق،ص.128.

                                                                                                                                                                                                                                                                              23. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.96.

                                                                                                                                                                                                                                                                      24. عبد المالك مرتاض، المرجع السابق، ص.91.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                       25. المرجع نفسه ص.91.

                                                                                                                                                                                                                                       26. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص. ص.127 . 128 .

                                                                                                                                                                                                                                                                              27. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.96.

                                                                                                                                                                                                                                                                      28. عبد المالك مرتاض، المرجع السابق، ص.97.

                                                                                                                                                                                                                                                                   29. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.128.

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                                                                         30.     Hamon Philippe, pour un statut sémiologique du personnage    p143 

                 31. ناثان سكوت، صمويل بيكيت، ترجمة مجاهد عبد المنعم، سلسلة أعلام الفكر العالمي   (المجموعة الأدبية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط.1، 1974. ص.30.

                                                                                                                                                                                                                                                                   32. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.114.

                                                                                                                                                                                                                                                 33. عبد الوهاب الرقيق، المرجع نفسه، ص.ص.149 .150.

  34. Oswold  Ducrot  et Tzvetan Todorov , dictionnaire encyclopédique des sciences du langage,                 EDT col point 1973 page 290 . 291

                                                                                                                                                                                                                                                                             35. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.219.

                                                                                                                                                                                                                                                                   36. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق.ص.151 .

                 37. حسين مزدور، مقاربة سيميائية قـصصية، التركيب العاملي، في رواية نهاية الأمس، لعبد الحميد بن هدوقة، ملتقى السيميائية والنص الأدبي، عنابة، 1995. ص.311.

                                                                                                                                                                                                                                                                    38. عبد المالك مرتاض، المرجع السابق، ص.92 .

                                                                                                                                      39.                 Hamon (Philippe) ,pour un statut sémiologique du personnage page 128

                                                                                                                                                                      40.                                                                              ibid. page 125

                                                                                                                                                                  41.                                                                        ibid. . page 161-162

                                                                                                                                                                    42.                                                                            ibid. . page 118 

                                             43. يمنى العيد، دلالات النمط السردي، في الخطاب الروائي، تحليل رواية(رحلة غاندي الصغير)، ملتقى السيميائية والنص الأدبي، عنابة، 1995. ص.238.

                                                                                                                                                                                                                                                                              44. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.30.

                                                                                                      45. حميد لحمداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط.3، 2000.

                                                                                                                                                                                                                                                                             46. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.211.

                                                                                                                                                                                                                                                                 47. حميد لحمداني، المرجع السابق، ص: 23 . 24 .

                                                                                                                                                                                                                                                                   48. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.148.

                                                                                          49.    Oswold  Ducrot et Tzvetan Todorov, dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, p 291

                                                                                                                                                                                                                                                                 50. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.151 .

                                                                                                                                                                                                                                                                               51. حميد الحمداني، المرجع السابق، ص.52.

                                                                                                                                                             52. إبراهيم صحراوي، تحليل الخطاب الأدبي، دراسة تطبيقية، دار الأفاق، الجزائر،1999. ص.154.

                                                                                                                                                                                                                                                                                 53. حميد لحمداني، المرجع السابق، ص.52.

                                                                                                                                                                                                                                                                            54. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.99 .

                                                                                                       55. دليلة مرسلي، والأخريات، مدخل إلى التحليل البنيوي، دار الحداثة للطباعة و النشر والتوزيع، ط.1 ،1985.ص:97 . 98 .

                                                                                                                                                                                                                                                                   56. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.153.

                                                                                                                          57. Oswold  Ducrot et Tzvetan Todorov,  page 286.                                                                       

 

 

 

 

 

                                                                                                                                                                                                                                                                             58. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.213.

                                                                                                                                                                           59. محمد ساري، التحليل البنيوي للسرد، المبرز، مجلة أدبية فكرية، ع.11.عام.1998.ص.21.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   60.  المرجع نفسه، ص.21.

                                                                                                    61. رشيد بن مالك، السيميائية بين النظرية والتطبيق، رواية نوار اللوز نموذجًا، تلمسان،1995. رسالة دكتوراه لم تنشر، ص.78.

                                                                                                                        62. يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي،بيروت، ط.2، 1999.     ص:52 . 53 .

                                                                                                                                                                                                                                                                   63. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.146.

                                                                                                                                                                                                                                                                  64. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص:75. 76 .

                                                                                                                                                                                                                                                                65. رشيد بن مالك، المرجع السابق، ص: 77 . 78 .

                                                                                                                                                                                                                                                                                 66. حميد لحمداني، المرجع السابق، ص.42.

                                                                                                                                                                                                                                                                   67. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.150.

                                                                                                                                                                                                                                                                           68. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.109.

                                                                                                                                                                                                                                                                 69. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص. 150.

                                                                                                                                                                                                                                                                                 70. حميد لحمداني، المرجع السابق، ص.42.

                                                                                                                                                                                                                                                                              71. الصادق قسومة، المرجع السابق، ص.84.

                                                                                                                                                                                                                                                    72. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص:150 . 151.

                                                                                                                                           73. Hamon philippe. pour un statut sémiologique de personnage(de la page168 à 180)

                                                                                                                                                                                74.                                                                             ibid. . p117

                                                                                                                                                                                                                                                                         75. فيليب هامون ، المرجع السابق، ص:18.19.

                                                                                                                                                                                                                                                                   76. عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص.138.

                                                                                                                                                 77.             Hamon Philippe, pour un statut sémiologique de personnage, page 128

                                                                                                                                                                                                                                                                             78. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.216.

                                                                                                                                                                                                                                                                       79. فيليب هامون، المرجع السابق، ص:22 . 23.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                     80. المرجع نفسه،  ص:24 . 25 .

                                                                                                                                                                                                                                                                             81. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.213.

                                                                                                                                                    82.          Hamon Philippe , pour un statut sémiologique de personnage , p125.126

                                                                                                                                                                                                                                                                                 83. فيليب هامون، المرجع السابق، ص. 28.

                                                                                                                                                                                                                                                                             84. حسن بحراوي، المرجع السابق، ص.245.

                                                                                                                                                     85.                Hamon Philippe, pour un statut sémiologique de personnage, p134.

                                                                                                                                                                                                                                                                               86. فيليب هامون ، المرجع السابق،  ص.38.

                                                                                                                                                                                                                                                                     87. إبراهيم صحراوي، المرجع السابق، ص.101.

                                                                                                                                                                                                         88. فيليب هامون ، المرجع السابق، صفحات:33 . 34 . 35 . 38 . 39 . 40 .

 

 

 

 

 

 

                                                                                                      89.                Hamon  Philippe , pour un statut sémiologique de personnage , de la page 13 6 à 142

                                                                                                                                       90.                                                                              ibid. ,de la page142 à 143.

                                                                                                                                                                                                                                                                           91. فيليب هامون ، المرجع السابق،   ص. 49.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                             92. المرجع نفسه،      ص.50

                                                                                                                                                                                                                                                                                                             93. المرجع نفسه،      ص.50

                                                                                                                                                                                                                                                                                                 94. المرجع نفسه،      ص:51 . 52

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           95. المرجع نفسه،      ص.53.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                         96. المرجع نفسه،      ص. 53.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           97. المرجع نفسه،      ص.54.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           98. المرجع نفسه،      ص.55.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           99. المرجع نفسه،      ص.56.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           100.المرجع نفسه،     ص.58.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           101.المرجع نفسه،     ص.59.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           102.المرجع نفسه،     ص.61.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           103.المرجع نفسه،     ص.62.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           104.المرجع نفسه،     ص،62.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           105.المرجع نفسه،     ص.65.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                           106.المرجع نفسه،     ص.67.

                                                                                                                                                                                                                                                                                    107.المرجع نفسه،     ص. ص.67 . 68.

                                                                                                                                                                                                                                                                                       108.المرجع نفسه،     ص: 72 . 73.


الـــفـصــل الــثـانـــــي

الـشـخـصـيـات الـمرجـعـيـة

 

1/ـ الشخصيات ذات مرجعية تاريخية

1-1) الشخصيات السياسية

  1-1-1: ضريح أجدار

   1-1-2: الدولة الرستمية

    1-1-3: الدولة الفاطمية

   1-1-4:مقاومة الأمير عبد القادر

    1-1-5: الثورة التحريرية

    1-1-6: التواجد التركي

    1-1-7:  الاستعمار الفرنسي

1-2) الشخصيات الثقافية

   1-2-1: فكرية أدبية دينية

    1-2-2: موسيقية غنائيـــة

 

2/ـ الشخصيات ذات مرجعية اجتماعية

     + جــيــران الــشــاعـر

 

3/ـ الـشـخــصـيـات المجازيـة

     + الـــجـــهـــل

 

4/ـ الـشـخـصـيـات الأسطوريـة

     + الولي سيدي بولزمان 


                   الــشــخــصــيـات الــمـرجـعــيــة

        إن "فيليب هامون" صنف الشخصيات إلى ثلاث فئات ، وفي رأيه أنها كافية لتغطية النص الروائي، وأولى هذه الفئات:

   ـ الشخصيات المرجعـية : تدخل ضمنها الشخصيات التاريخية، والاجتماعية،والشخصيات المجازية والشخصيات الأسطورية .

1/ـ الشخصيات ذات مرجعية تاريخية :

       وهي في الأصل تنتمي إلى التاريخ، ويتنوع هذا النوع إلى عدة أنواع ممكنة ،مثـل المرجعية السياسية، أو المرجعية الدينية (الصحابة والأئمة) أو المرجعية الثقافية مثل أهل الأدب والغناء، وغيرها، من مجالات الثقافة المندرجة في التاريخ، ولا يخفى على أحد أن بعض الشخصيات ذات أكثر مرجعية، وذلك عندما يكون لها في التاريخ أكثر من وجه.(فعلي بن أبي طالب، قائد وسياسي وإمام)(1)

       إن هذه الأنواع تحيل على معنى ثابت قار، تفرضه ثقافة ما. بحيث تتحقق مقروءيتها، حسب مشاركة القارئ في استيعاب تلك الثقافة ولذلك على الدارس، أن يوضح تلك الخلفية المعرفية التاريخية لهذه الشخصيات. لأن اندماجها في الملفوظ الروائي، يجعلها تعمل أساسا على التثبيت المرجعي، وذلك بإحالتها على النص الكبير الذي تمثله الثقافة (2) .

1ـ1 ـ الشخصيات السياسيــة :

      إن "الطاهر وطار" في روايته < الشمعة والدهاليز> لم يكن هدفه تاريخيا بحتـا. فالشخصيات التاريخية المذكورة ، لها شأن آخر غير التاريخ ، فتوظيفها يعطي بُعدا خاصا للمغزى المعبر عنه في الرواية ، ويساعد على الإحاطة به .

      وما يجب الإقرار به منذ البداية أن الشخصيات ذات المرجعية التاريخية السياسية في الرواية كثيرة ، ولا يمكن الإحاطة بكل واحدة منها ، وإنما سيقتصر التركيز في هذه الدراسة على البعض منها، التي تبدو من خلال توظيفها أكثر دلالة في سيرورة موضوع أحداث الرواية .

     الشخصيات المعتمدة في هذه الدراسة . قد ذكرت في النص إما آثار تاريخية هامة ، وإما أسماء لشخصيات أسندت لها بعض الصفات، أو بعض الأعمال التي أنجزتها، أو نسبت إليها بعض الأقوال. وهي مذكورة فقط دون أن تشارك في الأحداث .

 

 

 


1 الـشـخـصـيـات الـمـرجـعـيـة الـسـيـاسـيـة

 

أ/ـ المرجعيات الجماعية :  ـ ثــنــائــيــات ضــديـــة:

ضـريــح أجـــدار 490 *

 
 

 


 الـونــدال

 

429 م 533 م*2

 

 الـدولة الـرسـتـمية:  776ـ909

 
 

 

الدولة الفاطمية : 10م ــ 12 م

 

 الـعـهـد الـعـثـمـانـي

      1516 ــ 1830

 

 الاســتعمار الـفـرنســي

     1830 ـــ 1962

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ب/ـ المرجعيات الفردية :

ــ ثـنــائـيــات تــكـامـلـيــة:

الرجـالـيـة

 
النسائية
 
  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


-1-1ــ ضريح أجدار:§

     ورد ذكر ضريح أجدار في ملفوظات شخصية الشاعر مرة في بداية الرواية والشاعر في حالة انفصال عن الموضوع ، وهو معرفة مصدر الأصوات التي تمزق سكون الليل ، فهو يستوضح ماذا حدث ، وقد جعل نفسه في احتمال أن يكون أحد أضرحة أجدار، كونه مجموعة من الدهاليز (3). ومرة أخرى ذكر ـ أنه مهمل ـ لما تبين له أن الأصوات معروفة عند كل الجزائريين واللحن معروف أيضا إلا أن الكلمات مبهمة  ، وقد ربط ذلك بغموض هذا العصر المخيف. رغم أنه منار بشتى أنواع المعرفة (4). وذكر مرة ثالثة بلسان الراوي /المؤلف / وهو بصدد وصف حالة الشاعر بعد رجوعه إلى المنزل، وقد تضمن هذا الوصف . أن كل ما في الدار مهمل، ومعطل، أشير إلى ضريح أجدار على أنه رسم حاول الشاعر وضعه لأحد أضرحة  بني أجدار على ضوء وصف أحد الرسامين الأجانب له (5) .

     و"ضريح أجدار" كما ترويه كتب التاريخ ، هي معالم جنائزية بربرية التصميم عددها ثلاثة عشر معلما ، وهي تتوزع على مجموعتين تختلفان من حيث القيمة التاريخية ، ويقع بضواحي تيهرت.

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ [§:ضريح أجدار هي معالم جنائزية بربرية التصميم عددها ثلاثة عشر معلما ،ثلاثة منها توجد بالجبل الأخضر والعشرة الأخرى بجبل عراوى بفرندة ومدروسة ، تتوزع على مجموعتين تختلفان من حيث القيمة التاريخية، المجموعة الأكثر قدما تقع بالناحية الشمالية وهي المباني الجنائزية الموجودة بالجبل الأخضر والمجموعة الأخرى تتمثل في مقبرة " ترناتن" أكبر معلم بها يطلق عليه " بكسكاس " ويليه من حيث الأهمية "تيملوس" يعود إلى سنة 490 حسب الكتابة الحجرية التي وجدت بقرية قريبة .

كما تحوى هذه الأجدار على معالم ثقافية صحراوية أكثر منها تلية لوجودها على هامش التل المحاذاة لليماس الروماني كما أن هناك مصادر في كتاب الحروب الوندالية الذي يرجع بناء الأجدار إلى الأمراء الذين سيطروا على بربر موريطانية كما تنسبها إلى عائلة " ماسونة"  التي حكمت جزءا من غرب الجزائر في القرن السادس بعد الميلاد و"تعرضت الأجدار " إلى التشويه من قبل المستعمر الفرنسي عن طريق إعادة استعمال الحجارة في ترميم هذه المعالم بما يفقدها طابعها البربري وهي وسيلة لمحو المعالم الثقافية الخصوصية للجزائر ، والتي يِؤكدها نص قديم للمؤرخ الكبير بروكوبيوس في كتابه حول الحروب الوندالية الذي يشير إلى الملك (مسونة) الذي حارب فانح المغرب عقبة بن نافع مرتين بما يعني أن الأجدار وجدت كمعالم بربرية عبر التاريخ وليس كمعالم مسيحية كما أراد لها الفرنسيون أن تكون وهناك من يشبه الأجدار بالأهرامات المصرية وهي لا تشترك إلا في كونها معالم جنائزية لكنها تختلف في باقي النواحي سواء الأحقاب التاريخية أو طريقة تواصل الأجيال مع هذه المعالم .

           أ.ع.م رفاسي ــ الأجدار تيارت ، (أهرامات الجزائر يهددها الضياع ).    الخبر اليومي17 /12 / 2000 .

 

 

 

 

 


     اعتـُمد" ضريح أجدار" شخصية مرجعية في هذه الدراسة نظرًا للقيمة التاريخية لهذه الآثار في تاريخ الجزائر الحضاري التي تـُعـدّ إثباتا لوجودها عبر التاريخ، وأيضا أن مفهوم الشخصية عند الشكلانيين <<إنها شكل قائم>> وهو المفهوم نفسه الذي يتبناه "تودوروف"  واعتمادا على ذلك اعتبرت "المدينة" شخصية في كليلة  ودمنة (6)  .

       رغم أن فضاء النص الذي ورد فيه صغير بالنسبة لحجم النص الروائي. إلا أن الأهمية تكمن في توظيفه المتنوع . يقول "رولان بارث" في هذا المعنى: إن إشارة الكاتب إلى شيء ما بصورة عابرة في السرد . لابد أن يكون لها معنى فيما سيأتي من السرد، وينبغي أن تنتظران يكون لذلك الشيء دور فيما يأتي من بقية السرد (7).

      إن ارتباط ذكر "ضريح أجدار" بالشخصية المحورية في الرواية فتوظيفه، في النص يكون حسب رؤية هذه الشخصية إلى القضية التي تعرضها الرواية. فشخصية الشاعر، تعيش أوضاع الجزائر معايشة واعية ،ومأساة الجزائر أسبابها كثيرة في نظر هذه الشخصية .

