زرعك ما قاص - لصالح زيادنة

بطاقات تراثية: زرعك ما قاص

بقلم: صالح زيادنة

كنت في بنك البريد وكان فيه طابور من الناس يتزاحمون كل يريد أن يصل إلى شباك الموظف، وكان شيخ جالس فقام عندما اقترب دوره، ورآني أقترب منه فقال لي:"أنتَ زرعك ما قَاص، أي لم يصل بعد دورك فلماذا تقترب، وكان بجانبي زميل لي فقلت له هامساً: وجدت عبارة جديدة، فقال: ما هي؟ فأخبرته، فأضاف ولكننا نعرفها، فقلت: أجل نعرفها ولكنها تغيب عن بالنا وها قد ذكرنا بها هذا الشيخ الجليل.

عدت إلى البيت والعبارة تلعب في رأسي، ورجعت بذاكرتي إلى سنين خلت، إلى الوقت الذي كان فيه الزرع جزءاً من حياة الناس، واليوم لا زرع ولا قلع.

كان الزرع عندما ينضج ويجفّ على عوده، فإذا لم يحصد في وقته، فكانت تميل سنابله وتنحني إلى الأسفل، وتميل عيدانه وتكاد تسقط، ويتكسر بعضها، وعندها يكون الزرع قد قَاصَ بالفعل.

ويستعير العرب هذه العبارة ليعبروا بها عن شيء آخر، فعندما تنضج الفتاة وتكبر وتكون قابلة للزواج أو تنتظره وترغب فيه، فيقولون عنها: هذه الفتاة قايصة على عودها، أي أنها ناضجة وقد فات وقت زواجها.

وكانوا يقولون أيضاً: زي النار في الزرع القايص؛ أي أنها تلتهمه بسرعة وتأتي عليه نظراً لجفافه وسهولة اشتعاله.

 وبما أن الصحراء هي مهد اللغة، وعن أهلها أخذ أهل المعاجم واللغة، فقد ذكر صاحب لسان العرب الكلمة في مادة (قيص)، ولكنه لم يصل إلى معناها الأصلي وهو ما ذكرناه هنا، وذكر الميلان وسقوط الشيء من أصله.

ونحنُ نقول: قَاصَ، يَقِيصُ، قَيَصَانَاً، ومن هنا نفهم أن القَيَصَان هو حالة الزرع الذي فات وقت حصاده فمال وانحنت سنابله وتكسرت بعض عيدانه وسقط بعضها الآخر.

 

 

الأربعاء، ‏19‏ تشرين الأول‏، 2005- الموافق 16 رمضان 1426هـ.

   ---------------

نشرت في صحيفة أخبار النقب بتاريخ 23/10/2005

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 29/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة