تأملات في اللغة: حول مثقف وثقافة - لصالح زيادنة

تأملات في اللغة: حول مثقف وثقافة

بقلم: صالح زيادنة


 بسم الله الرحمن الرحيم

حول مثقف وثقافة وعن أصل هذه الكلمة وجذرها ومعناها.

 نريد في البداية أن نأخذ الناحية اللغوية لهذه الكلمة، ونترك الباقي لمن يريد الإضافة والزيادة حول هذا الموضوع.

وقد تتبعت مسار هذه الكلمة في كثير من الكتب والمراجع وكان خير كتاب بدأت به هو القرآن الكريم مع تفسير الجلالين فوجدت أن هذه الكلمة قد جاءت في الآيات الكريمة التالية:

 1- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ.. (الآية 191، سورة البقرة) - وهي في تفسير الجلالين بمعنى وجدتموهم.

2- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ.. (الآية 112، سورة آل عمران) - وهي هنا بمعنى حيثما وجدوا.

3- فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ.. (الآية 91، سورة النساء ) - وهي هنا بمعنى وجدتموهم.

4- فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الآية 57، سورة الأنفال)- وهي هنا بمعنى تجدنّهم.

5- مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (الآية 61، سورة الأحزاب)- وهي هنا بمعنى وُجِدوا.

6- إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء (الآية 2، سورة الممتحنة )- وهي هنا بمعنى يظفروا بكم.

وهي هنا من الفعل ثَقِفَ يثْقَفُ ثَقْفَاً (وليس ثقافة، فالثقافة من التثقيف وفعلها ثقَّفَ يُثَقِّفُ كما سنبينه بعد قليل إن شاء الله )، وجميعها بمعنى وجد، أو أمسك وظفرَ بِـ....

هذا في القرآن، أما في صحيح البخاري فقد جاءت هذه الكلمة في الأحاديث التالية:

3905 - ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ في جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ..

5807- ثُمَّ لَحِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَراً..

 

وكلمة ثَقِفٌ هنا بمعنى ذكيّ فَطِن.

وفي لسان العرب وردت هذه الكلمة في مواقع كثيرة وقد تتبعتها وأثبتها هنا حسب معناها، وقد وردت بمعنى (ظفر بـ )، و (وَجَد) في المواد التالية:

مادة «أب»:

         فإِن أَثْقَفْ عُمَيراً لا أُقِلْهُ

                               وإِن  أَثْقَفْ  أَباه  فلا  أَبَا لَهْ

مادة «ألا»:

وقول أَبي سَهْل الهُذلي:

         القَوْمُ أَعْلَمُ لَو ثَقِفْنا مالِكاً

                              لاصْطافَ نِسْوَتُه، وهنَّ أَوالي

أَراد: لأَقَمْنَ صَيْفَهُنَّ مُقَصِّرات لا يَجْهَدْنَ كلَّ الجَهْدِ في الحزن عليه لِيَأْسِهِنَّ عنه.

مادة «ثقف»:

وثَقِف الرجلَ: ظَفِرَ به. وثَقِفْتُه ثَقْفاً مِثالُ بلِعْتُه بَلْعاً أَي صادَفْتُه؛ وقال:

         فإمّا تَثْقَفُوني فاقْتُلُوني،

                            فإن أَثْقَفْ فَسَوْفَ تَرَوْنَ بالي

وثَقِفْنا فلاناً في موضع كذا أَي أَخَذْناه، ومصدره الثِّقْفُ. وفي التنزيل العزيز: واقْتُلوهم حيثُ ثَقِفْتُموهم.

مادة «ثلل»: وقال الراجز: إِن يَثْقَفُوكم يُلْحِقُوكم بالثَّلَل.

مادة «حبل»:

وفي التنزيل العزيز في قصة اليهود وذُلِّهم إِلى آخر الدنيا وانقضائها: ضُرِبَت عليهم الذِّلَّة أَينما ثُقِفُوا إِلاَّ بحَبْل من الله وحَبْل من الناس.

مادة «سنن»:

وسَنَّ الله سُنَّة أَي بَيَّن طريقاً قويماً. قال الله تعالى: سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْا من قبلُ؛ نَصَبَ سنة الله على إرادة الفعل أَي سَنَّ الله ذلك في الذين نافقوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بهم أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا.

مادة «مهه»: قال الله تعالى: فإما تَثْقَفنَّهم في الحَرْب.. 

(والشرح فيها عن "مه" ودخولها على بعض الكلمات كما في مهما وغيرها).

أما بمعنى عَدَّلَ وقَوَّمَ فوردت في المواد التالية:

مادة «بيت»:

          ظَلِلْتُ بِذِي الأَرْطَى، فُوَيْقَ مُثَقَّفٍ،

                                      بِبِيتَةِ سُوءٍ، هالِكاً أَو كَهالِكِ

وبيتٌ: اسم موضع

مادة «ثبت»: وفرس ثَبْتٌ: ثَقِفٌ في عَدْوِه.

مادة «ثني»:

         بَدا بِأَبي ثم اتَّنى بأَبي أَبي،

                          وثَلَّثَ بالأَدْنَيْنَ ثَقْف المَحالب

 مادة: «رمي»: قال طُفَيْل يصف الخيل:

          إذا قيلَ: نَهْنِهْها وقد جَدَّ جِدُّها،

                                   تَرامَتْ كخُذْرُوفِ الوَلِيد المُثَقَّفِ

مادة «زور»:

وكلام مُزَوَّرٌ ومُتَزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بكذب، وقيل: مُحَسَّنٌ، وقيل: هو المُثَقَّفُ قبل أَن يتكلم به؛ ومنه حديث قول عمر، رضي الله عنه: ما زَوَّرْتُ كلاماً لأَقوله إِلا سبقني به أَبو بكر، وفي رواية: كنت زَوَّرْتُ في نفسي كلاماً يومَ سَقِيفَةِ بني ساعدة أَي هَيَّأْتُ وأَصلحت.

مادة «سمح»: ورُمْحٌ مُسَمَّح: ثُقِّفَ حتى لانَ.

مادة «سكن»: والسَّكَنُ، بالتحريك: النار؛ قال يصف قناة ثَقَّفَها بالنار والدُّهن: أََقامها بسَكَنٍ وأَدْهان.

مادة «صدن»: وقال حُمَيْد بن ثور يصف صائداً وبيته:

         ظَلِيل كبيتِ الصَّيْدَنانِيِّ، قُضْبُهُ

                               من النَّبْعِ والضَّالِ السَّليمِ المُثَقَّفِ.

مادة «صدي»: كقول الفرزدق:

         قَرَيْناهُمُ المَأَثُورَةَ البِيضَ قَبْلَها،

                                يَثُجُّ القُرونَ الأَيْزَنِيُّ المُثَقَّف

مادة «ضبح»: وذلك أَن القِدْحَ إِذا كان فيه عَوَجٌ ثُقِّفَ بالنار حتى يستوي.

مادة «عدل»:

قولك عَدَلْت الشيء فاعْتَدل أَي سَوّيْته فاسْتَوَى؛ ومنه قوله:وعَدَلْنا مَيْلَ بَدْر فاعْتَدَل أَي قَوَّمْناه فاستقام، وكلُّ مُثَقَّفٍ مُعْتَدِلٌ.

مادة «عدل»: وروى الأَزهري عن الليث: المُعْتَدِلةُ من النوق الحَسَنة المُثَقَّفَة الأَعضاء بعضها ببعض

مادة «عشزن»: قال عمرو بن كلثُوم يصف قناة صُلْبة:

         إذا عَضَّ الثِّقافُ بها اشْمأَزَّتْ،

                                  ووَلَّتْهُمْ  عَشَوْزَنَةً زَبُونا

         عَشوْزَنَةً إذا غُمِزَتْ أَرَنَّتْ،

                                 تشُجُّ قَفَا المُثَقِّفِ والجَبِينا

مادة «نصل»:وقوله:

         ضَوْرِيةٌ أُولِعْتُ باشتِهارِها،

                                ناصِلة الحِقْوَينِ من إِزارِها

إِنما عنى أَن حِقْوَيْها يَنْصُلان من إِزارِها، لتسلُّطها وتَبَرُّجِها وقلَّة تثقُّفها في ملابسها لأَشَرِها وشَرَهِها.

تعليق: وقلَّة تثقُّفها في ملابسها؛ أي قلة اعتدالها واستقامتها في ملبسها.

مادة «همز»: قال الأَزهري: وهَمَزَ القَناةَ ضَغَطها بالمَهامِز إِذا ثُقِّفَتْ،

مادة «هدن»: هَدَّنْتُ الرجلَ سَكَّنته وخَدَعْتُه كما يُهْدَن الصبي؛ قال رؤبة:

ثُقِّفْتَ تَثْقِيفَ امْرِئٍ لم يُهْدَنِ

أَي لم يُخْدَعْ ولم يُسَكَّنْ فيطمع فيه.

أما بمعنى ذكِيّ فَطِن فوردت في المواد التالية:

 مادة «بزغ»: ومنه قول الطرماح يصف ثوراً طعن الكلابَ بِقَرْنيةِ وهُما سلاحه:

         يَهُزُّ سِلاحاً لم يَرِثْها كَلالةً،

                        يَشُكُّ بها مِنْهـا أُصُـولَ المَغابِـنِ

         يُساقِطُها تَتْرَى بِكُلِّ خَمِيلَةٍ،

                       كبَزْغ البِيَطْر الثَّقْفِ رَهصَ الكَوادن

مادة «رهص»:، وكذلك في مادة «بطر»: قال الطرماح:

         يُساقطُها تَتْرَى بكل خَمِيلة،

                       كبَزْغِ البِيَطْرِ الثَّقفِ رَهْص الكَوادِنِ

والثَّقْفُ: الحاذِقُ. والكَوادِنُ: البَراذِين.

مادة « ثقف »:

ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه.ورجل ثَقْفٌ وثَقِفٌ وثَقُفٌ: حاذِقٌ فَهِم.، وأَتبعوه فقالوا ثَقْفٌ لَقْفٌ.

ابن السكيت: رجل ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به. ويقال: ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم. ابن دريد: ثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه، وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به. قال اللّه تعالى: فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب.

وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً خفيفاً مثل ضَخُم، فهو ضَخْمٌ، ومنه الـمُثاقَفةُ. وثَقِفَ أَيضاً ثَقَفاً مثل تَعِبَ تَعَباً أَي صار حاذِقاً فَطِناً، فهو ثَقِفٌ وثَقُفٌ مثل حَذِرٍ وحَذُرٍ ونَدِسٍ ونَدُسٍ؛ ففي حديث الهِجْرةِ: وهو غلام لَقِنٌ ثَقِفٌ أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء، والمراد أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه. وفي حديث أُم حَكِيم بنت عبد المطلب: إني حَصانٌ فما أُكَلَّم، وثَقافٌ فما أُعَلَّم.

مادة «جزل»: ورَجُل جَزْل: ثَقِفٌ عاقل أَصيل الرَّأْي.

 مادة «حوذ»: قال عمران بن حَطَّان:

         ثَقْفٌ حَويذٌ مُبِينُ الكَفِّ ناصِعُه،

                               لا طَائِشُ الكفّ وَقّاف ولا كَفِلُ

مادة «عزر»: والعَيزار: الغلامُ الخفيف الروح النشيطُ، وهو اللَّقِنُ الثَّقِفُ اللَّقِفُ.

مادة «قدر»: والقُدارُ: الغلام الخفيف الروح الثَّقِفُ اللَّقِفُ.

مادة «لقف»:

ورجل ثَقِفٌ لَقِفٌ وثَقْفٌ لَقْف أَي خَفِيف حاذِق، وقيل: سريعُ الفَهْم لِما يُرمى إليه من كلام باللسان وسريع الأَخذ لما يرمى إليه باليد، وقيل: هو إذا كان ضابطاً لما يَحْويه قائماً به، وقيل: هو الحاذق بصِناعته؛ وقد يفرد اللقَف فيقال: رجل لَقف يعني به ما تقدَّم. وفي حديث الحجاج: قال لامرأة إنك لَقُوفٌ صَيُود؛ اللَّقُوف: التي إذا مسَّها الرجل لَقِفت يده سريعاً أَي أَخذتها. اللحياني: إنه لثَقْف لَقْف وثَقِف لَقِف وثَقِيف لَقيف بيِّن الثَّقافة واللّقافة.

مادة: «لقن»: وفي حديث الهجرة: ويَبيتُ عندهما عبدُ الله بن أَبي بكر وهو شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ أَي فَهِمٌ حسَنُ التَّلْقِين لما يسْمَعه.

مادة: «ثقف»:

والثِّقَافُ: حديدة تكون مع القَوَّاسِ والرَّمّاحِ يُقَوِّمُ بها الشيءَ الـمُعْوَجَّ. وقال أَبو حنيفة: الثِّقافُ خشبة قَوية قدر الذِّراع في طرَفها خَرق يتسع للقَوْسِ وتُدْخَلُ فيه على شُحُوبتها ويُغْمَزُ منها حيث يُبْتَغَى أَن يُغْمَزَ حتى تصير إلى ما يراد منها، ولا يُفعل ذلك بالقِسِيّ ولا بالرماح إلا مَد هُونةً مـمْلُولةً أَو مَضْهوبةً على النار مُلوّحة، والعَدَدُ أَثْقِفةٌ، والجمع ثُقُفٌ، والثِّقافُ: ما تُسَوَّى به الرِّماحُ؛ ومنه قول عمرو:

         إذا عَضَّ الثِّقافُ با اشْمَأَزَّتْ،

                               تَشُجُّ قَفا الـمُثَقِّفِ والجَبِينا

وتَثْقِيفُها: تَسْوِيَتُها. وفي المثل: دَرْدَبَ لـمَّا عَضَّه الثِّقافُ؛ قال: الثِّقاف خشبة تسوَّى بها الرماح. وفي حديث عائشة تَصِفُ أَباها، رضي اللّه عنهما: وأَقامَ أَوَدَه بِثِقافِه؛ الثِّقافُ ما تُقَوَّمُ به الرِّماحُ، تريد أَنه سَوَّى عَوَج المسلمين.

أما في ديوان الشعر العربي فكانت لنا سياحة ممتعة نأتيكم ببعض تفاصيلها دون أي تعليق.

- الأعشى (قيس بن ميمون )يقول:

         ثَقِف، إذَا  نَالَتْ  يَدَاهُ   غَنِيمَةً    

                                 شَدَّ  الرّكَابَ  لمِثْلِهَا  لِيَنَالَهَا      

وله أيضاً:

         كَمْ فيهِمُ مِنْ فَارِسٍ يَوْمَ الوَغَى

                              ثَقْفِ اليَدَيْنِ يَهِلّ بِالإقْصَادِ 

- أما عمر بن أبي ربيعة فيقول:

         لَو يُبْصِرُ الثَّقْفُ البَصِيرُ جبينَها  

                               وَصَفَاءَ خَدَّيها العَتيقَ لَحَارَا         

وله أيضاً:

         وَجَاءَني   بَيْنَهُم           ثَقْفٌ لَطِيفٌ مُخْبِرُ    

- أما جرير فله هذا البيت:

         طَوَى رَكْبَهُ الإخماسُ حتى كأنّها

                                       جِيادُ القَنَا الهِنْديّ ثُقّفَ ذابِلهْ         

- ولأبي تمام:

         يَقْظَانُ أحصَدَتِ التَّجاربُ حَزْمَهُ

                                     شَزْراً   وثُقّفَ  عَزْمُه  تَثْقِيفَا 

- ولابن الرومي:

         ولم  تزل  هكذا  طَرِيقةُ  مَنْ

                                   ثَقَّفَ  أقوالَـهُ  ومَنْ  فَرُسَـا  

- ولابن عبد ربه الأندلسي:

         وثقَّفَ سهمَ الدِّينِ بالعدلِ والتُّقَى

                                  فهذا لـهُ  نصلٌ  وذلك  فُوقُ  

 - أما ابن هانيء الأندلسي فله:

         يَجلو لهُ الغيبَ المستَّرَ هاجِسٌ

                                 ثَقِفُ  النّباهَةِ  ظَنُّـهُ  كيَقينه    

وله أيضاً:

         وثُقِّفَ    الرُّدَيْنيّ    قبلَهَا

                               وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر    

- وللشريف الرضيّ:

         بَرأيٍ ثُقّفَ الإقبالُ مِنْهُ

                             فأقدَمَ  كالسّنَانِ  إلى  اللّقَـاءِ        

وله أيضاً:

         أخٌ ثَقّفَ المَجدُ أخْلاقَهُ

                             وَأشْعَـرَ   أيّامَـهُ   بالعُلَـى       

- ولابن سنان الخفاجي

         فَقَدْ زَالَ دَاء كُنْتَ فِيمَا أَمَاطهُ

                             كَمَا ثُقِّفَ الخَطِيُّ وَهْوَ صَلِيبُ        

وله أيضاً:

         فَأطَاعَ جَامِحُهَا وَكَانَتْ زِبرَة  

                             عَوْجَاءَ ثَقَّفَ  مَيْلَهَا  الإحْرَاقُ        

- ولابن خفاجة:

         ورأيٌ جَلا بيضَ السّيوفِ طريرَةً

                            وثَقّفَ  مَيّادَ  الرّماحِ  ولَهذَمَا         

- وللبهاء زهير:

         وَما أُغْمِدَ الهِنديُّ إلاّ ليُنْتَضَى 

                            وَما ثُقّفَ  الخَطّيُّ إلاّ ليُحْمَلا

- وللشاب الظريف:

         وَذِي قَامَةٍ كالرُّمْحِ ثُقِّفَ قَدُّهُ

                            لَهُ نَاظِرٌ كالسَّيْفِ أُحْكِم شَحْذُهُ        

- ولحيدر الحلّي:

         وعندي مما ثَقَّفَ البينَ أضلعٌ

                             غدونَ على جمرِ الفراقِ حوانيا       

وله بذات المعنى:

         وزفيري ثقّفَ حنايا ضُلُوعِي

                            فعلى  ودّ  مَن تبين حواني   

وله أيضاُ:

         ومقوَّمُ الآراءِ ثقَّفهُ النُهى

                            وكذا الرماحُ تُقام بالتثقيفِ 

- وللسريّ الرفّاء:

         ثمَّ تَلاها قَصَبٌ مُجوَّفُ

                            مثلَ  القَنا  ثَقَّفَهُ  المُثقِّـفُ  

- ولمحمود سامي البارودي:

         عُنِيَ الرَّبِيعُ بِنَسْجِ بُرْدَتِها

                            إِنَّ الرَّبِيعَ لَصَانِعٌ ثَقِفُ       

- أما معروف الرصافي فله هذه الأبيات الجميلة:

        ولو ابتغَوا للنشءِ فيه ثَقافة

                            لتثقّفوا منه بخير ثِقَافِ       

وله:

        وثقَّفوهم بتدريبٍ وتبصرةٍ

                            ثقافةً تجعلُ المعوَجَّ معتدلا    

وله:

         والطباع العرجاء في كل شخصٍ

                            تقتضي من ثقافة عُكازه     

وبعد أن أخذت الكلمة أبعادها الحالية نراها كثيراً في الشعر المعاصر فها هو علي الجارم يقول:

         دارَ الإِذاعَةِ، كَمْ نَشَرْتِ ثَقافَةً

                            جَلَّتْ مَآثِرُها عَنِ الإِفْصَاحِ!  

وشاعر آخر يدعى محمد فضل إسماعيل:

         فقد صقلتني في صباي ثقافة

                            فأقبلت في شيخوختي أتزود  

 ونكتفي بهذا القدر من الشعر.

حول أصل الكلمة:

وهكذا نرى أننا لو سرحنا بفكرنا قليلاً ونحن نبحث عن أصل كلمة ثَقَّفَ لوجدناها أُخذت من تثقيف أعواد الزان والخيزران على النار وهو تقويمها حتى تستقيم وتعتدل. وقد رأينا بعض الكراسي والأثاث الذي يصنع من أعواد الخيزران بعد تثقيفها وتقويمها على النار.

والثِّقَاف: هي الآلة التي يُثَقّف بها الـمُعْوَجّ من هذه العيدان، وقد اشتقَّ اسمها من الفعل ثَقَّفَ، ولم تكن هي مصدر التسمية للفعل، كما نقول مِبرد من الفعل بَرَدَ الحديد، ومسطرة من الفعل سَطَّرَ وهكذا..

أما عن الثقافة والتثقيف والمثقف وهو ما نحن بصدده فنقول:

المثقف: هو الذي استقام عقله وفكره وخلقه بالعلم والمعرفة.

والثقافة: هي تقويم النفس وترويضها على الاستقامة والعدل وعلى نهل العلوم من مواردها ومصادرها دون تعب أو كلل.

وليس كلّ من أنهى دراسته مثقفاً، فالثقافة تكتسب بالمران والمثابرة والصبر والأناة ويصقلها العلم ويعدّل من معوجِّها، والثقافة تكون كذلك في الأخلاق والتصرف الحسن مع الناس والتواضع وغيرها من الصفات الحميدة والخصال الطيبة، نسأل الله وإياكم أن نكون من المثقفين في ديننا وخلقنا وتعاملنا مع الناس.إنه على كلّ شيء قدير.

                                               * * *