مقدمة كتاب قصائد تغازل الشمس لسهيل عيساوي

مقدمـة

 بقلم : صالح زيادنة

 قصائد تغازل الشمس هو كتاب جديد آخر ينضم إلى قائمة مؤلفات سهيل عيساوي والتي يطرق بها الساحة الأدبية أكثر من مرة في العام الواحد ، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدلُّ على نشاط أدبيّ متميّز ومواكبة فعّالة للركب الأدبي في رحلة إبداعية مثمرة . وقبل أن نبدأ  الحديث عن الكتاب ومحتوياته أحب أن أقف قليلاً عند كلمة الشمس التي تغازلها قصائد الديوان والتي استوقفتني لبعض الوقت ، فما لسهيل ولهذه الشمس التي يذكرها كثيراً ؟ فهي في عنوان الكتاب تغازل القصائد ، وهو يهدي كتابه للذين يرتدون ثوبها رغم حرارته ، وفي كتاب آخر له مع بعض رفاقه نجد اسم الكتاب نحو الشمس ، وأسأله قائلاً : ما قصتك يا أخي مع هذه الشمس ، وماذا تقصد بها ؟ فيقول : إنها رمز الحرية ويصمت ولا يزيد على ذلك ، وإن كانت نظراته التي تُحدِّق في اللا منظور تدلّ على أنه ينظر إلى أشياء بعيدة ويطمح إلى ما هو أبعد من الشمس ، وربما هو يطمح إلى كل ما يبلغ بالإنسان إلى السمو والرفعة ، وإلى المجد والعلياء وهذه الأشياء لا تتأتى إلا في حالة وجود الحرية ، فالشمس إذن هي الحرية كما يقول ، وإن كنا نرى أن طموحات سهيل لا تقف به عند الشمس بل تتعداها بكثير إلى مجرات أخرى .

ثم نلجُ أبواب الديوان وهو صغير في حجمه فتلاقينا قصائد أربع  تتحدث عن مأساة العراق في محنته الأخيرة ، وهذه القصائد هي : « حين هوت بغداد » ، « ليتني  يا   بغداد » ، و « كلمة صغيرة إلى طفل كبير » والتي يهديها إلى الطفل العراقي (علي) الذي فقد عائلته جراء العدوان الأمريكي ، و « هولاكو الأمريكي » .  

ولا شك أن مأساة العراق ، ومأساة العروبة في هذا العصر أكبر من أن تتحملها مشاعر الإنسان العاديّ ، فما بالك بشاعر تتحرك مجسات استشعاره في كلّ اتجاهات العروبة فيرى الضعف والتخاذل والذل والهوان والانسحاق تحت أقدام الآخرين ، كل هذه الأشياء تترك بصماتها على نفسية الشاعر العربي ، ويقف أمامها حائراً متسائلاً، يهدهد مشاعره ويكفكف دموعه ، ويبكي حيناً ، ويدقّ على صدر الكلمات فتنزف حروفه لظى وحزناً وشظايا من غضب وألم ، وهو يعرف برغم كل ذلك بأنّ الشعر في هذا العصر الأصفر ليس أكثر من صرخة في واد  ولن يغيّر شيئاً من ذلك الواقع الأليم .

كان المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي يبكي وهو يرى الحضارات تنهار أمام عينيه ، وهو لم يكن يبكي على حضاراتنا بطبيعة الحال ، فنحن أحق منه بالبكاء على هذه الحضارات التي سقطت وانهارت أمام أعيننا وضاع بسقوطها كمّ هائل من كنوز تراثنا ، وجزء لا يستهان به من مخلفات تاريخنا العريق .

يحقّ لسهيل والحالة هذه ، ولكلّ شاعر مثله أن يبكي ، وأن يخطّ بسنان يراعته آلام نفسه وعذابات شعبه وتطلعات أمته ، كيف لا وهو قد درس التاريخ وتخصَّص فيه وعرف الكثير من دخائله وتقلباته عبر العصور المختلفة ، يحق له أن يبكي وأن يخدش السماء بأظافره كما عبّر نزار قباني في رسالته لعبد الناصر عندما مُنعت قصيدته " خبز وحشيش وقمر " من النشر في مصر .

يحق له أن يكتب سطور الأسى على أوراق الحزن وهو يرى الأمة العربية والإسلامية تقع تحت نير الاستعمار الغربيّ الجديد ، وما آلت إليه من الذلّ والخنوع والاستسلام .

 يحق له أن يفعل ذلك وهو يرى العرب يُصفّقون وهم يرون حاضرة من حواضرهم تنهار بكلّ ثقلها أمام أعينهم ولا يفطن على بال أحدهم بأنهم أُكلوا يوم أُكل الثور الأبيض ، فنراه يعبّر عن ذلك بقوله :

 حينَ هَوَتْ بغداد

كانَ المعتصمُ يقفُ حائراً

على أعلى ملويَّةِ سامرَّاء 

تنحدرُ من مقلتيهِ دمعةٌ خجولةٌ عذراء

ويقول في مكان آخر :

ليتني  جرعة  دواء

أخفِّفُ  الألمَ  عن   جريح

وأمسحُ الحزنَ الرابضَ في عيونِ أمٍّ  ثاكل

فقدتْ  طفلَيْها  في  ملجأ العامرية

 وفي مكان آخر يقول :

" والعرب يمتلكون نصف احتياطي العالم من الدموع

تغرق حضارة الرشيد

ولا نغيّر النشيد "   

 وفي قصيدته التالية " أفغاني إن شاء الله "  يتحدث عن المأساة الأفغانية ويقول :

 " طَائِراتُ الشَبحَ اِلأمريكية

تبْحَث عَنْ ثلاثةِ أطفالٍ

الأول يَلعَنُ البيت الأبيض .

والثاني لا يحلم بزراعة الأفيون

والثالث يصلي لِلقدُس "

 أما في قصيدتيه " يا أمة الإسلام " و " شعبي والصليب " فهو يعود باللائمة على أمة الإسلام والتي قَهرت جحافل الروم والفرس واتكأت على سور الصين ، ويسأل كيف نجمنا قد أفل وأصبحنا نستجدي المال والعِلم ممن كانوا بالأمس آفة الجهل " ،

ويعبر عن عناء شعبه بقوله :

 "رجال يبحثون عن لقمة الخبز

وبدلةٍ لعيد القدس

كفرَ أعراب النفط برسالة الربّ

ومعهم أمم من العجم

والتاريخ أصدق الرُّسُل "

 أما في قصيدة " حكاية فارس " فهو ينظر إلى الإمام عليّ بن أبي طالب والذي ما حنى قامته لآلهة التمر والحجر ، والذي فدى بروحه نور الرسالة ، وربما يتمنى لو يجود الزمان بمثل هذا الإمام الفارس ليخلّص الشعب مما هو فيه .

أما نصيب الغزّل فهو ثلاث مقطوعات صغيرة هي : " مسرحية إغريقية " ، و " عقارب الزمن " و " لو " ، وفيها يقول بأنه لم يعد يعترف بعقارب الزمن وتقاسيمها السقيمة ، لأن عقارب روحه تقف عند عيونها ويتحنط الوقت ، ويتمنى لو يستطيع اختصار المسافات للإبحار في زوارق عيونها وليرتشف أنفاسها المبعثرة ، هنيئاً لها على كلّ حال .

أما القصائد الثلاث الأخيرة ففيها يعبر عن حزنه لبعض الأحداث المؤسفة والأليمة والتي راح ضحيتها بعض من عرفهم ، ويشارك أهلهم حزنهم ومصابهم على هذا المصاب الجلل .

ولذلك نرى أن أغلب القصائد في هذا الديوان تنطبع بطابع الحزن والألم والرثاء ، نرى فيها الدموع تترقرق بين الحروف ، ونلمس فيها الأسى ينساب بين المعاني ، إن كان للعروبة الجريحة وما آلت إليه من أوضاع ، أو لبعض معارفه الذين انتقلوا إلى دار الخلود .

كنت أتمنى أن أرى شيئاً من الموسيقى في شعر سهيل ، وأذكر أنه في أمسية شعرية طلب من أحد العازفين أن يصاحبه بموسيقاه الهادئة وهو يقرأ وصلة من قصائده ، وكان الوقع جميلاً رضي عنه ، وفي هذا ما يؤكد على ضرورة الموسيقى في الشعر ، ونذكّر بقول أحدهم :" إذا كان النثر يمشي مشياً فإن الشعر يرقص رقصاً ولا بد للرقص من موسيقى ، نأمل أن نرى ذلك في قصائد سهيل القادمة .  

وفي نهاية هذه الكلمة لا بد أن نقول بأن سهيل في إصداره هذا وفي إصداراته الأخرى يؤكد على أهمية الحضور الأدبي والذي يتمحور في استمرارية العطاء ، ومتابعة القافلة الأدبية في رحلة الفنّ والإبداع .

أبارك لسهيل على هذا الكتاب وأتمنى له حياة سعيدة ومستقبلاً أدبياً زاهراً .

                    ونسأل الله الهداية والهدى .

                                              صالح زيادنة – رهط

                                                               ‏08‏ حزيران‏، 2003 


رجوع