أبو العلاء المعري - لمحمد مهدي الجواهري

أبو العلاء المعرّي - لمحمد مهدي الجواهري


أبو العلاء المعري*

     قِفْ بِالْمَعَـرَّةِ وَامْسَحْ خَدَّهَا التَّرِبَـا         وَاسْتَوْحِ مَنْ  طَوَّقَ  الدُّنْيَا بِمَا وَهَبَـا(1) 

وَاسْتَوْحِ مَنْ طَبَّـبَ الدُّنْيَا بِحِكْمَتِـهِ          وَمَنْ عَلَى جُرْحِهَا مِنْ رُوحِهِ  سَكَبَـا

وَسَائِلِ الحُفْـرَةَ الْمَرْمُـوقَ جَانِبهُـا          هَلْ تَبْتَغِي مَطْمَعاً أَوْ تَرْتَجِـي  طَلَبَـا؟

يَا بُرْجَ مَفْخَـرَةِ الأَجْدَاثِ لا تَهِنِـي          إنْ لَمْ تَكُونِي لأَبْرَاجِ السَّمَـا  قُطُبَـا

فَكُـلُّ نَجْـمٍ تَمَنَّـى  فِي  قَرَارَتِـهِ          لَوْ أنَّـهُ بِشُعَـاعٍ مِنْـكِ قَدْ جُذِبَـا

والمُلْهَمَ الحَائِـرَ الجبَّـارَ، هَلْ وَصَلَتْ          كَفُّ الرَّدَى بِحَيَـاةٍ  بَعْـدَه  سَبَبـا؟(2)

وَهَلْ تَبَدَّلْـتَ رُوحَاً  غَيْـرَ لاَغِبَـةٍ           أَمْ مَا تَزَالُ كَأَمْسٍ تَشْتَكِـي  اللَّغَبـا(3)

وَهَـلْ تَخَبَّـرْتَ أَنْ لَمْ يَأْلُ مُنْطَلِـقٌ         مِنْ حُرِّ رَأْيِكَ يَطْوِي بَعْـدَكَ  الحِقَبـَا(4)

أَمْ أَنْـتَ لا حِقَبَاً تَدْرِي، وَلا  مِقَـةً          وَلا اجْتِوَاءً،  وَلا بُـرْءَاً، وَلا  وَصَبَـا(5)

وَهَلْ تَصَحَّـحَ  فِي عُقْبَاكَ  مُقْتَـرَحٌ          مِمَّا  تَفَكَّرْتَ أَوْ حَدَّثْـتَ أو  كُتِبَـا؟(6)

نَـوِّر لَنَـا، إنَّـنَا فِي  أَيِّ  مُدَّلَـجٍ          مِمَّا تَشَكَّكْتَ، إِنْ صِدْقَاً وَإِنْ  كَذِبَـا(7)

أَبَا العَـلاءِ وَحَتَّـى اليَوْمِ مَا  بَرِحَتْ          صَنَّاجَةُ الشِّعْرِ  تُهْدِي  الْمُتْرَفَ  الطَّرَبَا(8)

يَسْتَـنْزِلُ الفِكْـرَ مِنْ عَلْيَا  مَنَازِلِـهِ          رَأْسٌ لِيَمْسَـحَ مِنْ ذِي نِعْمَـةٍ  ذَنَبَـا

وَزُمْـرَةُ الأَدَبِ  الكَابِـي  بِزُمْرَتِـهِ          تَفَرَّقَتْ فِي ضَلالاتِ الهَـوَى  عُصَبَـا

تَصَيَّـدُ الجَـاهَ وَالأَلْقَـابَ  نَاسِيَـةً          بِـأَنَّ فِـي فِكْـرَةٍ  قُدَسِيَّـةٍ  لَقَبَـا

وَأَنَّ  لِلْعَبْقَـرِيّ   الفَـذِّ   وَاحِـدَةً          إمَّـا الخُلُـودَ وَإمَّا المَـالَ  والنَّشَبَـا

مِنْ قَبْلِ أَلْفٍ لَوَ أنَّـا نَبْتَغِـي عِظَـةً          وَعَظْتَنَا أَنْ نَصُـونَ العِلْـمَ  وَالأَدَبَـا

