تربية الدجاج عند المرأة البدوية - لصالح زيادنة

من هوايات المرأة البدوية: تربية الدجاج

بقلم: صالح زيادنة

من الأمور المحبّبة لدى المرأة البدوية والمفضلة لديها تربية الدواجن، وخاصةً الدجاج منها، فتربية الدجاج تشكّل مصدراً مهمّاً لتسليتها وإدخال المتعة إلى نفسها، فهي تقضي كثيراً من وقت فراغها أمام قُنّ الدجاج، تنظّفه , وتغلق الثغرات الصغيرة التي في جوانبه حتى لا تدخله الفئران , التي غالباً ما تأكل الصيصان الصغيرة، وهي تتفقّد كذلك دجاجاتها وصيصانها حتى تطمئن على وجودها سالمة لا ينقص منها أحد.

وما أعظم سرور المرأة وهي ترى بعض دجاجاتها تسير ومعها  رِقْدٌ  (مجموعة) من الصيصان الصفراء الصغيرة، حيث " تََرُقّ " الدجاجة الأم بصوتٍ خاص " رُقْ رُقْ " فتتبعها الصيصان حيثما سارت , وتكون المرأة قد أعدّت بعض فتات الخبز، وحَبّ القمح أو الشعير، خاصة وأنّ الدجاجة الأم قد قضت فترة طويلة وهي ترقد على البيض فسقط كثير من ريشها وأصابها الضعف والهزال، وهي الآن أشبه بالمرأة النفساء بحاجة إلى نقاهة، وإلى مزيدٍ من الطعام حتى تعود عافيتها إليها، وتستردّ قوتها ونشاطها.

ونحن في هذا المقال نلقي الضوء على كثير من الأمور التي تتعلق بتربية الدجاج وإليك أهمها:

 

الخُصّ: هو قُنّ الدجاج ويجمع على "خْصُوص"، يقال خُصّ الدجاج أي قنّها، وبناء الخُصّ من الأمور الخاصة بالمرأة والتي لا يتدخّل بها الرجل، لأنه من العيب أن يتدخّل في مثل هذه الأمور، وكانت المرأة في السابق تبني خُصّ دجاجاتها من نبات البِلاّن، وهو نبات شوكي معروف، حيث تجعل جدرانه من هذه النباتات الجافة، وتضع عليه أعمدة خشبية تغطيها أيضاً بهذه النبتة، وتضع عليها حجارة ثقيلة فتكون بذلك سقفاً ثقيلاً ومتيناً، وتجعل له فتحة من الأمام تغلقها بخشبة عريضة وتلصق عليها حجراً ثقيلاً يُحكم إغلاقها، ويمنع خروج الدجاج منها في الليل، ويحميها من الثعالب أو الكلاب الجائعة.

 وقد تستعمل المرأة بعض براميل المياه القديمة والغير صالحة لتجعل منها جدراناً للخُصّ، وتغطيها بالأعمدة الخشبية أو الحديدية وتضع عليها ألواحاً من الخشب أو الحديد، وترمي عليها الحجارة الثقيلة حتى لا يُطَيِّرها الريح، وتكون راسخة ومتينة، وهذه الطريقة أسرع وأقوى من سابقتها.

 أما ارتفاع الخُصّ  فيبلغ حوالي المتر أو أقل من ذلك بقليل، وتكون له فتحة من الأمام، يمكن إغلاقها عند المساء ببرميل آخر وحجر كبير يسمّى "ثَقَّالة" . حيث يُفتح في الصباح لتخرج الدجاجات لتبحث عن غذائها، وتنثر لها المرأة بعض حفنات من حبوب القمح أو الشعير، وتناديها بقولها: "تِيعَهْ تِيعَهْ كِتْ كِتْ كِتْ"، وتردد ذلك عدة مرات فتسمعها كلّ الدجاجات فتأتي تتسابق إلى التقاط هذه الحبوب بينما ترتسم ابتسامة عريضة على ثغر المرأة تنمّ عن رضاها وهي ترى دجاجاتها في هذه السعادة الغامرة.

ومن هذه الـ "كَتْكَتًة" التي تنادي بها المرأة على دجاجاتها جاءت كلمة "كتكوت" التي تعني الفرخ الصغير، وذلك لأن اللغة العربية هي لغة الفطرة والبساطة، وهي تستقي مصادر مفرداتها من هذه الأصوات التي تخرج بتلقائية من أفواه الناس، والأمثلة كثيرة في هذا الباب ولا يمكن حصرها في سياق هذا الموضوع.

