دعاء السوء في تراثنا الشعبي مقالة لصالح زيادنة

دعاء السوء في تراثنا الشعبي - 5

بقلم: صالح زيادنة

نختتم اليوم بهذا المقال بحثنا حول موضوع أدعية السوء في تراثنا الشعبي، ونرجو ألاَّ نكون قد أثقلنا عليكم بالإطالة، فتحملونا وجزاكم الله خيراً.

الدعاء بالأفاعي والحشرات السامة

من المعروف أن الأفاعي والحيات من الحيوانات والكائنات السامة، وهي تسبب الموت أو الضرر والأذى في كثير من الحالات، ولذلك تُدرج أسماؤها في قائمة أدعية السوء، أو الأدعية السلبية، بسبب ضررها وسُمِّها كما ذكرنا.

والأفاعي في نظر البدو عدة أنواع منها:

الهامّ، ويجمع على هِِيمان: وهو اسم يضم معظم الأفاعي والحيات.

العَرْبِيد: وهو الأفعى السوداء الطويلة.

البَرْجِيل: وهي الأفعى الصفراء المرقطة الطويلة أيضاً.

الحية الزعراء: والحية الزعراء ليست هاماً، لأنها مؤنثة في نظرهم، وهي حية صفراء غليظة مرقطة وقصيرة الذنب، ومن أجل ذلك يسمونها زعراء، لأن الأزعر هو قصير الذنب، وفي الأمثال الشعبية يقولون:" قُصْر ذيل يا أزعر".  أما صيغة الدعاء بهذه الكائنات السامة فتكون كالتالي:

حية تقرصه:

وهو دعاء بلدغة من هذه الأفعى السامة.

حية زعرا:

دعاء أيضاً بتلك الأفعى السامة قصيرة الذنب، والتي هي من أشد الحيات خطراً كما ذكرنا، ولذلك يتجنبها الناس ويقتلونها إذا ما عثروا عليها.

هام يتلوى عليه، أو على رقبته:

والهام كما ذكرنا اسم يضم معظم الأفاعي والثعابين. ويذكرني هذا الدعاء بقصة حدثني بها شخص من قرى القدس يدعى أبو نمر فقال: إن شخصاً كان يمسك الأفاعي ولا يخشى منها، وكثيراً ما كان يلفها حول وسطه ويتحزَّم بها، وفي يوم كان الناس على البئر وكانت هناك مجموعة من النساء والفتيات وأراد الرجل أن يظهر قوته وبراعته ويفزع النساء، فجاء ومعه أفعى طويلة يخبئها وراء ظهره ثم رفعها ولفها على صلبه فابتعد الرجال والنساء خوفاً منها، ولكن الأفعى كانت خبيثة فأخذت تضغط على صُلب الرجل حتى شلّت حركته وامتقع لونه، فنظر أحدهم إليه فوجده قد أشرف على الهلاك، فصرخ على الناس قائلاً:" افزعوا مات الرجل"، فتقدم أحدهم واستل شبرية كانت معه وقصّ بها الأفعى إلى نصفين فوقع الرجل مغشياً عليه ثم استفاق ولم يعد بعدها يقوم ببطولاته مع الحيات.

وقد يدعون بالعقارب وغيرها من الحشرات السامة.

الدعاء بالجوع:

وهو دعاء يلجأون إليه عندما يضايقهم أحد في طلب الطعام، أو كلّ ما يتعلق بالطعام والشراب من أمور:

هَقْمَة:

الهَقْمَة: شدة الجوع، وهم يقولون لمن يُلح في طلب الطعام أو لمن يأكل بنهم وكأنه لم يرَ الطعام في حياته، يقولون له بصيغة التهكم أو النهي والزجر:" أنت مهقوم، الله يجعلك بالهقمة". أو "هقمة"، أو " يا والله هقمة"، وهي بمعنى أن يزداد جوعك، أو ليُصبك الله بجوع شديد، أو ليكن جوعك أكثر مما هو عليه الآن.

الدعاء بالإسهال:

أما إذا خطف أحد الأولاد طعاماً أعدته الأم لإخوانه وفرَّ به وأكله، فإن الأم تدعو عليه بقولها: "الله يجعل أوله على لسانك وآخره على سيقانك"، وهي تعني بذلك أن يصاب بإسهال يجعل هذا الطعام لا يمكث في بطنه إلا قليلاً.

الدعاء بعدم الشبع:

وهم يلجأون إليه إذا أخذ أحدهم يقول:"أنا جوعان، أو جَعَّان، كما يلفظها العامة في منطقتنا، فغالباً ما يقولون له: "أنت جَعَّان، تجوع وما تشبع".

