صادق، قصة شعبية لصالح زيادنة

صادق

بقلم: صالح زيادنة

يُحكى أنَّ فتىً يتيماً كان يُقيم عند عمِّهِ وتحت رعايته، وكان يُدعى (صادق)،  وكان صادق لا يكذب ولا يعرفُ معنى الكذب، وهو مجبول بالفطرة على الصِّدق من الله تعالى.

وكان لعمّه ناقة يأخذها أحياناً للمرعى ويرعى معها طيلة نهاره، وسمع الناس بصدقه ونزاهته وعفّة نفسه، فأراد بعضهم أن يختبره ويمتحنه، فتوجه لعمّه وأخبره انه يشكّ فيما يسمعه من صدق ابن أخيه صادق، واقترح عليه أن يمتحنه بشيء معيّن.

وافق العمّ على ذلك وذهب الرجل يخطّط للإيقاع بصادق وفحصه إذا كان صدقه فطريّاً بديهياً أم مفتعلاً ومصطنعاً.

وفي ساعات الصباح وبينما كان صادق يرعى مع ناقة عمّه، رأى فتاة ترعى مع قطيعٍ لها، ثم أخذت تقترب منه شيئاً فشيئاً حتى وصلت إليه، وحيّته وجلست تتحدث إليه، وأغرته الفتاة وقالت له إنها تحبّه وإنها تتمنّى الزواج منه، وستوافق إذا ما تقدّم ليخطبها من أبيها. وظلّت تتحدث معه حتى كاد النهار ينقضي فقالت له إنها لم تأكل منذ الصباح، وألَحَّت عليه أن يذبح لها الناقة ويطعمها من لحمها وأقسمت عليه بحبها له، فانصاع لدلالها وذبح الناقة وشوى منها وأكل هو وتلك الفتاة، وعندما حان وقت الغروب ودّعته الفتاة وساقَت أغنامها وعادت إلى مضارب أهلها.

وكانت سكرة تلتها فَكْرة، فجلس صادق يفكّر بعد أن صحي مما كان فيه، وإذا الناقة قد ذُبحت، وكيف يعود لعمّه بدونها، وماذا يقول له عندما يسأله عنها.

فكّر صادق مليّاً وقام فغرز عصا كانت معه في الأرض وبدأ يحكي لها ويبثّ لها همومه وكأنه يستشيرها في أمره وفي الورطة التي وقع بها، فقال : يا عصاتي لو سألني عمّي عن الناقة وقلت له إنّ الذئب قد أكلها، فماذا سيقول لي؟

وردّ على نفسه وهو يمثّل دور العصا: قال سيقول لي أرني ما تبقّى منها، لأن الذئب لن يستطيع أن يأكلها كلّها ولا يستطيع جَرّها وسحبها. وإذا ذهبتُ معه ولم يجدها، فسيعرف عندها أنني كذبتُ عليه، ولا يصدقني بعدها.

وتوجّه إلى العصا مرّة أخرى وسألها قائلاً: وإذا قلت لعمّي بأنّ اللصوص قد سرقوها، فماذا سيقول لي؟

قال: سيقول لك تعال نتبعهم ونقصّ أثرهم وأثر الناقة حتى نصل إليهم، وعندها لن يجد الأثر وسيعرف أنني كذبتُ عليه.

قال: وإذا قلت له لدغتها أفعى وقتلتها فماذا سيقول؟

قال: سيقول تعال لنرى جثّتها ونرى أثر الحية التي لدغتها، وإذا جاء ووجدها مذبوحة ومسلوخة وأثر النار والشواء بقربها فسيعرف عندها أنني كذبتُ عليه.

وأسئلة أخرى كثيرة كانت تدور في مخيلة صادق ولكنها جميعاً لم تقنعه ولم يجد جواباً شافياً لها.

وأخيراً قال: يا عصاتي لم يبقَ أمامي إلا أن أخبر عمّي بالحقيقة وليحدث ما يحدث.

وعاد صادق كاسفَ البال يحمل في يده تلك العصا التي كان يسوق بها الناقة وجلس حزيناً، فسأله عمّه لماذا عاد ولم تعد الناقة معه، فأخبره بكلّ الحقيقة ولم يترك شيئاً إلا وأخبر عمّه به، ثم سار معه وأراه المكان الذي ذبح فيه الناقة وما تبقّى منها.

عرف العمّ أن صادقاً لا يكذب، فرَبَتَ على كتفه وهوَّنَ عليه وخفّف عنه، وقال له: لا تيأس يا ابني، سأشتري ناقة أخرى مكانها.

وعاد والد الفتاة إلى عمّ صادق ليسأله عن خبر صادق، ومـاذا قـال لعمّه، فأخبره أنه قصَّ عليه الحكاية كاملةً ولم يكذب عليه في شيءٍ منها.

ولم ييأس ذلك الرجل بل قال للعمّ: دعني أجرّب معه تجربة أخرى لأرى مدى صدقه، واتفق مع العمّ على تجربة أخرى جديدة.

وفي المساء بعث العمّ صادقاً لقوم الفتاة ليخبر أباها بأن عمّه قادم لخطبة الفتاة التي ذبح لها الناقة بالأمس، وذهب صادق فرِحَاً، وعندما وصل وجد القوم قد هدموا خيامهم وحمّلوها على الإبل، والإبل تُرغي والعبيد في هرجٍ ومرج، فتوجّه إلى والد الفتاة، وأخبره أن عمّه ينوي زيارتهم في  هذه الليلة، فقال له: قلْ له إننا رحلنا من هذه الديار، وغادرنا إلى مكانٍ آخر.

وعاد صادق ليخبر عمّه بما رأى، وعندما وصل سأله عمّه إن كان قد أخبر والد الفتاة عن خبر زيارته المرتقبة.

فقال: نعم  أخبرته.

فقال: وماذا قال لك؟

فقال له: إنه يقول لك إنهم يريدون الرحيل.

فقال له: وهل رحلوا ؟

قال: رأيتهم قد هدموا بيوتهم، وحمّلوها على جمالهم، ولكن لا أدري إذا كانوا قد ارتحلوا أم لا.

فقال له: سنذهب إليهم في المساء على كلّ حال ونرى إن كانوا قد ارتحلوا أم لا، وذهبوا في المساء إليهم وعندما وصلوا وجـدوا القـوم وقد  بُنيت خيامهـم، وإبلهم في أماكنها وليس لديهم أي شيء يدلّ على الرحيل، فعجب صادق لذلك ولم يعلم أنها خطة مدبرة لفحص صدقه من كذبـه.

وطلب العم يد تلك الفتاة من أبيها لابن أخيه صادق، فوافق والد الفتاة على زواجها منه بعد أن تأكد له بأنه صادق بالفطرة، وتزوّج صادق من تلك الفتاة التي أحبها وعاش صادقاً لا يعرف الكذب في حياتـه.

qqq
 

---------------

نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ ‏الأربعاء‏، 02‏ حزيران‏، 2010، العدد (139).

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 02/06/2010م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

رجوع