محنة الأدباء والكتّاب - لصالح زيادنة

محنة الأدباء والكتّاب

بقلم : صالح زيادنة


 

 المدمنون على أفيون الأدب يصطدمون في رحلة الحياة ومسيرة العمر بعراقيل عديدة، ومشاكل جمة لعل من أبرزها: التجاهل، والحسد. يعيش الكاتب والأديب قضايا أمته، وهموم شعبه، يفرح لفرحهم فيرفرف بجناحيه مغرداً، ويحزن ويبكي لحزنهم وبكائهم فيسكب آلام نفسه الشجية، فيما تخط أنامله من مقالات، وفيما تسطّر يراعته من سطور وهو في الحالتين يعبر عن مشاعر أمته، وأحاسيس شعبه، وأبناء جلدته.

وقد يعاني الكاتب، وما أكثر ما يعاني الكتّاب والمفكرون في كل البلدان والأصقاع، ولكنهم لا يجدون من يهتم بهم أو يكترث لهم، مرض مارون عبود وكان في حينه شيخ النقاد العرب فلم يجد من يعوده أو يزوره أو من يسأل عنه، فعلق على ذلك قائلاً: "لو كان مارون عبود شقفة موظف في مملكة أفلاطون لجاءتك بأخبار وعكته الصحف، ولو كان أكثر من ذلك وانهز الماء في مصارينه، أو عطس مع الصبح لحسبوا لعطسته ألف حساب، ولكن مارون عبود أديب وفي لبنان ...".

وأدركت ميخائيل نعيمة هذه المحنة، محنة التجاهل ، فكتب في إحدى قصائده:

 

     غداً أردّ هبات  النـاسِ  للناسِ           وعن  غِناهـم  أستغني   بإفلاسـي

     وأستردّ  رهـوناً لي  بذمتهـم           فقد رهنتُ لهم فكري  وإحساسـي

     ورحتُ أتجر في أسواق كسبهم           فما كسبتُ سـوى همٍّ ووسـواس

     وكم فتحتُ لهم قلبي فما  لبثوا           أن نصَّبوا بعلَهم في  قدسِ  أقداسـي

 

وعاش أبو الطيب المتنبي وهو من أفحل الشعراء وأشهرهم، بين العديد من الحسّاد الناقمين، يتألبون عليه في رأد الضحى، ويتآمرون عليه في ديجور الظلام، فعند مروره بطرابلس، وبها إسحاق بن إبراهيم الأعور، وكان جاهلاً، وكان يجالسه ثلاثة أشخاص من بني حيدرة، فقالوا له: أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك، وجعلوا يغرونه عليه، فأخذ عليه الطريق وضبطها وعاقه عن مواصلة سيره، فمات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يوماً.

ووشى به أبو فراس الحمداني إلى سيف الدولة، فقضى لباب عمره سجيناً في سجن الروم، فكان مما قاله المتنبي:

 

     أفي كل يوم تحت ضبني شويعـرٌ              ضعيفٌ يقاويني قصيٌر يطـاول

     لساني بنطقي صامتٌ عنه  عادلُ              وقلبي بصمتي ضاحكٌ من هازلُ

 

ولا يكون الكاتب بمنجى في كثير من الأحوال من حسد المقربين له، فهم يقلبون له ظهر المجن بين عشية وضحاها، ويتنكرون له، ولا تخلو حياة كاتب من الكتاب من مثل هذه المشاكل والعراقيل التي تعترض طريقه، ولكنه يتغلب عليها في نهاية الأمر، وقد اصطدم الشاعر نزار قباني بهذه الصخرة فقال معبراً عن ذلك:

 

في خانة المهنة في جوازي

عبارة صغيرة تقول : إني ( كاتبٌ وشاعر )

في اللحظة الأولى اعتقدت أنها عبارةٌ سحرية

ستفتح الأبوابَ في طريقي

وتجعل الحراسَ يسجدونَ لي

وتُسكر الضباطَ والعساكر

ثم اكتشفتُ أنها فضيحتي الكبيرة

وتهمتي الخطيرة

وأنها السيفُ الذي يطولُ رأسي

كلما أردتُ أن أسافر

أجل - عزيزي القارئ - هذه بعض الصفحات المحزنة في حياة كل كاتب وشاعر، وهي محنة كل أديب وكل صاحب رسالة، ونحن نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويهدينا سواء السبيل.

 

                                                * * *