المرابي مقالة لصالح زيادنة

المُرَابي

بقلم: صالح زيادنة

يحكى أنه كان يعيش في عهد الانتداب البريطاني رجل ميسور الحال، وكان الناس في ذلك الوقت يعيشون في حالة فقرٍ شديد، وكان الرجل منهم عندما يشتد به العسر وتضيق في وجهه دروب العيش فكان يذهب لذلك الرجل ليقترض منه بعض المال حتى يشتري لعياله طعاماً يسكت جوعهم ولو لبعض حين، وكان الرجل الغني إذا جاءه واحد من هؤلاء الناس ليقترض منه يقول له: "أنا أقرض بفائدة بنسبة عشرة في المائة، فإذا كان هذا الشرط يعجبك أعطيتك، وإذا لم يعجبك فأنت حُرّ.
فيوافق الرجل مرغماً لضيق حاله، فيقول له الغني: كل مئة ليرة تُرجعها لي مئة وعشر ليرات في الشهر، فلا تطيل عليّ حتى لا يثقل عليك الحساب.
فيأخذ الرجل المبلغ ويذهب من عنده ويعيده بعد شهر أو شهرين مع الفائدة المتفق عليها، فيأخذ الغنيّ رأس ماله، ويعيد للرجل الفائدة ويقول له: أما هذا المبلغ فهو لعيالك اصرفه عليهم، ولكن ليكن هذا الأمر بيني وبينك ولا تُخبر به أحداً.
ونظراً لضيق الحال فقد استدان أكثر سكان المنطقة من ذلك الرجل الغني، وأطلقوا عليه اسم المرابي، لأنه كان يقرض بالربا.
ومضت سنوات والناس يقترضون من ذلك الرجل بنفس الطريقة، وفي أحد الأعوام مَرّت رِجْلٌ من الجراد (موجة من الجراد) فأكلت ما وجدته أمامها من المزروعات، ومن ضمنها مزروعات المنطقة التي يعيش بها المرابي، ولكن الغريب أن أرض المرابي ومزروعاته لم يدخلها الجراد ولم يصبها بأذى، بل ظلت خضراء يانعة دون كل المزروعات التي حولها.
تعجَّب الناس من هذا الأمر وأصابتهم دهشة لهذا الحادث الغريب، وكيف أنّ الجراد قضى على كلّ المزروعات الموجودة في المنطقة وترك مزروعات المرابي دون غيرها ولم يمسسها بأذى.
وسرت شائعة بين الناس أن المرابي قد رشَّ حقوله بمادة منعت الجراد من الاقتراب منه وإلا فكيف يترك حقوله ومزروعاته دون غيرها.
وصل الخبر إلى الحكومة، وما أسرع ما تصل الحكومة مثل هذه الأخبار، فاستدعت المرابي لتستفسر منه عن جلية الأمر، وتسأله عن نوع المادة التي رَشَّها على مزروعاته، وعندما مثل بين يدي الحاكم قال إنه لم يرشّ مزروعاته بأي شيء، فقال له الحاكم: إننا نعرف عنك كل شيء وأنك تقرض الناس بالربا، فما هو السرّ إذن في ترك الجراد لمزروعاتك.
قال المرابي: أنا لا أقرض الناس بالربا، فأنكر الحاكم عليه ذلك، فقال للحاكم: أدعُ لي عشرة أشخاص من الذين أقرضتهم، وذَكَرَ له عشرة أسماء منهم، فاستدعاهم الحاكم وعندما مثلوا بين يديه، سأل المرابي أحدهم على مسمع من الجميع وقال له: ألم أقرضك مبلغ كذا وكذا، قال نعم، قال وعندما أعدتَ لي نقودي هل أخذت منك الفائدة، قال لا، قال وماذا قلت لك: قال قلت اصرفها على عيالك ولا تخبر أحداً بما دار بيني وبينك.
وسأل الثاني والثالث حتى أتى على العشرة وكلهم يقولون صدق لم يأخذ منا إلا رأس ماله.
فقال الحاكم: ولماذا لجأت إلى هذه الطريقة وأنت لا تأخذ الربا، قال حتى أحافظ على رأس مالي، لأني لو تركتهم على حالهم لمضت سنين دون أن يرجعوا لي شيئاً من مالي، قال وكم هو رأس مالك، قال كذا وكذا، فقال الحاكم: وقد منحتك الحكومة مبلغاً مماثلاً لرأس مالك جزاءً لصدقك ونزاهتك ومحافظتك على دينك.
وعاد الناس ليخبروا بما رأوا وشاهدوا، وكيف أن هذا الرجل كان يعمل مع الله ولا يأخذ جزاء عمله شيئاً، وأخذوا يرددون الآية الكريمة "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيم".

رهط في: 13/12/2009
{{{

---------------

نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء 16/12/2009، العدد (115).

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة

« لا يسمح باستخدام هذه المادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »

 ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.


صممت هذه الصفحة في 22/01/2010م

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

رجوع