أما لزجر الدجاج وطرده فتزجره المرأة بقولها "تِيعَهْ" بصوت عال، فتهرب الدجاجات وتعود إلى مكانها أو إلى قنّها.

أما لزجر الديك لوحده فتزجره بقولها: " دِكّ "، وأحياناً تقول: "دِكْ اطلع بَرّا". فينكص الديك على عقبيه ويعود إلى مكانه، وكلمة "دِكْ" هي لغة من كلمة ديك. 

أنواع الدجاج: أما الدجاج الذي تربيه المرأة البدوية فيقسم إلى نوعين؛ الأول هو النوع البلدي الشائع، وهو الأكثر انتشاراً وله ألوان زاهية مختلفة، والنوع الآخر يسمى الدجاج "الرقَابِي"، وهو يشبه النوع الأول ولكنه ذو رقبة جرداء لا ينبت عليها الريش ويكون أيضاً ديكها ديك "رقَابِي" من نفس الصنف، وهذا النوع أقل من سابقه انتشاراً.

والدجاج منه الفَرُّوجة وهي الفتيّة من الدجاج وتجمع على فراريج، ومنه العُتْقِيّة وهي الدجاجة البالغة الكبيرة السنّ، وتجمع على عَتَاقي، وقد يكون جاءها هذا الاسم لأنها أصبحت عتيقة نوعاً ما أي قديمة، يقال شيء عتيق أي قديم. وهناك مثل شعبي يقول: "الدِّهْن في العتاقي"، ويقصد به أن الكبار في السنّ فيهم بعض القوة والشباب كما يكون في العتقية بعض الدهن والشحم.

أما الديوك، فيسمى الصغير منها صوصاً، وعندما يكبر ويقلّد والده الديك البالغ في الصياح يسمى ديكاً، وصياح الديك يسمى عند البدو "معَاعَاة"، يقولون عَاعَا الديك، وهو يُعَاعِي، وقد قال شاعر شعبي أبياتاً قد توضح المعنى يخاطب فيها ابناً له يدعى مالك ويوصيه بقوله: 

            يا مالك اسمع كلامي يوم أوصِّيك        ولا تعتني لا بذا  ولا  بـذاك

            أوصِيك يا مالك من مْرَافَق الديك       من رافقه عاعا معاعاة  الأدياك 

 

ترقيد الدجاج: عندما تبيض الدجاجة عدداً معيناً من البيض فإنها ترقد عليه وتحضنه وتبدأ تُخرج صوتاً خاصاً، فتعرف المرأة أن دجاجتها "راقد"، فتنتهز الفرصة لتضع تحتها عشرين بيضة أو أكثر بقليل،  وإذا لم يكن لديها ما يكفي من البيض فهي تشتري من عند جاراتها حتى تُتمّ العدد، ويجب ألاّ يزيد العدد عن ذلك حتى تستطيع الدجاجة تغطيته بريشها عندما ترقد عليه وحتى تصل إليه حرارة صدر الدجاجة بالتساوي، والبيوض التي لا تتغطى ولا تكون تحت حضن الدجاجة فهي غالباً ما تفسد وتصاب بالعطب. وتسمى الدجاجة في هذه الحالة: دجاجة راقد وجمعها "رُقَّد"، وتستغرق فترة احتضان البيض 28 يوماً بعدها تبدأ الكتاكيت بالتفقيس أو "التطقيش"، أي الخروج من البيض.

ولا تكون جميع البيوض صالحة حيث يتبقى بعضها دون تفقيس وتخضها المرأة فإذا سمعت لها صوتاً فيكون البيض "حايض"، حيث ترميها فتنكسر وتخرج منها رائحة كريهة عند كسرها، والبيضة الفاسدة تسمى "بيضة حايضة" والجمع "بيض حايض".

أما مجموعة الكتاكيت أو "الصيصان " فتسمى "رِقْد" , أو "رِقْد صيصان" حيث نقول خرجت الدجاجة ومعها رِقْدها أي صيصانها.

وإذا كان التفريخ في شهر آب حيث لا يوجد ربيع ولا زرع ,فتخرج الصيصان هزيلة ومريضة لعدم توفر الغذاء، فتسلق لها المرأة بعض البيوض وتفتتها لها وتطعمها منها حتى تكبر قليلاً ويصلب عودها , وهناك مثل يقول: "فلان زي رِقْد التين اللي بياكل وبِنِين".

رِقْد التين أي الصيصان التي تفقس في موسم التين وهو شهر آب، وهي مهما تأكل تظل تئن من الضعف والهزال.

وكلمة أخرى وهي: فلان مْصَوِّص، أي أنه ضعيف وهزيل ويشبه ذلك الصوص المذكور.

وعندما تفقس الصيصان تكون مكسوة بزغب أصفر ناعم وهو يسمى "ريش حَرَام"، أما الريش الطبيعي الذي ينبت بعد ذلك فيسمى "ريش حَلاَل".

وربما نذكر هنا بيت الحطيئة الذي استعطف به الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليفرج عنه بعد ما سجنه حيث يقول:

           ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ         زُغْب الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

ونسوق هذا البيت لذكر الزغب، والحواصل، فالحوصلة تسمى عند البدو "مُحْصُلَّة".

وكثيراً ما يعمد الأولاد الصغار إلى طرد الدجاجة الراقدة، فتنفر وتخرج من على بيضها، وإذا تكررت العملية فإنها تكفّ عن احتضان البيض فيقال عندها، طَيَّرَت الدجاجة، وهي دجاجـة مْطَيّرة.

وعندما تكبر الصيصان، ويبلغ عمرها شهرين أو أكثر وتصبح في وضع يمكن ذبحها وأكلها تسمى الذكور منها "ديوك مسْتَذبحات" ؛ أي أنها أصبحت قابلة للذبح والأكل. أما الإناث فتترك وتُربّى لتصبح فراريج فيما بعد، وإذا كانت الديوك كثيرة فإن المرأة تبيع عدداً منها، وتترك ديكين أو ثلاثة ليكونا ديوك المستقبل.

فحص البيض: وليست كل البيوض تصلح للوضع تحت الدجاجة الراقد، بل تلك التي تكون بها "كبسة" الديك، أي لقاح الديك، ولكي تعرف المرأة ذلك، فهي تقوم بفحصها واحدة واحدة قبل وضعها تحت الدجاجة، أو بلغة النساء "تَنْقُد البيض"، حيث تمسك كل بيضة منها وترفعها بيدها وتنظر إليها ناحية الشمس، فإذا رأت فيها بقعة صغيرة "لُطْعَة" فهي تكون ملقحة وصالحة للتفريخ، أما إذا لم تكن فيها تلك اللطعة فلا تضعها تحت دجاجتها، لأن الدجاج يمكن أن يبيض دون أن يكون لديه ديك، فتكون تلك البيوض خالية من اللقاح ولا تصلح للتفريخ.

الراقوبة:  هي البيضة التي تتركها المرأة في القُنّ أو الخُصّ حتى تراها بقية الدجاجات فترقد عليها وتبيض، وإذا لم تكن هناك راقوبة، فإنّ الدجاجات تبيض في أماكن أخرى، فبعضها يبيض في كومة قش قريبة، أو في خصّ الجيران، وإذا حدث ذلك فإن المرأة تغضب كثيراً وربما تربط تلك الدجاجة التي تبيض عند الجيران لتلقنها درساً، وحتى تعرف أنه لا يسمح لها أن تبيض في المكان الذي يحلو لها، وعليها أن تبقى مخلصة لصاحبتها وللخُصّ الذي ربّاها.

الدجاجة السوداء: بعد أن تكتسي الصيصان بريش "الحلال" ويظهر لونها الطبيعي، تنظر المرأة إليها فإذا كان أحدها أسود اللون تدرك المرأة بأن هذا الصوص سيكون دواءً في المستقبل، وما أن يصل عمر ذلك الصوص شهرين أو أكثر ويصبح دجاجة صغيرة، حتى يُذكر خبرها في أوساط النساء، فإذا كانت إحداهن "مَخْرُوعَة"، فيكون في هذه الدجاجة الدواء الشافي. والخريعة هي صدمة من خوفٍ مفاجيء، وتسمى أيضاً "خَوْفة"، والمرأة التي تصاب بالخريعة تظهر عليها أعراض ذلك المرض، فتبدو ساهمة كاسفة ويصفّر وجهها، وتشكو من آلام في سائر جسمها، وعندما تذهب لإحدى "الفَتَّاشَات" تخبرها بأنها مخروعة، وهي بحاجة إلى دجاجة سوداء حتى تشفى من مرضها.. فتجلس المرأة ويوضع على رأسها صحن وتذبح الدجاجة فيه، ثم تطبخ وتأكل منها المرأة لوحدها ولا تدعو أحداً ليأكل معها، أما الريش وما يتبقى من الدجاجة بعد التنظيف فيدفن على مفترق الطرق ليدوس عليه الناس في ذهابهم وإيابهم، وبعد هذا العلاج تستردّ المرأة عافيتها تدريجياً، ثم لا تلبث أن تعود إلى مزاولة أعمالها الطبيعية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدجاجة السوداء تستعمل علاجاً للمرأة التي تصاب بالخريعة في ساعات الليل أو المساء، ولون الدجاجة الأسود يدلّ على الليل، أما إذا أصيبت بالخريعة في النهار فإن العلاج يكون عبارة عن دجاجة بيضاء ناصعة البياض، ولونها الأبيض يدل على حدوث الخريعة في ساعات النهار. 

أعداء الصيصان:

الصقر: هو من ألدّ أعداء الدجاجة وفراخها، وتخشاه المرأة وتراقب دجاجتها الراقد خوفاً منه، فهو يدور في الفضاء وينقضّ ليخطف صوصاً صغيراً ويحلّق به عالياً حيث يأكله، ثم يعود عدة مرات في اليوم مما يجعله مصدر خطر حقيقي على صغار الدجاجة. وهذا النوع من الصقور صغير الحجم ويسمى عند البدو "صقير أبو الفار"، أي الصقر الذي يأكل الفئران، لأنه لا يستطيع مهاجمة الدجاجة الكبيرة ولا يستطيع حملها والطيران بها، وكثيراً ما تهاجمه الدجاجة الأم، وتنقضّ عليه، وأذكر أن دجاجة أمي هاجمته مرة عندما انقض على صيصانها وكسرت جناحه وقتلته شرّ قتلة، ولكنها أصيبت بالهستيريا بعد ذلك.

أما الصقر الذي يهاجم الدجاج البالغ فهو "الباشق"، ولكنه قليل الوجود لذلك فهو لا يهاجم الدجاج إلا فيما ندر.

القنفذ: هو أيضاً من الأعداء الذين يهاجمون فراخ الدجاجة، فهو يدخل القنّ في ساعات الليل، ويقتل بعض الفراخ الصغيرة، ولكن خطره قليل إذا قيس بالصقر المذكور.

الجرذ: الجرذ الكبير أشد خطراً من القنفذ، فهو يهاجم في كل يوم، ويصعب على المرأة حفظ صيصانها منه، وكثيراً ما يقضي على كلّ الفراخ الصغيرة، وقد يهاجم الدجاج الصغير ويأكل أرجلها فتظل تنزف حتى تموت. وقد انتشرت موجة هائلة من هذه الفئران في أواخر سنوات الستين، فقلبت حياة الناس جحيماً لا يطاق، وحاربوها بكلّ الوسائل، حتى أصبحت الآن قليلة الوجود وكادت تختفي. ويطلق العامة على الواحدة من هذه الفئران "عَرْسة"، وكذلك "جربوع".

الثعلب: لا يهاجم الثعلب الفراخ الصغيرة، ولكنه يهجم في ساعات الليل على قُنّ الدجاج فإذا تمكن من فتحه فهو يعيث فيه فساداً كبيراً، ويقتل ويخنق كل ما تصل إليه يده من الدجاج، وقد يقضي على كل الدجاجات الموجودة في القنّ، وهو يستعمل مكره وخداعه في الوصول إلى الدجاجات وقتلها، لذلك فهو شديد الخطر ويجب الاحتراس منـه، وكثيراً ما تربط المرأة كلباً بالقرب من خُصّ دجاجاتها حتى يطرد الثعلب بنباحه إذا ما حاول الاقتراب منها.

وبهذا نكون قد قضينا سياحة ممتعة مع المرأة ودجاجاتها، على أمل اللقاء بكم في مقال آخر.

  ---------------

نشرت في صحيفة أخبار النقب بتاريخ 26/04/2004

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 27/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة