أمثال - لصالح زيادنة

أمثال

بقلم: صالح زيادنة

1.    في أرض المواهب هرولوا:

كنا في عرس وكان عددٌ من الشبان يجلسون قريباً مني، وأخذ كل منهم يدلي بدلوه ويحكي عن بطولاته والأعمال التي قام بها، فما كان من أحد الجالسين وهو ابن عم لهم إلا أن قال: "في أرض المواهب هرولوا"، وهو يعني أنكم تبالغون كثيراً، وأن كلامكم لا ينطوي على شيء من الحقيقة، وبما أن ذاكرتي مهترئة فقد خشيت أن يُفلت هذا المثل مني، وكنت لا أحمل قصاصة ورق في جيبي فكتبته على جلدة التلفون، ورآه أخٌ لي، فقال ما الذي خربشته على تلفونك؟ فأخبرته فأخذه مني وهو يقول يا شيخ أنت فاضي، ما الذي تستفيده من هذه الأشياء، ابحث عن شيء ينفع. فقلت لقد تعوّدت على ذلك ومتعتي في توثيق هذه الأشياء. وهذا المثل له أخ شبيه به ويحمل نفس المعنى يقول: "فرس الخلا جَرّايَة"، أو المثل الفصيح "خلا لك الجو فبيضي واصفري".

   * * * * *

 

2.    زي ذفال أبو عانوس:

حدثني زميلٌ لي بقصة جميلة قال فيها: إن أخاً له يهمل سيارته كثيراً، فإذا انكسر ضوءها يتركه على حاله ولا يصلحه، وإذا تعطل شباكها يتركه بلا تصليح، وإذا تعطل بابها ولم يعد يغلق جيداً يتركه على حاله أيضاً، فقال له أبوه ذات يوم: سيارتك يا ابني زي ذفال أبو عانوس، وعندما سأل زميلي أباه عن قصة هذا الذفال قال له: إن عائلة أبو عانوس عائلة كانت تسكن في المنطقة، وكان عند أحد أفرادها ذفالاً مليئاً بالخبز، فعلقه ذات يوم في سقف المغارة أو البايكة التي يسكن فيها وتركه على حاله، فدخلته الديدان وأكلت الخبز ثم بدأت تأكل الذفال فأصبح يتساقط قطعة بعد أخرى وهو على حاله دون أن يُنزله من مكانه أو ينتبه له، فأصبح الناس يتمثلون بهذه القصة للحالات التي يهمل فيها الناس أشياءهم ويتركونها دون رعاية واهتمام.

 * * * * *

 

3.    زي الزلق في القيظ:

يُحكى أن رجلاً وامرأته كانا يسيران معاً، وكان الرجل يحرص أن تظلَّ زوجته قريبة منه وملاصقةً له دون أن تفارقه، أما هي فكانت تودّ التقهقر قليلاً حيث هناك من تهواه!

وفعلاً، إن كيدهن عظيم، فقد زحلقت متعمدةً وأوقعت نفسها على ذلك الرجل، وعندما سألها زوجها عن سبب وقوعها، قالت له إنها زحلقت، فاستغرب هذه الزحلقة التي تقع في الصيف وقال قولته المشهورة: "كل شيء حسبنا حسابه إلا الزَلَق في القيظ"، فأصبحت مثلاً يستعمله الناس في الحالات المشابهة.

  * * * * *

 

4.    اللي بيخْرِز خْرَازة بيشرب عليها مَـيّه:

كنا نتناقش ذات يوم في أمر من أمور البلدية، وكان زميلٌ لنا يعمل محاضراً قد أصابه شيء من الحماس ونوَّه ببعض الأمور وقال مُحذِّراً: "اللي بيخْرِز خْرَازة بيشرب عليها مَـيّه"، فنظرتُ إليه  متفحصاً، فابتسم وقال: أعرف ما تريد، وسأشرح لك المثل، فقلت: هات ما عندك؟.

فقال: كان الناس يحملون الماء في قِرَب (جمع قربة)، والقربة جلد مدبوغ منظَّف يُعمل لهذه الغاية،   وكلمة يخرز أي يخيط الجلد والأَدَم، وكانوا يخرزون القِرْبَة ويُحكمون خياطتها حتى تمسك الماء، ومن يخرز قِرْبَته جيداً فإنه يستطيع أن يحفظ ما معه من الماء، أما من لا يُحكم خرزها فإنّ ماءه يسيل ويبقى بلا شيء، والمثل يعني: أن من يحدِّد هدفه ويتقن عمله يستطيع الوصول لتحقيق مآربه وأهدافه.

