تأملات في اللغة: الهديل - لصالح زيادنة

تأملات في اللغة: الهديل

بقلم، صالح زيادنة


 

الهديل في لغتنا المعاصرة هو صوت الحمام، وهذا هو الاستعمال الدارج للكلمة؛ جاء في اللسان: الهَدِيل صوتُ الحمام، وخصَّ بعضهم به وحْشِيَّتها كالدَّباسِيِّ والقَمارِيِّ ونحوها، هَدَل القُمْرِيُّ، وفي المحكم، هَدَل يَهْدِل هَدِيلاً قال ذو الرمة:

         إِذا ناقَتي عند المُحَصَّب شاقَها        رَواحُ اليَماني، والهَدِيلُ  المُرَجَّعُ

وأَنشد ابن بري:

         ما هاجَ شَوْقَك من هَدِيلِ حمامةٍ       تَدْعُو على فَنَنِ الغُصُون حَماما

وقال، بشار بن بُرد:

         وقد زادني  شوقاً  هديلُ  حمامةٍ       على  إلفِهـا تبكي لهُ وتُطَرِّبُ

وقيل، الهَدِيل ذكَرُ الحمام، وقيل، هو فَرْخها؛ قال جِرانُ العَوْد:

         كأَنّ الهَدِيل الظَّالِعَ الرِّجْل وَسْطَها      من البَغْي، شِرِّيبٌ يُغَرِّد مُنْزَفُ         

وقال بعضهم، تزعم الأَعراب في الهَدِيل أَنه فرْخ كانَ على عهد نوح عليه السلام، فمات ضَيْعةً وعطَشاً فيقولون إِنه ليس من حمامة إِلاَّ وهي تبكي عليه؛ قال نُصيب وقيل هو لأَبي وجزة:

         فقلت، أَتبكي ذاتُ طَوْقٍ تذكَّرتْ      هَدِيلاً، وقد أَوْدى وما كان تُبَّعُ ؟

ويقال صادَ الهَدِيلَ جارِحٌ من جَوارِح الطير؛ وأَنشد الكميت الأَسدي:

         وما  مَنْ   تَهْتِفِينَ  بـهِ   لِنَصْـرٍ       بأَسْرَعَ،  جابةً  لكِ،  من  هَدِيلِ

ويقول جرير:

         أما الفؤادُ فليسَ  ينسى  ذِكْرَكُم         ما  دامَ  يهتِفُ  في الأراكِ  هديلُ

وأنشد طرفة بن العبد:

         فلا  أَعْرِفَنّي  إن  نشدتُكَ  ذِمّتي          كداعي هديلٍ لا يُجابُ ولا  يَمَل

أما عمر بن أبي ربيعة فيقول:

         إنَّ في  النفسِ  حاجَةً  ما  تقضّى           ما  دعا  في الغصونِ داعي هديل

ويقول البحتري:

         وهيّجَ  شوقي  ساقُ  حُرٍّ  أجابَهُ            هديلٌ على غُصنٍ من البانِ أفرعا

ويقول عبيد بن الأبرص:

         فدعا  هديلاً  ساقُ  حرٍّ  ضحوةً            فدنا  الهديلُ  له  يَصُبُّ  ويَصعَدُ

والساقُ حرّ هو الذَّكَر من القمرية.

ونلاحظ هنا أن الهديل هو صوت الوحشيّ من الحمام أي البريّ منها وهو ما يسمى باليمام، وهي المطوقّة، والقمرية أيضاً، ونلاحظ أيضاً أن الشعر الذي يتطرق إلى القمريّ أو الهديل ينطوي على الحزن والأسى فها هو أبو فراس الحمداني يقول: أقول وقد (ناحت) بقربي حمامةٌ.. وشوقي يقول: بي مثل ما بك يا قمرية الوادي .. (وهو يقصد الحزن والأسى).

وفي الحكايات الشعبية؛ إن اليمامة وهي تهدل على الشجرة فهي تبكي أخاها الذي قتل صغيراً، وكانت غائبة وعندما عادت وجدته مقتولاً فرمت نفسها عليه وتمرغت في دمه المسفوك فأصبحت ساقاها حمراوين وكان أخوها يدعى "قيساً" فهي ما تزال تناديه وتنوح عليه وتندبه بقولها: يا قيس قُم، يا قيس قُم، صلّي وقُمْ صَلّي وقُمْ. والله تعالى أعلم.

                                               * * *