ألوان الخيل - لصالح زيادنة

بطاقات تراثية: ألوان الخيل

بقلم: صالح زيادنة

كان ضعيف السمع، قد تجاوز السبعين من عمره، وقد اصطبغت لحيته بلون الثلج، وعندما عاد ابنه من الحج، ذهبت مع من ذهب لنبارك له بأداء مناسكه وبعودته سالماً إلى أهله وأسرته.

وجلست مع من جلس، وجوهٌ كثيرة لا أعرف منها إلا القليل.

وساد هرجٌ كثير بين مجموعاتٍ كثيرة من الجالسين إلا أن الشيخ التفت إلى أحدهم وكان يعرفه جيداً وسأله قائلاً:

- أبوك عنده خيل؟

- فأجاب: نعم.

لم يسمع الشيخ الإجابة فقال بصوت عال: ماذا تقول ؟.

وكان للشيخ أخٌ يصغره بقليل ويجلس قُبالته، فأجابه بصوت عال: يقول لك نعم، أيوه.

سمع الشيخ الإجابة وعاد ليسأل نفس الشخص:

- كم رسناً عند أبيك؟

- فأجابه: ثلاثة.

وهنا ارتفع صيوان أذني اليمنى، وتزاحمت بعض الكلمات في حلقي، كم رسناً؟ ماذا ؟ يعدّون الخيول بالأرسان؟.

ولَمْ انتبه إلا والشيخ يكرّر جملته المألوفة: ماذا تقول؟  فيجيبه أخوه الذي يجلس قبالته: يقول لك ثلاثة.

يهزّ الشيخ رأسه ويقول: آه، ثلاثة، ويومئ برأسه إيماءةً تدلّ على أنه قد فهم الإجابة.

- وماذا فعل أبوك بالفرس الزرقاء؟

- ويجيبه: لقد باعها.

- ماذا تقول؟

ويرفع الرجل قامته بعض الشيء ويشير بيده ويقول بصوتٍ عال: أقول لك لقد باعها.

ويعود الشيخ ليسأل:

- وهل ولدت الفرسُ الخضراء ؟.

- فيجيبه بصوتٍ عال: أي نعم، ولدت مهرة شقراء.

لم أتمالك أعصابي، اعتدلت في جلستي، توجهت نحو الشيخ وأشرت إليه: ماذا يا شيخ فرس زرقاء؟ وفرس خضراء وفرس شقراء، لم أرَ في حياتي مثل هذه الألوان.

ساعدني أخو الشيخ في نقل تساؤلاتي إلى أخيه ضعيف السمع.

ابتسم الشيخ وقال لي: الفرس الزرقاء هي الفرس السوداء اللون، والعرب تكره أن تقول سوداء لأن لون السواد غير مرغوب لديهم، وهم يتشاءمون منه لأنه يدل على الحزن والغم والبين والفرقة، ولشدة حبّهم لخيلهم كرهوا أن يقولوا عنها سوداء، بل قالوا عنها زرقاء. هل فهمت.

ارتسمت ابتسامة عريضة على أطراف فمي، وماذا عن الخضراء ؟.

انتبه بعض الناس إلى فضولي، ولكنني كنت مُصِرَّاً أن أعرف.

وأكمل الشيخ حديثه، أما الفرس الخضراء فهي البيضاء اللون، ولحبّ العرب للون الأخضر الذي يدلّ على الخصب والربيع والكلأ، ويدلّ على الجد والوقار أيضاً، من أجل ذلك قالوا عن الخيول البيضاء خيولاً خضراء.

وأكمل الشيخ: ألم تسمع الناس يتفاءلون باللون الأخضر ويقولون لمن يشتري فرساً جديدة، أو يتزوج من امرأةٍ شابة، يقولون له بصيغة الدعاء: جعل الله كعبها أخضر عليكم.

ترسَّخت كلمات الشيخ في ذهني، وبردتْ ثورة انفعالي وهدأتُ قليلاً، ولكن الشيخ أراد أن يعلمني البقية الباقية فاستطرد قائلاً: أما الفرس الشقراء فهي ذات اللون البني الفاتح الذي يميل إلى الحمرة، وأما ذات اللون البني الغامق الذي يميل إلى السواد فهي الدهماء. هل فهمت؟.

اعتدلت في جلستي، وارتخت أعصابي المتوترة، وعاد إليّ هدوئي وأجبته راضياً:

- أجل قد فهمت ..

- قد فهمت.

 

      mmm

 

كُتبت في صبيحة يوم الأحد الثامن من شباط 2004م.   

   ---------------

نشرت في صحيفة أخبار النقب بتاريخ 30/10/2005

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 29/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة