الصبر على الضيم
كانت لإحدى النساء ابنةٌ فتيّةٌ وجميلة، تنافس
على الزواج منها رجلان وكلٌّ منهما طلبها من
أمها لنفسه، وهو يرغب في زواجها ويريدها زوجة
له مهما كان الثمن، فقالت المرأة: لا أزوج
ابنتي إلا للذي يستطيع أن يجلس على مجرى
الدخان ويصمد فترة أكثر من رفيقه الآخر, فوافق
الاثنان على هذا الطلب، واتفقوا على يومٍ
معيّن يجلسان فيه على مجرى الدخان، وعندما جاء
ذلك اليوم توجّه الرجلان إلى بيت المرأة،
فأشعلت ناراً من القشّ وزبل المواشي وخرج منها
دخانٌ كثيف, وجلس الرجلان على مجرى الدخان،
فأصبح الأول يميل برأسه يمنة ويسرة فترة
قصيرة، ثم لم يستطع التحمّل، فنهض من عندها
وقال لها: لا أريد ابنتك, ولا أريد أن أرى
وجهك بعد اليوم، ثم تركها وسار في حال سبيله.
وجلس الرجل الثاني على مجرى الدخان فسالت
دموعه ولكنه صبر, وسال مخاطه ولكنه
كان يتحمّل حتى
أصبحت عيناه كالجمر، وأخيراً قالت له المرأة:
كفاك يا رجل.. كفاك يا رجل.
فقام الرجل وعاد إلى بيته وعيناه كالجمر
ودموعه تسيل بغزارة على خدّيه، ولكنه كان
يُمَنِّي نفسه بالزواج من تلك الفتاة الجميلة.
وفي اليوم التالي بعثت إليهما وقالت للذي
تحمّل الدخان وصبر عليه: أنا لا أزوج ابنتي
للذي يصبر على الضيم (أي على الذل والمهانة)
فعُد إلى بيتك فهي ليست من نصيبك ولن أزوجها
لك.
وقالت للأول: أما أنت فلأنك لم تصبر على
الضيم، ولم تصبر على تحمّل الأذى فقد زوجتك
ابنتي، لأنها لن تضام عندك وهي من نصيبك إن
شاء الله، وهكذا تزوّج الرجل الذي لم يصبر على
الضيم أما الرجل الثاني فعاد يجر أذيال
الهزيمة.
الفتاة الأصيلة
يُحْكى أنَّ عائلةً فقيرة كانت تعمل عند إحدى
العائلات الغنية في مواسم الزرع والحصاد،
وكانت قد نصبت خيمتها بالقرب من منزل العائلة
الغنية التي يعملون عندها، وكانت لتلك العائلة
الفقيرة ابنة جميلة تساعد أهلها وتعمل معهم في
أعمالهم المختلفة عند تلك العائلة، وقد رأى
تلك الفتاة ابنٌ وسيمٌ للعائلة الغنية وأراد
أن يعبث بها، فأخذ يتودَّد إليها، ويحاول
التقرب منها بمعسول الكلام، ولكنها أخبرته بأن
ذلك لن يكون ولن يتمّ إلا بالزواج، وقالت له:
إذا أردتني بصحيح فاطلب يدي واخطبني من أهلي.
وحاول الفتى مرّات ومرّات ولكن محاولاته كلّها
باءت بالفشل، ولم يتغير موقف الفتاة منه، فيئس
منها وقرر أن يجرح كبرياءها ويهدّ من
معنوياتها، خاصة بعد أن تأكد له أنه لن يستطيع
إغراءها لا بالمال ولا بالكلام، ورأى أن
محاولاته لن تجدي معها نفعاً، فنظر إليها
بازدراء نظرةً فيها علوّ وكبرياء وأجابها ببيت
من الشعر العاميّ يقول فيه:
بنت الرّدِي لو زَهَـتْ
بالعيـن ما يسند الراس طِرْيَاهَا
وأنا اللي رَمَاني عليها
الزّين شِلْـوِة ليالـي
وأخَلِّيهَـا
وهو يقصد أنها ليست ذات أصل حتى يتزوجها، ولكن
ما جذبه إليها هو الجمال وحده وليس أي شيءٍ
غيره، وبكت الفتاة بهدوء وصمت وسالت دموعها
حارة سخينة فليس ذنبها أنها ولدت لعائلة
فقيرة، وليس الفقر في حدّ ذاته عيباً، ولكن
فرحتها كانت أكبر من كلّ تصوّر لأنها استطاعت
ردع ذلك الشاب الطائش، وحافظت بذلك على شرفها
وعفافها وشرف عائلتها الفقيرة المتواضعة،
وبذلك وضعت حدَّاً لمحاولات ذلك الفتى الطائش
الذي ذهب في حال سبيله ولم يعد يعاكسها مرّةً
أخرى.
حانا ومانا
يُحكى أن رجلاً في سنّ الكهولة تزوج زوجةً
ثانية، وكانت واحدة من زوجاته تُدعى «حانا»
والأخرى تدعى «مانا»، وكان عندما يأتي إلى
الصغرى تدلـّله وتلاطفه في الكلام وتمسح على
وجهه، وتخلع بعض الشعرات البيضاء من لحيته حتى
يبدو أكثر شباباً ليتناسب مع جيلها، أما
الكبرى فقد أصابتها نار الغيرة وبدأت تقلّد
ضرتها في تصرفها مع زوجها ومعاملتها له ولكنها
كانت تخلع الشعرات السوداء من لحيته حتى يبدو
أكثر شيباً وكهولةً ليتلاءم مع جيلها هي،
وبذلك خلعت نساء الرجل شعر لحيته كله، فصار
يقول: "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"، والله
تعالى أعلم.
عن كتابنا "حكايات من الصحراء".
|