        تلتزم الدراسة في توظيف "ضريح أجدار " حسبما تحتمله الصورة السياقية ، وليس بكل معانيها، ففي هذا المجال يقول : "رشيد بن مالك": << الصورة المعجمية السياقية ، وليس بكل معانيها الممكنة باعتبارها من الطبقات الدلالية المنظمة ، والصورة السياقية هي نتاج استغلال إمكانية من إمكاناتها الدلالية (8)>> .

        السمات السياقية الممكنة لضريح أجدار هي على التوالي:

       الضريح: مبان جنائزية علامة على كثرة الموتى نتيجة كثرة الحروب أي أن الأجانب الأعداء يتكالبون على الجزائر منذ القدم. فالجزائر عانت ويلات الحروب، ومازالت تعاني، والوضعية التي يتحدث عنها المؤلف بلسان الشاعر تذهب في هذا الاتجاه . فإن للعدو الأجنبي ضلع في مأساة الجزائر اليوم . قد ورد في النص أكثر من وقفة، تدعم هذا الرأي ، فمثلا ما جاء في الصفحة الثالثة و السبعين بلسان الشاعر: << ليس هناك سوى الجزائر فـليرقص، ليرحل عبر الأزمنة ،والأمكنة، خاطرة تاريخية. هاهنا جمال القبائل الصحراوية المغيرة يربض تحتها المحاربون البربر. هاهنا خيول الوندال النافرة من رائحة الجمال. المحنة الأبدية لهذا الشعب الذي لم يسترح يوما. هاهنا عيون الذئب المطارد عبر القرون تحدق في الفريسة بعد أن انهارت .

ها هنا الجزائر>>. لعل وضوح هذه الفقرة تغني عن أي تعليق .

 

 

       الضريح: مبان جنائزية علامة على مدى تطور حضارة مجتمع هذا الضريح . فهذه الآثار تبرز الإنجازات القائمة منذ زمن بعيد . فهي مبان تضاهي أهرامات مصر في العظمة . إذن هي مبعث اعتزاز، ومفخرة بهذا التاريخ العريق . هذه الحضارة الراقية في هذه الفترة الزمانية البعيدة . كفيلة بالرد على من ينفي عراقة هذا الشعب وأصالته وحضارته .

       الضريح:قد يعني الجزائر الحالية، وقد وصف الضريح بالدهاليز التي ترمز للظلام وهو يوحي بالأخطار المحدقة بالجزائر. فالضريح مهمل وكذلك الجزائر . وقد حل بها الخطر. أشير إلى هذا المعنى في الرواية. لنتأمل هذا الوصف لحديقة منزل الشاعر الوارد في الصفحتين الثالثة عشر والرابعة عشر . يقول المؤلف / الراوي/:

           << فتح الباب، فداهمه نور خافت من أنبوبة بعيدة ، تركها بعض الجيران ما متقدة ، سحب الباب بقوة و أنحني ... ونزل يقطع المسافة القليلة بين باب الدار ، وبين باب الحديقة الصغير المهملة ، من جميع الوجوه ، فبابها بدون قفل ، ويكتفي بإغلاقه أحيانا بسلك، وأحيانا بخيط، صبار، وأحيانا بحجيرة صغيرة . يسندها في الأسفل ، والحق أنه لا ضرورة لأي قـفل أو حتى للباب ذلك أن سياج الحديقة ، إذا صحت تسميته بالسياج . يمكن أي واحد اقـتحامه من جميع جهاته، والحديقة لا غرس فيها ماعدا شجرة واحدة برية لم يهتم بها أحد ليعرف اسمها أو ليعطيها اسما. أما الأرض فهي البور الحقيقية المتجسدة لمن لا يعرفها >> .

         من خلال قراءة هذا الوصف، يمكن استنتاج التأويل السابق دون عناء. وهو اعتبار الضريح المهمل الجزائر الحالية ، ففي هذا الوصف تظهر درجة الإهمال والارتجالية في معالجة الأمور. فهي عرضة لأي خطر. فالدهاليز التي وصف بها الضريح يقصد بها الأخطار المحدقة بالجزائر.وهكذا تتضافر الإشارات المبثوثة في النص الروائي ، وهي تتكامل لتعطي المعنى السياقي في مسار أحداث الرواية .

          الضريح: قد يعني النهاية المأسوية التي تصيب الشاعر في نهاية الرواية.

قال:<<أكون أحد أضرحة أجدار >>  مما لا شك فيه الضريح يشير بوضوح إلى الموت ،فمن خلال الجو العام القاتم المليء، بالظلام والخوف الذي بدئت به الرواية توحي بمصير الشاعر .

         يقول "فيليب هامون": << إن معنى العلامة ما داخل ملفوظ محكوما بكل السياق الذي يقوم بانتقاء وتحيين دلالته . فمن دلالات أخرى ممكنة نظريا بإمكاننا أن نتوسع من مقولة السياق هذا لتشمل نص التاريخ ونص الثقافة .

 قد يكون الدور داخل الحكاية أمرا متوقعا أي محددًا بشكل قبلي في خطوطه العريضة بتاريخ سابق ومكتوب .فالنهاية التعيسة "لنانا" باعتبارها ابنة لـ"جرفـيس" .نهاية مبرمجة بشكل سابق>>(9).

    1-1-2ـ الـدولـــــة الـرسـتـمـيـة§

         في سياق معنى ضريح أجدار ، وردت في النص الروائي شخصية تاريخية أخرى تعد تدعيما للمعنى العام الذي تم توظيف ضريح أجدار له .

         ارتبطت هذه الشخصية المرجعية أيضا بالشاعر شأنها في ذلك شأن الشخصية السابقة. حيث ورد ذكرها على لسانه تأكيدًا للحلم الذي راود " عمار بن ياسر" (شخصية واصله لها أهميتها في بناء الرواية، سيتم التعرف عليها لاحقا) وكانت أمنية "عمار بن ياسر" إنجاز دولة إسلامية في هذه الأرض المباركة << ننجزها شجرة مباركة  لا شرقية لا غربية >> يقصد بها الجزائر. قال  له الشاعر: <<لقد كان المغرب الأوسط باستمرار يحقق المستعصيات .الخوارج لم يستطيعوا إقامة الدولة إلا هنا، فكانت "الدولة الرستمية  >>(10). وهذه الدولة عرفت في التاريخ ببعض المميزات الحضارية .

 

 

 ـــــــــــــــــــــــ

  مميزات الدولة الرستمية

·      تيهرت عاصمة لها 776 - 909 م

·      مبدأ الإمام في الحكم . نظام لا يقيم لقضية الوراثة في الحكم وزنا.

·      نظام ديموقراطي شعبي .شيوخ القبائل يمثلون الرعية لدى الإمام. الجيش قائم على فرق المتطوعين عند الحاجة .

·      لم تكن لها أهداف توسعية، اعتمدت سياسة حسن الجوار، حل الخلافات بالوسائل السلمية .

·      تشجيع حرية الرأي باعتباره الأساس السليم الذي تزدهر عليه الثقافة .اشتهرت بمكتبتها الغنية (المعصومة)

·      كانت تعقد في مساجدها المناظرات الأدبية والدينية .

·      الاهتمام بعلوم النحو والبلاغة لنشر اللغة العربية .

·      أجاد علماء تيهرت اللغات البربرية المحكية واستفادوا منها قواعد النحو المقارن .

·      الأئمة (الحكام) علماء.

   عبد الرحمان بن رستم من كبار العلماء في عصره (علوم اللغة والدين والفلك).

   الإمام عبد الوهاب محب للعلم .

   الإمام أفلح عالم في الحساب والفلك وكان أديبا شاعرًا .

   مشاركة المرأة في الحركة العلمية .وهناك من نبغن في العلوم .أخت الإمام أفلح التي برعت في علم الحساب و الفلك .

كتاب التاريخ ـ السنة الثامنة من التعليم الأساسي ـ الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية 1991/1992.ص101إلى104.

     

        فذكر الدولة الرستمية في هذا المقطع السردي بالذات . الذي تم فيه التعرف على الشخصية "عمار بن ياسر" والمقطع عبارة عن حوار بين الشاعر وعمار بن ياسر .ورد على لسان عمار "أن مشروع الحركة هو إنجاز دولة إسلامية تخالف ما أنجزته المعتقدات الوضعية .

فكان تدخل الشاعر تدعيما لهذه الأمنية بحيث يمكن تحقيقها إلا أن هناك عوائق تعترضها .قال الشاعر: <<أنا أتصور أنك تطمح إلى اقتحام دهليز خطير والتعرية على سراديب لا متناهية >>

ومن جهة أخرى ذكـّره أن مثل هذه الدولة التي يحلم بها قد عرفتها الجزائر في حقبة زمانية معينة . وكأن الشاعر يعرّفه بشيء يجهله عمار بن ياسر .

إن هذه الشخصية ،تقوي ما ذهبت إليه الدراسة في تأويل ضريح أجدار. فهي أكبر علامة للدلالة على تعاقب فترات مضيئة على هذه الأرض . فذكرها يُزيل أي شك في حضارة هذا الشعب الذي عرف تداول دول لها شأن في مسار التاريخ الحضاري ، فالدولة الرستمية إذن بمميزاتها الحضارية سجل آخر يضاف إلى قائمة المنارات التي عرفتها الجزائر . ولعل ارتباط الدولة الرستمية  بتيهرت يجعلها تمتن العلاقة بينها وبين الشخصية السابقة " ضريح أجدار " .

  1-1-3ــ الدولة الفاطمية (11)

       في المقطع السردي السابق الذي ذكرت فيه الدولة الرستمية. ورد ذكر الدولة الفاطمية بلسان الشاعر أيضا ، وفي المعنى نفسه بحيث قال : <<الشيعة لم ينجزوا حلمهم إلا عندنا فكانت الدولة الفاطمية >> . في ذلك إشارة إلى مكانة هذه الدولة التي استطاعت، أن تبسط نفوذها على معظم أقاليم الخلافة الإسلامية ، وكان لها الفضل في بناء القاهرة وتأسيس أول جامعة، وهي <الأزهر الشريف>.

        فقد أوردها المؤلف بعد ذكر الدولة الرستمية استكمالا لتبيان مساهمة الجزائر في ازدهار الحضارة الإسلامية ، وكذلك فيها إشارة إلى ارتباط تاريخ الجزائر بالمشرق العربي الإسلامي بمقومات مشتركة، اللغة، والدين، والتاريخ. وفيه أيضا إشارة إلى معضلة توظيف الدين في قيام الدولة وانقراضها. فكثيرًا ما كان الدين محل صراع. فقد ورد تساؤل على لسان إسماعيل أبي عمار بن ياسر ، حول هذه القضية في حوار حول مفهوم الدين قال :<< لمَ انقرضت الدولة الفاطمية التي قامت عندنا ؟ >> (12) .

 

 

 

 


     1-1-4ـ  مقاومة الأمير عبد القادر

ذكرت هذه الشخصية في معرض الحديث عن واقع الجزائر الثقافي حيث أفرغ الشعب من ثقافته الأصيلة ، وما بقي له إلا الدين ولذلك استعان الأمير بالدين في مقاومته ، وورد ذكر الأمير على لسان الشاعر (13) . وأشير إليه مرة أخرى بلسان الشاعر أيضا عند الحديث عن خصوصيات الجزائري الفريدة في العالم (14) . إنه يصعب على أي فرد أن يكون جزائريًا وذكر ضمن الشخصيات التاريخية وتحديدًا بعد خير الدين بربروس ، ثم أورده النص مرة أخرى على لسان الشاعر ، وهو يحدّث نفسه بأمور كثيرة  من بينها الحديث عن تاريخ هذا البلد . إذ قال : << في هذا البلد ظل تاريخ ثورات الجماهير الشعبية مرتبطـًا بالقديسين ورجال الدين من عهد دوناتيوس إلى عهد المحاربة التي لا يعرف لها اسم غير الكاهنة إلى عهد المرابط عبد القادر الذي نصب نفسه أميرًا (15)>> .

        وتكررت مرة رابعة وهي مرتبطة بشخصية الشاعر أثناء استـلـقائه على السرير في انتظار النوم، وقد مرت إذ ذاك بخياله أمور مختلفة كثيرة من بينها حياته الخاصة . الوحدة التي يعيشها . العزلة .العزوبة . الزواج ... فقال الراوي /المؤلف/ :<< ونام على مرأى من الجميع القديس دوناتيوس، الأمير عبد القادر، الأمير خالد،  البدو، البربر، ...>> وأردف ذلك بشخصيات ثقافية، وفكرية، ودينية عالمية مختلفة الاتجاهات (16) .

        لعل ما يلفت الانتباه في ذكر مقاومة الأمير عبد القادر. أنها ذكرت باسمه الخاص . فالمقاومة رغم تعدد إيجابياتها في تاريخ الجزائر الحديث . إنها تـُعَدُ بمثابة انبعاث جديد للدولة الجزائرية التي غابت منذ مدة طويلة . وتعد مقاومة الأمير عبد القادر حلقة مضيئة في تاريخ الجزائر خلال القرن التاسع عشر ، ولعل ما ميزها عن غيرها من الانتفاضات، كونها نوعت من الوسائل في المقاومة ضد فرنسا. إذ استعملت أسلوب الحرب، وبناء الدولة، والدعم الدبلوماسي من الخارج . إلا أنها ارتبطت بشخصية الأمير أكثر من ارتباطها بالشعب الجزائري إذ كادت تتوقـف بأسر الأمير ، وقد ورد ذلك في ملفوظات الشاعر تلميحا في الصفحة الثامنة والستين " الأمير يركب بارجة" و الصفحة المائة والثالثة والأربعين < عبد القادر الذي نصّب نفسه أميرًا>. النص لا يرى في ذلك انتقاصا من شأن المقاومة لكنه يشير إلى أن الأمير، والشعب الجزائري وُجدا في فترة زمانية على أرض قاحلة من الوعي السياسي .

إن المهم في الدراسة هو توظيف هذه الشخصية في مسار النص الروائي . إن مقاومة الأمير عبد القادر لا يختلف فيها اثنان. كونها منارة في تاريخ الجزائر الحديث ، فهي من المرجعيات التي يستلهم منها الجزائري أصالته واعتزازه بالانتماء إلى هذه المقاومة،

التي تضاف إلى المنارات الأخرى السابقة . إنها انطلقت من العدم، واستطاعت أن تسجل صفحات جديرة أن تنسب إلى تاريخ الجزائر العريق.

       من خلال هذه الشخصية أيضا إشارة قوية إلى تعلق الجزائري بدينه. إذ يقول النص أن الجزائري قد يتساهل في كل شيء إلا الدين، فهو راسخ في هذا الوطن عبر القرون وتكاد تكون كل الدول التي تعاقبت على الجزائر، اعتمدت عند قيامها على عنصر الدين، وكان مصدر قوتها. إلا أن الدعوة إلى قيام دولة دينية في زمن أحداث النص، لا يخلو من مخاطر . فالجو العام يملؤه الجهل وكثير من الدعاة إلى قيامها لا يعرفون من الدين إلا: << إن شاء الله>> و<<السلام عليكم>>. فالجهل لا يبني الدولة، وقد أشير إلى ذلك في أكثر من مرة. مثل ما ورد في النص << الجهل يعم، السطحية تعم ،الدجل يطغى>> (17) .

         وفي مكان آخر <<...الانتهازيون يركبون موجة الدين، الأجهزة تنشئ أحزابها، وتستعمل

إسلامها، المهمشون في الحياة يظنون أن حجة، وجبة، ولحية ،وإن شاء الله، والسلام عليكم. تصنع مسلما شريفا >> (18) .

    1-1-5ـ  الثورة التحريرية 

     إن الثورة التحريرية باعتبارها شخصية مرجعية. وردت في النص الروائي مبثوثة في صفحات عديدة. لذا لا يمكن حصرها، لا سيما أن الدراسة تعدّ كل ما له علاقة بالثورة مرادفـًا لها.

      هذه الشخصية ـ إذن ـ لم ترد بمصطلح واحد فقط . فحينما يذكر لفظ مجاهد، أو شهيد، أو حكومة الثورة،  أو معركة ما، أو غيرها من الألفاظ. يعتبر ذلك تكرارًا لذكر الثورة التحريرية . على أساس ذلك ستكتفي الدراسة بذكر أمثلة من النص دون الحصر .

        ورد مصطلح الثورة التحريرية " في أماكن مختلفة ، فمثلا عند الحديث عن مقاومة الأمير عبد القادر الذي استعان بالدين لجمع المبايعين له. حيث كانت الفترة قاحلة من كل مقوّمات المقاومة إلا الدين. << فكذلك الثورة التحريرية استعانت به>>(19) . وأيضا عند الحديث عن الانتهازيين في الاستقلال .<< الفلاحون الذين ساهموا في الثورة التحريرية >> (20). وذكرت مرة أخرى حينما أشار النص، أن الشرف يقاس بقدر المساهمة في< الثورة التحريرية>(21) أما المصطلحات الأخرى، فهي كثيرة و هذه بعض النصوص كأمثلة:

       << حركة التحرير الوطني وقودها الجماهير الشعبية من الريف، والقرى، ومن فقراء المدن. القيادة من النخبة المثـقـفة بثقافة المستعمر. أنجزت القطيعة مع الاستعمار، ولم تعر لمسألة اللغة ما تطلبه من الاهتمام >> (22) .

