أسبوع احتفالات العرس البدوي - لصالح زيادنة

أسبوع احتفالات العرس

بقلم: صالح زيادنة

 

بعد أن فرغ أهل العروسين من شراء وإعداد مستلزمات العرس، يقوم والد العريس ببناء بيتٍ لاستقبال الوافدين من الأصدقاء والمهنئين قبل موعد الزفاف بأسبوعٍ كامل.

وبناء بيت العرس ليس بتلك المهمة الصعبة، فعادة ما يكون خيمة مطويّة، سرعان ما يبسطها الرجال على الأرض، ويقومون بتثبيت حبالها ودقّ أوتادها، ومن ثم يقومون برفع أعمدتها وشدّ حبالها حتى تستقرّ، وهذه العملية لا تستغرق أكثر من ساعة أو ساعتين، ومن ثم يقومون بتثبيت الجزء المتدلي منها أو ما يسمى بالرواق ويكون تثبيته بواسطة أسلاك تشبه المسامير يسمى الواحد منها "خلال"، ثم يتفقّدون وضع الحبال ويشدّونها جيداً، وبهذا يكون بيت العرس قد انتصب في مكانه ليعلن عن بدء أسبوعٍ كامل من أيام الفرح والسعادة.

وهناك بعض الأمور التي يجب أن تتوفر في هذا البيت ومنها:

?- يجب أن يكون كبيراً وواسعاً بما فيه الكفاية حتى يتسع لأكبر عدد ممكن من الناس، وبما أنه ليس هناك بيت كبير بهذا الحجم فإنهم يستعملون عدة بيوت لهذا الغرض يوصلونها ببعضها البعض حتى تصبح بيتاً واحداً كبيراً، يعطي انطباعاً لمن يراه بأن العرس سيكون مليئاً ومكتظاً بالضيوف والمهنئين. 

?- كذلك يجب أن تكون الأرض التي يبنى عليها البيت مستوية حتى يكون الجلوس مريحاً للناس، إما إذا كانت مائلة فإن ذلك يسبب لهم تعباً وإرهاقاً وآلاماً في الظهر نظراً لطول الجلسة والتي قد تستغرق عدة ساعات على أقل تقدير.

?- ويجب أن يكون نظيفاً من القش وبقايا الأعشاب الجافة لأن الأعراس عادة ما تكون في فصل الصيف، وهذا لا يعني أن لا تكون في مواسم أخرى ولكن الكثير السائد منها هو في فصل الصيف.

?- رشّ أرضية البيت بالماء حتى تمنع تطاير الغبار على الناس، وكذلك رش مساحة صغيرة أمامه وخلفه، يتكرر ذلك عدة مرات حتى تصبح الأرض صلبة لا غبار عليها، لأنه في فصل الصيف تكثر الزوابع في بلادنا بما يرافقها من غبار وقش ناعم متطاير.  

بعد ذلك تبدأ مرحلة تجهيز البيت بالفرش والوسائد حيث يقوم عدد من إخوان العريس وأقاربه بجمع الكثير من البسط المختلفة والوسائد من بيوتهم ووضعها وترتيبها في الطرف الشمالي من البيت بحيث يسهل تناولها عندما يتوافد الضيوف ويزداد عدهم، أما في الجهة الجنوبية فيكون موقد النار حيث تُعَدّ القهوة العربية السادة، ولم يكن الشاي معروفاً من قبل، ولكنه أصبح فيما بعد يُقَدَّم كالقهوة أو ربما أكثر منها، ويقوم بمهمة مدّ القهوة والشاي بعض من فتيان العائلة وشُبّانها، يتطوعون لهذه الخدمة عن طيب خاطر، بعضهم يُعد القهوة والشاي، وآخر يقدمها للناس وآخر يلمّ الفناجين، وهم يراقبون كلّ قادم فما يكاد يجلس حتى يقف أمامه أحدهم ويقدم له فنجاناً من القهوة أو  الشاي.

أما والد العريس فإنه يظل مشغولاً طيلة أيام الأسبوع يستقبل الناس على أنواعهم، ويوزّع عليهم القُطَّيْن والزَّبِيب والملبَّس والكَعْكَبَان، ويقدم لهم وجبة خفيفة في وقت الغداء وأخرى في وقت العشاء، وإذا أراد الخروج لقضاء مصلحة ما فإنه يترك أحد أفراد العائلة مكانه.

ولا تنسَ والدة العريس أن ترفع على البيت راية بيضاء تظل ترفرف عليه طيلة أيام العرس، وربما تقول: " هذه راية بيضاء لرب العالمين اللي خلاني أشوف فلان وهو عريس "، وهي تشكر الله سبحانه أن أمد في عمرها وأحياها لترى ابنها وقد بلغ مبلغ الرجال وأصبح عريساً.

وهي تنشغل كذلك في استقبال من يأتيها من النساء، وتشاركهن في الغناء والزغاريد والرقص، وتعتبر كلّ مَنْ تأتيها لتغنّي معها في عرس ابنها قد قدمت لها معروفاً، وعليها أن تعيده لها عندما تكون عندها مناسبة مماثلة.

أما الناس فيتوافدون على بيت الفرح طيلة ساعات النهار، كل حسب وقت فراغه، ولكن البيت يمتليء عادة في ساعات المساء حيث تكون " التعليلة " أي السهر والسّمَر من خلال الأحاديث والحكايات، أو لعب السِّيجة والطَّاب وغيرها، وتتخلل أسبوع العرس فعاليات واحتفالات مختلفة نذكر منها:

سباق الخيل أو الإبل: كان السباق في البداية على الهجن ؛ وهي الجمال الضامرة الهزيلة التي تصلح للسباق، حيث كانت الإبل منتشرة بشكل كبير، وكانت هي وسائط الركوب والنقل المعروفة، وكان ركوبها شيئاً مألوفاً، فكان يتسابق عليها الرجال في ساحة مستوية أمام بيت العرس أو ورائه.

ثم أصبح السباق على الخيل الأصيلة، وكان المتسابقون عندما يمرون بالقرب من بيت النساء تنطلق الزغاريد مدوية ملعلعة فيزداد الحماس ويهمز كل فارس جواده ليثب به وينهب الأرض برجليه ليستحق عن جدارة زغرودة عالية مجلجلة. وهناك من يتفنن فيميل من على ظهر جواده ليلتقط حصاة من على الأرض ثم يستقيم ويشد اللجام فيقف به الحصان على رجليه الخلفيتين لعدة ثوانٍ ويصهل صهيلاً وكأنه الأبجر في عهد عنترة العبسي، ثم يعاود الطراد والكرّ والفرّ ليري الناس فنون الركب والفروسية، فيتعجبون من مقدرته ومهارته. وقد شاهدت بعض هذه المهارات عندما كنت صغيراً.

حلقات الشباب: أما الشباب فغالباً ما يجتمعون في الأماسي ويتحلّقون حول واحد منهم يُجيد النفخ على الشبابة، وألحان الشبابة فيها شيء من البُحَّة نظراً لارتطام صوت النفخ بين جدرانها الداخلية، ولكن العارف بفنونها يستطيع أن يغيّر عليها ألحاناً مختلفة ويجعلها تستجيب لرغبات الشباب المتحمس فيصدح بها تارة بألحان "الدلعونا" وتارة بلحن "ع الهوى ع الهوى"، وأخرى بلحن "يا بو رديِّن يا بو ردانا" وغيرها كثير.

وقد يخرج اثنان من الشباب يرقصان في وسط المجموعة وفي يد كل واحد منهما عصا خيزران، أو عكازاً يلوِّح بها ويتفنن في تحريكها، فمرة يلف بها كالمروحة وتارة يضرب بها على عصا زميله بينما يصفق الباقون في حماس وإثارة، وقد ينبري بعضهم ليغني بصوته أبياتاً من الدلعونا فيقول:  

- على حرف الألف لأتَمّ آأَلِّفْ     وخسارة البيضا من النذل تْخَلِّف

- على دلعونا وليش دَلَّعْتِينِي          وَلَمَّنِي صغَيِّـر ليش  أخذتيني

- على دلعونا من هان ورايح        واطْراف الحَطَّة بتُنْقُط روايـح

  والله لآخذكِ واتَمْنِي رايح           ع بلاد اليمن ما  بيعرفونـا

وهكذا تنطلق ألحان الشبابة بنغمة دلعونا، بينما يصفق الشباب بين كل نغمة وأخرى.

البَدْع:

أما الرجال الأكبر سناً فكانوا يتحلَّقون أيضاً في ساعات المساء أمام بيت الفرح في حفلات من السّمَر، ويخرج أحدهم ممن يجيد قول الشعر الارتجالي المبني على الجُمَل القصيرة والسَّجْع، والذي يُسمَّى "البَدْع"، ويسمى الشاعر الذي يتقن هذا اللون من الشعر "البَدَّاع"، ويبدأ في إلقاء مقطوعاته، وقد يردّ عليه بدّاع آخر، وعادة ما يبدأ الاحتفال بطريقة ودية، أما إذا أقذع أحد البداعين فغالباً ما يكيل له البَدَّاع الآخر الصاع صاعين، وربما تحوّل هذا الحماس في نهاية المطاف إلى مشاجرة خفيفة تنفضّ من جرائها حفلة تلك الليلة.وهذه بعض أبيات من البدع كنموذج لهذا اللون من الشعر:

ربعي يا عصابة راسـي      حالي  بلاكم  زرية

ربوعي كلهم  نشامـى      ما فيهم حوفة رديّة

خُذْ لك كلامْ حلو وتمام      والعاطِل رُدّه  عَلَيَّهْ

ارتاح  وريِّحْ  جـوادك       دِرّ المثاقـل  عَلَيَّهْ

الدحّيَّة:

الدحيّة هي حفلة من الرقص يشترك فيها عدد من الرجال قد يصل عددهم عشرة أو حتى عشرين يصطفون بجانب بعضهم البعض ويبدأون بالرقص، ثم تخرج امرأة مقنعة لا يظهر من ملامحها أي شيء وفي يدها سيف وتأخذ ترقص بينهم وتسمى هذه الراقصة بـ "الحاشي"، وعندما تبدأ في الرقص بينهم يدبّ الحماس في الرجال ويحاولون الاقتراب منها وتضييق الحلقة عليها وهم يتشابكون الأيدي فتردهم بالسيف الذي في يدها، فيخبطون بأرجلهم ويصفقون بأيديهم ويرددون لازمة مكررة يقولون فيها: "حِي حِي يُوه، حِي حِي يُوه"، وهم يرددون هذه الجملة بحماس تام بينما تكون أعينهم تتجه صوب المرأة التي ترقص بينهم، إنها أصوات أشبه ما تكون بأصوات الكباش وحمحماتها في موسم التزاوج، وتحمل في طياتها نفس الغرائز التي تحملها الفحول في تلك المواسم.

وقد أبطلت بعض العائلات حفلات السامر والدحية بشكل تام منذ زمن بعيد. وعائلتنا على سبيل المثال ألغت هذه العائلة منذ عام 1940، حتى أن شبابنا اليوم لا يعرف عن الدحية شيئاً ولا عن السامر اللهم إلا ما سمعوه من أفواه الكبار.

أغاني النساء:

أما في بيت النساء فإن أسبوع الفرح يكون أسبوعاً من الغناء والرقص والزغاريد والضرب على الطبل، ويكون أكثر الغناء في العريس ووالده، وتردد المغنيات اسم العريس في أغانيهن، أما والده فيذكرن كنيته، فإذا كان اسم ابنه الأكبر محمد فإنهن يقلن: يا بو محمد، أما إذا كان ابنه الأكبر اسمه سالم فيقلن: يا بو سالم وهكذا..

وليس هذا وحسب فإن كل امرأة تذكر زوجها في غنائها وتردد المجموعة التي تغني معها ما تقول، فزوجتي مثلاً تقول يا بو جمال، أما أختي فكانت تقول:" والزعيم أبو نعيم مَلاّ الإبريق.. لا أدري بماذا ملأ أبو نعيم إبريقه ولكن هذا ما سمعته.. وإذا لم تذكر النساء اسم أحد الأزواج فإن زوجته تأخذ على خاطرها، ولكن والدة العريس تتدارك الأمر، وتُسمع تلك المرأة ما يرضيها فتعود وقد عاد إليها اعتبارها.

أما والد العريس فعندما يسمع بأنه زعيم، وأنه يفعل العجائب فعادة ما ينتفش ريشه، ويشعر بشيء من الزهو يجعله يشد أطراف عباءته على كتفيه وترتسم على شفتيه علاماتٌ من الرضى والقبول.

ونوع الغناء النسوي في الأفراح يأخذ طابع الإيقاع السريع، ليتماشى ويتناغم مع إيقاع الطبل، وتشتري أم العريس عدة طبول لهذا الغرض.

وهناك نوع من الغناء يسمى تقطِّر، حيث تجتمع عدة نساء ويتقابلن في شبه دائرة ويغنين بلحن ممطوط لا إيقاع فيه فيقلن يا بو محمد بالطريقة التالية: يااااااا بووووو محاااااامد، وهكذا.

وقد انقرض هذا اللون من الغناء أو كاد، ولم يبق مَنْ يعرف عنه سوى بعض النسوة المخضرمات والمتقدمات في السن، أما الجيل الجديد فيكاد يجهل هذا اللون من الغناء ولا يعرف عنه شيئاً، كذلك فإنه لم يعد له مكان في أغاني العرس التي يرافقها الطبل وتصفيق الأيدي.

