خرزات عمتي لصالح زيادنة

خرزات عمتي

بقلم: صالح زيادنة

كان من هوايات عمتي رحمها الله جمع الخَرَز بأنواعه، وكان لكلّ خرزةٍ عندها اسمٌ خاصٌّ بها، ولكلٍّ منها تأثيرٌ ومفعولٌ لا تتميّز به الخرزات الأخرى.

ولا يشطح ذهنُ أحدكم إلى الخَرَز الحديث أو البلاستيكي الذي نراه في الأسواق، فالخرز الذي أُحدِّثكم عنه هو خرزٌ من نوع آخر تماماً. فالأودية ومجاري السيول ومياه الأمطار بعد أن تجفّ هي المناجم الحقيقية  لهذا الخرز، وكانت عمّتي عندما تَمُرُّ من الوادي الذي يفصل بين بيتها وبيتنا تبدأ عيناها تدور يمنةً ويسرة، كَمَن يبحثُ عن شيءٍ أضاعه، وهي تتفرّس الحجارةَ الصغيرة بدقّةٍ شديدة، فإذا وقعت عينُها على حجرٍ صغيرٍ أملس، تكاد يدها تسبق عينها إليه، فتلتقطه بلهفة، ثم تمسحه بطرف ثوبها لتُزيلَ بقايا الترابِ العالقِ به، وتنظر إليه بإعجاب نظرة من وجد شيئاً ثميناً، ثم تدسّه في عِبِّهَا بعد أن ترتسم على ثغرها ابتسامة عريضة.

ولا تتابع عمتي سيرها قبل أن تضع في عِبِّهَا حفنةً من الخرزات الثمينة، وعندما تصل إلى بيتنا وقبل أن تدخله من جهة الرِّواق الغربيّ تنفحنا ببيتٍ من الشِّعْر الشعبي غالباً ما ترتجله وتُعلّق به على ما تراه أمامها، ولم يحدُث أبداً أن دخلت عمتي بيتنا دون أن يسبقها بيتٌ من الشِّعْر تنتقد به ما لا يُعجبها من تصرفاتنا. فهي ناقدةٌ في كلّ الأحوال.

وكنا صغاراً نرى في عِبّ عمتي بعض النتوءات البارزة فنظنها «كعكبان»؛ وهو نوع من الحلوى في ذلك الزمان، فنجلس بجانبها ونسألها أن تُخرجَ لنا مما يوجد في عِبِّهَا، ولكن ما أعظم خيبتنا عندما تمدّ عمتي يدها إلى عِبِّهَا وتخرجها مليئةً بالحجارة الصغيرة الملساء وتنشرها أمامها على الفراش. وتُوجه كلامَها إلى أمي وهي تضع حجراً صغيراً في يدها وتقول: هذي سِمْلِك، أنظري إليها، ما أشدّ بياضها، وتهزّ أمي رأسها بالإيجاب وكأنها فهمت كلَّ شيء، أما نحن فنتصوّر حبَّات الكعكبان في تلك الحجارة الصغيرة، ولكننا نسأل عمتي بشيء من الفضول: ما هو السملك يا عمتي؟ وتتابع عمتي حديثها قائلة: يعني إذا زوج المرأة خطب عليها ضُرَّة، فإنه يخطب ولا يملك، أي لا تتم خطوبته بل تُفسخ قبل إتمامها وكلّ ذلك بفضل خرزة السِّمْلِك، وتضيف عمتي: إنها مُجَرَّبَة، كلّ النسوان بيلبسنها، ما في مَرَه في عيلتنا ما معها سِمْلِك !.

وتتابع شرحها وتقول: وهذي سَلْوَى اللي بتحطها في رقبتها زوجها ما بيسلاها، وهذي قُبْلَة اللي بتشيلها معها جوزها ما بيقبل على غيرها، وتقول لأمي: خذي لكِ هالخرزتين أحسن ما يتزوج عليك إسماعين، الزلام ما لهم أمان، كلهم ما لهم أمان.

ولا تنفع خرزات السملك عمتي، ولا بقية الحجارة الملساء الأخرى التي التقطتها من الوادي، فقد تزوّج عليها زوجُها وطردها لتعيش بقية عمرها في بيت أولادها.

تُرى كم من نسائنا تؤمن بك وبسحرك العجيب يا خرزة السملك!

 
{{{

---------------

نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء 25/11/2009، العدد (113).

 

  جـميع الحقـوق مـحفوظـة للمؤلف

« لا يسمح باستخدام هذه المادة أو بنقلها دون الإشارة إلى مصدرها »


صممت هذه الصفحة في 22/01/2010م  - تحديث في: 23/01/2018

بريد الكتروني

موقع الشاعر صالح زيادنة

رجوع