هموم الحمل والولادة لدى المرأة البدوية - لصالح زيادنة

هموم الحَمْل والولادة

بقلم: صالح زيادنة

 

ما إن تمضي أسابيع قليلة على زواج الفتاة البدوية، ودخولها بيت الزوجية إلا وتبدأ في التفكير في الحمل والولادة وفي إنجاب الأطفال، وقد يكون السبب الأول والأهم في دوافع هذا الإحساس هو طبيعة تكوينها الأنثوية التي تهيئها لحمل هذا النسل المبارك، وغريزة الأمومة التي تكمن في أعماقها وتنتظر فترة الانطلاق.

وهناك أسباب أخرى ربما لا تفكر فيها الفتاة في بداية زواجها، ولكنها تصبح من الأمور التي تقضّ مضجعها فيما لو تأخّر حملها لفترة طويلة.

فإنجاب الأطفال من الأمور التي ترسّخ قواعد المرأة في بيتها، وتجعلها أمّاً لها قيمتها واحترامها في الأسرة، وتوطّد أواصر المحبة والتفاهم والترابط بينها وبين زوجها وأفراد عائلتها.

وإذا تأخّر حمل المرأة لفترة طويلة تبدأ الأقاويل تدور حولها، فهي في نظر بعض النسوة عاقر، والمرأة التي لا تنجب كالشجرة التي لا تثمر؛ و "الشجرة بلا ثمرة قطعها حلال".

وهكذا تدور حولها كوابيس من مثل هذه الأقاويل تفقدها راحتها، وتظلّ تحوم حولها إلى أن يرزقها الله سبحانه بالخَلَف.

أما إذا حملت المرأة فعليها أن تحافظ على الجنين الذي في أحشائها، ولا تُعَرّض نفسها لحمل الأشياء الثقيلة، ولا تُجهد نفسها في الأعمال المنزلية أو غيرها، وكذلك عليها أن تتبع عدة خطوات للمحافظة على هذا المولود المنتظر حتى يأتي إلى الحياة الدنيا سليماً معافى. ومن هذه الإجراءات: 

الماسكة: بعد أن تحمل المرأة وتكون في الأشهر الأولى من حملها تتعرض أحياناً لآلام خفيفة في البطن من مغصٍ أو غيره الأمر الذي يجعلها  تخشى على جنينها من الأذى أو السقوط وعليها أن تتخذ الحيطة والحذر للمحافظة عليه فتذهب بصحبة حماتها أو لوحدها إلى أحد الشيوخ الذين يعملون "الحُجُب" ليعمل لها "ماسكة"، حتى لا تسقط جنينها ويظل ممسوكاً في بطنها إلى أن تنجبه في وقته الطبيعي، والماسكة عبارة عن ورقة تُكتب عليها آية الكرسي من سورة البقرة من القرآن الكريم، وتُلَفّ على شكل مربع أو مثلث، وتُغَطّى بالورق اللاصق، أو بغطاء جلدي حتى لا تصاب بالنجاسة، وتوضع في الحزام من جهة البطن، حتى يثبت الحمل بعون الله تعالى، وقد تبقى في حزام المرأة إلى أن يتحرّك جنينها، وعادة ما تشعر المرأة وهي تضع الماسكة على بطنها بشيء من الراحة والطمأنينة لما فيها من الآيات القرآنية الكريمة.

 

حجاب القرينة: أما إذا أسقطت المرأة قبل هذا الحمل فغالباً ما تكون كثيرة القلق عند حملها، تساورها الشكوك والأوهام، وقد يسود اعتقاد بأنها مصابة بـ "القرينة"، وهي نوع من الجن يؤذي البشر ، وهي التي تعيقها عن الحمل في بداية الأمر، وهي كذلك التي تُسقط جنينها في الأشهر الأولى من حملها، ولذلك فهي تطلب من الخطيب أو الشيخ أن يعمل لها  "حجاب قرينة"، لتطرد تلك القرينة التي تلازمها وتنغّص عليها حياتـها، ولذلك فالحجاب المذكور كفيل بطردها وإبعادها إلى غير رجعة. 

