الحرباء - لصالح زيادنة 

الحرباء

بقلم: صالح زيادنة


 

 

الحرباء ذلك المخلوق الجميل، الذي حباه الله بقدرة تغيير لونه حسب البيئة التي يعيش فيها، وإن يكن الحرباء يغير لونه لحماية نفسه، ولدرء الخطر عن حياته، ومن أجل الحصول على  لقمة العيش أحياناً، فإن ذلك يختلف عند صديقي الحرباء. فقد عرفته قبل عامين وجمعتنا الظروف دون أن تكون لنا إرادة في ذلك.

 كان شاباً وسيماً خجولاً في العقد الثالث من عمره، في نظراته بريق عفوي كأنه نوع من الخَفَر، وعلى شفتيه ابتسامة بريئة تدخل القلب بلا استئذان. وعندما يتكلم تنساب العبارات من شفتيه عذبةً رقراقة، كأنها صدى همساتٍ طرية تدغدغ الأذن، وتشنّف السمع.

وفي أثناء حديثه كان يهز رأسه هزةً خفيفة إلى اليمين ليزيح خصلة الشعر الناعمة التي تتدلى على جبينه وتكاد تخفي عينيه العسليتين.

وكان يهتم بجليسه ويحاول أن يعيش مشاكله وقضاياه ويشاركه في همومه وأحزانه، ويستمع إليه مطرقاً وكأنه يهتم بكل كلمة يقولها، حقاً إنه مثال للشاب الطيب البسيط وللصديق المخلص الوفي.

وتشاء الظروف أن ترخي العنان لصداقتنا لتمرح حيث شاءت ولتحلو أيامها ولياليها، فتتوثق عرى الوئام وأواصر المحبة، وتبدأ الزيارات العائلية بيننا حتى تتحول إلى نوع من الروتين، ونعمل معاً بتفانٍ وإخلاص وكان عملنا يتطلب أن نذهب إلى بعض المدن المركزية في البلاد فنقضي معاً ساعاتٍ ممتعة سعيدة. 

غير أن إحساساً غامضاً كان يجعلني أشعر أن وراء صديقي شيئاً يقلقه، أو سراً يخفيه، فقد كنت ألمح في عينيه تساؤلات حائرة، ونظرات مبهمة غير مفهومة.

وكان صديقي يُشغل منصباً مهماً، ويتبوأ مركزاً مرموقاً، وكان يقدّمني دائماً إلى أصدقائه، ويدعوني إلى حفلاته الخاصة، ويعرّف زملاءه بي، حقاً لقد أفادني بعض الفائدة.

وبعد أن عملنا معاً طيلة عامين، وانتهى العمل لظروف خاصة، ظل صديقي في وظيفته التي كان يجهد نفسه للبقاء فيها، ويبدو أن دوري بالنسبة له قد انتهى، فقد حصل على أمنيته وانتهى دوري بالفعل بالنسبة له،   فصار يحييني بفتور، وفي بعض الأحيان يتظاهر بأنه لا يراني، وانقطعت زياراته الروتينية تماماً. 

ومرت سنة أخرى اكتشفت خلالها أن صديقي كان يمثّل عليّ دور الصديق، وانه لم يكن سوى حرباء تتلون حسب المكان والزمان، وإن يكن الحرباء يغير لونه ليتقي شر أعدائه، فقد كان صديقي يغير لونه ليكسب بعض المصالح الشخصية، وعندما يراني الحرباء اليوم يبتسم ابتسامة مصطنعة ويلوح لي بيده ويذهب لا يلوي على شيء.

 

كتبت في 12 / 12 / 1994م.

                                               * * *