 

عَلَى الحَصِيرِ.. وَكُـوزُ الماءِ  يَرْفُـدُهُ          وَذِهْنُهُ.. وَرُفُـوفٌ تَحْمِـلُ  الكُتُبَـا

أَقَـامَ بِالضَّجَّـةِ الدُّنْيَـا  وَأَقْعَـدَهَا          شَيْـخٌ أَطَـلَّ عَلَيْهَا  مُشْفِقَاً  حَدِبَـا

بَكَى لأَوْجَـاعِ مَاضِيهَا وَحَاضِـرِهَا          وَشَـامَ مُسْتَقْبَـلاً  مِنْهَـا  وَمُرْتَقَبَـا

وَلِلْكَآبَـةِ   أَلْـوَانٌ،   وَأَفْجَعُــهَا          أَنْ تُبْصِرَ الفَيْلَسُوفَ  الحُـرَّ  مُكْتَئِبَـا

تَنَـاوَلَ الرَّثَّ مِنْ طَبْـعٍ وَمُصْطَلَـحٍ          بِالنَّقْـدِ  لاَ  يَتَأبَّـى  أَيَّـةً  شَجَبَـا

وَأَلْهَـمَ النَّاسَ كَيْ يَرضَوا  مَغَبَّـتَهُم           أَنْ يُوسِعُوا العَقْلَ  مَيْدَانَاً  وَمُضْطَرَبَـا(9)

وَأَنْ يَمُـدُّوا بِـهِ فِي كُلِّ  مُطَّـرَحٍ           وَإِنْ سُقُوا مِنْ جَنَاهُ الوَيْـلَ وَالحَرَبَـا

لِثَـوْرَةِ الفِكْـرِ  تَأْرِيـخٌ  يُحَدِّثُنَـا          بِأَنَّ  أَلْفَ  مَسِيـحٍ  دُونـهَا  صُلِبَـا

إنَّ الذِي أَلْهَـبَ الأَفْـلاكَ  مِقْوَلُـهُ          وَالدَّهْرَ.. لاَ رَغَبَا يَرْجُـو وَلاَ  رَهَبَـا

لَمْ يَنْسَ أَنْ تَشْمَلَ الأَنْعَـامَ رَحْمَتُـهُ          وَلاَ الطُّيُورَ .. وَلاَ أَفْرَاخَـهَا  الزُّغُبَـا

حَنَا عَلَى كُلِّ مَغْصُـوبٍ  فَضَمَّـدَهُ           وَشَـجَّ مَنْ كَانَ، أَيَّا كَانَ، مُغْتَصِبَـا

سَلِ المَقَادِيـرَ، هَلْ لاَ زِلْتِ سَـادِرَةً           أَمْ أَنْتِ خَجْلَى لِمَا أَرْهَقْتِـهِ  نَصَبَـا

وَهَلْ تَعَمَّدْتِ أَنْ  أَعْطَيْـتِ  سَائِبَـةً          هَذَا الذِي مِنْ عَظِيـمٍ مِثْلِـهِ  سُلِبَـا

هَذَا الضِّيَاءُ اَلذِي يَهْدِي  لـمَكْمَنـه          لِصَّاً وَيُرْشِدُ أَفْعَـى تَنْفُـثُ  العَطَبَـا

فَإِنْ فَخَـرْتِ بِمَا عَوَّضْتِ مِنْ هِبَـةٍ           فَقَدْ جَنَيْـتِ بِمَا  حَمَّلْتِـهِ  العَصَبَـا

 

تَلَمَّسَ الحُسْنَ لَمْ  يَمْـدُدْ  بِمُبْصِـرَةٍ          وَلاَ امْتَـرَى دَرَّةً  مِنْهَـا وَلاَ  حَلَبَـا(10)

وَلاَ تَنَـاوَلَ مِـنْ أَلْوَانِـهَا صُـوَرَاً           يَصُـدُّ  مُبْتَعِـدٌ   مِنْهُـنَّ   مُقْتَرِبَـا

لَكِنْ بِأَوْسَـعَ مِـنْ آفَاقِـهَا أَمَـدَاً           رَحْبَاً، وَأَرْهَـفَ مِنْهَا  جَانِبَا  وَشَبَـا

بِعَاطِـفٍ  يَتَبَنَّـى  كُـلَّ  مُعْتَلِـجٍ           خَفَّاقَـه   وَيُزَكِّيـهِ   إِذَا    انْتَسَبَـا(11)

وَحَاضِـنٍ فُـزَّعَ الأَطْيَافِ  أَنْزَلَـهَاَ          شِعَافَـه  وَحَبَـاهَا  مَعْقِـلاً  أَشِبَـا

 

رَأْسٌ مِنَ العَصَبِ السَّامِي عَلَى  قَفَصٍ           مِنَ العِظَـامِ إِلَى  مَهْزُولَـةٍ  عُصِبَـا

أَهْوَى عَلَى كُوَّةٍ فِي وَجْهِـهِ  قَـدَرٌ           فَسَدَّ بِالظُلْمَـةِ  الثُقْبَيْـنِ  فَاحْتَجَبَـا(12)

وَقَالَ لِلْعَاطِفَـاتِ العَاصِفَـاتِ بِـهِ           الآنَ فَالْتَمِسِـي مِنْ حُكْمِـهِ  هَرَبَـا

الآنَ يَشْرَبُ مَا  عَتَّقْـتِ لاَ طَفَـحَاً           يُخْشَى عَلَى خَاطِرٍ مِنْـهُ  وَلاَ  حَبَبَـا

الآنَ قُولِي إِذَا اسْتَوْحَشْـتِ خَافِقَـةً          هَـذَا البَصِيـرُ يُرِينَـا آيَـةً  عَجَبَـا

هَذَا البَصِيرُ يُرِينَـا  بَيْـنَ  مُنْـدَرِسٍ          رَثِّ الْمَعَالِمِ، هَذَا الْمَرْتَـعَ  الخَصِبَـا(13)

 

زُنْجِيّـَةُ اللَّيْلِ تَرْوِي  كَيْفَ  قَلَّـدَهَا          فِي عُرْسِهَا غُرَرَ الأَشْعَارِ.. لاَ الشُّهُبَـا(14)

لَعَـلَّ بَيْنَ  العَمَى فِي لَيْـلِ  غُرْبَتِـهِ          وَبَيْـنَ فَحْمَتِـهَا مِنْ  أُلفَـةٍ  نَسَبَـا

وَسَاهِرُ البَرْقَ  وَالسُّمَّـارُ  يُوقِظُـهُمْ          بِالجَزْعِ يَخْفُقُ مِنْ ذِكْـرَاهُ مُضْطَرِبَـا(15)

وَالفَجْرُ لَوْ لَمْ يَلُذْ بَالصُّبْـحِ يَشْرَبُـهُ          مِنَ المَطَايَـا ظِمَـاءٌ شُرَّعَـاً  شُرِبَـا(16)

وَالصُّبْـحُ مَا زَالَ مُصْفَـرَّاً لِمَقْرَنِـهِ          فِي الحُسْنِ بِاللَّيْلِ يُزْجِي نَحْوَهُ  العَتَبَـا(17)

 

يَا عَارِيَاً مِنْ نَتـاجِ الحُـبِّ تَكْرمَـةً          وَنَاسِجَـاً  عَفَّـةً  أَبْـرَادَهُ  القُشُبَـا

نَعَوا عَلَيْكَ - وَأَنْتَ النُّورُ-  فَلْسَفَـةً          سَـوْدَاءَ لا لَـذَّةً تَبْغِـي وَلا طَرَبَـا

وَحَمَّلُـوكَ - وَأَنْتَ النَّـارُ لاهِبَـةً -        وِزْرَ الذِي لا يُحِسُّ الحُـبَّ  مُلْتَهِبَـا

لا مَوْجَـةُ الصَّدْرِ بِالنَّهْدَيْنِ  تَدْفَعُـهُ          وَلا يَشُقُّ طَرِيقَـاً في الهَـوَى  سَربَـا

وَلا تُدَغْـدِغُ مِنْـهُ  لَـذَّةٌ  حُلُمَـاً          بَلْ لا يُطِيقُ حَدِيـثَ اللَّـذَّةِ العَذِبَـا

حَاشَاكَ، إِنَّكَ أَذْكَى في  الهَوَى  نَفَسَاً          سَمْحَاً، وَأَسْلَسُ مِنْهُمْ جَانِبـَاً  رَطبَـا

لا  أَكْذِبَنَّـكَ  إِنَّ  الحُـبَّ  مُتَّهَـمٌ          بِالجَوْرِ يَأْخُـذُ مِنَّـا فَوْقَ  مَا  وَهَبَـا

كَمْ شَيَّعَ  الأَدَبُ  المَفْجُوعُ  مُحْتَضِرَاً           لَدَى العُيُونِ وَعِنْدَ الصَّـدْرِ مُحْتَسَبَـا(18)

صَرْعَى نَشَاوَى بِأَنّ الخَـوْدَ لُعْبَتُـهُمْ          حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظُـوا كَانُوا هُمُ اللُعَبَـا

أَرَتْهُمُ خَيْرَ مَا  في السِّحْرِ مِنْ  بُـدعٍ          وَأَضْمَرَتْ شَرَّ مَا قَدْ  أَضْمَرَتْ  عُقُبَـا

 

عَانَى لَظَى الحُـبِّ "بَشَّارٌ" وَعُصْبَتُـهُ         فَهَلْ سِوَى أَنَّهُمْ كَانُـوا لَـهُ  حَطَبَـا **

وَهَلْ سِوَى أَنَّهُمْ رَاحُوا وَقَدْ  نَـذَرُوا          لِلْحُبِّ مَا لَمْ يَجِبْ مِنْهُمْ وَمَا  وَجَبَـا

هَلْ كُنْتَ تَخْلُدُ إِذْ ذَابُوا وَإذْ غَبَـرُوا           لَوْ لَمْ تَرُضْ مِنْ جِمَاحِ النَّفْسِ مَا صَعُبَا

تَأْبَى انْحِـلالاً رِسَـالاتٌ مُقَدَّسَـةٌ           جَـاءَتْ تُقَـوِّمُ هَذَا العَالَمَ  الخَرِبَـا

 

يَا حَافِـرَ النَّبْـعِ  مَزْهُـوَّاً  بِقُوَّتِـهِ           وَنَاصِـرَاً في مَجَالِي ضَعْفِـهِ الغَرَبَـا(19) 

وَشَاجِبَ الْمَوْتِ مِنْ هَذَا  بِأَسْهُمِـهِ           وَمُسْتَمِنَّـاً  لِهَـذَا  ظِلَّـهُ   الرَّحِبَـا

وَمُحْرِجَ المُوسِـرِ الطَّاغِـي بِنِعْمَتِـهِ          أَنْ يُشْرِكَ الْمُعْسِـرَ الخَاوي بِمَا نَهَبَـا

والتَّـاج إِذْ تَتَحَـدَّى رَأْسَ حَامِلِـهِ           بِأَيِّ حَـقٍّ وَإِجْمَـاعٍ بِـه اعْتَصَبَـا

 

وَهَـؤُلاء الدُّعَـاةُ العَاكِفُـونَ عَلَى           أَوْهَامِهِمْ، صَنَمَـاً يُهْدُونَـهُ  القُرَبَـا(20) 

الحَابِطُـونَ حَيَاةَ النَّاسِ قَدْ مَسَـخُوا          مَا سَنَّ شَرْعٌ وَمَا بِالفِطْـرَةِ  اكْتُسِبَـا

وَالفَاتِلُـونَ   عَثَـانِينَـاً    مُهَـرَّأَةً          سَاءَتْ لِمُحْتَطِبٍ مَرْعَـىً  وَمُحْتَطَبَـا(21)

وَالْمُلْصِقُونَ بِعَـرْشِ اللهِ مَا نَسَجَـتْ         أَطْمَاعُهُـمْ: بِدَعَ الأَهْـوَاءِ  وَالرِّيَبَـا

وَالْحَاكِمُونَ بِمَا تُوحِـي مَطَامِعُهُـمْ          مُؤَوِّلِيـنَ  عَلَيْهَـا  الجِـدَّ  وَاللَّعِبَـا

عَلَى الجُلُودِ مِنَ التَّدْلِيـسِ  مَدْرَعَـةٌ           وَفِي العُيُونِ بَرِيقٌ يَخْطَـفُ  الذَّهَبَـا

مَا كَانَ أَيُّ ضَـلالٍ جَالِبـاً  أَبَـدَاً           هَذَا الشَّقَاء الذِي بِاسْمِ الهُدَى  جُلِبَـا

أَوْسَعْتَهُـمْ قَارِصَاتِ النَّقْـدِ لاذِعَـةً          وَقُلْتَ فِيهِمْ مَقَـالاً صَادِقَـاً عَجبَـا

"صَاحَ الغُرَابُ وَصَاحَ الشَّيْخُ فَالْتَبَسَتْ         مَسَالِـكُ الأَمْـرِ: أَيٌّ  مُنْهُمَا  نَعَبَـا"

 

أَجْلَلْـتُ فِيكَ مِنَ المِيزَاتِ  خَالِـدَةً           حُرِّيَّـةَ الفِكْـرِ وَالحِرْمَانَ  وَالغَضَبَـا

مَجْمُوعَـةً قَدْ وَجَدْنَاهُـنَّ مُفْـرَدَةً           لَـدَى سِـوَاكَ فَمَا  أَغْنَيْنَـنَا  أَرَبَـا

فُـرُبَّ ثَاقِـبِ رَأْيِ حَـطَّ فِكْرَتَـهُ          غُنْمٌ فَسَفَّ.. وَغَطَّى نُـورَهَا  فَخَبَـا

وَأَثْقَلَـتْ مُتَـعُ  الدُّنْيَـا  قَوَادِمَـهُ           فَمَا ارْتَقَى صُعُدَاً حَتَّى ادَّنَـى  صَبَبَـا

بَدَا لَهُ الحَـقُّ عُرْيَانَـاً  فَلَـمْ  يَـرَهُ          وَلاحَ مَقْتَـلُ ذِي بَغْـيٍ فَمَا  ضَرَبَـا

وَإِنْ صَدَقْتُ فَمَا فِي النَّاسِ  مُرْتَكِبَـاً          مِثْلُ الأَدِيـبِ أَعَانَ الجَـوْرَ فَارْتكبَـا

هَذَا اليَرَاعُ، شـوَاظُ الحَـقِّ أَرْهَفَـهُ          سَيْفَـاً، وَخَانِـعُ رَأْيٍ  رَدَّهُ  خَشَبَـا

وَرُبَّ رَاضٍ مِنَ الحِرْمَـانِ  قِسْمَتـهُ           فَبَرَّرَ الصَّبـْرَ  وَالحِرْمَـانَ  وَالسَّغَبَـا

أَرْضَى، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ، أَطْمَاحَ طَاغِيَـةٍ          وَحَالَ دُونَ سَوَادِ الشَّعْـبِ أَنْ  يَثِبَـا

وَعَـوَّضَ النَّـاسَ عَنْ ذُلٍّ  وَمَتْرَبَـةٍ          مِنَ  القَنَاعَـةِ  كَنْزَاً  مَائِجَـاً  ذَهَبَـا

جَيْشٌ مِنَ الُْمُثُلِ الدُّنْيَـا يَمُـدُّ  بِـهِ          ذَوُو الْمَوَاهِبِ جَيْشَ القُـوَّةِ  اللَّجَبَـا

 

آمَنْتُ بِالله وَالنُّـورِ الذِي  رِسَمَـتْ          بِهِ الشَّرَائِـعُ غُـرَّاً  مَنْهَجَـاً  لَحِبَـا

وُصْنْتُ كُلَّ دُعَاةِ الحَـقِّ عَنْ  زِيَـغٍ           وَالْمُصْلِحِينَ الهُدَاةَ، العُجْـمَ وَالعَرَبَـا

وَقَدْ حَمِدْتُ شَفِيعَاً لِي عَلَى رَشَـدِيَ          أُمّاَ وَجَدْتُ عَلَى الإِسْـلامِ لِي وَأَبَـا

لَكِنَّ بِي جَنَفَـاً عَنْ وَعْـيِ فَلْسَفَـةٍ          تَقْضِـي بِأَنَّ البَرَايَـا  صُنِّفَتْ  رُتَبَـا(22)

وَأَنَّ مِنْ حِكْمَةٍ أَنْ يَجْتَبَـي الرُّطَبَـا           فَرْدٌ بِجَهْدِ أُلُـوفٍ تَعْلِـكُ  الكَرَبَـا(23)

 


* - ألقيت في مهرجان ذكرى أبي العلاء المعري، الذي أقامه المجمع العلمي العربي بدمشق، وكان الشاعر ممثلاً للعراق.

    * - نشرت في جريدة "الرأي العام" العدد 1121 في 5 تشرين الأول 1944.

    *- نشرت في ط 49 ج 1، وط 57، وط 61 ج 2، وط 67 ج 1 و 2، وط 68 ج1. 

(1) - التَّرِب: الذي يكسوه التراب.

(2) - الملهم : منصوبة بـ" سائل" مضمرة.

(3) - اللاغبة : المتعبة.

(4) - لم يأل: لم ينفك ولم يبرح.

(5) - المقة: الحب، والاجتواء: البغض.

(6) - تفكرت: بمعنى فكرت.

(7) - المدَّلج: المسير في آخر الليل خاصة.

(8) - الصَّنْج: من آلات الطرب، وصناجات الشعر  المغنون به والمرققون إياه. 

(9) - المغبة: العافية.

(10) - امترى: احتلب.

(11) - المقصود بـ" عاطف" هنا القلب، وبـ"معتلج" ما يخالجه من العواطف.

(12) - الكوّة: إشارة إلى دائرة العين ومركزها، والثقبان: هما فتحتا العينين.

(13) - مندرس رثّ المعالم: يراد به أديم الوجه المتأثر بانطماس العينين. والمرتع الخصب: يراد به عقل أبي العلاء وروحه.

(14) - هذا البيت إشارة إلى بيت أبي العلاء المشهور:

           ليلتي هذه عروس من "الزنج"     عليها قلائد من جمان       

(15) - إشارة إلى مطلع قصيدته الرائية المشهورة أيضاً:

           يا "ساهر البرق" أيقظ راقد السمر       لعل بالجزع أعواناً على السهر

(16) - إشارة إلى بيته وهو أجمل وأرقّ ما سمع في وصف تبلج الصباح:

           يكاد الفجر تشربه المطايا        وتملأ منه أوعية شنان

(17) - إشارة إلى بيت له من قصيدته التي مرّ ذكر البيت السابق منها وهو:

           رب ليل كأنه "الصبح" في الحسن      وإن كان أسود الطيلسان

والبيتان من قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها:

           عللاني فإن بيض الأماني          فنيت والزمان ليس بفان

(18) - المحتضر: من أدركه الموت فأشرف عليه، والمحتسب: المفقود بالموت، ويقال ذلك للكبير، فإن كان المفقود صغيراً قيل فيه "مفترط" بفتح الراء.

**- المقصود الشاعر بشار بن برد.

(19) - النبع: شجر يعرف بقوته وتتخذ منه السهام والقسيّ، والغرب: شجر معروف بسهولة انكساره، ومعنى البيت؛ الإشارة إلى شجب المعرّي القوة بكل مظاهرها، واحتضانه الضعفاء من كلّ جنس.

(20) - يريد بهم المشعوذين باسم الدين، والذين يروجون للبدع والخرافات، ويضيقون آفاق الحياة على الجماهير. 

(21) - العثانين: جمع عُثنون: اللحية.

(22) - الجنف: الميل والانحراف.

(23) - الكرب: أصول سعف النخل.


المرجع : الأعمال الشعرية الكاملة لمحمد مهدي الجواهري -  ص 422-426

دار الحرية للطباعة والنشر – بغداد – الطبعة الثانية 2001

 صممت هذه الصفحة في 24 /09/2005

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

  عودة