وتجدر الإشارة إلى أن مشاركة النساء في الوقوف مع أم العريس والغناء معها في عرس ابنها يعتبر ديناً عليها، وعليها أن تشارك لتسديد ذلك في مناسبات مماثلة عند كل واحدة ممن شاركنها فرحتها.

الحناء:

في مساء اليوم الذي يسبق يوم "الأَخْذ" أو الزفاف، يكون حناء العروس أو يوم الحناء، حيث تأتي نسوة من أهل العريس لبيت أهل العروس ومعهن أكياس من الحناء من فئة الكيلو غرام، فتعجن النسوة هذا الحناء وتتركه ساعة من الزمان ليختمر، ثم تضع منه على كفيّ العروس وعلى قدميها، وقد يكتبن اسم العريس على كفّ العروس أو يرسمن أشكالاً مختلفة كالقلب الذي يدلّ على المحبة أو غيره من الأشكال، وتضع منه بقية النساء والفتيات على كفوف أيديهن وأصابعهن، ويُوزع ما تبقّى من الحنّاء المعجون على النساء حيث تأخذ كل امرأة شيئاً منه لمن تخلَّف في البيت من بناتها، فتعمّ الفرحة بذلك كل أفراد الأسرة والأقارب.

البِرْزِة:

قبل موعد الزفاف بيوم أو يومين يبني أهل العريس خيمة صغيرة تكون بمثابة بيت للعريس، وهذه الخيمة تسمى "بِرْزِة العِرْسَان"، وهي لا تكاد تتسع لمنام العروسين ولأغراضهم وأمتعتهم القليلة، ولا يكون في البرزة مكان لإعداد الطعام لأن العريس يأتي بالطعام من بيت أهله، وعادة ما يكره الأهل أن "يطلع" العريس عن أهله، أي أن يستقلّ عنهم في مأكله ومشربه ومصروفاته، وقد يُنظر للعروس الجديدة بعين الكراهية والاحتقار إذا ما ضغطت على زوجها ليستقلّ عن أهله على الأقل في السنوات الأولى من زواجه.

أما محتويات البرزة من الأمتعة والأثاث فهي أشياء قليلة، ولكنها تحمل في طياتها نواة لعائلة جديدة تشق طريقها في الحياة لتبني أسرةً من أُسَرِ المستقبل، ومن هذه المحتويات:

العِرْزَان: وهو عبارة عن طاولة مستطيلة يصل طولها إلى مترين، أما ارتفاعها فيكون حوالي المتر الواحد، وتصفّف عليها الأغطية والفرش والوسائد. وربما استعمل البعض "سَدَّة" من الخشب، وهي تشبه العرزان ولكن لها أبواب وجوارير، ويمكن استعمالها كخزانة لحفظ الملابس والأمتعة. 

الغَفْرَة: تشبه البساط وتُنسج مثله، ولكنها تكون بعرض اللحاف، وتستعمل مكان الفَرْشَة المحشوة بالصوف، وهي خشنة الملمس، وليست مريحة للنوم ولكنهم يفرشون تحتها طبقة من القشّ الناعم تجعلها أكثر راحة وأكثر دفئاً وحرارة.

الوسادة: إضافة للوسائد المعروفة والمحشوة بالصوف فهناك وسادة طويلة تنسج كالبساط الملوّن، وتُحشى بالقَصَل وهو عيدان القش الخشنة بعد درسها، وهذه الوسادة تكون مهدبة من الحواشي، وثقيلة بسبب القش المضغوط فيها. وهناك أغراض وأمتعة أخرى لا يخلو منها أي بيت مهما كان صغيراً.

يوم الزفاف:

تتهيأ العروس في هذا اليوم بلباسها الجديد ومصوغاتها البراقة، وتنتظر مع أهلها قدوم أهل العريس لنقلها إلى بيتها الجديد، وتنظف الأم وقريباتها البيت والمساحة التي حوله لاستقبال الضيوف، أما والد العريس فينشغل في أمر آخر حيث يقوم بإعداد طعام مستعجل لضيوفه من أهل العريس ومن يرافقهم من الوجهاء والأقارب، فيذبح في الصباح خروفين أو ثلاثة ويأمر بالإسراع في طبخهم، وما أن يأتي أهل العريس إلا ويكون الطعام جاهزاً.

يكبر والد العروس في نظر القوم وترتفع منزلته بعد احترامه لهم ويشكرونه على صنيعه، ويطلبون منه أن يخرج لهم العروس لأن مشاغلهم كثيرة في هذا اليوم.