ما يأكل غيرها:

وهم يقولون ذلك لمن يأكل، ثم يعود ويتظاهر بأنه لم يأكل ويطلب الطعام مرة أخرى فتضيق الأم ذرعاً من إلحاحه، وتقول له: إن شاء الله ما تاكل غيرها.

زي اللي في دير سمعان:

تقول الحكاية إن قوماً أو مجموعة من الناس كانوا في دير يدعى دير سمعان، فوقعت صخرة من الجبل على باب الدير فأغلقته ومات من فيه جوعاً، وبما أن دعاء السوء هو دعاء بالشر وتمني وقوعه، فعادة ما يدعون على من يدّعي الجوع أو يلح في طلب الطعام أن يحدث له ما حدث لأهل دير سمعان الذين ماتوا جوعاً كما تروي الحكاية.

الله لا يخلف عليه:

يقولون ذلك لمن يقدم طعاماً ثم يفشر بعد ذلك بفعلته، وأنه قدم طعاماً أفضل من طعام غيره، أو أن لا أحد يستطيع أن يفعل فعلته، وكذلك لمن يعطي شيئاً ثم يُعيّر به، أو يبالغ في المطالبة به، يقولون له عندها: الله لا يخلف عليك.

وربما يزيد بعضهم: "إن شاء الله ما تقدر على غيرها".

نُقْرَاس عَمْرِيْ:

النُقْرَاس: هو شدة الشوق إلى التدخين، وتقول الحكاية: إن عَمْرِي هذا كان شخصاً مولعاً بالتدخين، مدمناً عليه، وحدث أن منعت الحكومة التركية بيع التبغ والمتاجرة به، فصار عمري يلم روث البهائم الجافّ ويلفه ويدخنه، فضرب به المثل لأنه لم يستطع ضبط نفسه، وأصبحت سيرته مثار سخرية بين الناس. وعادة ما يدعون على من لا يضبط نفسه عن التدخين بقولهم: "الله يجعلك بنقراس عمري"، أو "نقراس عمري".

الدعاء بالمثل:

وهو دعاء يأتي كردة فعل سريعة لما يتعرض له الإنسان من ضيقٍ أو أذى أو غيره، فنراه يردّ بدعاء يشبه الحالة التي هو فيها، أو يتعرض لها من قِبل الطرف الآخر، فيدعو عليه أن يعاني ويلاقي مثل ما سبب له، ومن أمثلة هذه الأدعية نسمعهم يقولون:

- الله يغُمّ اللي بيغُمّ. - الله يغمّك زي ما غمّيت بالي. - الله يغمّ باله. - الله يضيّق على اللي بيضيّق. - الله ينكّد عليه زي ما نكّد علينا.

ومثل هذه الأدعية التي يدعون فيها على من سبب لهم الأذى أن يلاقي مثل ما سببه لهم حتى يحس ويشعر بمدى أعماله وشرّ فعلته.

 

الخلاصة:

وهكذا نرى أن دعاء السوء هو دعاء سلبي يُقصد به الزجر والتهكّم في بعض الحالات، أو تمني الضرر والأذى نتيجة لضيق أو ظلم أو ضيم أو غيره في حالات أخرى، ورأينا أن الأكثرية العظمى من هذه الأدعية لا تحمل في طياتها رغبة حقيقية في وقوع الأذى، ولكنها أشبه ما تكون بعبارات أو قوالب لفظية جاهزة تلتصق بالذاكرة وتستعمل عند الحاجة دون فحص لمعناها أو لما قد يكون بها من ضرر فيما لو تحققت بالفعل.

زد على ذلك عامل الجهل وعدم التعمق في معاني هذه الأدعية، فإنه يجعلها تستمر في انتشارها دون أن يأبه لها أحد أو يتنبه لمدى خطورتها، إضافة إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم نهياً صريحاً عنها.

وقد بينت في هذا البحث أنواع هذه الأدعية وشرحت معانيها وأصولها، ووجه الخطورة فيها، وإمكانية تجنبها والإقلاع عنها، واستشهدت بحكايات كثيرة سمعتها، تزيد من فهمها وإدراك معناها.

وأرجو أن أكون بهذا البحث قد وثقت وجهاً من وجوه التراث وباباً من أبوابه، وموضوعاً ربما لم يتطرق إليه أحد من قبل، فجاء هذا البحث ليسد ثغرة من ثغرات هذا التراث الذي كرسنا وقتنا وظروفنا من أجل توثيقه، حتى يبقى مرجعاً للأجيال التي تأتي بعدنا، لا نريد من أحد جزاء ولا شكوراً، إلا رضى وجه الله الكريم الذي نسأل أن يوفقنا ويسدد خطانا ويهدينا سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

qqq
 

---------------

نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء 03/03/2010، العدد (126).

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 02/06/2010م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

رجوع