 * * * * *

 

5.    اللي بيعيش بيَحْذَى في الخليل:

حدثني أبي أنه ذهب ذات يوم ليبيع بعض القطع الذهبية في مدينة الخليل، وكان قد وصلت به الحال أن يأخذ من برقع أمي بعض القطع الذهبية الصغيرة ليبيعها ويشتري بثمنها طعاماً للعائلة، وبما أنه لم يكن في ذلك الوقت سيارات فقد ذهب سيراً على قدميه وسلك طرقاً ملتوية وأودية عميقة كثيرة، وبعد أن باع ما معه عاد يحمل نقوده في جيبه حتى يشتري بها ما يريده من المنطقة، وفي الطريق رأى شخصين من قطّاع الطرق وكان أحدهم يحمل بندقية، فأيقن أنه هالك لا محالة، وكان بينه وبينهم واد عميق، فلم يذهب مع الطريق المؤدية إليهم بل سلك طريقاً أكثر وعورة، وأطلق رجليه للريح بكل قواه فنفذت به على مرتفع آخر وكان قد تجاوزهم فنظروا إليه من بعيد ولكنه كان قد تنفّس الصعداء وأفلت منهم، وعندما سألته عن هذا المثل: " اللي بيعيش بيحذى في الخليل"، حدثني بهذه القصة، وقال: إنَّ من يسلم من اللصوص ومن قطَّاع الطريق حتى يصل منطقة الخليل، فانه سيحذي فرسه هناك. وكانت الطريق إلى الخليل في العهد السابق تعجّ باللصوص وقاطعي الطرق، الذين ينهبون البضائع القادمة من غزة ومنطقة بئر السبع إلى مناطق الخليل أو الأردن، وكانوا يسلبون بسطاء الناس حتى من أشيائهم الصغيرة وأموالهم القليلة وما يجدونه معهم من ملابس أو متاع.

 * * * * *

 

6.    اللي ما يغنيه الله، ما يغنيه العبد:

كنا قبل سنوات نعمل في قصّ أشجار الحمضيات، وذهبنا ذات يوم لبيارة سمعنا أن أصحابها يريدون قصّها، ووجدنا المسؤول يجلس في مخزن البيارة، وكان المخزن عبارة عن المكتب أيضاً، وكان المسؤول رجل مغربي قد تجاوز الستين من عمره، وهو شخص هاديء يبدو عليه الوقار، فحدثنا أن مقاولاً أتاه وعرض عليه رشوة يدفعها له شريطة أن يعطيه العمل هو وليس غيره، قال: فقلت له يا ابني اللي ما يغنيه الله ما يغنيه العبد، ومن أجل ذلك رفضه ولم يعطِه العمل، ومرّت سنوات وما زالت هذه الجملة ترِنّ في أذني "اللي ما يغنيه الله، ما يغنيه العبد"، فمتى سنعمل بها، ونجعل الإيمان وجهتنا ونتوكل على الله في أعمالنا ؟!..   

  * * * * *

 

7.    كم من خروف يسبق أمه للمسلخ

كنت أجلس مع مجموعة من الناس، وجاء رجلٌ وابنه، وأخذ الابن يشكو وأنه كَبُر قبل وقته، وأنه يشعر بتعب وإرهاق شديدين، فما كان من أحدهم إلا أن قال: "كم من خروف يسبق أمه على المسلخ". أي كم من شاب يشيخ قبل والده، أو يصيبه المرض أو الفناء قبل من هم أكبر منه سنّاً.

ولم استطع حينها أن أخرج ورقة وأكتب المثل قبل أن يفوتني، خشية أن ينظر لي أحدهم نظرة فيها كثير من التساؤل حول هذا العمل الذي يرى فيه شيئاً من التطفّل والتصرّف الصبياني الذي لا يتلاءم مع هذا المجلس. مفارقات لا تخلو من طرافة.

 * * * * *

 

8.    حَبَّة بَرَكَة.

نسمع الناس كثيراً وهم يقولون: "فلان حَبّة بَرَكَة"، فما هي هذه الحَبّة التي يقصدونها، وما علاقتها بالبَرَكَة، وبما أنني سمعت قصةً عنها من قبل، فها أنا أشرحها لكم حسب معلوماتي المتواضعة:

كان الناس عندما يدرسون ويخرجون الحبوب، يجعلونها كومة كبيرة، أو صَلِيبة كما يسمونها، وكانوا يعتقدون أن هناك حَبّة واحدة تكمن فيها البركة التي تكون في الكومة كلها، وإذا ما ضاعت هذه الحبة فإن البركة تنعدم منها، وتصبح تلك الكومة من الحبوب لا تزن إلا نصف ما يُخمّنون عليها أو أقل، وكانوا هم لا يرون هذه الحبة ولكن ديك الدجاج هو الوحيد الذي يراها، فكانوا غالباً ما يطردون الدجاج ويبعدونه عن المكان، ويقفون للديك بالمرصاد حتى لا ينقر تلك الحبة ويقضي على البركة التي في الكومة كلها.

 * * * * *

   ---------------

نشرت في صحيفة الحدث في 02/07/2008م .

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 29/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة