الكرم وحسن الضيافة في الأمثال الشعبية لصالح زيادنة

الكرم وحسن الضيافة في الأمثال الشعبية

بقلم: صالح زيادنة

الكرم صفةٌ من صفات البدويّ الطيبة، وسجيةٌ من سجاياه الكريمة التي لا زال يتمسك بها، ويعتز بها ولا يرضى أن يحيد عنها مهما كان الثمن، فهي تجري في عروقة كصفاته الأخرى من شهامة، وإباء، وعزة نفس، وإغاثة للملهوف. وقد ورثها عن  أبائه وأجداده، ورضعها مع اللبن منذ نعومة أظفاره. وهي ميزةٌ من مزاياه الحميدة التي حباه الله بها فهو لا يصطنعها اصطناعاً ولا يتكلفها تكلفاً، إنما تأتيه عفويةً خالصة وبشكل تلقائي. والبدويّ معروف بشهامته وحسن معشره وإكرامه لضيفه واستقباله له بوجهٍ بشوش والترحيب به، حتى يستأنسَ ضيفُه وتنفرج أساريره، وفي هذا فرحة غامرة ينتشي لها البدويّ وهو يشعر بأنه قد نجح في إكرام ضيفه وأفلح في إدخال السرور إلى نفسه.

وقد كان البدو قديماً يُشعلون النار في الليل ليهتدي إليها من ضلّ سبيله في الصحراء فيحسنون إليه ويكرمون وفادته، ويرشدونه إلى ضالته. أما من لا يكرم الضيف فهو محتقرٌ في نظر البدويّ، وينظر إليه بإشفاق وكأنه إنسان شاذّ فَقَدَ أخلاقه وتجرّدَ من صفاته. وأمثالهم في هذا الباب كثيرة ومتنوعة نذكر منها ما يلي:  

·        الضيف إن أقبل أمير وإن قعد أسير وإن قام شاعر:

هذا وصف للضيف الذي عندما يُقبل فكأنه أمير يزهو بشكله وهيئته، فإذا جلس فهو أسير عند مضيفه حتى يقدّم له واجبات الضيافة، أما إذا قام فهو شاعر يحدّث بما شاهد ورأى.

·        الضيف أسير المحِلِّي:

أي يحق للمضيف أن يُكرم ضيفه كيف شاء وعلى الضيف ألا يعترض كثيراً (خاصةً إذا اعترض الضيف ولم يقبل أن يصنعوا له الطعام والقِرى) فهو كالأسير في بيت مضيفه، فإذا لم يقبل يقول له المحلي (صاحب البيت) الضيف أسير المحلي وعليه أن يسكت ويقبل بالأمر الواقع وهو إكرامه وتقديم القِرى له. وهذا لشدة الكرم عند البدو ولتأصّل هذه العادة فيهم.

·        الضيف شاعر:

أي أن الضيف يحكي للناس ويقصّ عليهم ما لاقاه من كرم واحترام عند مضيفه، فإذا قَصَّر في حقّه يكون عرضة للسخرية والملامة من الناس، فالضيف كالشاعر الذي يمدح مضيفه فيرفعه، أو يهجوه فيصغّره في أعين الناس ويقلّل من قيمته في نظرهم. وهذا للنهي عن التقصير في حقّ الضيف وللحثّ على استقباله بالشكل اللائق به.

·        الضيف ضيف الله:

أي أن قِرى الضيف ميسور ومن السهل الحصول عليه فكأن الضيف ضيف الله ييسر له ولمضيفه ويجعل قراه ميسوراً.  أما من يظن أن قرى الضيف يُفقر المحلي (المضيف) فهو مخطئ في نظرته فالرزق على الله ولم يكن الضيف سبباً  في فقر أحد أو غناه.

·        الضيف محَلِّل:

أي أن الضيف لا يأكل من الطعام إلا قدر طاقته، ويأكل أفراد عائلة المضيف من الشاة التي تُذبح للضيف وكأنه حَلَّل لهم بذلك هذا الطعام (أي جعله حلالاً عليهم)، وهذا يعني أن ما يُذبح للضيف هو للإكرام وليس لملء البطون فإن الضيف عادةً مهما أكل لا يأكل إلا القليل منه، أما الباقي فيأكله أفراد عائلة المضيف.

·        ضيف المسا ما له عشا:

عندما يأتي الضيوف مساءً وبعد وقت العشاء ويشاورهم المضيف في شأن تجهيز العشاء لهم، فإنهم يعتذرون ويقولون إنهم تعشّوا في بيوتهم وليس هذا وقت عشاء فضيف المسا ما له عشا لأنه جاء بعد وقت العشاء.

·        يا ضيف ما كنت محِلِّي:

أي يا ضيف أنت محلي في بيتك، ولا بدّ انه مرّ عليك ضيوف، وطبيعي انك قمت بواجبهم ولم تُقصّر في حقهم فلا تمنعنا أن نقوم نحن بواجب إكرامك كما لم يمنعك ضيوفك من ذلك.

·        سكوت الضيف من بخت المحلي:

أي أن سكوت الضيف يُعتبر رضى، فإذا سكت قام المضيف ليصنع له الطعام ويقدّم له الواجب والقِرى، ويكون من حظ عائلة المضيف أن ينالوا من هذا القرى، الذي لولا سكوت ضيفهم ورضاه ما كانوا لينالوا منه شيئاً، وهذا من باب المجاملة التي تقال للضيف.

·        الضيف كاره الضيف والمحِلِّي كاره الكُلِّي:

عندما يكون عند أحدهم ضيوفاً ويكرمهم ويحترمهم، ويأتيه ضيوف جُدد ويضطر أن يكرمهم أيضاً، فإن الضيوف الأوائل يكرهون الضيوف الجُدد خشية أن يتفرّغ لهم المضيف أو يحترمهم أكثر منهم، ولكن المضيف يكون قد كَرِهَ الجميع واستثقل ضيافتهم، فيقول أحد الضيوف الجدد عندما يشعر بذلك الضيف كاره الضيف والمحلي كاره الكلي.

·        أعزم واكرم وأكل العيش نصيب:

يقال هذا المثل بعد أن يعفّ الضيف عن عمل القِرى له، وبهذا لا يعتبر المضيف مقصراً، أي أنه عزم وأكرم ولكن ضيفه رفض ولم يقبل. ويقال هذا المثل أيضاً في حالات أخرى مشابهة.

·        من عَفّ عن شيء كأنه ماكله:

يشبه المثل السابق، ويعني أن الضيف كأنه أكل عند مضيفه، فلم يُقصّر في واجبه، وإنما هو الذي رفض ذلك.

·        الجود من الموجود:

أي أن كَرَم الرجل منوط بحالته المادية، فان كان ميسور الحال وقدّم شيئاً كثيراً  فلأن حالته المادية جيدة، وإن قدّم ما تيسّر فلأن حالته لا تسمح بأكثر من ذلك فالجود من الموجود.

·        الجود جهود:

يقال عندما يجشّم المضيف نفسه بعمل القِرى لضيفه رغم سوء حالته المادية، فيقال فيه هذا المثل، أي أن جهده كبير حتى ولو شحّت موارده المالية، فنفسه كبيرة ولا يرضى أن يتأخر عن تقديم ما عليه من واجب إكرام الضيف أو عمل القِرى له.

qqq
 

---------------

نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ ‏الخميس‏، 20‏ أيار‏، 2010، العدد (137).

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 02/06/2010م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

رجوع