      << الدنيا حرب صعد جميع القادرين على حمل السلاح، وبقيت رجل القرية (الشاعر) ولد الحادية عشر >> (23) .

     << دم الشهداء ذهب هدرًا >> (24) .

     << يكون شهداؤنا مجرد جسر عبرناه من حالة نحو حالة أخرى>> (25) .

     << ولهذا لم يقتله المجاهدون (مدير المدرسة التي تعلم فيها الشاعر) في اعتقادهم أنه يحب العرب كثيرًا >> (26) .

     << أبوه إسماعيل (أبو عمار بن ياسر) أحد قادة الثورة المسلحة خاض معارك عديدة عمل مع الشهيد مصطفى بن بولعيد ــ رحم الله ــ على بث الروح الوطنية >> (27) .

       << لكن بالنسبة إليكم "دوغول" لا يعني كذلك الرجل الطيب إنه ينظر إلى مصلحة فرنسا في المستقبل >> (28) .  

       << أن تترأس بعد اثنتين وعشرين سنة فقط من موقفك هذا الذي لم يتغير حكومة الثورة الوطنية>> (29)

      لعل أهمية هذه الشخصية تكمن في توزيعها على فضاء النص الروائي، حيث تكاد لا تخلو صفحة من ذكرها، بل أن جزءًا من أحداثها وقعت أثناء الثورة. وهي طفولة الشاعر . فكانت عبارة عن تسجيل لأحداث الثورة، ومنها أيضا ذكر قصة <العارم> مع الضابط الفرنسي . فهذا التركيز على ذكر الثورة ، لم يكن مجرد إطناب . الثورة تعد من أهم إنجازات الشعب الجزائري في القرن العشرين، فكثير من الشعوب عرفت الجزائر من خلال هذه الثورة . هي إذن من المرجعيات الجماعية الهامة، في تحدي الصعاب، ومواجهة العدو. لأن الثورة استطاعت أن تفتك استقلالها من أعتى استعمار عرفه التاريخ،  ولا أدل على ذلك أن هذا الاستعمار الاستيطاني الذي حاول أن يجرّد الجزائري من كل مقوماته طيلة احتلاله . مازال يحاول التطاول على هذا الشعب. ونتائج هذا التطاول تظهر للعيان. ربما العينات النصية التي تم انتقاؤها في هذه الدراسة، كانت مقصودة لإظهار هذه العواقب الوخيمة التي عرفها الشعب الجزائر في الاستقلال. النص الروائي يوعز ذلك إلى قادة الثورة الذين اعتقدوا في سذاجة، أن جلاء الاستعمار المادي كاف لأحداث القطيعة معه. أما قضية اللغة فإنها أهملت . بل اعتبرها البعض من غنائم الثورة .

 

 

 

وهكذا فالطبقة المتعلمة بالفرنسية استفادت من الاستقلال أكثر من غيرها جاء في النص <<استولى المفرنسون من شارك في الثورة منهم، ومن لم يشارك على المناصب الإدارية كل  حسب محسوبيته ، وليس حسب كفاءته . استولى المعربون على التعليم خاصة مراحله الابتدائية>> (30) .

           فاقتسام التركة بهذه الكيفية أحدث هوة بين الفئتين ، بل استحال ذلك إلى صراع لغوي. الفئة المعربة تتهم المفرنسة بالتغريب ، والمفرنسة تتهم المعربة بالبعثية ، ويتواصل الصراع في غياب الطبقة المثـقـفة لتقديم الحلول لهذه المعضلة ، ووجود الشاعر < ممثلا للطبقة المثقفة بمفرده في النص الروائي تعبيرًا عن القلة، فهي غير كافية . أما السلطة تتعامل مع القضية كشعرة معاوية، إذكاء الصراع . دعم فئة ضد الأخرى حينا، والعكس صحيح حينا آخر. وذلك لأغراض سياسية ضيقة، للاستفادة من الصراع . فقد جاء في الصفحتين 75 ـ 76 :<< لقد أصيب جسد هذه السلطة الغاشمة منذ سنوات بفقدان المناعة. التشبث بالمصالح الخاصة ... قدموا من خلال قناة الحزب الواحد خطاب كل الأحزاب تحدثوا بالاشتراكية ، تحدثوا باسم الرأسمالية ، تحدثوا باسم الإسلام ،تحدثوا باسم اللائكية والإلحاد. حاولوا أن يجعلوا من بلدنا قاعة كبرى في مستشفى جمعوا فيه كل المرضى وراحوا يحقنون كل مريض بالدواء الذي يلائم مرضه . لكن المرضى تبينوا أنهم مصابون بمرض واحد هو هذا الخطاب الكاذب، هذا النفاق الذي فقد كل مذاق، وطعم له. قال المدافعون على العربية إما عربية وإما فرنسية . قال المفرنسون إما جزائر فرنسية وإما لا جزائر أصلا .

       <<من هم هؤلاء الناس الذين يلعبون كالبهلوانيين بكرات عديدة بعضها في السماء، وبعضها بين أيديهم، بعضها يعلو، بعضها ينزل . يشدون نفس المتفرج وبصره  فلا هو بين هذه ولا بين تلك >>.     

         النص الروائي من خلال ذكر الثورة التحريرية، دال على بعض سلبيات المجتمع في الاستقلال.  فبعض المجاهدين اعتقد أن الاستقلال غنيمة شخصية . يتصرف فيها كملكية خاصة. وهذا الامتياز أظهر أيضا مجاهدين بالوثائق وليس بالجهاد . فأثروا  بلا سبب كما يقول القانونيون.

        من ناحية أخرى فالشخصية في انسجام مع الشخصيات المرجعية السياسية السابقة فهي في خط عمودي امتداد للتاريخ الماضي الحافل بإنجازات حضارية . إذن هي علامة على أصالة هذا الشعب .

       النص لم يكتف بالمرجعيات  التاريخية السياسية الجماعية فقط، بل أورد شخصيات تاريخية سياسية إسلامية تمثل فترات مختلفة باعتبارها من المرجعيات الفردية . قد ذكرت في النص أكثر من مرة ،وكثيرًا ما أوردها مجتمعة دلالة على وحدة الانتماء .

       فـ "ماسينيسا" ذكر على لسان زهيرة ( شخصية واصله سيتم التعرف عليها لاحقا ) تعبيرًا منها عن مدى تأثرها بشخصية الشاعر المثـقفة ، فزهيرة ذات المستوى التعليمي البسيط .أصبحت في ظرف أيام قليلة تعرف ماسينيسا وإنجازاته الحضارية ، وقد أشار النص إلى ما قام به من تحويل لبعض البربر إلى مزارعين، وكذا القرى التي بناها وسيجها حفاظا له من غزو البعض الآخر الذي ظل بدويًا (31) بينما وردت الأسماء الأخرى مجتمعة عند الحديث عن الرقصة التي يقوم بها الشاعر يخترق فيها عنصر الزمن ، تتداخل فيها الأزمنة، يتحرر من خلال هذه الرقصة من القيود. فاستعرض هذه الشخصيات ...  "خير الدين بربروس"، يركب فرسا، قاتـل عقبة بن نافع، دونات القديس الثائر، أوغيستان المحافظ، دعوة تينهينان ملكة الهقار، الملك يوغورطة المخدوع (32). وذكروا مرة أخرى مع إضفاء عليهم صفات الشهداء  <<استحضار أرواح الشهداء من الذين كانوا مع عقبة بن نافع إلى الذين كانوا مع الكاهنة ومع كسيلة>>(33) .

        وردت أسماء أخرى في مواقع مختلفة .<< طارق بن زياد ، موسى بن نصير، خالد بن الوليد، أبوذر الغفاري (34) ، عثمان بن عفان ، معاوية بن أبي سفيان ،عمر بن العاص ،طلحة، والزبير بن العوام، عمر بن الخطاب >>(35) << هارون الرشيد>> (36) .

فقد أفرد المؤلف فقرة أورد فيها شخصيات مرجعية تاريخية نسائية، حينما تحدث الشاعر عن زهيرة وأثرها في نفسه . أخذ يتخيلها أمورا مختـلفة باستفهامات حائرة فقال: << هل أنت العارم ابنة خالتي انسلت روحها من ملكة الأوراس الكاهنة، أو من ملكة الهقار تينهينان، أو من خديجة بنت خويلد، أو من عائشة أم المؤمنين، أو من زينب أم المساكين (37).

           إن هذه الشخصيات تمثل إسهاماتها كأفراد . فالحديث عن دور الرجال في التاريخ له أهميته. إنهم رموز يستنير بهم الخلف . فالحديث عن الشخصيات المرجعية الجماعية وحدها لا تكفي. فاستبعاد هذه المرجعيات الفردية ستمتلئ الذاكرة بالفراغ سَــيُــرَمَى المواطن وسط التاريخ لا يقوم على الرموز كمن يحاول أن يحصد السراب ، وهذا لا يسهم في بروز الفرد المواطن ، وهكذا فالنص يوظف هذه الشخصيات الجماعية والفردية لهذه الأدوار التكاملية في المجتمع . ولعل وجود رموز في تاريخ أمة من الأمم ، تجعل الأفراد المواطنين يعتزون بهم ، ويكون ذلك مدعاة للحفاظ على الهوية والأصالة والوطن.

 

    1-1-6ـ  الـتواجد الـتـركـي

 

        إذا كانت الشخصيات التاريخية السابقة إيجابية، كونها علامات لفترات زمانية مضيئة في تاريخ الجزائر، وتأصيل عراقة هذا الشعب ، هناك في المقابل مخاطر تواجد الأجنبي الذي ترك آثارًا سوداء كانت سببا في كثير من المآسي التي يعاني منها المجتمع .

        فقد أورد النص الروائي بعض الشخصيات التاريخية التي تمثل تواجد الأجنبي من بينها تواجد الرومان والوندال و الأتراك. والعهد التركي ورد ذكره في المقطع السردي الذي تحدث فيه الشاعر عن معضلة اللغة عند قادة الثورة التحريرية ، وبعدها أشار إلى الجماهير المحصورة في الريف، تعمها الأمية عملها فلح الأرض، ورعي الأغنام .

        النص يشير صراحة إلى الأتراك أنهم السبب في ذلك . فالأتراك في بداية تواجدهم كانوا نعمة على الجزائر، وفي آخر أيامهم صاروا نقمة . لقد استهوتهم نفوسهم حوّلوا الشعب إلى شبه عبيد، وشتتوا الوحدة الوطنية، كما أنهم سهلوا طريق احتلال فرنسا للجزائر بإبعاد الجزائريين عن قيادة الجيوش، وتسيير الإدارة . نعم، قد طردوا الإسبان عند الاستنجاد بهم كونهم يمثلون الخلافة الإسلامية في بداية الأمر، ولكن ...!  

        يقول النص: <<... افتقد منذ عهد الأتراك الذين فرضوا عليه ألا يتعدى مرحلة الإنسان المزارع، و بالتالي يبقى محصورًا في الريف يفلح الأرض، ويرعى القطعان، ولا يسمحون له بالتواجد في المدن إلا بقدر ما يحتاجونه من مهمات معينة من خدمات يستنكفون هم كسادة من القيام بها مثل السقاية. مانعين شؤون التسيير، والقيادة، والإدارة حتى عن أبنائهم من غير الأمهات التركية >> (38) .

     1-1-7ـ  الاسـتـعـمـار الـفـرنـسـي 

 

          إن عالمية الاستعمار الفرنسي، تجعل أي دارس في غنى عن التعريف به في مجال الأدب كونه ترك آثارًا سلبية لا تنسى في أغلب شعوب المعمورة .

          لذلك ستكتفي الدراسة بالإشارة إلى أهمية هذه الشخصية في بناء الرواية، و الدلالة التي يمكن أن تستفاد منها كونها علامة .

         إن النص الروائي أورد مصطلح الاستعمار الفرنسي في أكثر من خمسين صفحة في رواية جاءت في مائتين وسبع صفحات ، تم توزيعه على مختلف أجزاء النص .

        يمكن القول أن هذا العدد مرشح لأن يتضاعف إذا ما أعتبر ذكر الثورة يقتضي بالضرورة ـ ذكر الاستعمار الفرنسي. لأن القارئ كلما مر به في النص مصطلح له علاقة بالثورة . يتبادر إلى ذهنه الاستعمار ، فهو إذن شديد الطغيان في ثنايا الرواية ، ويشكل فضاءً هاما في بنائها . وما يجب التذكير به أن الدراسة اعتبرت كل كلمة أو عبارة تشير إلى الاستعمار كشخصية مرجعية تاريخية سياسية . سواء كانت فعلا من أفعالها، أو صفة من صفاتها الإجرامية، أو شخصا من رجالها، أنها تكرار لها،  وعليه فالنصوص التي ترد هنا فهي أمثلة لا غير.

        ورد مصطلح الاستعمار على لسان الراوي /المؤلف / حين تحدث عن الجزائر أنها لا تملك مدينة ثـقافية على غرار القاهرة وتونس .

       يقول : << لا تملك مدينة واحدة مشعة ثقافيا بعد قرن ونصف من استعمار استيطاني آخر ليس هناك قاهرة ابنة الأزهر الشريف، وتونس بنت جامع الزيتونة الأعظم ...>> (39) .

وجاء أيضا بلسان الشاعر في معرض حديثه عن قصة العارم، و الضابط الفرنسي. << الرومي الذي يحتضن خصر العارم الآن شاب في مقتبل العمر في طول وعرض عمه المختار على كتفه شارة رتبة عسكرية، وبندقية رشاشة يبدو أنه قائد الدورية >> (40) .

       قد جاء مرة أخرى على لسان الشاعر في معرض حديثه عن التحاقه بالثانوية فقال:<<..مدرستنا ليس فيها فقير غيري، كلهم أبناء موظفين في الإدارة الفرنسية بمختلف فروعها>> (41) . ثم أورده النص على لسان "الكورسيكي" الذي تعرّف عليه في الثانوية، وأعلن تعاونه مع الثورة كونه كرسيكي ليس فرنسيا. قال في حوار مع المختار عم الشاعر محذرا له من العملاء: << لا أقصد ذلك إنما سيمثـلونه في المستقبل من جسر بين قومهم وبين أصدقائهم ، سيأتي يوم يكون فيه الفرنسي الواحد عبارة عن فيلق كامل >> (42)  .

       ورد أيضا في حوار بين الشاعر ومدير المدرسة يبين المدير أن فرنسا أحسنت إلى الجزائريين فقال الشاعر ألست فرنسيا . أجاب المدير بلى. ولكني فرنسي يحب فرنسا . إن دوغول، يفكر بنفس الطريقة التي أفكر بها ، ويرى ما أرى بل إن هذا التفكير لهو تفكيره >> (43).    

          أورد الشاعر في رقصته الخاصة وهو يستحضر جملة من الذين يتعاملون بالفرنسية، وبالخصوص المديرين الذين تعاقبوا على إدارة المعهد الذي يدرس فيه << يحضره مديرون على مر السنوات المنصرمة، فرنسيين، أولاد فرنسيين، لا يرحمون وطنهم ، ولا يشفقون عليه>>(44).

 

 

        إن ذكر الاستعمار الفرنسي في النص الروائي بهذا الحجم الذي يكاد يكون جزءًا من بناء الرواية إلى درجة أنها بدون هذه الشخصية تصير الرواية بلا معنى. فـدلالته في النص ترمز في ذاكرة الشاعر إلى كل ما هو غير جميل ، فهو الظلام، والتخلف، والدعوة إلى الاستعباد. إن النص يفضح مقولة فرنسا منبع التنوير، بل تعني الجهل بالمفهوم الحضاري لأن الحضارة تعني أنك تعامل غيرك برقة ، لكن فرنسا بأفعالها الإجرامية أثناء الاحتلال ودسائسها بعد الاستقلال قامت بعكس ذلك . ففرنسا تنظر إلى شعوب مستعمراتها نظرة السيد إلى المسود ، وقد كررت هذه العبارة في النص الروائي بلسان الشاعر (45) .  ففرنسا غير متحضرة، ومن يستنير بها لا يرى إلا الظلام .

       قد جاء في النص ما يلي :<< أولئك الذين دخلوا دهليز الثقافة الفرنسية، ونمط الحياة الغربية، وأغلقوا على أنفسهم، يحتمون بالظلمة رافـضين أن تتقد أية شمعة حولهم >> (46) .

ولاشك أن هذا التنوير الموهوم هو الذي أعمى "فرحات عباس" أن يكتـشف تاريخ الجزائر عام 1936 فقد رآه سرابا >> والنص أشار إلى ذلك صراحة في صفحتي 180 ــ 182 .

        فالجهل الذي يعم سببه الاستعمار الفرنسي القديم، أو التنوير المعكوس الذي يبحث عنه في الثقافة الفرنسية .

       هذه الشخصية في النص الروائي قامت بتهديم ما بنته الشخصيات الإيجابية السابقة الذكر.

       إن النص الروائي ذكر جرائم فرنسا إجمالا نظرا لكثرتها. إلا أن المؤلف اختار  واحدة منها كنموذج لتلك الجرائم ، إنها محاولة اعتداء الضابط الفرنسي على شرف "العارم" خطيبة المختار عم الشاعر (47) . إن هذه الجريمة بليغة الدلالة. إنها تتعلق بالشرف. فماذا يبقى للإنسان بعد أن ينتهك شرفه هذا ما أرادت أن تفعله فرنسا بالشخصية الجزائرية ، أرادت أن تجعلها بلا شرف . بلا معنى، بلا أصالة .

      إلا أن  النص أخرج "العارم" من المأزق  بمجموعة من المؤهلات . معرفتها  بمواطن ضعف الرجل . طبيعة المنطقة - سالمة الشرف، حيث انتصرت علي الضابط، و أسرته. استطاعت أن تنجز برنامجا سرديا مضادا .

      صحيح أن الرومي قبلها، وقد يعني ذلك  مسا للشرف إلا أنها لم تستسلم ، فقاومته . فقد قال الضابط المأسور اعترافا بذلك : << يا لها من مناعة لدى الشعوب من الاستسلام النهائي>>(48).

       النص من خلال هذه الشخصية يطرح تساؤلا كبيرًا هل التقدم العلمي يعني التحضر أو التسلط على الضعفاء ؟  ألا يعني ذلك أن حَيرة الإنسان وقلقه في هذا الزمان. إنما سببه هذا المفهوم الخاطئ للحضارة المادية .

      قد يلاحظ عدم التركيزـ في الدراسة ـ عن الرومان والوندال كونهما من الشخصيات التي تمثل التواجد الأجنبي. إن عدم الاهتمام بهما يعود إلى أن النص أوردها من جملة الشعوب التي احتـلت الجزائر في فترة ما. فتوظيفها في النص يكتفي بهذا بخلاف الشخصيات  الأخرى .

فالوندال أشـير إليهم فيما سبق عند الحديث عن تكالب الأجانب الأعداء على الجزائر منذ القدم .

بينما الرومان ورد ذكرهم في النص الروائي مرتين:

         عند الحديث أن الجزائري لا سلاح له سوى دينه . فجاء في الصفحة الثانية والعشرين على لسان الراوي /المؤلف/: <<وبه قاوم الفلاحون الفقراء خلف دوناتيوس الرومان>>  ومرة أخرى عند الحديث عن الاختلالات الاجتماعية في زمان أحداث النص ، بأن الوضعية توحي بالانفجار فقد شبهها بالوضعيات التي قامت فيها الثورات التلقائية في وجه الرومان . فجاء في الصفحة(115) على لسان الشاعر قائلا: << لقد اصطبغت الثورات التلقائية التي اندلعت حينذاك من دون رابط يربطها بصبغة الصراع الطبقي، ولم تكن تعبيرًا عن حقد جنسي ، فلم يثر الفلاحون البربر في وجه الرومان بوصفهم رومانًا، بل ثاروا في وجه كل من اضطهدهم كائـنـًا من كان>>. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1-2ـ  الـشـخـصـيـات الـثـقـافـيـة

 

    1-2-1ــ فـكـريـة أدبـيـة ديـنـيـة:

      هيمنت الشخصيات الثقافية في المتن الحكائي لرواية الشمعة والدهاليز، فرغم أنها لم تشارك في الأحداث شأنها في ذلك شأن الشخصيات التاريخية السياسية كونها لا تتمتع بحق الفعل والكلمة إلا من خلال ما تقوله عنها الشخصيات الأخرى(49) . إلا أن حضورها كان قويا فقد ورد أغلبها على لسان الشاعر ، وفي كثير من الأحيان ذكر بعض أقوالها أو أشار إلى أفكارها. وإن لم تكن لهذه الشخصيات دور مباشر في سيرورة عناصر القص ولكن الكاتب المفترض، جعل الرغبة في ذكرها هدفا أساسيا في عملية القص، فالشاعر يتحين الفرص لإيرادها سواء أكانت  ثقافية عربية إسلامية أو غير عربية، فهو في كل لقاء مع الشخصيات الأخرى يدرج ضمن حديثه إشارة إليها، وكثيرًا ما يتعمد إلى ذكرها في مجموعة دفعة واحدة .

    بالإضافة إلى ذلك اعتمد الكاتب على وسيلة فنية تجعل الشاعر في وضعية تسمح له بأن يتحرر من قيود أحداث الرواية، وبالتالي يقول ما يفكر فيه دون أن يحدد المناسبة التي تفرضها عادة أحداث الرواية فجعل الشاعر يقوم برقصة خاصة تجعله يخترق من خلالها الزمان . فهو يعود إلى الماضي كما يمكن له أن يتحدث عن الحاضر والمستقبل في آن واحد .

     هذه الرقصة شكلت فضاءًا هاما في بناء الرواية ، يكررها كلما تأزمت الحالة، وهي في الأصل رقصة قام بها أول مرة أيام كان في الثانوية الفرنسية الإسلامية بقسنطينة ، وجرَت العادة أن تقدم نشاطات في احتفالات آخر السنة ، وكلها مستمدة من الثقافة الفرنسية غناء ومسرحـًا . وقد اختير لأداء دور العجوز المرابي في مسرحية لراسين (50 ) . غير أنه رفض وقـرّر أن يقدم عرضا خاصا به، فكانت الرقصة الفولكلورية الشعبية الشاوية بلباس تقليدي وخاصة البرنوس .

فكانت هذه الوسيلة، وتضاف إليها حالات الحلم والمرض والحديث النفسي للشاعر فرصا لذكر الشخصيات الثقافية.

 

 

 

 

 

 


الشخصيات المرجعية الثقافية

- فكرية أدبية دينية

أ/ــ عربية وإسلامية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ب/ـ  غير عربية ـ فكرية وأدبية:

ـ ســانـت أوغـيـسـتـان

ص 68

 ـ لامـــارتـــيــــــن

             ـ راســــبــــــــن

  ـ مـــونــتـــســكـيـو

  ـ رامـــــــبـــــــو

             ـ فـيـكـتـور  هـيـجـــو

 

 

 ص 102

 

 

             ـ فـلاديـمـيـر لـنـيـن

 

             ـ كـارل  مـاركــــس

 

 ص 141

 

 

 

             ـ بــابـلـو  نـيـــــرودا

 

            ـ روبــيـس  بـيــــار

 

 ص 158

 

 

ـ تـــروتـــســـكــي

 ص 159

 

 

ـ تــولـــســتـــــوي

ـ هــيــمــنــغـــواي

ـ بــــلـــــــــزاك

 

 ص 185

 

 

             ـ غـــلـــيـــلـــي

 ص191

 

 

             ـ افــلاطــــــــون

             ـ ســـقــــــراط

 

     ـ هــــيــغــــــــــل

   ـ فـــيــــخــــــــت

 

 

 ص 194

 

 

 

       وقد يضاف إلى هذه القائمة ما ورد في الشخصيات السياسية فالبعض منها كان لها أكثر من مرجعية مثلا علي بن أبي طالب (سياسي وإمام ورجل حكمة) .

        جرت العادة أن تصنف الشخصيات المرجعية إلى دينية وثقافية ، لكن الدراسة تعمدت إدماجها لأن النص الروائي أوردها بالمفهوم الشامل الذي لا يفرق بين ما هو ديني وبين ما هو ثقافي ، فكل نشاط يعمل فيه العقل فهو ثقافي ، والنص يمجد العقل ، فقد أشار في هذا الصدد إلى الآية الكريمة:

<< اقرأ باسم ربك الذي خلق .... اقرأ وربك الأكرم الذي علــّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم>> (سورة العلق الآيات 1ـ 3. 4. 5) (51) .

وقال أيضا:<< ولا يخاف العبدُ اللهَ حتى يعرفَ الله على حقيقة ما أبدع >> (52) . المثالان يوضحان أهمية العقل سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالأمور الحياتية .

إن أهمية هذه الشخصية على مستوى الدلالة كونها علامة تكمن :

      أولاً: إن الشخصية المحورية في الرواية هي شخصية الشاعر وقدمت على خشبة النص على أنها مثقفة واسعة الإطلاع وذلك دلالة على أهمية الثقافة في المجتمع . الثقافة المتكاملة غير المجزأة، وقد أعاب النص على الذين ينادون بإقامة الدولة الإسلامية بالتركيز على أن الدين عبادة، وأنه يجيز فعل شيء أو يمنعه، وأهملوا التراث الثقافي الفكري الذي تزخر به الثقافة العربية الإسلامية في مختلف الميادين ولعل هذه الأسماء فيض من غيث .

       ورد في هذا المجال على لسان الشاعر ، وهو يحدّث نفسه بعد معرفته لزهيرَة ، التي أحدثت انقلابًا في حالته النفسية . فأطلق العنان لخياله ، في الغوص في أمور مختلفة، تهم الإنسانية والفرد والوطن منها ضياع الهوية ، وضياع العقل فأشار إلى محاولة اغتيال العقل باستبعاده في الحياة. فقال :  <<يموت الجاحظ، يموت واصل ابن عطاء ، يموت ابن رشد، يموت ابن الهيثم . يتربع أحمد بن حنبل من جديد على العرش لا يقول شيئا سوى الله أراد ذلك وأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" لم يفعل ذلك>> (53) .

        يلاحظ في هذا النص تكرار فعل الموت في صيغة المضارع التي تعني في العادة وقوع الفعل في زمن الحاضر أو المستقبل ، فموت هؤلاء من جديد يعني اغتيال العقل .

 

 

 

       ثانيا: إن إيراد هذه الشخصيات في النص الروائي علامة على تشبع المؤلف من الثقافة العربية من جهة واطلاعه على الثقافة الأجنبية المختلفة من جهة أخرى . ولا يفهم هنا أن إقحام أسماء ثقافية معينة في عمل فني يعني بالضرورة معرفة المؤلف بالإنتاج الفكري أو الفني لهذه الشخصيات . وإنما الأمر هنا يتعلق بالتوظيف الواعي لهذه الشخصيات في النص .

       فالشخصيات الثقافية وردت في المواقع  المناسبة . فأحيانا ترد ملائمة للحالة النفسية للشاعر وأحيانا أخرى تخدم الجانب الفكري الذي يكون فيه في صدد التعرض إليه ، سواء من خلال الحديث الباطني أو من خلال مناقشة محاوريه في قضية من القضايا الفكرية. مثلا: ورد السهرودي، الخيام ، والعدوية والحلاج وابن عربي ، والشاعر في حالة نفسية مضطربة بما أحدثته "زهيرة" في نفسه من تغيير يكاد يكون جذريا بين حالة الوقار كونه مدرس علم اجتماع وباحث في أمور فكرية مختلفة ، وبين حالة التفكير في الفتاة والحب وانفعالاته فهذه الوضعية جعلته يفكر في الأمر تفكيرا تصوفيا ، يناجي فيه ربه فأورد هذه الأسماء إشارة إلى هذا الاتجاه العقائدي في التراث العربي الإسلامي . يقول الشاعر : << هذا كلام جديد توحيه الحالة التي أنا عليها وهو أشبه بخواطر غريبة يوحيه تأثير مخدر ما . فهل أنا سكرت ؟! >>

ثم يقول :<< يا الهي إنك تصنع العجب العجاب بمخلوقاتك ، فألهمني، ألهمني الآن إلى ما صنعت بي فمن خلال عيني جعلتني أفقد وقاري وأتبع غرة غريرة .اركب الحافلة وراءها >> .

ثم يقول :<< يا إلهي لئن كنت لا أراك كما يراك العوام ، ولئن كنت أراك كما يراك ابن عربي، والسهرودي ، والخيام ، والعدوية ،والحلاج. نور السماوات والأرض ، مثل نورك كمشكاة . فإنني يا إلهي أعجز عن فهم بعض مشيئتك، فألهمني إلى فهم هذا الحصار الذي تضربه علي عينان سوداوان حتى صارتا النور الذي يعم كياني >> (54).

ومثال آخر:

      أورد أقوالا لأسماء ثقافية عربية وغير عربية ، حول فكرة تغيير الوضع وفعاليته . فقال الشاعر وهو في حالة استغراب حين تذكر زيارته الأخيرة إلى "بلغاريا" حيث شهد ضعف الإنسان أمام المال، إنه مستعد أن يبيع أي مبدأ أو قيم أو مثل مقابل دولار واحد .

مستشهدا بقول "روبـيـس بـيار " << إن الشرف الذي يقيد حركة البورجوازية شبيه بعذرية المرأة ما أن يفتض حتى تنساه >>

 

 

       وفي المعنى نفسه استشهد بقول " حمدان قرمط" << لكي يزول ظلم الناس للناس على الله أن يخلق ناسا آخرين أما هؤلاء فقد حُقـّت عليهم اللعنة >> .

وكذلك يقول " فلاديمير لنين " << إنّ الشكل بدون محتوى لا أهمية له كذلك الأمر المحتوى بدون شكل>>. ثم بقول " تروتسكي " لا يمكن فهم سر الكون إلاّ في وحدته ولا يمكن تغيير نواميسه إلا في وحدتها >>  ثم ختم ذلك بالمثل الشعبي الجزائري .

                          << قــص الــرأس تـنـشـــف الـعــروق>> (55) .

     فمثل هذه الاستشهادات تبين أن المؤلف يأتي بهذه الأسماء عن دراية بها وأفكارها وأيضا يختار الفضاء النصي الذي ترد فيه ، وقلما يحدث هذا في العمل الإبداعي، وإنما هو من خصائص البحث العلمي . إن قدرة المؤلف من جمع هذه الأسماء المختلفة الاتجاهات حول فكرة واحدة علامة على ثقافته الواسعة.

      ثالثا: إن ذكر هذه الأسماء الثقافية التي تعني في عمومها دعوة إلى وجوب نشر الثقافة في أوساط المجتمع. هناك إشارة من خلال ذكرها إلى بعض السلبيات التي تتمثل في استغلال بعض الوجوه الفكرية لأغراض سياسية مثلا: ما جاء على لسان عمار بن ياسر وهو في صدد التعريف بالحركة السياسية التي ينتمي إليها وكيفية انتشارها في أوساط الجماهير .

     فقال: << في زحفنا مستغلين تذبذب الدولة التي تتقرب إلى الشعب بالتظاهر بخدمة الإسلام ، فأحضرت الإمام الغزالي يفتي في المساجد وفي التلفزة والإذاعة ، والقاعات العمومية يضرب الشيوعيين كلما قويت شوكتهم >> (56). كان جديرا بهذه الشخصية الإسلامية الفذة أن يكون دورها تنوير الفكر الإنساني عموما والفكر الإسلامي خصوصا . بدل تفزيم دورها في متاهات الأغراض السياسية . وكذلك إشارة إلى سلبيات النقد الأدبي ، حيث يفهم من النص أن هناك دعوة إلى إعادة النظر في القراءة النقدية للتراث الشعري العربي ، بعيدًا عن الأحكام النقدية العاطفية التي تُـصدرُ على أصحاب القصائد بدل القصائد . فقد جاء على لسان الراوي/ المؤلف/ في صدد الحديث عن شاعرية الشاعر ، وعدم قدرته على كتابة الشعر باللغة العربية بسبب الطريقة التقليدية العقيمة التي تعلم بها اللغة.

      فقال: << حاول أكثر من مرة  نظم أكثر من قـصيد إلا أنه تراجع نهائيا لأن ما كتبه كأنه موضوع لوصف مادة علمية أو حالة موضوعية ليس فيه استسلام لطيران بأجنحة حريرية ولا أحلام ملونة . لا يختلف عن قول القائل : << علم الحساب علم رفيع ، به تشتري وبه تبيع. ما ضاع درهم بحساب، وبلا حساب ألوف تضيع >> حتى شعر المعاصرين الذين كان لهم صيت، فقد كان أشبه بالحديث اليومي ، السلام عليكم وعليكم السلام. فهذا محمد العيد آل خليفة الشاعر الفحل الذي يعجب الطلبة والأساتذة به. يصف قنبلة هيروشيما قائلا: تفجرت قنبلة هيروشيما ، فتركت كل شيء هشيما. ويتحدث عن المرأة وواجباتها السياسية فيقول: يا بنات الجزائر كنَّ للاستعمار ضرائر (57) . إن مثـل هذا النظم بعيد كل البعد عن تسميته بالشعر.

        1-2-2ــ موسيقية غـنائية

        هناك من الأساطير الإنسانية القديمة التي تناقلتها السنة الأجيال ، ما يتعلق بالموسيقى الجميلة. مثل أسطورة " أورفي وزوجته اربديس" التي لدغها ثعبان يوم زفافها، فنزل الزوج المفجع إلى الجحيم، وغازل بأغانيه الجميلة الأفراد السفليين فأعادوا له زوجته .

إن هذه الأسطورة لها أبعاد كثيرة في حياة الإنسان .إلا أن ما يهم الدراسة من خلالها هو أهمية الموسيقى في حياة الشعوب ، فرواية الشمعة و الدهاليز ورد فيها اهتمام بالموسيقى والغناء في مواقع مختلفة ، بحيث تشكل في مجموعها شخصية مرجعية .

        إن رقصة الفرس التي يقوم بها الشاعر من حين لآخر كان التركيز فيها على اللحن <<مرواح الخيل>> وهي رقصة فولكلورية شاوية. فعند تأديتها أول مرة لم يجد المنظمون أحدًا ـ في الثانوية الفرنسية الإسلامية ـ يعزف على القصبة أو على الزرنة ولا أحدًا يعرف إيقاع اللحن(58). فاستعان الشاعر في أداء الإيقاع على يهودي يهتم بالأغاني الفولكلورية وهو الذي عزف مرتجلا لحنا لأغنية << طهر يا المطهر ، صحة لا يديك ولا تجرح وليدي لا نغضب عليك>>. فقد عانى الشاعر الكثير في البحث عمن يساعده في إنجاح هذه الرقصة لعدم اهتمام طلبة الثانوية بهذا النوع من الموسيقى. وورد أيضا أن الحفلة استهلت بعزف النشيد الوطني الفرنسي <<إلى السلاح مواطني شكلوا فيالقكم ...>> إلا أن النجاح كان حليف الرقصة ولحن أغنية طهر يا المطهر (59).وورد أيضا أن الأم والخالة أم العارم قضتا الشتاء كاملا تغزلان وتنسجان البرنوس(الذي استعمله في الرقصة) مع ما يصحب العملية من أغان وتهاليل مرة حزينة مثقلة بالفجائع ومرة متفائلة طافحة بالخيرات(60) . كما جاء في النص وصف دقيق لنساء وأطفال وشيوخ الدوار، وهم ينطلقون مع الفجر هاربين من شظايا القنابل ، ورصاصات الرشاشات بعد ما هجم الجيش الفرنسي على قرية الشاعر، يستعينون على تغلب صعوبة المسالك بإنشاد <<قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات ...>>(61). ووردت أسماء غنائية جزائرية لمختلف الجهات مع أسماء غنائية غربية . جاءت في حوار بين أب يتجاهل تاريخ الجزائر وابن يؤكد لأبيه أن عيسى جرموني ، وخليفي أحمد ، والرميتي الغلزانية ، والشيخ العفريت ، والشيخة طيطمة، والحاج مريزق ، فقال : الابن كل هؤلاء نشأت في الحارة يا أبت بدون علم منك على حبهم جميعا، ثم عبر عن نفوره من "جاك بريل" وايديدت بياف . ومولوجي مفضلا إذا ما اضطر إلى استماع الموسيقى الغربية ، موسيقى الويسترن ومايكل جاكسون ... التي تستهوي الفرنسي المعاصر نفسه (62) .

       إن التراث الموسيقي لأمة من الأمم يعدّ من أهم عوامل المحافظة على هويتها الثقافية . لأنها تتواتر من جيل لآخر ، فعناصرها الأساسية تبقى مميزة عن الدخيل عليها . فالذاكرة الجماعية كفيلة برفض الذوبان في الآخر  مهما كان هذا الآخر غالبا ، فقد يكون المغلوب مولعًا بالغالب في نواح ما كما يقول ابن خلدون، لكن الموسيقى الشعبية تستثنى من هذا الولع . فمثلا: في الرواية ورد أن أغلبية الطلبة في الثانوية التي درس فيها الشاعر من أبناء الذوات  والإداريين  وولعهم بالفرنسيين ظاهر بادعائهم أنهم إلى الثقافة الغربية وبالأحرى الثقافة الفرنسية أقرب. لكن رقصة الشاعر الفلكلورية ولحن أغنية طهر يا المطهر فضحتهم وأظهرت هويتهم الحقيقية . فكان تفاعلهم مع الرقصة واللحن أكثر من النشاطات الأخرى التي تمثل ثقافة الغير، وكذلك هذا لابن الذي يجادل أباه الغارق في الثقافة الفرنسية. حاول إقناعه أن تواجده في حي شعبي مكّـنه من أن يحافظ على هويته وأصالته عن طريق تواصله مع هذه الأغاني الأصيلة المميزة.فوظيفة الشخصية الغنائية في الرواية إذن تتمثل أهميتها في المحافظة على الهوية والأصالة .

ــ شخصيات موسيقية غنائية

غير عربية

عربية جزائرية

1)ـ ماسياس ص66

2)ـ رؤول جورنو ص69

    (هو الذي سجل أغنية طهريا المطهر)

3)ـ جاك بريل    ص183

4)ـ ايديت بياف  ص183

5)ـ مولوجي      ص183

6)ـ مايكل جاكسون  ص184

7)ـ مادونة   ص184

8)ـ موسيقى دي بسي  ص65

9)ـ النشيد الوطني الفرنسي  ص69

10)ـ موسيقى الويستيرن ص183

1)ـ اللحن مرواح الخيل   ص65

2)ـ أغنية طهريا المطهر  ص69

3)ـ الرقصة الفولكلورية "الفرس" ص70

4)ـ النشيد الوطني قسمنا   ص 72

5)ـ عيسى جرموني       ص183

6)ـ خليفي أحمد          ص183

7)ـ  الرميتي الغيلزانية  ص183

8)ـ الشيخ العفريت      ص183

9)ـ الشيخة طيطمة      ص183

10)ـ الحاج مريزق      ص183

 

      2/ــ الشخصيات ذات مرجعية اجتماعية :

           + جــيــران الــشــاعــر:

       تختلف هذه الشخصيات عـن سابقتها السياسية والثقافية . كونها لا تحيل على أشخاص معينة من الماضي ، أو الحاضر ،وليست شخصيات آتية من الثقافة . إنما هي تحيل على نماذج اجتماعية ، وهي ليست لها وجود فعلي خارج الرواية ، ولكن يمكن أن توجد باعتبار بعض سماتها وأفعالها مستقاة من مجتمع ذي وجود حقيقي في بعض جوانبها تحيل عليه (63) .

       يقدم "فيليب هامون" أمثلة لهذا النوع من الشخصيات (العامل ، الفارس ، المحتال) (64) فهذه النماذج لا يقصد بها شخصية روائية ما تؤدي دورها إما عامل أو فارس أو محتال . ولكن هي نماذج ليست مقصودة بعينها ، وإنما الفئة التي تنتمي إليها في المجتمع.

      فرواية الشمعة والدهاليز ، وردت فيها شخصيات من هذا النوع. يمكن اختيار البعض منها كعينة في هذه الدراسة: من بينها " جيران الشاعر " .

      ورد ذكر هذه الشخصيات على لسان الراوي /المؤلف/. بأنهم يحتلون الجزء السفلي من الفيلة التي يسكن فيها الشاعر . إنه لا يعرف أسماءهم ولا عدد أفراد أسرهم ، ولا ماذا يفعلون في هذه الحياة . كما أنه لا يرد على تحية أحدهم . كأنه عاقبهم بالتدهلز التام ، وهم بدورهم اهتموا بأمره قليلا في أولا الأمر، ثم محوه من قائمة المتواجدين في المنطقة، فلم يدعوه إلى عرس أو يقدموا له طبق حلوى في عيد من الأعياد. فوجوده ثار في نفوسهم حسدا لأنه يحتل وحده طابقـًا كاملا.  بينما هم يقتسمون الطابق السفلي وعددهم يتكاثر يوما بعد يوم. فوصل بهم الأمر أن اقترح أحدهم التصفية الجسدية لهذا المخلوق. وكان رد أحدهم بأن الدار سيحتلها أستاذ آخر لأن المسكن ملك المعهد. فالأفضل أن يحتفظوا بشيُهم هذا . ثم أضاف أن هذا الشيء لا يخلط. لا بنت ولا ولد <<تبيب لاجار ولاحبيب >>. ثم تساءل أحدهم عن قدرة الشاعر الجنسية ، فثار ذلك زوبعة من الضحك الشامت. بينما النساء طرحن السؤال أكثر من مرة ، وكانت أخته المرأة الوحيدة التي تدخل منزل الشاعر ، وكانت تفتح بعض الثغرات في الحصن الذي أقامه أخوها حوله. وتتحدث إلى النساء بعض الشيء .

        لقد نصبوا في الأسابيع الأولى ، ثم في الأشهر الأولى ، ثم في السنوات الأولى حراسة متنوعة، مختلفة التوقيت غير أنها انتهت إلى نتيجة واحدة.  قال الرجال : الرجل يحترم نفسه ، ويحترم جيرانه.

 وقالت النساء: الرجل أمره أمر ، وشأنه شأن.                                                     لو كان يصلي معنا في الجامع لقلنا إنه أحد أولياء الله (65).

      الجيران شخصية مرجعية، حيث قدمهم المؤلف دفعة واحدة ، إنهم صورة واقعية لنظرة الناس إلى العلاقة بين الجيران ، وأن هذه الصورة ، لم تتطور عبر النص الروائي ، وإنما قدمت مكتملة لهذه العلاقة في المجتمع الجزائري ، تحديدًا في العاصمة من الأحياء الشعبية . إن هذه الصورة تبرز فضول هؤلاء في استطلاع أسرار حياة الشاعر الذي لم يعرهم أي اهتمام . حاولوا رصد تحركاته إن كان في حياته امرأة . وحتى النساء شغلهن هذا الأمر . رغم ما قبل عنه من فقدانه للرجولة. إلا أن الحكم عليه كان إيجابيا . فقالوا عنه : انه رجل محترم، فالجيران نمط من أفراد المجتمع أفرزتهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة.  صنعت منهم هذه النماذج ، وإن كانوا حافظوا على بعض الأصالة منها العلاقات الاجتماعية فيما بينهم دون الشاعر واعترافهم له بحسن السلوك. إلا أن الصورة تبين :

·       تناقضا صارخا في سلوكهم . يصلون في الجامع ويحسدون الشاعر في السكن الوظيفي .

المادة أفقدتهم التوازن ، حيث اقترح أحدهم التصفية الجسدية للشاعر، من أجل الحصول على المسكن. فالمادة إذن مدعاة لبروز ثقافة العنف في المجتمع .

·       الجنس شغلهم الشاغل . الأمر الأوحد الذي تحدث فيه الرجال حول الشاعر هو الجنس .

قال بعضهم يحتل وحده الطابق ... بينما عددهم يتكاثر يوما بعد يوم ، وهذا دلالة على أن مركز اهتمامهم إنما هو الجنس. كما أن النساء ليس لهن غير الجنس في الحديث ، وأن كن معذورات في ذلك لأن الرجال جعلوا منهن متاع الدنيا . إنهن مسخرات للتكاثر ، فانعكس كل ذلك على تفكيرهن ، فأصبحن لا يتقن قولا إلاّ ما تعلق بالجنس.

     إن العبارة التي ختم بها الراوي/المؤلف/ الحديث عن هؤلاء الجيران ينم عن دلالات عميقة. <<لو كان يصلي معنا في الجامع لقلنا إنه أحد أولياء الله>>. في العبارة اعتراف بأخطائهم حيث أن الشاعر تنقصه الصلاة في الجامع حتى يكون وليا. بينما هم يصلون وليسوا أولياء الله .

      وجملة القول أن الشاعر الشخصية المحورية في الرواية يجابه أشخاصًا ينتمون إلى عامة المجتمع، ومحور المجابهة ضرب من العلاقات الاجتماعية مثـل قيم المادة ، والعنف ( الاستيلاء على المنزل. التصفية الجسدية ). كأساليب للتعامل بين الناس.

 

 

 

 

      إن شخصية الجيران علامة على الاختلالات الاجتماعية. لعل تصرفاتهم أو بالأحرى أقوالهم في حق الشاعر، إنما هي دلالة على تذمرهم من الفروق الاجتماعية. والنص أشار إلى هذه الاختلالات صراحة على لسان الشاعر حيث قال:<<أن البعض تقتله البطالة والفاقة وأصيب بالشيخوخة مبكرة، فـقفز على جميع مراحل العمر ، ليجد نفسه في حالة تصوفية غربية>>.

<<والبعض الأخر يقضي ليله في الملاهي والمراقص ، ويقضي ما يتبقى من نهاره في السيارات المكيفة في الطائرات المحلقة >>.

      إن هذه الاختلالات لابد لها من الزوال ، لأن هناك -ورد في النص- ومضات ضوء خافت ترسله شمعه ما في منارة ما. في دهليز ما ، تجتذب أناسًا آخرين معظمهم من الشباب نحوها. إشارة إلى إمكانية اندلاع ثورة تلقائية شبيهة بالثورة التي ثار فيها الفلاحون في وجه الرومان(66).

      3ــ الشخصيات المجازية

       + الـجـهــل:

       يقصد بالشخصيات المجازية، أفعال بعض الشخصيات الروائية أو أقوالها التي تتضمن صفة من الصفات أو معنى من المعاني ، تقدم في النص الروائي مبثوثة ، في مواقع مختلفة ، وتشكل في مجموعها شخصية مجازية سائدة في مجتمع ما في فترة زمانية معينة . قد تكون إيجابية كالحب والتعاون ، والعلم والسعادة ... وقد تكون سلبية كالكراهية والغيرة والطمع والاستبداد والجهل وغيرها. أوردها فيليب هامون << ضمن الشخصيات المرجعية بقوله المجازية(الحب.الكراهية)Allégoriques(l’amour -la haine)(67)>>.

       ورواية الشمعة والدهاليز تبحث في الأساس عن أسباب الأزمة التي حلت بالجزائر، وما يستخلص من مختلف الشخصيات الروائية أن الجهل يعد ضمن الأسباب الفاعلة في استفحال هذه الأزمة، ومما لا شك فيه أن انتشاره في أوساط المجتمع يجعله يفقد المناعة .

وقد ورد معنى الجهل في مواقع مختلفة بلسان الشاعر أو الراوي أو عمار بن ياســــر.

وما يلفت الانتباه حقا أن النص صنف الجهل إلى أنواع : فهناك الجهل بالمعنى العام الأمية وعدم إعمال العقل، و هناك الجهل باللغة الوطنية ،وبالتاريخ .الجهل في الجامعة . الجهل بالتراث.الجهل في الوظائف الحكومية. وجاء الجهل في النص بالمعاني السابقة بما يلي:

 

 

 

        بالمعنى الأول على لسان الشاعر وهو في قمة التذمر من هذا الجهل الذي يعم المجتمع الأمر الذي جعله ينعزل عنه، يعيش في عالمه الخاص . قال: << أنا هذا المجرم الذي تتمثل جريمته في فهم الكون على حقيقته ، وأتحوّل إلى دهليز مظلم متعدد الجوانب والسراديب لا يقتحمه مقتحم مهما حاول ، وهذا عقابا لجميع الآخرين على تفاهتهم>> .

       اشتد تذمره لما عرف أن معظم الشعوب المحيطة بقومه يتقاسمون هذه الصفة. فجاء على لسان الراوي /المؤلف/. << يكفيه أنه أدرك أن قومه ومعظم أقوام المحيطين بقومه في ما يسمى بالعالم الثالث والنامي . أغنام إن حاولوا اقتحام الدهليز تاهوا إلى الأبد . لأنهم لم يدركوا هذه الحقيقة ، ولا يحاولون إدراكها ، فإنه عاقبهم بأنه تحوّل إلى دهليز ...>> (69) .

فالمصيبة عظيمة بحيث أن رقعة الجهل واسعة وأن هؤلاء الأقوام أصروا على عدم التخلص من هذه الصفة. ورد على لسان الشاعر عند الحديث عن الاختلالات الفكرية فقال:  << الجهل يعم. السطحية تعم. الدجل يطغى. الفكر يتفكك >>(70) .

        أيضا بلسان الشاعر عند الحديث عن الذين استفادوا من الاستقلال فقال <<الذين استفادوا من الاستقلال ولم يكن لهم شرف المشاركة في الثورة ، ينزل الواحد ممن قضى أربعين أو خمسين سنة في فرنسا نازحـًا من ريف موغل في البداوة والتخلف، دون أن يكلف نفسه عناء تعلم حروف يملأ بها استمارة الدخول والخروج >> (71) .

        بلسان عمار بن ياسر في حوار بينه وبين الشاعر قائلا: << تذهب بعيدًا أيها الشاعر، وأخاف عليك من كثرة تحكيم العقل ،على الأقل في الأيام الأولى هذه>>(72). ومرة أخرى في صدد الحديث عن الحركة التي ينتمي إليها ومعاناتها،قائلا: << آه لو الخطر يأتي من الخصوم وحدهم ،جماعتنا بدورهم شتات شعوب ، وقبائل ، والجهل وضيق الأفق>> (73).

         بلسان الشاعر عند الحديث عن الانتهازيين والجهلة ، الذين يريدون الارتقاء اجتماعيا وسياسيا. قال الشاعر:<<...كأنما توقفا العقل وفضول المعرفة>>(74).

        بالمعنى الثاني :أي الجهل باللغة الوطنية والتاريخ بلسان الراوي وهو يصف الشاعر لما قصده ثلاثة غرباء ليلا ضربوا له موعدا في المسجد بالحراش عند منتصف النهار وبعد ذهابهم أخذ يروح ويجئ في الغرفة. قال:<< يحضره ألف ألف ممن يتبجحون بجهلهم ممن يحلو لهم أن يبادروا القول، وهم يبتسمون، إنهم لا يعرفون العربية(ص186)>>. وورد أيضا بلسان الشاب الذي يحاور أباه الغارق في الثقافة الفرنسية قائلا << عذرك أنك خرجت من ليل الاستعمار وأن هذا منعك من لغتك أبعدك عن دينك ، وحجب عنك تاريخك>>(76) . وأيضا قال <<أقرأ التاريخ يا أبي>> (77) .

          بالمعنى الثالث الجهل في الجامعة. بلسان الشاعر عند الحديث عن الذين استفادوا من الاستقلال وهم يتحسرون على الاستعمار. قال :<< ... دكتور يحتل مقعدا في الجامعة يتخرج عليه باحثون ، ليس له شهادة الثانوية العامة . لا يعرف حسابات الزوايا .. لا يعرف إذ كان المتوازيان يتلاقيان أو لا.يجهل درجة ذوبان الحديد والفضة، والنحاس، ومع ذلك دكتور دولة>>(78) .

         بالمعنى الرابع الجهل بالتراث بلسان الراوي /المؤلف/ وهو يصف حالة الشاعر بعد ذهاب الغرباء طارقي الباب يروح ويجيء في الغرفة ليلا: << تحضره السيدة خ: أستاذة الأدب المقارن ببوزريعة كل رسالتها في الحياة ، أن تثبت أن ما كتب بالفرنسية إنما يمثل هذا الشعب في نهضته. لا تعرف بن إبراهيم ولا بن قيطون ولا المتنبي ولا القبايلية أو الشاوية. تقارن بين محمد ديب وتولستوي. تحضره دكتورة . ز. تحاول من خلال ترجمة الأغاني الشاوية التي لا تحفظها ولا تعرف مرجعيتها إلى الفرنسية>>(79) .

       بالمعنى الخامس الجهل في الوظائف الحكومية عند الحديث عن السلطة ومن استفاد من امتيازاتها المتعددة، بلسان "أبي زهيرة " الذي يمثل عامة الشعب قائلا: <<... تريدين الوظائف اختاري ... لا يهم من التعليم إلا ما يستر العيب. الشهادة الابتدائية. أو ما قاربها بالفرنسية. ربع يس أو أقل من العربية . لا تقرئين ولا تكتبين في هذه الحالة تكونين وزيرة...>>(80) .

      وهكذا يشكل الجهل في النص الروائي قطبا دلاليا يؤدي وظيفة الدهليز الذي حاولت الشمعة ذات الضوء الخافت عبثا استجلاء سراديبه .
    
4ــ الشخصيات الأسطورية:

       + الولي سيدي بولزمان:

       يعـرّف العلماء الأسطورة بأنها العمل الخارج عن المألوف ، الخارق للعادة في صفات الإنسان. وهي تفسر أسرار الحياة والكون في أسلوب قصصي ، يدور حول التقاليد والعقائد الدينية والاجتماعية ، عاشت الأسطورة مع الإنسان القديم يخزن فيها أحلامه ، ويبحث من خلالها عن معرفة الأسرار التي تحرك حياته، وخوارق الطبيعة ، ومصادر الخير والشر (81) .

      إن هذه الخوارق التي تتميز بها الأسطورة ، والأبعاد المختلفة التي يمكن أن توظف من أجلها. كثيرًا ما تستهوى الروائيين فيعتمدون في اختيار الشخصيات على شخصية تقوم بأعمال تفوق طاقة البشر، فتوصف حينئذ بالأسطورية ، وقد ضمنها تصنيف " فيليب هامون" للشخصيات المرجعية بقوله <<شخصيات أسطورية >> (كفينوس وزوس) 82.

                   (personnages mythologiques <VENUS-ZEUS>).

       تضمنت رواية "الشمعة والدهاليز" شخصيات أسطورية ، وإن لم تهيمن في المتن الروائي. فذلك لا يقلل من شانها على المستوى الرمزي ، وعدم هيمنتها يعود إلى واقعية أحداث الرواية التي تتمثل عموما في ملابسات الانتخابات التشريعية لسنة 1992 وبعض أحداث الثورة التحريرية وهي على الخصوص طفولة الشاعر.

    الشخصيات الأسطورية في النص تتمثل في "الأولياء" وإن قل  ذكر بعضها مثل ـ أولياء مدينة قسنطينة لا ينفي أثرها على النص ، وبالمقابل الولي " سيدي بولزمان" ورد ذكره عشرين مرة في ثنايا اثني عشرة  صفحة (83) .

   ومفهوم الولي في المجتمع الجزائري أصلا كان يؤدي وظيفتين إحداهما اجتماعية والأخرى دينية ثقافية.

    الوظيفة الاجتماعية تتحقق بفضل التفاف مجموعات سكانية حول "ولي"(رجل صالح) ينشأ بينها نوع من الارتباط، وتتكون علاقات اجتماعية من مصاهرات وصداقات تصل في النهاية إلى توسيع مفهوم القبيلة والقرية عند سكان الريف عموما ، وبذلك يتحقق الميثاق الاجتماعي بين مجموعة من القرى والعروش ، وهو يقترب من مفهوم الانتماء الوطني . أما الوظيفة الدينية الثقافية يِؤديها الولي كونه قدوة حسنة في زرع الخير والمحبة بين الناس نتيجة التزامه بتطبيق تعاليم الدين عمليا. ومما لاشك فيه ينعكس ذلك على الأفراد ، وبهذا يكون الدين سبيلا إلى تحسين العلاقات بين أفراد المجتمع.

 

    وبعد وفاة "الولي" يستمر مقامه وإحياء ذكراه في تأدية الوظيفتين الاجتماعية والدينية الثقافية. لكن مع مرور الزمن، بدأ الجهل يخترق مفهوم "الولي" فأضفى عليه صفة القدرة على الإحاطة بجميع الأمور، ولا سيما في عهد الاستعمار الفرنسي . فتحول "الولي" إلى شخصية أسطورية في المعتقد الشعبي .

    وهكذا ورد في النص الروائي أن الولي "سيدي بولزمان" يرعى أمور الناس ، يعلم الغيب ، يبعث التفاؤل في النفوس للاعتقاد ببركته .

    يصادف القارئ هذا المعتقد الشعبي في النص السردي <<الشمعة والدهاليز>> على لسان "وردية أم زهيرة" أساسًا ثم على لسان" زهيرة " وبدرجة أقل بلسان أبي زهيرة .

    ما يمكن الإشارة إليه أن تقديمه على خشبة النص تم دفعه واحدة بخصائصه ووظائفه وصفاته المختلفة رغم تكرار ذكره عدة مرات . ورد أول مرة بلسان "وردية أم زهيرة" ، وذلك عند رواية زهيرة لأمها قصة الشاب الذي تراءى لها في المسجد ودعاها لصلاة العصر ، ثم اختفى فجأة. قالت الأم:<<لا يكون سوى أحد جدودك من الأب طلع لك من الساقية الحمراء . إن جدك " سيدي بولزمان" حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام . زامن السيد البخاري والسيد عبد القادر الجيلاني ، وصلى مع الأولياء الصالحين لا أحد يعرف مدفنه ولا تاريخ موته ، وما إذا كان ميتا فعلا. يتحدث عنه نسله جيلا إثر جيل نفس الحديث ، وينتظرون تجليه من جيل لآخر مع أنه لا يبخل عن الظهور إلا أنه لا يظهر إلا لمن أحبهم الله من ذريته ، ولا يظهر إلا على حافة الزمان. ظهر في قرية أبيك غداة اندلاع الثورة لأكثر واحد ومنهم أبوك، يظهر شابا يافعا ومرة كهلا ومرة شيخا هرما>> (84) . ما يمكن استخلاصه من هذا التقديم ما يلي :

       أـ اسم الولي "بولزمان" مركب تركيبا إضافيا أب أضيف إليه الزمن . وكأن له السلطة على الزمان فهناك تكثيف لمعنى الزمان في التسمية ، وبما أنه لا يظهر إلا على حافة الزمان ، فهنا إشارة إلى أن أزمات الشعب الجزائري أزلية ، هذه المبالغة في دلالة الاسم تعني كثرة الوضعيات المتأزمة منذ القدم، ومازالت و"الولي" بولزمان" يتولى أمرها كلما تكررت . وهذا النوع من التحليل على مستوى تجزئة الاسم إلى عناصر الأساسية <<المورفيمات>> تسمح للقارئ تأويل مدلول الاسم حسب توظيفه في النص، يقول في ذلك "فيليب هامون": <<وقد يجنح القارئ إلى عزل الجذر واللواحق والسوابق داخل اسم العلم ، ويقوم بدراسة المورفيمات بطريقة استرجاعية وذلك حسب مدلول الشخصية >>(85).

    

   ب ـ الخبر في تقديم "بولزمان" فيه مزج بين التأكيد على صحة ما قيل عنه وظنية القول الذي يبعث الشك في المعلومات المقـدمة إشارة إلى الحقيقة والخيال في قضية الأولياء .

 - القابل للتصديق : إنه جدك . حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام  ، زامن السيد البخاري .

 - القابل للتكذيب : لا أحد يعرف مدفنه ، ولا تاريخ موته .

 - الخيال : زامن السيد البخاري والسيد عبد القادر الجيلاني الأول عاش 810م ـ 870م

                                                               والثاني مات سنة 1166 م .

           : وما إذا كان ميتا فعلا ً .

         جـ ـ ذكر عبد القادر الجيلاني * (عبد القادر الجيلالي عند عامة الناس) إشارة إلى القادرية وهي طريقة تعيـش في صلب المجتمع الجزائري فهذه عجوز يروعها مشهد فتعبر عن ذلك (يا سيدي عبد القادر) وهي طريقة نسبت إلى اسمه ازداد عدد اتباعها بعد موته انتشرت بقوة في المغرب العربي والهند المسلمة ولا يزال الناس يذكرون الرجل .

         دـ إنه يظهر لمن أحبهم الله ويكون ذلك على حافة الزمان (الأزمة) .

         هـ ـ إنه يظهر شابا أو كهلا أو شيخا هرمـًا .

         وـ يدعو لمن يتراءى له بصلاة العصر .

         زـ يتحدث عنه نسله جيلا إثر جيل الحديث نفسه وينتظرون ظهوره .

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

           *عبد القادر الجيلاني عاش في القرن الثاني عشر وهو من أصل فارسي درس أصول الفقه اعتنق الصوفية . صاحب أفكار عميقة ومن جملة أقواله << إن الإحساس الديني العقائدي الذي يترتب على تعاليم واضحة وأسس مذهبية ، قد يصل بصاحبه إلى انحرافات ، فالصائب عنده هو اتخاذ العقل والقلب حيث يترسخ المعتقد أكثر فأكثر>> . كان ذا تأثير منقطع النظير حيث كان يلتزم في دعوته بالمواعظ البسيطة المفهومة العميقة المعنى يستوحيها من القرآن. فمن أقواله أيضا .<< أنظر في سرك الداخلي ستجد عظمة الخالق فيك توكل على الله لتتجاوز بنفسك الشهوات يكفيك التوكل عليه وسترى بنفسك أعاجيب خلقك يا إنسان>>  وقد تمكن بثباته في الفكر والموعظة من تعديل المتقد في مذهب التصرف اجتمع الناس من حوله بالآلاف .

 الخبر الأسبوعي (من التاريخ)ع114 من 08إلى 14 ماي2001. ص19.

 

 

 

 

 

 

  هذه هي خصائص ومواصفات الولي بولزمان أوردها المؤلف دفعة واحدة. فتكراره في النص لم يضف إلا بعض التفصيلات لهذه المميزات . فسبب ظهوره مثلا: يتنوع رغم ما قيل أنه لا يظهر إلا على حافة الزمان فتفسيرها يختلف من وضعية إلى أخرى . وردية أم زهيرة تفسرها ببعض المؤشرات التي لاحظتها في المجتمع: فقالت: تأملي، نزع الرجال السراويل ، اكتحلوا واستاكوا وتعطروا . وضاقت المساجد بالمصلين فتحولت الساحات إلى مصليات يعبد الناس فيها ربهم ويرجمون بعضهم (86) . فظهوره على العموم كان على التوالي:

       ــ ظهر شيخا هرما لأبي زهيرة إيذانا منه بزواجه بوردية(87) .

       ــ بفضل سيدي بولزمان تاب أبو زهيرة واستبدل الخمارة بالمسجد(88) .

       ــ وردية لا تشترط في تزويج بناتها سوى طاعة الله ، (والشايلله) بسيدي بولزمان(89) .

          ورد على لسان زهيرة وأمها عدة مرات أن "الشاعر" قد يكون هو سيدي بولزمان رغم نفور وردية من الشاعر الذي استولى على عقل ابنتها، بل جاء على لسان زهيرة بشيء من التاكيد أن الشاعر <<هارون الرشيد لعبة سيدي بولزمان>> .

      وهكذا الشخصيات الثلاث تعتقد أن الولي بولزمان حاضر في كل مكان وأنه يراقب كل الأمور وهو الذي يتولى التدبير وإيجاد الحلول .

      إن القراءة الوااقعية لمدلول شخصية "بولزمان" تظهر الاختلالات الفكرية في المجتمع. فعائلة زهيرة تضم بين أفرادها من يحمل الشهادات الجامعية  ويفترض أن يُحدث الجامعي تغييرا فيما تعلق في ذهن الأم والأب من معتقدات خاطئة لا تستند على العقل ، ولكن الواقع أظهر العكس فالأم استطاعت أن تؤثر في بناتها الجامعيات بصحة ما ينسب إلى "بولزمان" ولعلّ ما يؤكد هذا التأويل أن النص أورد أبا زهيرة هو الشعب . فقد قال: << هم مجاهدون ، هم مسؤولون ، ضباط شرطة أنا فقط ووحدي الشعب الذي عليه أن لا يغفل إطلاقا عن إرضائهم>>(90) . فعائلة زهيرة إذا ما هي إلا عينة تمثل جميع فئات المجتمع فالاختلالات الفكرية بين أفراد هذه العائلة إنما هي سائدة في المجتمع بأكمله.

     ولكن في العمل الإبداعي لا يستبعد أن تعد الشخصية الأسطورية رمزًا. إنها ترمز إلى ضياع الشعب إنه شبيه بذلك الغارق الذي يحاول أن يتشبث بأي شيء ينجيه ، فالإنسان كثيرا ما يقف حائرا أمام بعض المصاعب التي تعترض حياته يتمنى أن تتحقق الخوارق في غياب الحلول الموضوعية ، فيمكن تصور راكب طائرة وهي تتهاوى بالسقوط فماذا سيجول في فكره في هذه الحالة الصعبة لا شك أنه ينتظر أن تحدث معجزة. فكذلك الشعب بمختـلف فئاته أمثال عائلة زهيرة إنهم يعبرون بالالتجاء إلى بولزمان عن هذا الضياع حيال المصاعب التي تواجههم في غياب أولي الأمر الذين يثـقون فيهم بإيجاد الحلول، فهو إذا تعبير عن عدم الثقة في السلطة.

      كما يمكن أن تحتمل هذه الشخصية دلالة أخرى أن بولزمان ما هو إلاّ الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض. إن الإنسان هو الوحيد بين المخلوقات الذي يحقق المعجزات، فقد أودع فيه الله العقل الذي يصنع به كل الخوارق منذ الأزل . وإن أخفق في فترة فلا محالة سيعقبه النجاح بمرور الزمن بشرط إعمال العقل والأخذ بأدوات العصر. أفلم يقل النص : أنه ظهر غداة الثورة ؟ ألم يحقق المجاهدون المعجزة بإخراجهم الاستعمار الفرنسي؟! ولعل ما يرجح احتمال هذا التأويل أن "بولزمان" يظهر باستمرار بدعوة صاحبه بأداء صلاة العصر. فالصلاة تعني أداء الواجب في وقـتـه، والعصر يقصد به الزمن الذي يعيشه الفرد، عليه أن يكون ابن عصره ويتسلح بما يتطلبه من علم وتبصر وعزم. قد ورد في النص أن مفهوم العصر لا يعني بالضرورة ميقات الصلاة. جاء على لسان الشاعر في حوار مع زهيرة : << ما مررت أمام مسجد أو اقتربت منه، إلا وانتصبت كيانا مكتملا حقيقيا ليس خيالا أو شبحا تطلبين مني أن أدخل فأصلي العصر. لا تأمرين إلا بصلاة العصر . وقد تعمدت أن أتواجد أمام الجامع الكبير بساحة الشهداء على الساعة العاشرة صباحا فجئت ، وسلمت ، وسبقتني ، قلت تصلي العصر. أردت أن أسألك أي عصر تعنين فوجدتني وحدي في الجامع أتيمم وأصلي ركعتين>>(91). بهذا يكون "بولزمان هو الإنسان بكل مؤهلاته الذي يجسد التفاؤل ومن خلال هذه الشخصية الأسطورية استطاع النص أن يجمع بين الضياع والتـفاؤل وبذلك يحقق مقروئية عنوان الرواية.

       هذه هي الشخصيات المرجعية لرواية الشمعة والدهاليز ودلالاتها ، وهي في العموم تتعلق بالشخصية الجزائرية تأكيدا لأصالتها ومساهمتها في الحضارة الإنسانية ، ومقاوماتها المريرة للعدو الأجنبي على مر العصور. وتصويرا لصراعها مع الذات في بعدها الإنساني بما تفرز الحياة من شهوات وملذات الحياة المادية. وإشارةً إلى صراعات ثقافية مفتعلة بين الأشقاء .

لعل الاختلالات السياسية في السنوات الأخيرة أوحت إلى الطاهر وطار بأن يعود إلى التاريخ لرسم معالم الشخصيات . فاعتمد على التراث في بنائها ، فجمع بين الحقائق التاريخية والموروث الثقافي الشعبي وما نتج عن التحولات في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يمر بها المجتمع ، وخياله الفني .

 

 

والطاهر وطار يستهويه هذا الجمع فمفهوم الأدب عنده يقوم على ترابط تلازمي بين الواقع التاريخي والواقع القصصي ، فقد أجاب عن سؤال << أيهما يصنع أصالة الأدب. الواقع أم التخييل >>، بقوله:<< الاثنان ، إنه الخيال في عمق الواقع ، إن الواقع ليس المرئي فحسب>(92).

     الدراسة لا تزعم أن هذه القراءة نهائية، إذ يمكن لقارئ آخر أن يعيد دراسة وتحليل هذه الشخصيات وغيرها ، كما يمكن له أن يوظف علاماتها لما يراه من المعاني غير التي استخلصتها هذه الدراسة. فالرواية غنية بالشخصيات المرجعية وفي هذا المعنى يقول "نور الدين السد":<< لا يمكن بحال من الأحوال استيعاب جميع إمكانات النص الأدبي ، وحصر جميع أبعاده، ودراستها دراسة تستوفي جميع جوانبها>>  ويواصل يقول : ولعل هذا هو السبب الذي حدا بالناقد "رولان بارث" إلى القول : <<بان القارئ هو الأصل وليخرج من النص ما يريد، إن القارئ يلعب دورا هاما في إعادة إنتاج معاني النص>>(93).

     وهكذا فالتحليل ركز على هذه الشخصيات المرجعية التي تخدم الموضوع الأساسي في الرواية، وهو الأصالة وأزمة الجزائر. 


هـــوامـــش الـفـصـل الـثـانـي

  1.  الصادق قسومة، المرجع السابق، ص:103 . 104.

  2.  فيليب هامون، المرجع السابق،  ص 24.

  3.  وطار الطاهر،رواية الشمعة والدهاليز، منشورات التبيين الجاحظية، الجزائر، 1995. ص.9.

  4.  الرواية، ص. 10.

  5.  الرواية، ص. 61.

  6.  توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث، من خلال بعض نماذجه، الدار العربية للكتاب، 1984. ص.111.

  7.  حميد لحمداني، المرجع السابق، ص. 29.

  8.  رشيد بن مالك،  المرجع السابق، ص. 135.

  9.  فيليب هامون، المرجع السابق، ص.28. ( الهامش 24).

 10.  الرواية،ص. 28.

 11. الرواية،ص. 28.

 12. الرواية،ص. 90.

 13. الرواية،ص. 21.

 14. الرواية،ص. 68.

 15. الرواية،ص. 143.

 16. الرواية،ص. 149.

 17. الرواية،ص. 160.

 18. الرواية، ص: 178. 179

 19. الرواية،ص. 21.

 20. الرواية،ص. 80.

 21. الرواية،ص. 113.

 22. الرواية،ص. 19.

 23. الرواية،ص. 43.

 24. الرواية،ص. 160.

 25. الرواية،ص. 49.

 26. الرواية،ص. 49.

 27. الرواية،ص. 77.

 28. الرواية،ص. 57.

 29. الرواية،ص. 182.

 30. الرواية، ص: 78. 79.

 31. الرواية،ص. 168.

 

 

 

 

 32. الرواية،ص. 68.

 33. الرواية،ص. 158.

 34. الرواية،ص. 191.

 35. الرواية، ص: 90. 91.

 36. الرواية،ص. 73.

 37. الرواية،ص. 171.

 38. الرواية،ص. 20.

 39. الرواية،ص. 20.

 40. الرواية،ص. 32.

 41. الرواية،ص. 43.

 42. الرواية،ص. 57.

 43. الرواية،ص. 48.

 44. الرواية،ص. 186.

 45. الرواية،الصفحات. 12. 21. 98. 187.

 46. الرواية،ص. 42.

 47. الرواية،ص. 31.

 48. الرواية،ص. 39.

 49. عبد المالك كجور، تحديث قراءة الشخصية الأدبية، مجلة المساءلة، العدد2،3. 1992. ص.33.

 50. الرواية، ص. 65.

 51. الرواية، ص. 147.

 52. الرواية، ص. 147.

 53. الرواية، ص. 141.

 54. الرواية، ص. 138.

 55. الرواية، الصفحات. 157. 158. 159.

 56. الرواية،  ص: 87. 88.

 57. الرواية، ص:  102. 103.

 58. الرواية، ص. 65.

 59. الرواية، ص. 69.

 60. الرواية، ص. 63.

 61. الرواية، ص. 72.

 62. الرواية، ص. 183.

 63. الصادق قسومة،المرجع السابق ص: 102. 103.

 64.  Hamon Philippe,  pour un statut sémiologique du personnage ,page122.      

 

 

 

 

 65. الرواية، الصفحات، 14 . 15 . 16  .

 66. الرواية، ص: 114. 115.

 67.  Hamon Philippe,  pour un statut sémiologique du personnage , page 122.

 68. الرواية، ص.9.

 69. الرواية، ص.11.

 70. الرواية، ص.160.

 71. الرواية، ص.113.

 72. الرواية، ص.98.

 73. الرواية، ص.92.

 74. الرواية،ص: 178. 179.

 75. الرواية، ص.186.

 76. الرواية، ص.181.

 77. الرواية، ص.184.

 78. الرواية، ص.160.

 79. الرواية، ص.185.

 80. الرواية، ص: 124. 125.

 81. محمد محمود أبو عزيز، الفيصل ، مجلة ثقافية شهرية، ع. 280. يناير/فبراير 2000م. المملكة العربية السعودية، ص. 53 .

 82.               Hamon Philippe, pour un statut sémiologique du personnage, page 122.

 83. الرواية،الصفحات،121.120. 125. 127.126. 128. 153. 156 .165.173.167 .194.

 84.  الرواية، ص: 120 . 121 .

 85. فيليب هامون، المرجع نفسه، ص. 55 .

 86. الرواية، ص. 121 .

 87. الرواية، ص. 125 .

 88. الرواية، ص: 126. 127.

 89. الرواية، ص. 128 .

 90. الرواية، ص. 124 .

 91. الرواية، ص. 170 .

 92. نقلا عن عبد الوهاب الرقيق، المرجع السابق، ص. 32.                                                                                                                   (Algérie Actualité, N°1290, du 05 au 11 juillet1990, page40.)

93.نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب، دراسة في النقد العربي الحديث، تحليل الخطاب الشعري والسردي، الجزء الثاني، دار هومة، الجزائر، 1997. ص:  180 .181 . 


الــفــصــل الــثــالــث

الـشـخـصـيـات الأدبـيــة

 

تـمـهـيـد:

      أ)ـ تقسيم النص إلى وحدات

     ب)ـ خطاطة للشخصيات الأدبية

   

1/ـ الوظائف السردية للشخصيات الفاعـلـة

     1-1) جدول البنى الوظيفية

     1-2) شرح البنى الوظيفية

 

2/ــ تـوزيـع الـعـوامـل

     2-1) الترسيمات العاملية

     2-2) العلاقات بين العوامل

 

3/ــ تحديد مؤهلات وصفات الشخصيات

     3-1) المقاييس

     3-2) المؤهلات المعنوية والمادية

     3-3) التقابل بين الشخصيات

     3-4) التوزيع الجغرافي للشخصيات

     3-5) مقروئية أسماء الشخصيات
                  
تــــمـــهـــيـــــد:

 

       أ)ـ تــقــســيــم الــنـــص

 

      اعتمدت الدراسة على التقسيم الذي وضعه الطاهر وطار لروايته " الشمعة والدهاليز". حيث جعلها في شقين، وزع عليهما عنوان الرواية. فعنون الشق الأول ب"دهليز الدهاليز" يستغرق واحدًا وتسعين صفحة موزعة على ثمان لوحات. بينما الشق الثاني عنونه « با لشمعة » واستغرق سبعًا ومائة صفحة موزعة على خمس عشرة لوحةً.

    لم يعتمد بناء النص على نظام الفصول، وإنما بني في شكل لوحات مفصولة بنجمات ثلاث. لعل مضمون النص الذي تتداخل فيه الأحداث والأزمنة علة هذا التوزيع.

    ولذا حافظت الدراسة على هذا التقسيم، فوُضع في شكل جدول يحدد فيه ترتيب اللوحات، وعدد الصفحات التي تستغرقها كل لوحة. والجمل التي بُدئت بها، وتلخيص مضمونها، وأخيرًا الشخصيات الأدبية الواردة فيها.

     تسعى هذه العملية أساسًا إلى توضيح نسبة حضور الشخصيات في النص وإمكانية الاطلاع على ملخص مضمون الرواية انطلاقا من ملخصات اللوحات .

 

       ب) خطاطة الشخصيات الأدبية:

 

        قد استخلصت  الخطاطة من قراءة متأنية للرواية. وهي صورة مختصرة لوضعية كل شخصية في النسيج الروائي، وتلخص مختلف العلاقات التي تربط بين الشخصيات.
دهــلـيـــز الـدهــالـيــــز

ترتيب اللوحات

الصفحات

بداية اللوحة

ملخص مضمونها

الشخصيات الواردة فيها

1

 

 

8 - 16

استيقظ الشاعر مرعبًا

الوضع العام. أصوات في كل ساحات الجزائر من آلاف الحناجر. مبعث حيرة الشاعر، البحث عن معرفة ما جرى

الشاعر، الجيران أحد أفراد الحركة إشارة إلى الفتاة(زهيرة).

 

2

16 - 22

قطع الطريق غير المعبد

اكتشاف الوضع. حركة تبتهج شباب يجهد نفسه في التظاهر. أغلبهم من الطبقة الفقيرة

الشاعر.

شباب الحركة

 

3

22 - 30

اقترب من مدخل الحراش

بداية الخطر. اتصال الشاعر بأفراد الحركة وهم مسلحون التعرف على عمار بن ياسر الأمير

الشاعر. بعض أفراد الحركة.

 عمار بن ياسر

4

30 - 40

ما الذي أوصلني أنا شخصيًا

اقتحام دهليز الحركة. سببه فتاة تعرف عليها.

تذكر العارم، وقصتها مع الضابط الفرنسي

الشاعر. إشارة إلى الفتاة، العارم. المختار عم الشاعر الضابط الفرنسي(بول). أفراد دوريته، أم العارم

5

 

 

40 - 41

عمي مختار أصارحك

مصارحة عمه المختار بمغامرة العارم الناجحة مع الضابط الفرنسي

الشاعر. عمه المختار العارم وأسيرها الضابط الفرنسي

6

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

41 - 59

تراءت مرة أخرى في ثوبها العسلي

تذكر الفتاة وصفاتها المؤثرة.تعرف عليها في ساحة أول ماي.

الشعب بين طرف التغريب والطرف الآخر الفقراء.

 تذكر طفولته، دراسته، الالتحاق بالثانوية. الفقر المدقع اختيار الثانوية الفرنسية من أجل تصحيح بعض المفاهيم الإسلامية التي يتداولها بعض الشيوخ والعجائز.

كيفية الاتصال بين المجاهدين في الجبال والثوار في المدن.

وصف مدينة قسنطينة 

الشاعر. الفتاة

الشاعر في طفولته

بعض أهل القرية. أمه. قريبه « بابانا آدم »

مدير المدرسة. الحوذي « سائق الكليش ». الشاب الفرنسي الذي ضايقه مرة. القيم « العملاق الكورسيكي » عمه المختار. أبوه .جده .جدته

7

59-74

وقف أما الحديقة والهتافات تملأ أذنيه

وضعية الشاعر الخاصة .

علاقته بالشباب الفقراء المتظاهرين.منزله وأثاثه

الحديث مرة أخرى عن طفولته، وحكاية الرقصة الخاصة والبرنوس.

تداخل الأزمنة بين الماضي والحاضر . شرح أسباب الرقصة ومصاعب اللحن والإيقاع

الشاعر. عمه المختار

أفراد الحركة.

أم الشاعر وخالته. طلبة الثانوية

العملاق(الكورسيكي)

اليهودي الذي استعان به في أداء اللحن . ماسياس.العارم. أطفال ونساء وشيوخ الدوار

8

74-99

أيقضه عمار بن ياسر متسائلا أين كنت أيها الشاعر الحكيم

الحديث مرة أخرى عن عمار بن ياسر الأصوات التي خرجت من أجل استكشاف أسبابها. توحي بالجنازة أكثر ما توحي بالبهجة.

السلطة وأكاذيبها

عمار يتذكر أباه الذي يجري وراء المال وأعاد الزواج بعد الاستقلال.

ينقل حوارًا معه، في الثورة، في الدين، في الحكم .

عمار بن ياسر.

الشاعر.

إسماعيل أبو عمار

اخوته وأخواته وأمه وزوجة أبيه.

اخوته من أبيه.

دون ذكر الأسماء.

 

 

 

الــشــــمــــعــــة

9

100-116

ومض البرق. أطلت في مخيلته بوجهها الغلامي

تذكر الفتاة وصفاتها

صعوبة التحدث عن المرأة بالعربية بسبب الطريقة التقليدية التي تعلم بها.

 سرد قصة لقائه بالفتاة.

إعجابه بلغتها العربية الفصيحة. الانتهازية. وضعية البلاد المزرية الطريق مسدود أمام تغيير نافع.

الشاعر. الفتاة

شبهت ب(الخيزران).

سائق الحافلة والقابض أخوات الفتاة إجمالا. أبو الفتاة تاجر صغير.

 

 

 

10

116-133

مساء الخير يمة تخلصت من حذائها متأففة

تعبها في البحث عن العمل. العمل بالوساطة. إخبار أمها بتعرفها على الشاعر . -التفكير في الزواج.-وصف جسد الفتاة. -الحجاب وزواج أخواتها.     -الحديث عن الولي بولزمان. دعاء أمها وردية. أبوها ومهنته، والذين استفادوا من الاستقلال. الفتاة تقدم تقريرها اليومي لأمها. النقل ومشاكله. الصحافيون باللغة العربية.

زهيرة. أبواها.

ابنة خالتها والمهاجر التاجر.الشاعر.

أخواتها. دنيا زاد. رجاء. شريفة شاهيناس

اخوتها:الباهي البطال. الصادق في الخدمة العسكرية.

الوافي الطالب.

أحد الأقارب الذي

منح للأب نصبة الخضر . الرجال الذي ضايقوها في الشارع . الرجل الصلع صاحب السيارة الفخمة الصحافيون بالعربية  صديقة لها تعمل بالجريدة.

11

134-147

طوى الكتاب الذي لم يكن ليقرأ فيه. حالما توقفت الحافلة أسرع إلى القطار

العودة من مغامرة مع الفتاة. وصف منطقة بلكور. انتظار مشاريع تقيمها الشركات المتعددة الجنسيات. وصف(الخيزران) مرة أخرى. الحب وانفعالاته. تساؤلات حول علاقة الرجل بالمرأة، بالجمال، بالجنس، كثافة السكان، احتمال المجاعة. الرقصة الخاصة . اختلالات فكرية في المجتمع. فقدان العقل. الإيديولوجيات ومدى فعاليتها.  الدين وأثره في المجتمعات واستغلاله لأغراض مشبوهة.

اقتراح إجراء بحث مع الطلبة حول خصوصيات المرحلة من حيث العرقيات والديانات. من حيث الصناعات. من حيث المبادلات التجارية. من حيث الاتصال الإعلامي.

كل هذه الأفكار بسببها الفتاة أنها شمعة تضيء الدهليز.

الشاعر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الــفــتــاة

12

147-149

استلقى في السرير بثيابه بسروال الجين الخشن الذي يسع عدة أجسام من مثل جسمه

الراوي يسرد حالة الشاعر المزرية. العزوبة، العزلة. وحشة المكان وغرابة الزمان. نصائح أمه الضائعة .أشرف على الأربعين من عمره.صعوبة التوفيق بين الزواج والتفرغ للبحث العلمي

الشاعر

 

أمــــه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

13

149-153

طبيب ما في ذلك ريب.

 عليك مئزر أبيض وعلى رأسك قلنسوة

حلم: طبيب يقوم بعملية جراحية لاستخراج الجنين ثم المرأة تتحول إلى سيغار.

بطيخة زرقاء. أروت من ماء السد بالأصنام(الشلف) قرروا بيعها مع باقي الحقل.

حملتك سفينة فضائية إلى أماكن متباعدة بين الهند ومصر وفرنسا. ها أنك بين ذراعي فتاة في الثانية والعشرين .

تهتز الأرض. كأنها خناجر تشقك كأنما الحمرة التي في داخلك تتحول إلى دم بل إنها لكذلك الدم يملأ الحقول.

ثم الخيزران تهتف من عمقك من كيان كيانك.

الشاعر

الخيزران(الفتاة)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

14

153-157

أراه يا يمه. أراه أينما اتجهت أراه. كلما فكرت فيه

الخيزران تحدث أمها عن تأثرها بهارون الرشيد(الشاعر)

أقتحم حياتها بسرعة.

الشاعر يقص عليها . قصة البطيخة والمرأة التي تحولت إلى سيغار. استوقفته وتأملته جيدًا. ثم همست له.

ـ أتؤمن بالأولياء الصالحين

ـ أؤمن بوحدة الكون بأن الكون واحد، وبأن الواحد كل.

فسحة في شارع العقيد عميروش ثم سكوار صوفيا .             

الخيزران

أمها

الشاعر

15

157-165

قد يكون عاودني  المرض.

قال في نفسه، وأنهمك يستعيد أيام المحنة الكبرى

الحديث عن زيارة  قام بها إلى بلغاريا وما لاحظ من تغير في المفاهيم أثر المال على الرجال. الحديث عن الوطن، قلة التضحيات وكثير الاستفادات.

الجهل عمق من أزمة الوطن .

الدين، الإيديولوجيات، الرجال

الشاعر

 

 

 

 

 

 

16

165-169

وهل يمكن يا أمي أن يتجلى سيدي بولزمان (الشايلله) به في شكل امرأة

السيد بولزمان وكراماته

الفتاة معجبة بثقافة الشاعر الواسعة.

<<اسمعي يا بنة: لا تكونين تلتقين به يوميًا، طوال هذه العشرة أيام ألا عمل له غير أن يتفلسف عليك؟>> سكتت.

الخيزران

 أمها

الشاعر

17

169-176

أراك كي لا أراك

عندما أكون أمشي في الطريق تتمددين أمامي ظلا مجسدًا، يتنقل مع بصري في كل اتجاه

يتحدث الشاعر عن الخيزران وانعكاس ذلك على حياته، انقلبت حياته رأسًا على عقب .

يقول:<< أحمل العصا، وأروح أطاردك من غرفة لأخرى فتتحول مطاردتي إلى رقصة مرواح الخيل.

أه إنني لأول مرة في حياتي أشعر بالسعادة وطمأنينة الروح. فشكرًا لله. شكرا لله. شكرًا لله على نعمه.>>

الخيزران تتحدث عن أخواتها وصفاتهن وبعض التعاليم التي حفظتها من أمها.

تأثرها بأفكار الشاعر.

الشاعر

الخيزران

أخواتها

شريفة

 العالية

 شاهيناس

 رجاء

دنيازاد

أمها وردية

 أبوها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

18

176-188

من يقصدني في هذا الوقت.

من يقصدني أصلا

الوالد يعلمني بمجيئه

غرباء يقصدونه ليلا بالمنزل يحددون له موعدًا للقاء بالغد في منتصف النهار بمسجد الحراش. كانوا ثلاثة.

الانتهازية السياسية          تستخدم الدين

إقحام حوار بين شباب يتشبث بالأصالة وأب يتنكر لتاريخ الوطن.

الموسيقى ودورها في الحفاظ على الأصالة إشارة إلى بعض المثقفين الذين يتجاهلون الأصالة.

إمام في هذا البلد يحافظ على الهوية ولا أحسن عالم يِدي بالأمة إلى متاهات الاغتراب إشارة مرة أخرى إلى الخيزران.

الشاعر. الغرباء الثلاثة

شاب في جدال مع أبيه .

أبو الشاعر .

 عمه المختار

العارم

الخيزران

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

19

188-189

أيها الشهيد ، أيها الشاعر الشهيد،       أيها الوزير الشهيد،       أيها الشهيد الأول

عمار بن ياسر يقرأ تأبينا على جثة الشاعر.

الخيزران تقف عند رأسه بلباسها جلباب أبيض وخمار أسود عيناها لا تفارقان الجثة وكأنها تقرأ صفحة من كتاب، أو تستمع إلى حديث هامس

عمار بن ياسر

الشاعر

الخيزران.

 

 

 

 

20

189-203

من يقصدني في هذا الوقت

من يقصدني أصلا الوالد يعلمني بمجيئه

غرباء يقتحمون منزله ليلا عددهم سبعة وهم مسلحون. المحاكمة

تهم مختلفة

الشاعر

أبوه.

 أخته

الغرباء السبعة

الفتاة(زهيرة)

21

203-204

ألف منظرها، العقارب التي في أيديهم. لم تعد تثيره أو تخيفه.

انتظار النهاية الحتمية (الموت) تذكر الخيزران

الشاعر

الملثمون الغرباء

الخيزران.

22

204-206

تحرك الستار الأزرق

انفتحت النافذة انغلقت وقع الستار الأزرق

تحدث حركة غير عادية بمنزل الخيزران

الخيزران في حالة صرع

الأم تحاول فعل شيئًا دون جدوى تعاويذ دعوة حضور بولزمان.

جو عام غريب مظلم

الخيزران تستيقظ، تسأل عن الساعة. إنها العاشرة والنصف قتلوه تقول . تدمع عيناها.

الخيزران

أمها

أبوها

أخواتها

الشاعر

23

206-207

وحدة رقم19 مكررة.

المحتوى نفسه

الشخصيات مكررة.

 


 


 



         الـشـخـصـيـات الأدبـيـة

 

      إذا كانت الشخصيات المرجعية تحيل إلى مورفيمات خارج النص، فـليس للمؤلف حق التصرف فيها، وإنما يحاول أن يوظفها لأداء معان تخدم موضوع النص الروائي. فإن الشخصيات الأدبية وإن كانت تحيل إلى معان وأدوار وبرامج، فهي من صنع المؤلف أي ليست سابقة للنص بل متزامنة وناشئة عنه(1) . إنها عبارة عن وحدات منتشرة من المعاني التي تبنى تدريجيا في عمل قصصي لتشكل البطاقة الدلالية للشخصية طوال القراءة(2).

      فالشخصيات الأدبية تشارك في الأحداث عكس الشخصيات المرجعية، إنها تساهم في مجرى النص على مستوى القول أو على مستوى الفعل أو على مستوى القول والفعل معًا، وعلاماتها من عند المؤلف فهي ليست مطابقة لشخصيات بعينها. وقد صنف "فيليب هامون" الشخصيات الأدبية في فـئتين:

ـ فئة الشخصيات الواصلة والتي هي علامات على حضور المؤلف أو من ينوب عنه في النص، إنها الوسائط وهي بالخصوص لسان المؤلف(3). إن الشخصيات الواصلة تساهم في تطور أحداث الرواية.

ـ فئة الشخصيات المتكررة une catégorie de personnage anaphores فهي تحيل فقط على النظام الخاص بالعمل الأدبي، فالشخصيات تنسج داخل النص شبكة من الاستدعاءات والتذكيرات كمقاطع منفصلة، وهي ذات وظيفة تنظيمية أي أنها علامات، تقوي ذاكرة القارئ. تبشر بخير تحدد برنامجًا، الخ. وتظهر هذه النماذج في الحلم، أو في مشاهد الاعتراف والبوح، وكل هذه العناصر تعد أفـضل الصفات لهذا النوع من الشخصيات ومن خلالها يقوم العمل بالإحالة على نفسه بنفسه(4).

       وتتم دراسة الشخصيات الأدبية عند فيليب هامون انطلاقًا مما تقوله الشخصيات الأخرى عنها، وكذلك مما تقوله هي نفسها، وتفعله. فهي إذن تتضح من خلال أفعالها وأقوالها، حيث تتحرك وتتكلم. وكذلك أيضا التقابل من خلال علاقة شخصية بشخصيات أخرى في الملفوظ(5).

       الشخصيات الأدبية في رواية الشمعة والدهاليز. إما شخصيات تشارك في الأحداث ورواية بعض أحداثها، مثال ذلك: الشاعر عمار بن ياسر زهيرة(الخيزران) وردية أمها.

      وإما شخصيات تشارك في جريان الأحداث فقط ومثال ذلك : العارم، الضابط الفرنسي(بول) ومدير المدرسة، والقيم العملاق الكورسيكي، وأبو زهيرة، وقريب الشاعر بابانا آدم، أبو الشاعر وأمه وعمه المختار وأم عمار وأبوه إسماعيل وزوجة أبيه.

      كما أن هناك شخصيات ذكرت فقط، ولا تعرف إلا من خلال ما تقوله عنها الشخصيات الأخرى، ومثالها. أم العارم، اخوة وأخوات عمار بن ياسر، والحوذي سائق "الكليش" وسائق الحافلة والقابض واخوة وأخوات زهيرة، والرجل الأصلع صاحب السيارة الفخمة، الموظف السامي والصحافيون، وشباب الحركة وابنة خالة زهيرة شريفة والمهاجر التاجر الذي ينوي الزواج بها، والمجاهد الحملاوي، والشاب الفرنسي الذي ضايق الشاعر يوما في الثانوية، وجيران الشاعر، وأخته وأهل القرية أطفال ونساء وشيوخ، والآخرون رجال السلطة الانتهازيون والناس بصفة عامة.

     وما تجدر الإشارة إليه أن الشخصيات التي لا تظهر في النص لا تفقد وظيفتها، فالشخصية إذ تدخل إلى نص لتؤدي وظيفة معينة مهما كانت أهمية هذه الوظيفة، فهذه الشخصيات(النوع الثالث) وإن كانت تقوم بفعل ما إلا أنها لا تقيم بحكم طبيعة أفعالها علاقات فاعلة في سياق السرد وفي تحولاته.


المصادر والمراجع

أـ المصادر

        - بالعربية:

 وطار الطاهر، الشمعة والدهاليز،منشورات التبيين الجاحظية، الجزائر، 1995.

        - بالفرنسية:

  pour un statut sémiologique du personnage, poétique du récit, EDIT Seuil1977 Hamon Philippe,

ب ـ المراجع

        -بالعربية:

1) بحراوي حسن، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.1، 1990 الدار البيضاء.

2) توفيق المدني أحمد، كتاب الجزائر، دار المعارف، مصر، 1963.

3) ديتشس دفيد، مناهج النقد الأدبي، ترجمة محمد يوسف نجم، مراجعة إحسان عباس، دار صادر، بيروت،1967.

4) رزق خليل، تحولات الحبكة، مقدمة الدراسة الرواية العربية، مؤسسة الأشرف للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1998.

5) رشاد رشدي، نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن، دار العودة، بيروت، ط.2، 1975.

6) الرقيق عبد الوهاب، في السرد، دراسة تطبيقية، دار محمد على الحامي، تونس، 1998.

7) الزيدي توفيق، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث، من خلال نماذجه، الدار العربية للكتاب، 1984.

8) السد نور الدين، الأسلوبية وتحليل الخطاب، دراسة في النقد العربي الحديث، تحليل الخطاب الشعري والسردي، الجزء الثاني، دار هومة، الجزائر، 1997.

9) سكوت ناتان، صمويل بيكيت، ترجمة مجاهد عبد المنعم، سلسلة أعلام الفكر العالمي(المجموعة الأدبية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط.1، 1974.

10) صحراوي إبراهيم، تحليل الخطاب الأدبي، دراسة تطبيقية، دار الآفاق، الجزائر، 1999.

11) العيد يمنى، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي،                  بيروت، لبنان، ط.2، 1999.

12) غنيمي هلال محمد، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، ط.1، 1982

13) قسومة الصادق، طرائق تحليل القصة، دار الجنوب للنشر، سلسلة مفاتيح، 2000.

14) لحمداني حميد، بنية النص السرد، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط.3، 2000.

15) مرتاض عبد المالك، نظرية الرواية (بحث في تقنية السرد)، سلسلة عالم المعرفة،       عدد240 ديسمبر1998.   

16) المرزوقي سمير، جميل شاكر، مدخل إلى نظرية القصة، تحليلا وتطبيقا.

                                الدار التونسية للنشر، بدون تاريخ.

17) مرسلي دليلة، والأخريات، مدخل إلى التحليل البنيوي، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، ط.1،  بيروت، لبنان، 1985.

18) الناظوري رشيد، المغرب الكبير، القسم الأول(العصور القديمة)، دار النهضة العربية، بيروت، 1981.

19) هامون فيليب، سيميولوجية الشخصيات الروائية، ترجمة سعيد بن كراد، تقديم عبد الفتاح كيليلطو، دار الكلام، الرباط، 1990.

-رسالة دكتوراه لم تنشر:

بن مالك رشيد، السيميائية بين النظرية والتطبيق، رواية نوار اللوز نموذجًا، تلمسان، 1995.

المجلات والدوريات:

أبو عزيز محمد محمود، الفيصل، مجلة ثقافية شهرية، ع.280 يناير/فبراير، 2000.        المملكة العربية السعودية.

بن حسين فرج، تحليل النص حسب المنهج الإنشائي (تودوروف)، مجلة الحياة الثقافية، تصدرها وزارة الشؤون الثقافية، تونس، ع.36/37، عام 1985.

ساري محمد، التحليل البنيوي للسرد، المبرز، مجلة أدبية فكرية، ع.11، سنة 1998.

العيد يمنى، دلالات النمط السردي، في الخطاب الروائي، ملتقى السيميائية والنص الأدبي،  عنابة، 1995.

كجور عبد المالك، تحديث قراءة الشخصية الأدبية، مجلة المساءلة،عدد2،3. عام1992.

مزدور حسين، مقاربة سيميائية قصصية، التركيب العاملي في رواية نهاية الأمس، لعبد الحميد بن هدوقة، ملتقى السيميانية والنص الأدبي، عنابة، 1995.

 -باللغة الأجنبية:

Oswold Ducrot  et Tzvetan Todorov , dictionnaire  encyclopédique des sciences du langage EDT col point 1973

فهرس المحتويات

الـمـقـدمـة

الـفـصـل الأ ول: الشخصية الروائية

4

 
1/ــ إشكالية مقولة الشخصية

5

 
2/ــ أهمية الشخصية في النص الروائي

5

 
2-1) في الرواية التقليدية

7

 
2-2) في الرواية الحديثة

11

 
3/ــ مفهوم الشخصية عند بعض النقاد المعاصرين

12

 

12

 
3-1) فلاديمير بروب

3-2) الجيرداس جوليان غريماس

14

 
3-3) تزفيطان تودوروف

16

 

20

 
3-4) كلود بريمون

22

 
3-5) فيليب هامون

4/ــ تحديد الشخصية الروائية عـند فيليب هامون

22

 

23

 
4-1) تصنيف العلامات والشخصيات

27

 
4-2) مدلول الشخصية

4-3) مستويات وصف الشخصية

29

 
4-4) دال الشخصية.

34

 
الهوامش

 

 

39

 

39

 
1/ــ الشخصيات ذات مرجعية تاريخية

1-1) الشخصيات السياسية

41

 
1-1-1: ضريح أجدار

44

 

45

 
 1-1-2: الدولة الرستمية

137

 

1

 
1-1-3: الدولة الفاطمية

46

 

47

 
1-1-4: مقاومة الأمير عبد القادر

51

 
1-1-5: الثورة التحريرية

51

 
1-1-6: التواجد التركي

55

 
1-1-7: الاستعمار الفرنسي

56

 
1-2) الشخصيات الثقافيـة

61

 
1-2-1: فكرية أدبية دينية

63

 
1-2-2: موسيقية غنائية

2/ــ الشخصيات ذات مرجعية اجتماعية

63

 
  + جيران الشاعر

65

 

65

 
3/ــ الشخصيات المجازية

68

 
+ الجهـل

4/ــ الشخصيات الأسطورية

68

 
+ الولي سيدي بولزمان

74

 
الهوامش

الفصل الثالث: الشخصيات الأدبية

78

 
تمهيد:

85

 
    أ)- تقسيم النص إلى وحدات

    ب)- خطاطة الشخصيات الأدبية

88

 
1/ــ الوظائف السردية للشخصيات الفاعلة

88

 
1-1) جدول البنى الوظيفية

89

 
1-2) شرح البنى الوظيفية

89

 
1-2-1: الشاعر

91

 
1-2-2: الضابط الفرنسي

92

 
1-2-3: العارم

93

 
1-2-4: الشاعر في طفولته(1)

95

 
1-2-5: الشاعر في طفولته(2)

 

97

 
1-2-6: مدير المدرسة

99

 
1-2-7: الكورسيكي

101

 
1-2-8: عمار بن ياسر

103

 
1-2-9: زهيرة(الخيزران).

106

 

105

 
2/ــ توزيع العوامل

110

 
2-1) الترسيمات العاملية

113

 
2-2) العلاقات بين العوامل

113

 
3/ـ  تحديد مؤهلات وصفات الشخصيات

113

 
3-1) المقاييس

3-1-1: المقياس الكمي

115

 
3-1-2: المقياس النوعي

125

 

124

 
3-2) التقابل بين الشخصيات

125

 
3-3) التوزيع الجغرافي للشخصيات

128

 
3-4) مقروئية أسماء الشخصيات

132

 
الـهـوامش

135

 
الـخـاتـمـة

المصادر والمراجع

الفهرس