الإنسان العربي

مكانة الأديب المحلي

 ليس من الغريب أن يكون أبناء الشعب الفلسطيني من المبدعين ... لأنّ المعاناة والألم والتمييز بالإضافة إلى صفات أخرى موروثة كلها تولد الإبداع عند الإنسان العربي والفلسطيني خاصة ... لكن الغريب هو المكانة المتدنية التي يحتلّها المبدع المحلي من حيث احترامه كشخص مبدع واحترام كتاباته وإعطائها حقها من حيث المناقشة والمعالجة والدعم المالي والمعنوي .

والسؤال الأهم : ما هي الأسباب ؟

1.     السلطة :

 السلطة لا تشجّع الأدب العربي داخل الدولة، فأبغض الأشياء على قلبها أن ترى مبدعاً فلسطينياً يكتب عن الجرح الفلسطيني ... عن تاريخ وجذور هذا الشعب .

وعدم التشجيع يظهر من خلال إهمال التعليم العربي للموضوعات التي تهمنا، وخاصة أدب وتاريخ فلسطين. وحسب المقرر الذي تضعه وزارة المعارف لا تُدرَّس القصائد الوطنية لشعرائنا، وهكذا نجد، مثلاً، أنّ النص المدرَّس للشاعر إبراهيم طوقان هو قصيدة " في المكتبة " وهي قصيدة غزلية، بينما معظم قصائده وطنية، كما أنّ كلمة فلسطين تكاد تكون معدومة الذكر في كتب التاريخ الرسمية .

ويقدّم طلابنا وحدة بجروت في تاريخ الشعب اليهودي، وهي وحدة إلزامية للجميع ! فلماذا لا يقدّمون وحدة أخرى هي تاريخ الشعب الفلسطيني؟

أو وحدة أخرى ضمن اللغة العربية تتمحور حول تاريخ الأدب الفلسطيني ؟

زد على ذلك أنّ السلطة تحاول استمالة الأدباء الذين يحبون المجد والشهرة فتقوم باستيعابهم في مناصب وهمية، وكثيراً ما تنجح في إسكاتهم .

2.     السلطة المحلية العربية :

الحمد للّه عندنا سلطات محلية، لكن للأسف قليلة هي الإدارات التي تلتفت لدعم الأدب والأدباء والكتاب والصحفيين، بينما تضيع ملايين الشواقل على الحفلات والولائم ... والاختلاسات التي لا تنتهي .

في كل مدينة وقرية عربية العديد من المبدعين، ولكن هل أصدرت هذه السلطات على نفقتها كتبهم؟! هل أقامت لهم الاحتفالات؟! هل قامت باقتناء عدد من إصداراتهم؟!

الجواب في معظم الحالات " لا " كبيرة !!!

3.     الروابط الأدبية :

كل يوم نسمع عن ميلاد رابطة أدبية أو جسم أدبي .. ونفرح ...

لكنّ الفرح يطير عندما تعلم أنّ القضية قضية اسم أو تنافس سياسي، فلكلّ تنظيم سياسي تنظيم أدبي تابع له ... نبحث عن إصدارات الروابط إن وجدناها فتكون للقائمين عليها ..!!!

زد على ذلك أنّ انعدام الدعم لهذه الروابط من الوزارات والمؤسسات الرسمية يجعلها مقيدة الأيدي.

4.     المؤسسات الرسمية

المؤسسات الرسمية التي تعمل على جمع الأموال باسم الأدب والإبداع ... من أجل التمويه تقوم هذه الهيئات بإصدار .. بعض الكتب .. التي يتفق خطها مع القائمين عليها ..

وعبر هذه الهيئات يتم توزيع الدعم . بمنطق أعوج ولا يفهمه إلاّ أصحاب الدائرة القريبة من الضوء الأزرق.. وهكذا ، وعن طريق التمييز بالدعم يتم تزييف الصورة الحقيقية للإبداع.. والكاتب المدعوم مادياً وإعلامياً يتقدّم على حساب المبدع الذي لا تفتح أمامه أبواب "إفتح يا سمسم " لأنه لا يعرف كلمة السر ، وهي : خضوع وتنازل عن المبادىء.

5.     الإعلام العربي :

ليس سراً أنّ بعض الأصوات ثابتة لا تسقط، وهي تكتب في نفس الموقع من الصحف، وتجترّ نفس الكلمات.. و وتطحن نفس الهواء ، ليس لسبب إلاّ لأنّها على علاقة وثيقة مع المحرر أو لمصالح سياسية وربما اقتصادية..

ونرى العديد من المقابلات والتحليلات عن نفسية نفس الأشخاص على مدى أعوام! كأنّ الدنيا خلت من غيرهم .. بينما المبدع الذي لا يجد من يطبّل ويزمّر له يبقى وحيداً في ركن النسيان الأدبي.

6.     نقابة مهنية :

إنّ عدم وجود نقابة مهنية تدافع عن المبدعين وترافع عنهم في المحاكم .. وتساعدهم أمام أيّ استغلال هو أيضاً أحد أسباب تدني مكانة الأديب العربي.

يجب أن تكون للأدباء نقابة مثل نقابة الأطبّاء والمهندسين والحرفيين وغرهم ..

7.     التلفزيون :

ومن أسباب تدنّي مكانة الأديب العربي الابتعاد عن القراءة، وهذا يعود لابتعاد القراء عن الكتاب وانشغالهم ببرامج التلفزيون إضافة إلى مشاغل الحياة اليومية .

   خلاصة :

رأينا الأسباب التي أدّت إلى تدهور مكانة الأديب المحلي، وليس غريباً أن الكتابة لا تطعم الخبز في هذه الأيام، فلا تجد كاتباً أو شاعراً تفرّغ للكتابة .. أو يعتاش من إصداراته الأدبية أو العلمية أو السياسية. من هنا أرفع صوتي للعمل على رفع مكانة المبدع العربي وإعطائه دوره المميّز الذي يستحقه في سبيل دفع عجلة الحياة إلى الأمام.

 صوت الحق والحرية - 1999


رجوع