مقالة الأستاذ سهيل عيساوي حول كتاب أنغام حائرة للشاعر صالح زيادنة

الرسُوّ في ميناء الشاعر صالح زيادنة وكتابه "أنغام حائرة"  -  بقلم: الشاعر سهيل عيساوي

الرسُوّ في ميناء الشاعر صالح زيادنة وكتابه " أنغام حائرة ".

الشاعر صالح زيادنه شاعر مُجِدّ لا ينفكّ يزفّ إلينا القصيدة تلو القصيدة، والأبحاث الجادّة مثل كتابه "من الأمثال البدوية"، الذي جمع وشرح معظم الأمثال العربية والبدوية، بالإضافة إلى مساجلاته على شبكة الانترنت واشتراكه في الأمسيات الثقافية والأدبية في النقب والجليل، ومساهمته الكبيرة في دعم الصرح الأدبي في النقب.

في كتابه الأخير بعنوان "أنغام حائرة" الصادر عام 2001، يقع الكتاب في (74 صفحة) من الحجم المتوسط. وإن كان الشاعر قد أطلق على كتابه اسم "أنغام حائرة" لكنه شخصياً غير محتار ولا متردد فيما يقوله لنا. في قصيدة زهرة الجنوب (صفحة 5) يُظهر لنا مدى حبه وانتمائه لتراب الجنوب ولمدينة رهط مسقط رأسه، ويُعرب عن انتماء أهل النقب إلى الأمة العربية عريقة الجذور والتي تتخذ من الشهامة رايةً لها.  في السطر الخامس يقول:

 

 "تجري دماء العُرْب في أوصالنا

من خالص الأنساب والأعراق"

 

وفي الصفحة السابعة من الكتاب يكشف لنا مدى حبه وإخلاصه للجنوب الذي يُلهمه كتابة الشعر والإبداع .

 

 "أنا ما كتبت الشعر لهواً إنما

حب الجنوب يفور في أعماقي"

 

 وفي قصيدة أخرى خصّصها لمدح مدينة رهط (صفحة 11) يكشف لنا الشاعر كم هو متيّم بمسقط رأسه، فهو من أوّل من تغنّى ونظم الشعر في مدينة رهط فرفع اسمها عالياً، يقول في صفحة 12:

 

 

 "ورفعت اسمك يا بلادي عالياً

وجعلت ذكرك في ذرى الجوزاء

 

 

يا رهط من أنت بغير قصائدي

وبغير شعري في الهوى  وغنائي

 

 

وأتيــت أغـرس فـي قفـارك جنـــة

وزرعت  فيك  محبتي  ووفائي"

 

نلاحظ أن الشاعر يعتزّ بالبيئة التي نشأ وترعرع فيها من خلال تكراره للكلمات التي تدلّ على محيطه مثال كلمة "رهط" تكررت 5 مرات، وكلمة "جنوب" تكررت 13 مرة، وكلمة " نقب" تكررت 6 مرات، وكلمة "بيداء" تكررت مرتين، وكلمة "صحراء" تكررت 6 مرات.

 وفى قصيدة "دموع على ضريح القلب" (ص 18) والتي  كتبها بعد وفاة والديه والتي تبدو مزيجاً من الرثاء بفقدان أغلى ما يملك الإنسان، واعتزاز بالجنوب الذي يُثقل الشاعر بالأحزان، ص 19 يقول: "جنوب أمي في رُباك/ وأبي هناك/ على بساطٍ من ثراك/ وأنا تسيل مدامعي/ ويثور في صدري هواك/ أنفاس أمي وأبي". وفي قصيدة أخرى خصصها الشاعر لرثاء الشاعر الكبير نزار قباني الذي افتقده الشاعر وتفتقده أمة الضاد، (ص 8) تحت عنوان "دمعة على نزار" نلاحظ أن الشاعر في القصيدة السابقة في رثاء والديه أطلق الدموع، وعلى فراق الشاعر العربي نزار قباني حرر دمعة لكن في داخلها أنهار من الدموع:

                       "نزار يا فارس  الأشعـار معـذرة

                                              إن جاء شعري بجمر الحزن يلتهب

                       أنا  كم حبست دموعي عند فقدكم

                                             حتى تهاوت  في  الآماق  تصطخب

                       رفقاً  بقلبٍ  عليـل  قد  أحبكـم

                                             قد أشعل الشعر ناراً ما لها حطب"

وفي قصيدة "الشاعر المحزون" (ص 27) لعل الشاعر يقصّ علينا قصته الشخصية أو قصة كلّ شاعر يتألم من هول ما رأى حوله من جرائم وغشّ وخداع في هذا الزمن الأصفر، "الشاعر المحزون/ يحمل الحقائب القديمة/ ويمضغ التاريخ/ ويشحذ القريحة العقيمة/ مسافر يسائل الزمان/ عن بيته .. عن أهله .. عن عمره / في رحلة الإحباط والحرمان/". لكن الشاعر المحزون يستطيع أن يقلب الأمور رأساً على عقب ويشعل الحرائق من خلال قصائده وإن كان يذرف الدموع (ص 29) "الشاعر المحزون- يفتح الحقائب القديمة/ وينثر الأوراق في عرض الطريق/ وينثر الأشعار والقصائد اللعينة/ ويشعل الحريق". والشاعر صالح الزيادنة لا ينسى قسطه من القصائد الغرامية الرقيقة وإن كان يكتبها بحياء دون السير على خطوات الشاعر نزار قباني الذي رثاه في كتابه وهي: "أنت الملاذ" ص 36، "الحسناء والشاعر" ص 39، "خمس رحلات في عينيها" ص 45، وقصيدة "لو كنت معي" ص 46. في قصيدة خمس رحلات في عينيها، يقول الشاعر: "في عمق عينيك/ أخلع معطفي الشتوي/ وحيائي الأبدي/ وأسبح عكس التيار/ وأشعر بحنانك يغمرني". يختتم الشاعر كتابه بمساجلات وحوارات أدبية بينه وبين عدد من الشعراء وهم:- جمال حمدان من السويد، وعمر مطر الشاعر الأردني المقيم في الولايات المتحدة، والشاعر محمود أبو غظية من مدينة رهط، وشاعر يحمل اسم سلاف يوقع بهذا الاسم قصائده في الانترنت.

خلاصة :

الشاعر صالح زيادنة في كتابه "أنغام حائرة" قدم لنا أنغاماً جميلة تعالج عدة مناسبات بثوبٍ مزركش بالعبارات الرقيقة وكلمات الحب والمحبة تارة، وتارة بحزن عميق ينمّ عن نفسٍ صادقة، نتمنى له كل الخير في مشواره الأدبي ليظل يشدو لنا غناءً أجمل وأحلى من واقعنا المر.

* * *

  •   - نشر في صحيفة خبار النقب : العدد 295 ، الأحد 2 آذار 2003 الموافق 29 ذي الحجة 1423 .


رجوع