تكون العروس محاطة بالنساء والفتيات، ويحفها الغناء والطبل والزغاريد، فينادي والد العروس على زوجته لتخبر بقدومه، فتغطي من تريد من النساء وجهها، أما بعضهن فلا تكترث لذلك وتعتبره يوماً يجوز فيه ما لا يجوز في غيره، وتضع أم العريس عباءة على رأس العروس حتى لا يراها أحد فيمسكها والدها من يدها ويخرجها إلى المكان الذي تُحمل فيه بينما تسبقها امرأة أخرى تمسك إبريقاً مليئاً بالماء والسكّر وترش على طريقها، حتى تكون طريقها حلوة وحياتها كلها خير وسعادة. فتركب في الهودج وتسدل عليها جوانبه وتسير القافلة على بركة الله إلى بيتها الجديد. أما متاعها فيحمل على جمل آخر.

والهودج ؛ محمل له قبة يوضع على ظهر الجمل، وله ستائر من القماش والبسط الملونة، وقد يقف في طريق موكب العروس بعض الناس إذا كان بيته قريباً من الطريق ويدعوهم لتناول الغداء عنده، ولكنهم يعتذرون في أغلب الأحيان، ويردون طلبه رداً جميلاً.

وعندما تصل القافلة أو الموكب تنزل العروس في بيت أهل العريس لأنه أكبر وأوسع فيحتفى بها بالغناء والزغاريد والطبل وغيره حتى المساء حيث تنقل للبرزة وهي لا تبعد عادة إلا عشرات الأمتار عن بيت الأهل.

أما الرجال فينشغلون منذ ساعات الظهيرة بذبح الذبائح وإعداد الطعام ويشترك في ذلك العشرات منهم، حيث يقوم بعضهم بالذبح والسلخ، وبعضهم الآخر يقطِّع اللحم ويغسله وينظفه، والبعض يحفر خندقاً مستطيلاً لإشعال النار وتركيب القدور والبعض يضع الملح ويذوق المرق وهكذا حتى ينضج الطعام.

يفد الناس في ذلك اليوم ويزداد عددهم بعد العصر وكل واحد فيهم يأتي بنقوط يسمى "قَوَد" وهو عبارة عن خروف سمين أو ما يعادل ثمنه من النقود، وهذا الاسم جاءه من الخروف أو الشاة التي تقاد حتى بيت أهل العريس، وقد أدركت هذه الفترة حيث رافقت أبي وهو يقود عنزاً سمينة ويأخذها لعرسٍ عند أحد أقاربه.

يسجّل والد العريس كلّ قَوَدٍ يأتيه حتى لا ينسى أن يعيده لأصحابه عندما تكون لديهم مناسبات مماثلة، ويسجّل كذلك ملاحظة عند كلّ قَوَد، فيكتب: قاد فلان الفلاني خروفاً سميناً يساوي 150 ديناراً، وقاد فلان خروفاً هزيلاً يساوي 80 ديناراً، وهكذا.. أما النقود فيكتب المبلغ الذي دفعه كل واحد منهم، ويكتب في ملاحظاته أيضاً ثمن الخروف في تلك الفترة ليعرف إذا كان المبلغ يكفي لشراء خروف جيد أم هزيل.. ويسجّل كذلك سعر صرف العملات في ذلك اليوم فيكتب على سبيل المثال: الدينار يساوي 6.3 شيكل، ويساوي الدولار 4.5 شيكل وهكذا..

أما عدد المشاركين فيكون عادة بمقدار اجتماعيات والد العريس، فإذا كان يشارك الناس في مثل هذه المناسبات، ويقدم النقوط فإن عدد الناس يكون كبيراً، وكلما كان اشتراكه أكثر كلما ازداد عدد الناس الوافدين إليه، لأن القَوَد أو النقوط هو دَيْن كما ذكرنا ويجب تسديده في مثل هذه المناسبة، وكثيراً ما يقولون:" اللي بيقَدِّم شي بيلقاه "، وكذلك: "كل شي قُرْضة ودين حتى المشي على الرجلين".   

ويسمى هذا اليوم أيضاً يوم القِرَى، حيث كانوا يعملون غداء في ظهيرة اليوم التالي للزفاف، ثم اكتفى الناس بعمل عشاء ينتهي بانتهائه العرس.  

وبانتهاء العشاء تنتهي مراسم العرس، وبعد العشاء مباشرة هناك من يقول على سبيل المزاح:"كُلوا وانتشروا"، فيتفرق الناس ويعود كل منهم إلى بيته ليعاودوا الكرة في عرس جديد آخر.

  ---------------

نشرت في صحيفة أخبار النقب بتاريخ 15/03/2004

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 27/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة