New Page 1

دعوته لقومه وما جرى بينهم من جدال

 

أعطى الله تبارك وتعالى قبيلة عاد نعماً كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فقد كانت بلادهم ذات مياه وفيرة فزرعوا الأراضي وأنشأوا البساتين وأشادوا القصور الشامخة العالية، إضافة لما منحهم الله تعالى فوق ذلك من بسطة في أجسامهم وقوة في أبدانهم لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه، فاتخذوا من دونه ءالهة وعبدوا الأصنام وصاروا يخضعون لها ويتذللون ويقصدونها عند الشدة، فكانوا أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان العظيم الذي عم الأرض وأهلك الكافرين الذين كانوا عليها، فبعث الله تبارك وتعالى إليهم نيبه هوداً وكان أحسنهم خُلقاً وأفضلهم موضعاً وأوسطهم نسباً، فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يوحدوا الله الذي خلقهم ولا يجعلوا معه إلها غيره، وأن ينتهوا ويكفوا عن الظلم والبغي والفساد بين الناس، ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبي الله هوداً عليه الصلاة والسلام وقالوا: ، وءامن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خوفاً من بطش وظلم قومهم الكافرين المشركين، قال الله تبارك وتعالى : ،

وقال تعالى: المعنى ان هوداً قال لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه إلها غيره فإنه ليس لكم إله غيره أفلا تتقون الله ربكم فتحذرونه وتخافون عقابه بعبادتكم غيره وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه، فأجابه قومه بما أخبر الله تبارك وتعالى به .

المعنى أن الملأ الذين كفروا وجحدوا توحيد الله وعبدوا الأصنام وأنكروا رسالة هود وكذبوا ما جاء به قالوا له: إنا لنراك يا هود في سفاهة ويريدون بذلك أنك في ضلالة عن الحق والصواب بتركك ديننا وعبادة ءالهتنا وإنا لنظنك من الكاذبين في قولك إني رسول من رب العالمين:، أي يا قوم ليس بي سفاهة عن الحق والصواب بل إني على الحق المبين والطريق الصواب، رسول من رب العالمين أرسلني إليكم فأنا أبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، وأنا لكم ناصح فيما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، فاقبلوا نصيحتي فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني عليه من الرسالة لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.

أي عجبتم أن انزل الله وحيه بتذكيركم وأرسل نبيه إليكم يدعوكم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، ولينذركم عذابه إن لم تقبلوا دعوته ولم تدخلوا في دينه الاسلام، وقد قال لهم هود هذا منكرًا عليهم بعد أن استبعدوا أن يبعث اله رسولا بشرًا يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون، واعتبروا أن تصديقه في دعواه خسارة وبطلان: ، المعنى اتقوا الله في انفسكم واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم وكذبوه وكفروا بربهم واستمروا على بغيهم وتكبرهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض بعدهم لما أهلكهم، فاتقوا الله أن يحل بكم نظير ما حل بهم من العقوبة فتلكم كما أهلكهم ويبدل منكم غيركم سنته في قوم نوح قبلكم على كفرهم وتجبرهم.

ثم بين لهم نعم الله الجليلة عليهم إذ زادهم في الخلق بسطة فزاد في أجسادهم وقوامهم فأمرهم أن يذكروا نعم الله عليهم وفضله عليهم في أجسادهم وقوامهم، فيشكروا الله تعالى على ذلك بأن يعبدوا الله وحده ويخلصوا له العبادة ويتركوا الإشراك وعبادة الأصنام كي يفلحوا. لكن قوم هود رغم هذا البيان المقنع والكلام الناصح من نبيهم هود عليه السلام لم يقبلوا الحق الذي جاء به، وأعلنوا له أنهم لن يتركوا عبادة الأصنام وأنهم يعتقدون أن بعض ءالهتهم غضب عليه فأصابه في عقله فاعتراه جنون بسبب ذلك، كما أنهم استبعدوا إعادتهم يوم القيامة وأنكروا قيام الأجساد بعد أن تصير ترابًا وعظامًا، فقال لهم نبيهم هود عليه السلام ما أخبرنا الله به في القرءان الكريم : وقال الله تعالى مخبرًا عن قول هود عليه السلام في موضع ءاخر من القرءان الكريم: .

فبين لهم سيدنا هود عليه السلام أنه لا يطلب على نصيحته لهم أجرًا يأخذه منهم أو رئاسة يتزعم بها عليهم، وأنه لا يطلب الأجرة في دعوته لهم إلى الإيمان والاسلام إلا من الله تبارك وتعالى، ثم قال لهم واعظا ما معناه أتبنون بكا مكان مرتفع بناءً عظيمًا هائلا تعبثون ببنائه ولا حاجة لكم فيه وأنتم تسكنون الخيام العظيمة، ثم تتخذون القصور رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارًا طويلة، ثم ذكر لهم أنهم يتجبرون ويظلمون الناس فأمرهم أن يتقوا الله بأن يدخلوا في دينه ويعبدوا الله وحده ويطيعوه، وذكّرهم بما أنعم الله به عليهم وبما أمدهم به من أنعام وبنين وما رزقهم من مياه وافرة وبساتين خضراء يانعة يتنعمون بها، وحذرهم من عذاب الله العظيم يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الكفر والشرك، ولكن قوم هود أصروا على كفرهم وعنادهم وقالوا له فيما قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الأوثان والأصنام ونخالف ءاباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه، وقالوا له على وجه التهكم والعناد والاستكبار إن كنت صادقًا فائتنا بما تعدنا من العذاب فإنا لا نصدقك ولا نؤمن بك وقد أخبرنا الله في القرءان بذلك:

أي أن هذا الدين الذي نحن عليه إن هو إلا دين الأولين أي الآباء والأجداد ولن نتحول عنه، فأعلمهم هود عليه السلام أنهم استحقوا الرجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب الله الشديد الواقع عليهم لا محالة.

قال الله تعالى: .