حكايات من الصحراء

البدويّ والفلاّاح


كان النفور في بداية القرن المنصرم وحتى العقد السادس منه على أشده بين سكان الصحراء من البدو والأعراب ، وبين إخوانهم العرب من سكان القرى والمدن ، وقد وصل حداً جعل كل فئة منهم ترى أنها أفضل من الأخرى ؛ فالبدوي مثلاً يرى نفسه أنه أحسن أصلاً من ساكن القرى لأنه من العرب الأقحاح ، ويرى أن سكان القرى قد أسلموا بالسيف وهم من بقايا الفرنجة أو من هم على شاكلتهم .

وهو يزدري عملهم وطرق معيشتهم ويسميهم الفلاّحين لأنهم يعيشون على فلاحة الأرض ومن أجل ذلك يسميهم بهذا الإسم ، بينما هو يعيش من سيفه الذي يغزو وينهب به ، ومن الصيد الذي يصيده بسلاحه ؟

وهو يرى نفسه يُقري الضيف ولا يصبر على الضيم والحيف ، بينما يرى أن سكان القرى لا يهتمون لا بضيف ولا يهتمون بسواه. وهو لا يزوج ابنته من الفلاحين لأنه يلحقه من ذلك العار ، لأنها في نظره كالمهرة الأصيلة ، والفلاح كالحصان المُهجّن فهو ليس من رُكَّابِها .

وهو يأنف أن يتزوج من الفلاحين حتى لا يكونوا أخوالاً لأولاده في مستقبل الأيام ، وإن فعل ذلك فللضرورة القصوى .

بينما يرى أهل المدن والقرى أن البدوي إنسان متأخر يعيش حياة بدائية غير نظيفة ، فهو رثّ الثياب ممزقها ، قذر الملابس، وحياته حياة تنقل غير مستقرة ، وليس لديه بيت ثابت يؤويه ، وليست له أملاك ومزارع وكروم مثلهم ، فكيف يزوجونه أو يتزوجون منه والحالة هذه .

وكان هناك نفور حقيقي بين الطرفين أدّى في نهاية المطاف إلى أن أهل القرى لا يزوجون بناتهم لأهل الصحراء ، لأنه يتعذر على ابنتهم أن تصبح راعية للمواشي وتسكن في خيمة ممزقة لا تقيها لا من الريح ولا من المطر .

ولا يتزوجون من بنات البدو والأعراب لأنه يصعب عليهم ترويضهن أو تنظيفهن على أقلّ تقدير ، والحكايات حول هذا الموضوع كثيرة نسوق منها هذه الحكاية الطريفة:

 يُحكى أن بدوياً أراد أن يخطب فتاة قروية ، وفي أحد الأيام أراد أن يمتحن أهلها وأقاربها ليرى مدى شجاعتهم وبأسهم قبل أن يتزوج من ابنتهم ، فجاء بجمجمة رجل ميت وأخفاها تحت عباءته ، وعندما وصل الديوان الذي يجتمع فيه أهل الفتاة التي ينوي خطبتها رمى بينهم تلك الجمجمة ، ففرّ الناس وقفزوا من أماكنهم عندما رأوا تلك الرأس المقطوعة ، وعندها تبجح ذلك البدوي متمثلاً ببيت من الشعر العامي يقول فيه :

           عَرَب تشرد من الراس والراس ميّت

                                                يِحْرَم على ولدي إن قال لهم يا خال

وترك الديوان ولم يعد لخطبة الفتاة خشية أن يصبح أولاده فيما بعد يتوارثون شيئاً مما رآه في أخوالهم .

 تعليق : وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرواسب قد انتهت تماماً من المجتمع ، فجميعنا إخوان في دين الله ، وقد تمت المصاهرة بين الطرفين ولم يعد هناك من يسمع عنها إلاّ في القصص والحكايات .


عودة للصفحة الرئيسية