 معرفة نوع الجنين: بعد أن يصبح للمرأة عدة أشهر من الحمل تبدأ في التفكير في نوع الجنين، وهل هو ذكر أم أنثى، وقد يشاركها الزوج في هذا التفكير من أجل تهيئة الجو للمولود المنتظر، وهناك علامات تستدل من خلالها المرأة على نوعية هذا الجنين الذي تحمله في أحشائها، في العصر الذي لم تكن تتوفر فيه أجهزة الأولترا ساوند. فإذا كان الثقل في الجهة اليمنى من البطن فهي حامل بولد ذكر، لأن الولد يكون في جهة اليمين، وهي عندما تسير ترفع رجلها اليمنى بتثاقل وتستند على اليسرى وكأنها تظلع، فيدرك من يراها بأنها حبلى بصبي ذَكَر لا محالة.

وكذلك فإن الأم المجرّبة تعرف حركة الجنين الذكر من الأنثى، لأن حركته أثقل بعض الشيء وغالباً ما تكون في جهة اليمين.

الوضع: عندما تشعر المرأة بآلام المخاض واقتراب ساعة الوضع، تستدعي امرأة متقدمة في السنّ لتقف بجانبها وتكون قريبة منها في ساعة وضعها، وقد تكون تلك المرأة أمها أو حماتها، أو امرأة أخرى من العائلة، أو داية محترفة إذا وُجدت، حيث تسخّن لها ماءً وتحضّره لتحمم به الوليد  بعد ولادته مباشرةً، وكذلك تحضّر الصابون والأقمطة وقطع القماش الناعمة التي تلفّ بها الطفل، والتي تكون الأم قد أعدتها من قبل.

ويُقدّم للمرأة النفساء رغيف ساخن من الخبز، لأنها تجوع بعد النِّفَاس مباشرة، ثم يُطبخ لها بعض فراخ الدجاج حيث تشرب من الشوربة الساخنة، لتستعيد بعض قوتها ونشاطها، وتعوّض جسمها بعض ما فقده خلال عملية الولادة. كذلك فإن تناول الرغيف الساخن يساعد على الإسراع في إنزال "الرفيقة" المشيمة، والتي بإنزالها تكون عملية الولادة قد انتهت.

 التسرير: بعد أن يأتي الوليد إلى الحياة الدنيا ويُسْمِع وعوعته الأولى، تتناوله الداية، أو المرأة الموجودة بين يديها ومن ثم "تُسَرّره" أي تقطع حبله السُّرّي، حيث تبقي منه مقدار 10 سم، وتلف عليه قطعة قماش صغيرة ثم تشدّ عليه بخيط متين شدّاً محكماً لا يسمح بمرور الهواء منه، لأنه إذا كان رخواً فإن الهواء يمرّ منه، ويصبح الطفل يتنفس من سُرَّتِه كما يقولون، فيبدأ بالصراخ وإذا لم تتداركه امرأة خبيرة فقد يموت من ذلك. ثم تدهن طرف الجرح بزيت الزيتون، وترشّ عليه شيئاً من حَبّ الرشَاد المسحوق، وهو حبيبات بنية اللون في حجم وشكل حبيبات السمسم. وتضع عليه أيضاً شيئاً من الكُحْل الذي يُعَدّ  من سُخام زيت الزيتون. وخلال عدة أيام يذبل الحبل السُّرِّي وتسقط القطعة الملفوفة منه، فتضعها الأم في صندوقها، أو تخبئها في أي مكان في البيت. ومن السائد أن الذي تُقْطع سرّته في مكان يظلّ يحبّ ذلك المكان ويحنّ إليه، فإذا أكثر أحدهم من التردّد على بعض البيوت تقول له أمه: "أنت سِرّك مقطوع عندهم". وأذكر أن أحد إخواني كان يفتح صندوق أمي كثيراً ويأخذ منه بعض المأكولات فكانت تقول إنها وضعت سرّته في ذلك الصندوق.

وبعد التسرير أو قطع السُّرّة تقوم المرأة المذكورة بتحميم الطفل بالماء الفاتر والصابون، وتلفّه بالقماش الناعم النظيف وتقمّطه بقماط هو عبارة عن منديل ملفوف، ثم تعطيه لأمه لترضعه من حليبها، وإن لم يكن فيها حليب في البداية فبمجرد ما تحتضن الطفل تدرّ عليه بقطرات قليلة لا تلبث أن تزداد بعد عدة رَضْعَات فيحصل منها على كفايته من الحليب.

 

البشارة: بعد ولادة الطفل مباشرة تخرج الداية، أو أي امرأة أخرى من طرفها لتلقي البشارة للزوج الذي ينتظر بين الخوف والقلق وليده الجديد، تنتهبه الهواجس خشية على زوجته أن يحصل لها مكروه، فيخرب عندها بيته، ويضيع أطفاله. وتقول له إذا كان المولود ذكراً: "ابشر لك بـ"راعي"، أو أبشر لك بـ"رويعي"، وهي تصغير راعي، فيجيبها: "الله يبشرك بالخير". أما إذا كانت المولودة أنثى فتقول له: "ابشر لك بـ"ورّادة"، تربى في عزّك وعزّ أولادك"، فيجيبها الجواب التقليدي: "الله يبشرك بالخير".

* - والورّادة: هي المرأة التي ترد الماء فتملأ جرارها، وكان ورود الماء من الأمور التي تقوم بها النساء حيث يلتقين جماعات عند البئر ويتناقلن الأخبار المختلفة حتى قيل: "العِلم بيجيبنه الورَّادات"؛ أي أن  الخبر أو الأخبار تأتي بها واردات الماء. 

ومن الطبيعي أن المرأة التي نقلت البشارة إلى الأب تكون جديرة بهدية متواضعة من مالٍ أو ثوبٍ أو شال أو غيره، فيعطيها وهو راضٍ كل الرضى ولا يبخل عليها بشيء.

أما بالنسبة للبشارة فإذا كان المولود ذَكَراً، فإن السائد لدى الجميع قبول ذلك بشيء من الرضى والارتياح، وكانت النساء تقول: "بشارة الولد مش زي بشارة البنت". أما إذا كانت المولودة طفلة أنثى فإنّ تقبّلها يختلف من عائلة لأخرى حسب وعيها الديني والثقافي.. وقد يكون هناك بعض الامتعاض عند بعض العائلات ولكنه سرعان ما يزول وتُقبل تلك الزائرة على الرحب والسعة.

وقد حُدِّثْتُ أن أحد الشيوخ تحدّى هذه الظاهرة فكان كلما أنجبت له زوجته طفلة أنثى، يشتري لها حلية ذهبية، وبعد أن وضعت له ثلاث بنات تَلَتْهُم بخمسة ذكور، فكان ذلك من دواعي سروره، وذلك من فضل الله تعالى على عباده. ويحسن بالكثير من الرجال أن يتصرفوا مثل هذا الرجل لأن: "البنت خِلْقة الله"، و"البنات أخوات الأولاد"، وبنات اليوم أمهات الغد، فاستوصوا بالنساء خيراً كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

التسمية: لا شك أن المرأة الحامل وزوجها يفكران في اختيار اسم لمولودهما المنتظر، وقد يختارا اسمين، اسماً لطفلة أنثى فيما لو كانت المولودة طفلة، واسماً لطفل ذكر فيما لو كان المولود ذكراً. وقد يتركان ذلك حتى يأتي المولود متمثلين بالمثل الشعبي الذي يقول: "لما نشوف الصبي بنصلّي على النبي"،  وكذلك إيماناً منهما بأن: "كلّ مولود اسمه بيجي معه".

وكان للخطيب أو "الحَجّاب" الذي يعمل الحجب دور في هذه التسمية، فكان عندما يتوجّه إليه أحد الوالدين يطلب منه أن يعطيه الاسم الذي وقع عليه الاختيار، فيجمع قيمة  حروف هذا الاسم ويضيف إليها حاصل جمع حروف  اسم الأم، ويقسم العدد الناتج على 12 وهو عدد البروج، ثم ينظر في كتاب "أبو معشر الفلكي"، فيعرف نوع برجه فإذا كانت المواصفات جيدة يوافق على هذا الاسم، أما إذا كانت المواصفات لا تدلّ على خير في المستقبل لحامل هذا الاسم فيطلب منهم تغييره، حتى يجدوا الاسم الملائم.

 

قراءة الآذان في أذن الطفل: وهناك من يؤذن في أذن الطفل بصوتٍ خافت حتى يكون أول صوت يسمعه هو الله أكبر، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، عسى أن يكون مستقبلاً شخصاً تقياً مؤمنا.  

 

الترييق: وهناك من يضع شيئاً من ريقه على إصبعه ثم يضعها على فم الطفل، وأحياناً داخل فم الطفل، حتى يكون الطفل مثله، متصفاً بصفاته، وهذه عادة مكروهة وغير مستحبّة، وهي لا تستعمل إلا عند عائلات قليلة، وطبيعي أنها غير مطلوبة من الناحية الصحية، خشية أن يكون صاحب الريق مريضاً بمرض ما، فينتقل بذلك المرض للطفل عن طريق ريقه.

 البابونج المغلي: تغلي الأم أوراق البابونج وهي نبتة معروفة، وتضيف إليها قليلاً من السكر حتى يستسيغها الطفل، وبعد أن تبرد قليلاً وتصبح فاترة، تسقي منها طفلها في الأيام الثلاثة الأولى من ولادته، فتخرج من بطنه مع البراز مادة مخاطية لزجة تسمى عند العامة "صْلاَل"، وهي تسبب له مغصاً وآلاماً في البطن، وبخروجها يستريح الطفل وتصبح معدته نظيفة لاستقبال طعامه الطازج من حليب الأم.

 الكَبْسَة: تحرص المرأة أن لا تدخل عليها في الأيام الأولى من وضعها امرأة نفساء أو حائض حتى لا "تكبسها"، فإذا دخلت عليها إحداهن دون علمها فإنها تصاب بالكَبْسة هي وطفلها، حيث تظهر بعض البثور الحمراء على جلد الطفل، ثم تنتشر على سائر بدنه، فيبدأ بالصراخ، فتعرف أمه أن طفلها "مكبوس"، وأن عليها لعلاج هذه الظاهرة أن تجمع له "نَشْرَة" وتحممه بمائها.

 النَّشْرَة: تقوم المرأة في الصباح الباكر وقبل شروق الشمس بجمع بعض الأوراق من أشجار التين والجمّيز والإثل أو أي شجرة أخرى، وكذلك تجمع أوراقاً من بعض النباتات مثل الزَّقُّوح والقُضَّاب أو أي نبتة أخرى، وتغلي هذه الأوراق حيث يصبح ماؤها يميل إلى الصفرة، ثم تتركها لتبرد قليلاً، حيث تأتي بقلادتها الذهبية وتغطّها في الماء وترفعها سبع مرات وهي تقرأ خلال ذلك الشهادتين، وبعد ذلك تحمّم طفلها بذلك الماء فتزول عنه البثور وتعود إليه عافيته.

أما في الوقت الحالي فإن المرأة التي تلد في المستشفى تُحقن بحقنة ضد الكبسة، ولم تعد تتأثّر من أي امرأة تدخل عليها، ولم تعد تخشى على وليدها من الكبسة بعد ذلك.

 

ورقة اللبن: غالباً ما يكون حليب الأم قليلاً في الأيام الأولى من وضعها، خاصة إذا كانت "بِكْرِيّة"، أي تنجب لأول مرة طفلها البكر، ولم تتعوّد على الإرضاع من قبل. فلذلك فهي تلجأ للخطيب ليعمل لها "ورقة لَبَن"، وهي نوع من الحجب، حتى تدرّ ويكثر حليبها وتستطيع أن تُشبع طفلها ليكفّ عن الصراخ ويعود إلى هدوئه المعتاد.

 

المَلْع: إذا لم يكن الطفل مقمّطاً ومشدوداً كما يجب فإن حمله من يده أو حمله دون قِماط يسبب له المَلْع، ويصبح عندها مملوعاً، وكلما تحمل الأم الطفل يأخذ في الصراخ لأنه يشعر بالألم عند تحريكه، والملع عبارة عن فك بعض المفاصل الطرية عن بعضها، ولعلاج ذلك تقوم الأم أو الجدّة بوضع قماشة تحت الطفل ثم تضعه في وضع استلقاء على ظهره، وتكسر بيضة وترمي عنها البياض، وتترك الصَّفَار، ثم تضع الصَّفَارَة على بطن الطفل وتحركها بأطراف كفوفها من الأسفل من اليمين إلى الشمال حتى تنفقيء الصَّفَارَة، فتقول عندها ها هو الملع، وتضع على البيضة قطعة قماش ثم تلفها، وتشد قِماط الطفل فتلتصق البيضة وتجف على صدره وفي اليوم التالي تفكّ عنها وتغسل مكانها، ويكف عندها الطفل عن الصراخ لأن الملع يكون قد شفي.

 الزاقوحة: أما إذا كان الطفل كثير الصراخ ولا يهدأ إلا إذا حملته أمّه في حضنها لأن "ابن ليلته بيعرف شيلته" كما يقولون، فعادة ما تلجأ الأم لعمل أرجوحة خاصة له في البيت تسمى "زاقوحة"، حيث تقوم بربط حبل مزدوج بين عمودين من أعمدة بيت الشَّعْر، وتأخذ كيساً أو بساطاً وتلفّ طرفيه كلّ طرف منه على حَبْل حتى يكون يشبه الخُرْج، وتفرشه بفراش دافيء وتضع طفلها فيه وتهزّه ذات اليمين وذات الشمال حتى يهدأ ويكفّ عن الصراخ وينام، فتقوم بعدها لعمل واجباتها المنزلية المختلفة. وقد يكون لديها سرير متحرك يقوم بنفس الغرض، ولكن " الزاقوحة " المذكورة أسهل عملاً ويمكن عملها في كل بيت دون أي عناء، ودون الحاجة إلى أي أدوات خاصة.

المَزْفَر: وقد تحمل المرأة طفلها الصغير على ظهرها حيث تعقد أطراف شالها الأربعة وتضع طفلها في الشال، وقد تستعمل شالاً أو قناعاً آخر غير الذي تغطّي به رأسها لهذا الغرض، فيكون ظهر الطفل ناحية الأسفل بينما يكون رأسه جهة اليمين، أو يكون فيه الطفل جالساً ورأسه خارج المزفر، وهذه الطريقة تستعمل في الصحراء إذا كانت الأم مُظعنةً أو في سفر، أو إذا كانت ترعى أغنامها ومواشيها فيظل طفلها قريباً منها. 

وبعد مضيّ أربعين يوماً من الولادة تكون المرأة قد "رَبْعَنَتْ"، وباستطاعتها أن تزاول أعمالها المنزلية والاجتماعية بشكل طبيعي، لأنه بمضي الأربعين يوماً تكون قد استردت عافيتها وزالت عنها بقايا شوائب النفاس ولم يعد هناك ما يمنعها من العودة إلى حياتها الطبيعية.      

طرق وقاية أخرى:

تظل الأم قلقة على طفلها أو أطفالها غير مرتاحة البال حتى لو كانوا أصحاء في وافر الصحة والعافية، فقلب الأم يظل يرفرف حولهم يرقبهم ويرعاهم، ويطرد عنهم ما يمسهم بالسوء والأذى، وهي تحتاط بطرق مختلفة للحفاظ على أطفالها، ولا تترك طريقة تطرد عنهم السوء إلاّ وتلجأ إليها، ومن بين هذه الطرق التي تتخذها للوقاية:

 طرد العين والنَّظْرَة: فإذا كان أحد أطفالها ممتلئاً وجميلاً، فإنها تخشى عليه من العين، وتحاول أن تبعده عن عيون الناس، فإذا حدث أن نظرت إليه امرأة أو رجل وتوعكت صحته، فهي تسارع إلى عمل "عُطْبَة" له، و"تُعَطِّب له" حيث تلفّ خِرْقة أي قطعة قماش بطول 15سم تقريباً عدة لفّات وتشعل طرفها حتى يخرج منه الدخان " وتضع الطفل بين يديها، أو تضع رأسه على فخذها، وتبدأ تقرأ عليه رُقية خاصة حتى تطرد عنه العين، وتدير يدها التي تحمل العُطْبَة حول رأس الطفل وتقول في رقيتها: "رقّيتك واسترقيتك من عين اللي ما يصلي على النبي، رقيتك واسترقيتك من عين أمك وأبوك، وعين أختك وأخوك، وعين اللي شافك وما صلّى على النبي، عين الجار فيها نار، عين الحسود فيها عود، عين الذَّكَر فيها حَجَر، عين البنت فيها بِشْت، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد. حَوّطتك بالله من عيني وعين خلق الله، إحنا طبخنا عدس وجيراننا طبخوا عدس أخرجي يا نفس زي المهر ما بيخرج من بطن الفرس. أخرجي يا خارجة زي الحية الدارجة، إنْطَفي يا عين الحسود انطفي". وبعد أن تفرغ من قراءة الرقية تطفئ العطبة بالماء لكي تنطفي عين الحسود وتقول: انطفي يا عين الحسود انطفي .. ثم تأخذ على إصبعها شيئاً من الرماد الأسود المحترق من العطبة وتضعها على أوسط جبهة المريض وبين عينيه.

وعادة ما تتثاءب وهي تقرأ الرقية، فإذا تثاءبت وسالت دموعها فتكون العين قد أصابت الطفل بالتأكيد وهي تخرجها في هذه الحالة، لأن التثاؤب لدى قراءة الرقية دليل على إخراج العين من المنفوس.

خرزة العين: وتحتاط المرأة أحياناً لمثل هذه الأمور من باب "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، حيث تضع على ابنها خرزة العين وهي خرزة زجاجية زرقاء وبها شكل عين تعلّقها على صدر الطفل حتى تطرد الشيطان وعين من لا يصلي على النبي.

العُقْد: وقد تعلّق على صدره " عُقْدَاً " تعمله لها إحدى الصالحات وهو عبارة عن خيط يُجدل على شكل دائرة قطرها 2سم وتقرأ عليه "الدرويشة" المذكورة وتنفخ عليه وتنفث عليه شيئاً من ريقها، وتعلّقه الأم على صدر طفلها أو في شعره.

حجاب العين والنظرة: وقد تذهب إلى أحد الخطباء من الذين يعملون الحجب والرقى ليعمل حجاباًً لابنها حتى لا يصاب بالعين ومن ثم تعلّقه في شعره  حتى لا يراه أحد فيكون في مأمن من إصابة العين، أو قد تعلّقه على صدره ليعرف من يراه أن عليه حرزاً واقياً من نظرة العين.

إطالة شعر الطفل: وقد تترك شعر طفلها يطول حتى يصبح مظهره يشبه منظر الطفلة الأنثى حتى لا يصيبه أحد بالعين لأن البنت لا أحد يلتفت إليها، أو لأن "الناس شبعانين بنات"، وبذلك لا يلتفت أحد لطفلها ويصيبه بالعين.

عدم تنظيف الطفل:  وقد تعمد إلى عدم تنظيف ابنها ولا تلبسه ملابس نظيفة وجديدة خوفاً من أن يصبح كـ "العاجة" أي دُمية البلاستيك ويكون عرضة للإصابة بالعين.

تصغير اسم الطفل: وقد تلجأ المرأة إلى تسمية وليدها باسم مُصغّر كأن تسميه فريج بدلاً من فرج، ولويفي بدلاً من لافي، وحسين بدلاً من حسن وهكذا، وكثيراً ما تطلق عليه ألقاباً غير جميلة كأن تسميه أبو رُكب، أبو راس، أبو بربور وغيرها كثير، وكلّ هذا من أجل طرد عين السوء عنه كما ذكرنا.

الفطام: ترضع الأم طفلها طيلة عامين كاملين، كما ينصّ على ذلك الدين الإسلامي الحنيف، ثم تفطمه بعد ذلك.

وكثيراً ما "تُغْيِل"  المرأة، أي تحمل أثناء فترة الرضاعة فيقال عنها أَغْيَلَتْ، فتقول: "أغْيَلْت وأنا أرضع فلاناً"، ويكون "حليب الغَيْل" مُضرّاً بصحة الطفل فيصاب بالإسهال أو بالمغص، فتلجأ أمه إلى تعويده على أكل الطعام حتى تفطمه تدريجياً.

أما إذا لم يكف الطفل عن ملاحقة أمه ومطالبتها بإرضاعه فإنها تضع له مادة شديدة المرارة  على حلمة الثدي، وهذه المادة تسمى "جِدّة" ويمكن الحصول عليها من عند العطّار، مما يجعله ينفر عن الثدي ويكفّ عن البحث عنه، ويزهد في الرضاعة، حتى ينساها تدريجياً.

وحتى عندما يكبر الابن ويصبح بالغاً يظل قلب الأم يرافقه بعطفه وحنانه ويخشى عليه، فإذا خرج الابن وتأخّر في الرجوع، تظل الأم في انتظاره بين هواجسها المختلفة، ولا ينام لها جفن إلا بعد أن يعود ابنها إلى البيت سالماً، وغالباً ما تردد المثل: "لو كان قلب الولد زي قلب الوالدين لاحترقت الدنيا"، وكذلك: "قلبي على ابني وقلب ابني ع الحجر".

فلذلك فالأم جديرة بكل احترام، وكلّ خير، ولن نفيها حقها مهما عملنا وقدمنا لها، فكونوا رحماء بأهلكم وذويكم لأن: "رضى الله من رضى الوالدين"، على أمل اللقاء بكم في مقال تراثيّ آخر.

  ---------------

نشرت في صحيفة أخبار النقب بتاريخ 11/04/2004

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 27/08/2008م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة