أدوات إعداد الخبز - لصالح زيادنة

الفصل السادس


أدوات إعداد الخبز

بالرغم من بساطة إعداد الخبز وسهولة صنعه عند أهل البادية، إلا أن هناك أدوات لا يمكن عمله بدونها، ومن هذه الأدوات نذكر:
الرَّحَى:
الرَّحَى أو الجاروشة هي آلة بدائية من الحجر الخشن الثقيل تُستعمل لِجَرْش الحبوب وطحنها، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يُرَكَّبُ أحدهما فوق الآخر، ويكون السفليّ منهما ثابتاً بينما يتحرّك الحجر العلويّ حول محورٍ خشبيّ أو معدنيّ تكون قاعدته مثبّتة في أسفل الحجر السفليّ، وعندما تدور حجر الرَّحى فإنها تمرّ فوق حبّات القمح أو الشعير التي توضع من فتحة دائرية صغيرة في وسط الحجر العلوي، فتتكسّر تلك الحبّات شيئاً فشيئاً كلما دارت عليها حجر الرَّحَى حتى تصبح دقيقاً ناعماً. ولا يقتصر استعمال الرَّحَى على عمل الدقيق فقط، بل يمكن أن نجرش عليها القمح لنعمل منه الجريشة، وكذلك يُجرش عليها حَبّ العدس البلديّ ليعمل منه عدساً مجروشاً يصنع منه طعاماً مختلفاً يعتبر من ألذ الأطعمة وأشهاها وأكثرها شعبية عند البدو.
والرَّحَى تُلفظ على ألسنة العامة هكذا: «رْحِيّ»، وليست كلّ عائلة لديها رحَى، فكانت النساء يستعرنَ الرَّحَى من بعضهن البعض ثم يرجعنها بعد الفروغ منها، ونظراً لثقل الرَّحَى وصعوبة حملها على الرأس فقد كانت المرأة تعمل لنفسها «حَوِيّة» وتضعها على رأسها ومن ثم تحمل الرَّحَى فوقها، والحَوِيَّة: عبارة عن قطعة من القماش تُطْوَى وتُلَفّ على شكلٍ لولبيّ ومستدير وتوضع فوق الرأس، ثم توضع الرَّحَى فوقها على رأس المرأة، وبذلك يمنع احتكاك حجر الرحى بجلدة الرأس ويحول دون إصابة رأس المرأة بالأذى. ولا يقتصر استعمال الحَوِيَّة على حمل الرَّحَى وحسب، بل تستعمل أيضاً عند حمل جرار الماء من البئر، أو حمل «حزمات» الحطب أو غيرها من الأشياء الثقيلة.
والرَّحَى تتكوّن من عدة أجزاء، لكلّ جزء منها اسم خاص به، وهي كالتالي:
حجرا الرحى:
هما حجران مستديران بقطر حوالي 50 سم، يكون السفليّ منهما ثابتاً غير متحرك وبه ثقب ضيّق واحد في وسطه يسمح بمرور محور خشبيّ أو معدنيّ يُثبّت في وسطه ويسمى «قُطْب الرحى»، أما العلوي فهو الجزء المتحرك والذي يؤدي دورانه إلى طحن الحبوب وجرشها، وبه ثقب كبير نسبياً في وسطه يسمح بدخول الحبوب، وثقب صغير آخر في طرفه يوضع فيه المقبض الخشبي الذي نُحرِّك به حجر الرَّحَى.
الفراشة:
قطعة خشبية مستطيلة كفراشة المغزل بها ثقب في وسطها تستعمل لمسك المحور الخشبي أو الحديدي وتثيبته حتى لا يتزحزح، وتُثبّت الفراشة في فتحة الحجر العلويّ من الرَّحَى بينما يمرّ المحور من الثقب الذي في وسطها.
الهادي:
خشبة على شكل عصا صغيرة تُحدَّد وتُثبّت في الثقب الجانبي لتكون المقبض الذي نُدير به حجر الرحى العلويّ، وأحياناً يُلّف عليها قطعة من القماش حتى لا تؤذي اليد، لأن احتكاكها باليد يسبب ظهور ثآليل ماء صغيرة تؤلم اليد كثيراً.
القُطْب:
هو المحور الخشبي أو المعدني الذي تدور حوله الرَّحَى. وسمعت بعض النساء تسميه «قُلْب»، وتقول: «قُلْب الرّحى»، ويبدو أنه تحريف لكلمة قُطْب حيث لم يفهم العامّة مخارجها، أو قد يكون يُسمى بهذا الاسم لأنه يكون في قَلْب الرحى أي في أوسطها.
وللرحى وقطبها استعمالات كثيرة في اللغة منها:
هو بقومه بمثابة القطب من الرَّحَى، إن محله منها محل القطب من الرحى، هو مركز الرحى الذي تدور عليه، وكذلك: تطحن طحن الرحى، ووقع بين شقيّ الرحى، بدا حجر الرحى يدور حول كذا..، يدور عليه دوران الرحى، وغيرها كثير.
اللُّهْوَة:
هي الحفنة الصغيرة من الحبوب التي توضع في داخل فتحة الرحى لطحنها وتسمّى " لُهْوة حَبّ " يقال: لهوة كبيرة أو صغيرة، وهي التي ذكرها عمرو بن كلثوم في معلقته:
             
 يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِينَا(1)
واللهوة أقل من الحفنة، فملء اليد بالحبوب يسمى حفنة، أما اللهوة فهي نصف الحفنة تقريباً.
الثِّفَال:
هو عبارة عن قطعة منسوجة من صوف الغنم وشعر الماعز، تُبْسط تحت الرحى ليسقط عليها الدقيق والحَبّ المجروش، وتُبْسط تحت قطع العجين المُعَدّ للخَبْز عند عملية الخبز والطهي، ويبلغ طول الثِّفَال حوالي متر ونصف المتر، وعرضه حوالي 60 أو 70 سم. وكان الثفال يصنع في العصور القديمة من الجلد ويبسط تحت رحى اليد ليقي الطحين من السقوط على التراب، ثم أصبح ينسج من خيوط الصوف المبرومة وشعر الماعز كما ذكرنا، وبمرور الزمن استغنت المرأة عن الثِّفَال المنسوج واستعاضت عنه باستعمال كيس عاديّ، حيث حلّ محله وظلّ يحمل اسمه دون أن يطرأ عليه أي تغيير.
ويُفرش الثفال عادة تحت قطع العجين الطريّة، حيث تضع المرأة أمامها قطعة خشبية منبسطة تسمّى «المرَصَّة» وتغطيها بالجزء الأمامي من الثفال، وتبسط الجزء الآخر منه لتضع عليه أرغفة الخبز الطازجة بعد إنزالها من على الصاج مباشرة، حتى تبرد قليلاً وينقطع بخارها ولا «تَعْرَق» ويلتصق بعضها ببعض، لأن الخبز عندما يكون ساخناً يَخرج منه بخارٌ خفيف، فإذا تُرك على بعضه قبل أن يَتَهَوّى فإنه يلتصق ببعضه البعض بفعل الماء الناتج من البخار. ولكن الفترة التي تكون بين طهي كلّ رغيف وآخر كافية لتهوية الرغيف الناضج وانقطاع البخار منه، وهكذا تصبح إمكانية وضع الأرغفة فوق بعضها ممكنة. أما إذا كانت المرأة سريعة في عملية الطهي وخشيت من التصاق الخبز ببعضه البعض فغالباً ما تجعل الخبز كومتين حيث تنزل الرغيف الأول ثم تضع الثاني بجانبه وتعود لتضع الثالث على الأول وهكذا حتى تفرغ من عملية الطهي. وعند الفروغ من عملية الطهي تلفّ المرأة الخبز في الثفال وتضعه في صحن العجين وترفع الصحن فوق برميل الطحين حتى يكون الخبز في متناول الجميع.
ويقال عن عملية طهي الخبز «طْهَاية»، ونقول كذلك:" ذهبت المرأة لتَطْهَى، وهي «بتَطْهَى» وهكذا، أما الطّهَّاية فهي التي تطهو كثيراً.
والناس هنا يلفظون كلمة الثفال بالذال، فيقولون «ذْفَال» ولم أسمع أبداً مَن يلفظها بالثاء، وربما تكون الكلمة بالذال أخفّ على اللسان لأن اللغة العربية هي لغة اليسر والسهولة وما تعارف عليه الناس وأَلِفوه من المفردات، ولكن أصحاب المعاجم وجدوا بيت زهير: «فتعرككم عرك الرحى بثفالها» فأخذوا ثفالها وعنهم أخذ الباقون. أما في الشعر العربي فقد ورد ذكر الثفال كثيراً وخاصة في الشعر الجاهلي وفي الشعر العربي القديم، فها هو زهير بن أبي سلمى يصف في معلقته الحرب ويقول:
فَتَعْرُكُكُـمْ عَرْكَ الرِّحَى بِثِفَالِهَا وَتَلْقَحْ كِشَافَـاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ(2)
أما عمرو بن كلثوم فيذكره في معلقته ويقول:
يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَـةَ أَجْمَعِينَا(3)
ويقول ذو الرمّة في قصيدة له(4):
إذَا شَاءَ بعضَ الليلِ حَفَّتْ لِصَوْتِهِ حفيفَ الرَّحَى من جِلْدِ عَوْدٍ ثِفَالُهَا
أما في لسان العرب فنجد في مادة «ركا»:
إلى أَيِّمَا الحَيَّيْنِ تَرْكُوا فَإنَّكُمْ ثِفَالُ الرَّحَى مَنْ تَحْتَهَا لا يَرِيمُهَا(5)
ومن هنا نرى اقتران اسم الثفال بالرَّحَى في معظم المواقع التي ذُكر فيها، ويبدو أن الشعراء الذين ذكروا الثفال استقوا جميعهم معلوماتهم من معينٍ واحد هو بيت زهير بن أبي سلمى المذكور، وقد جاء ذكر الثفال وكأنه الشيء المظلوم الذي تعركه الرَّحَى، فيتعرّض للضغط الشديد لثقل الرحى وعركها له لدى دورانها. وإن كان له دور آخر لا يقل أهمية عن سابقه يأخذه بمجرد الانتهاء من عملية الطحن ورفع الرَّحَى إلى مكانها حيث يستعمل لوقاية قطع العجين من التراب، وتغطية الخبز الطازج لحفظه من لفح الريح وحمايته من الجفاف السريع حتى يظلّ طازجاً وطرياً. وبعد أن ظهرت الطواحين (المطاحن) الآلية الكبيرة قلّ دور الرَّحَى وأصبحت وظيفتها تقتصر على جرش كميات قليلة من القمح أو العدس للاستعمال المنزلي البسيط، أما الثفال فقد تحرر من عرك الرَّحَى ولكنه ظلّ كما هو عصوراً طويلة وما زال يستعمل حتى الآن، وإن كان دوره قد أخذ في الانحسار حتى كاد يُنسى تماماً.
وأذكر أنني طلبت من ابنتي (10 سنوات ) أن تضع ما تبقّى من الخبز بعد الأكل في الثفال، فحملت الخبز وبدأت تدور وتلتفتُ يمنة ويسرة ثم عادت إليّ مستفسرة متسائلة وهي تقول: ما هو الثفال يا أبي ؟ وأين هو؟.
فأرشدتها إلى معنى الكلمة، وقلت لها: إنني قلت لك ذلك حتى تعرفي هذه الكلمة فيما لو سمعتِها مرة أخرى.
المُنْخُل:
هو إطارٌ خشبيّ مستدير بعرض حوالي 15 سم، تُثبت في أسفله شبكة من السلك المعدني الرفيع، متقاربة الثقوب والفتحات، تسمح بمرور الناعم من الدقيق، وتُبقي ما دون ذلك مما خَشُنَ من الدقيق أو القشور وهو ما يُسمّى بالنخالة، ومنها اكتسب المنخل اسمه.
وتنخل المرأة الدقيقَ من «النخالة» حيث ينزل في صحن العجين الطحين الناعم الذي يصلح للعَجْن، أما النخالة وما خَشُنَ من الحبوب فتضعه في صحن آخر، ثم تعيد جرشه وطحنه على الرحى من جديد حتى يصبح ناعماً، وهكذا حتى يتجمّع لديها ما يكفي للـ «عَجْنة» الواحدة، أو ما يكفي عائلتها من الخبز لذلك اليوم. والعَجْنة؛جمعها عَجْنَات: وهي ما يملأ الصحن من العجين، وفي كل يوم تخبز المرأة عجنةً واحدة أو اثنتين حسب عدد أفراد العائلة، أما في المناسبات كالأفراح مثلاً فتقوم المرأة بتوزيع صحون الطحين على جاراتها وقريباتها ليساعدنها في العجن والخبز، أما هي فتخبز عدة عجنات وتقوم مرهقة منهكة، بسبب جلوسها الطويل قرب «صَلْو» النار، أي قرب ألسنتها ولهيبها، وقرب الدخان الكثيف المتصاعد من وقود الزبل والقشّ والذي يضايقها كثيراً.
أما ما يخرج من النخالة فإنها تخلطه بشيء من الماء أو تنقعه، ثم تطعمه لدجاجاتها، أو لبعض الخراف الصغيرة التي تُرَبَّى في البيت من أجل تسمينها وبيعها، وهذه الخراف تُسمّى «رَبَايط »، والواحد منها «ربيط »، لأنها تُربط وتُربّى في البيت كما ذكرنا.
صحن العجين:
كان صحن العجين في السابق عبارة عن صحن مصنوع من الخشب يسمى «باطية» ويجمع على «بواطٍ، أو بواطي»، وبعد أن انتهت هذه الصحون وانقرضت من السوق، أصبح صحن العجين المتداول عبارة عن صحن معدني مطلي بالصيني أو القيشاني، ثم أصبح فيما بعد يصنع من الألمنيوم أو النيروستا بأحجام مختلفة، وكل عائلة تختار الحجم الذي يناسبها، أو الصحن الذي يتسع لكمية العجين التي تكفي لصناعة الخبز الذي يكفيها ويتناسب مع عدد أفرادها .
المرَصَّة:
هي قطعة من الخشب لا يهم شكلها إن كانت مربعة أو مستطيلة أو مستديرة، تضعها المرأة أمامها عندما تقوم بطهي الخبز، وتغطيها بالجزء الأمامي من الثِّفَال بعد أن ترشّ عليه شيئاً من الطحين، ثم تضع فوق المرصة المغطاة بالثفال القطع الجاهزة من العجين بعد أن ترشّ عليها قليلاً من الطحين وهو ما يسمى بالـ«طَحَوِينة» أو «طَحَاوِينة» وتكون الطَحَوِينة عادة عبارة عن مقدار حفنة من الطحين توضع في صحن صغير وتُرَشّ على قطع العجين وعلى الثفال حتى لا تلتصق به قطع العجين الطرية عند رَصِّها بالكفّ وترقيقها.
وكلمة المرَصَّة جاءت من الفعل رَصَّ الشيء أي دَقَّه ورَقَّقَه، حيث تُرَصّ قطع العجين على هذه الخشبة وترقّق حتى تصبح مستديرة ورقيقة.
الصَّاج:
هو وعاء معدني مستدير الشكل قطره حوالي 80 سم، وله حدبة تبدأ من عند حافته وتأخذ في الارتفاع حيث تصل في وسطه إلى ارتفاع حوالي 10 سم. وعند استعماله تكون حدبته إلى الأعلى والجهة الأخرى جهة النار. وهو يصنع من حديد رقيق بسمك حوالي 1 أو 2 ملم، حتى يسخن بسرعة وتكون عملية الطهي عليه سهلة وسريعة. وهو يستعمل لطهي خبز الصاج؛ وهو خبز رقيق غير مُخَمّر، ويسمى في القرى «خُبْز شْرَاك».
وبعد أن يُسَخَّن الصَّاج على النار تسكب المرأة عليه قليلاً من الماء حتى تغسله من الغبار قبل وضع الخبز عليه، فتتساقط قطرات الماء من على سطحه وهي تغلي وتصدر صوتاً عالياً في بدايته ثم تخفت بعد ذلك، وهم يقولون: «طَشَّت الصَّاج» أي سكبت عليه الماء وهو ساخن كما ذكرنا، وقد جاءت كلمة طَشّ أو طَشَّت من صوت الماء عند إلقائه على الجسم الحديدي الساخن حيث يغلي بسرعة ويسمع له صوت الغليان لدى تساقطه وهو صوت «الطَشّ» المذكور.
ويُجمع الصّاج على صيجان، وكثيراً ما يقولون: «فلان وجهه زي الصَّاج»؛ أي أنه شديد السُّمرة، أو شديد السَّوَاد. لأن لون الصّاج يميل إلى السواد بفعل تعرّضه المستمر للهب النار فيكون لونه كما ذكرنا.
فَرْدَة الطحين:
هي وعاءٌ على شكل كيس منسوج من الصوف يغلب على لونها البياض وفيها بعض الخطوط السوداء المنسوجة من شَعْر الماعز، وهي تُنسجُ على شكل بساطٍ ثم تُثْنَى وتُحبكُ من جانبيها بخيوط متينة حيث تبقى الجهة المقابلة لمكان الثني مفتوحة، وهي تتسع لحوالي 100 كغم من الحبوب أو الدقيق، وهي تستعمل أصلاً لنقل الحبوب على ظهور الجمال، وكذلك لنقل الحبوب للمطاحن الآلية التي كانت موجودة في بعض المناطق والتي كانت تبعد عن بعضها مسافات غير قليلة.
والفَرْدةُ تجمع على «فْرَاد» وكانت بمثابة الكيس في العقود الماضية، وبها كان الناس يحفظون دقيقهم لسهولة تحميلها عند الحلّ والترحال، ثم أصبح الطحين يُخزن في برميل من الحديد أطلقوا عليه اسم «برميل الطحين» وهو يتسع لعدة أكياس من الطحين، وبعدها استعملوا برميلاً من البلاستيك المُقوّى يتسع لكيس واحد من الدقيق.
----------------------------

(1) – ديوان عمرو بن كلثوم، ص 72.
(2) – شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، ص 43 .
(3) – ديوان عمرو بن كلثوم، ص 72.
(4) - ديوان ذي الرمة، ص 235 .
(5) – لسان العرب: مادة "ركا".


رجوع