المقدمة

مقدمــــة

(الثورة القادمة)


 

الثورة تعني إلغاء نظام الحكم واستبداله بنظامٍ آخر من خلال تغيير حاد لمؤسسات الحكم, وتغيير في قوى الطبقات والطوائف التي تشكّل فسيفساء المجتمع.

الثورة الناجحة يلتفّ حولها الشعب كما تلتفّ العائلة حول الأب والجنود حول قائدها لتحقيق النصر المؤزَّر ، ونجاح الثورة متعلق بعدة عوامل منها :

·        وجود قائد مُوجّه يُلهب حماس الجماهير .

·        تنظيم السكان قُبَيْل الثورة أيدلوجية متطورة لإنارة الطريق لتبديد الظلام ولنشر الأفكار ولتشجيع حملة السيف .

·        تنشر الأيدلوجية الثورة عن طريق وسائل الإعلام, ورجال الدين, والمناشير, والمحادثات السريّة . والأدب والكتب الممنوعة .

·        تتفاوت إنجازات الثورات من ثورة لأخرى.

 في كتابنا الجديد تناولتُ الثورات التي فجَّرتْ صمتَ التاريخ الإسلامي, وقلبَتْ الأمور رأساً على عقب. بعض الثورات حاولتْ تغيير مجرى التاريخ الإسلامي بشكل سلبي وثورات أخرى حاولتْ تصحيح الانحراف والانحطاط لدى ملوك ودول بقوة السيف وسلطة اللسان, والشعب الذي سئم وقع السياط على جلده سُرْعان ما ينضمّ إلى طبول الثورة, وصليل السيوف يحمل روحه على رمحه .

حرصتُ من خلال هذا البحث على عرض الثورات التي اشتعلت وأشْغَلَتْ وأنهكتْ وأهلكتْ العديد من المسلمين في كل حقبة مُبَيِّناً دوافعها وأسبابها ونتائجها وأثرها على تطور التاريخ الإسلامي.

واليوم في هذا الزمن الأصفر, زمن الذل والهوان والانحطاط الثقافي والأخلاقي والسياسي والعسكري, على وقع سقوط عاصمة الرشيد بغداد, "عِقْد الأمة" وإذلال سيّدها, على الملأ استخفافاً بأمة اتكأت يوماً على سور الصين وشربت خيولها من أنهار اسبانيا, ودانت لها إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس.

نحن أحوج إلى أم الثورات, لا ثورة فيها نحطم أصنامنا, أو نبيد بعضنا, أو نحرق ما تبقّى من تراثنا, بل ثورة تبدأ بصدورنا, بقلوبنا, نعيد للإنسان كرامته المصادرة في كل مكان. نحترم بعضنا, نصغي للآخر المختلف.

إن اختفى أحدنا لا ننام قبل عودته إلى حضن عائلته, إن جاع طفل في موريتانيا أو الصومال أو فلسطين لا نأكل ملء بطوننا قبل إن يشبع كلّ أطفال العرب, لنعيد للكتاب بريقه ومجده لأن الأمة تُتَوج بإكليل العلم, بلا كتابٍ وعلم, نَظَلُ أضْيَعُ من الأيتام على مائدة اللئام,  لنعطي لأصحاب العلم دورهم الريادي, في الإبحار بنا بعيداً عن جزر الظلام وشواطئ الخمول والإذلال.

 ثورة في تعاملنا مع جيراننا مع زملائنا مع أصدقائنا, مع أهلنا, مع أنفسنا, مع أولادنا, مع ثقافتنا, مع تراثنا, مع تاريخنا.

عندها تسقط كل الدُمى لكونها لا تلائم عالمنا التقدمي, ويكفّ العالم عن نهش لحومنا واقتطاع أرضنا, وهضم حقوقنا, وافتراس ثرواتنا, ودوس كرامتنا, ورمينا في مستنقع الإرهاب ومحيط الفقر والتخلّف.

نتوق لثورة حقيقية تعيد للعروبة كرامتها وللإسلام مجده وللإنسانية لونها.

 

  سهيل عيساوي

أيار 2005

   


رجوع