حكايات من الصحراء

الفرس التي ولدت بقرة


يحكى أن رجلاً فقيراً كانت عنده بقرة صغيرة ، وكان له جار غنيّ وله فرس أصيلة ، وعنده أملاك وأراض وأطيان كثيرة .

وذات يوم قال الرجل الغنيّ لجاره الفقير : ما رأيك أن تأخذ فرسي في كلّ يوم ، وتأخذ معها بقرتك تلك الصغيرة ، وتخرج لترعى بهما في قطعـة مُعشبة من أرضي ، وبذلك توفر لبقرتك طعامها مقابل رعيك مع فرسي .

وافق الرجل الفقير على هذا الاقتراح ، وأصبح يأخذ بقرته وفرس جاره الغنيّ ويرعى بهما طيلة اليوم في أرض جاره المليئة بالعشب والكلأ .

ومرّت فترة من الزمن وهو على هذه الحال كبرت خلالها البقرة الصغيرة وأصبحت بقرة كبيرة ، وحملت من أحد الثيران وعندما دنا وقت ميلادها ذهب الرجل الفقير إلى جاره الغنيّ وقال له : أريد أن أُبقي بقرتي في البيت حتى تلد ولذلك لن أستطيع أن أخرج بفرسك إلى المرعى .

فقال له الرجل الغنيّ : أي بقرة تقصد ؟

قال : بقرتي التي أرعى بها مع فرسك .

قال : هذه بقرتي وهي ابنة فرسي وليست بقرتك .

ودار بينهما نقاش حاد ، خلصا في نهايته إلى التوجه إلى القضاء العشائري ، ليحكم بينهما في هذه القضية .

واتفقا أن يجتمعا عند صاحب بيت له خبرة في حلّ مثل هذه النزاعات لفضّ ما بينهما من خلاف .

وعندما جاء الموعد الذي اتفقا عليه ، سبق الرجل الغنيّ إلى صاحب البيت الذي سيحكم بينهما ، ورشاه بمبلغ من المال ، الأمر الذي أعمى بصيرته فحكم بأن البقرة ابنة للفرس وهي للرجل الغنيّ وليس للرجل الفقير أي حقّ فيها .

ولم يرض الرجل الفقير بهذا الحكم بل قال سنحتكم إلى صاحب بيت آخر ، واختارا شخصاً من الوجهاء له خبرة في حلّ مثل هذه النزاعات .

وعندما جاء موعد عرض القضية سبق الرجل الغنيّ إلى صاحب البيت ورشاه بمبلغ من المال جعله يحكم له كما حكم له الرجل السابق .

ولم يرض الرجل الفقير بهذا الحكم بل قال سنحتكم إلى صاحب بيت آخر ، واتفقا أيضاً على بيتٍ لوجيه آخر ، وعندما جاء الموعد سبق الرجل الغنيّ إليه ، وعرض عليه رشوةً ولكنه رفض وقال : لن آخذ شيئاً من أحد وسأحكم بما يمليه عليّ ضميري .

وعندما عرض كل واحد منهما قصته قال صاحب البيت : لن أستطيع أن أحكم بينكما الآن ، ولكن عودا إليّ بعد أسبوع .

 فسأله الرجل الغنيّ قائلاً : ولماذا هذه المهلة ، والقضية كما ترضى ، ظاهرة كالشمس ، ولا تعقيد فيها وقد عرضنا لك كل تفاصيلها .

قال صاحب البيت : السبب بسيط وهو أنني حائض ، وبعد أسبوع سأنظف من الحيض وأطهر وأحكم بينكما .

فقال الرجل الغنيّ : كيف تحيض وأنت رجل ، والحيض لا يكون إلا للنساء ، ماذا تقول يا رجل ، هذا أمر لا يُصَدَّق !.

فقال صاحب البيت : وإذن كيف تصدّق أن الفرس تلد بقرة ، وهذا أمر غير ممكـن ، إذهب فليس لك حقّ عند الرجل ، وكفاك ظلمـاً وفجـوراً ، ولا تعد تتعرّض لجارك بأذى .

واصفرّ وجه الرجل الغنيّ ولم يستطع جواباً بعد أن أفحمه ذلك الشيـخ ، وعاد إلى بيته فاشلاً  مهزوماً ، أما الرجل الفقير فقد عاد إلى بيته مستبشراً ومسروراً ، بعد أن فاز على خصمه وعاد إليه حقّه بفضل حكمة ذلك الرجل وسرعة بديهته ، وعدله في الحكم بين الخصمين .


عودة للصفحة الرئيسية