New Page 1

خلق العرش والقلم الأعلى واللوح المحفوظ

 

* العرش:

قال الله تعالى:     وهو سرير له أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهوسقف الجنة منفصل عنها ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش الرحمن)). ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وهو أكبر مخلوقات الله حجمًا ومساحة وامتدادًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((ما السموات السبع مع الكرسى إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة))رواه ابن حبان وغيره. والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة ويوم القيامة يكونون ثمانيةقال الله تعالى:، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أحد حملة العرش بأن ما بين شحمة أذنه إالى عاتقه مسيرة سبعمائة ألف عام بخفقان الطير المسرع رواه أبو داود.

 

* الحكمة من خلق العرش:

يستحيل عقلا أن يكون العرش مقعداً لله فكيف يكون الرب الذي هو خالق للعرش وغيره محمولا على سرير يحمله الملائكة على أكتافهم، ولا يصح تفسير قول الله تعالى: بجلس لأن الجلوس من صفات البشر والجن والملائكة والدواب بل معنى قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى  قهر لأن القهر صفة كمال لائق بالله تعالى لذلك وصف الله نفسه فقال: فهو الواحد القهار، فهذا العرش العظيم خلقه الله إظهاراً لعظيم قدرته ولم يتخذ مكاناً لذاته، لأن المكان من صفات الخلق والله سبحانه تنزه عن المكان والزمان، قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه:((لا تحويه-أي الله - الجهات الست كسائر المبتدعات))، وقال سيدنا علي رضي الله عنه:((إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته ولم يتخذه مكاناً لذاته))، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي.

فالملائكة الكرام الحافون حول العرش والذين لا يعلم عددهم إلا الله يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويزدادون علما بكمال قدرة الله سبحانه وتعالى عندما يرون هذا العرش العظيم.

 

* القلم الأعلى واللوح المحفوظ :

خلق الله تعالى القلم الأعلى بعد خلق الماء والعرش وثالث المخلوقات، وهو جرم عظيم جداً على شكل نور، ثم خلق الله تعالى بعد القلم الأعلى اللوح المحفوظ وهو رابع المخلوقات، قال بعض العلماء إنه فوق العرش، وقال بعضهم إنه تحت العرش.

وجرمه عظيم جداً مقداره ومساحته مسيرة خمسمائة عام، طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب. وقد أمر الله القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسهُ أحد من الخلق وسطر في اللوح المحفوظ كل ما سيكونُ في العالم حتى نهاية الدنيا، وهذا معنى حديث رسول الله  الذي رواه أحمد والترمذي عن عُبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة)).

والدليل من القرءان الكريم على أن كل شىء في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ هو قول المولى جل وعلا  قال تعالى: ، ومن الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين أف سنة وكان عرشه على الماء))رواه مسلم.

 

* خلق السموات و الأرض :

خلق الله بقدرته سبع سموات وسبع أراضي،

قال الله تعالى: ، فيجب الإيمان بذلك، فأرضنا هذه واحدة من الأراضي السبع التي خلقها الله تبارك وتعالى وأبدعها.

والسموات التي خلقها الله عظيمة الخلقة تدل على عظمة قدرة البارىء عز وجل، فسمك السماء الواحدة مسافة خمسمائة عام وكلها مشحونة بالملائكة الذين يعبدون الله ويقدسونه ولا يفترون عن ذكره، وقد ورد أن المسافة التي ما بين سماء وسماء مسافة خمسمائة عام، وكذلك المسافة ما بين أرض وأرض، فالسموات السبع متراكبة بعضها فوق بعض وكل واحدة منفصلة عن الأخرى وكذلك الأراضي السبع،  قال الله سبحانة وتعالى في القرءان الكريم : .

 

وقال سبحانه وتعالى:   أي أن السموات السبع شديدة عظيمة الخلقة في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها.

 

وقد جاء في القرءان أن خلق السموات والأراضي السبع كان في ستة أيام وكل يوم من هذه الأيام الستة كألف سنة مما نعد أي بتقدير أيامنا هذه لقوله تعالى :

 

وقوله تعالى : ، أي تعب وإعياء، وقوله تعالى:، ومعنى استوى أي وقد استوى على العرش أي أن الله تعالى كان مستوياً على العرش أي قاهراً له قبل الخلق السموات والأرض وليس معنى ثم في هذه الاية أن استواء الله على العرش أي قهره للعرش حصل بعدما خلق الله السموات والأرض ومن المقرر عند علماء اللغة أن ثم تأتي بمعنى الواو وهذا معناها في هذه الاية كما قال الإمام أبو منصور الماتريدي، وما يتصوره بعض الناس من أن الله بعد ما خلق الأرض في يومين صعد إلى السموات وخلقها في يومين ثم خلق مرافق الأرض الجبال والأنهار والمرعى وءادم في يومي الخميس والجمعة ثم صعد إلى العرش وجلس عليه هذا تحريف للقرءان ووصف لله تعالى بالتنقل وهو محال، أليس ذكر الله في القرءان أن إبراهيم استدل على أن الكواكب والشمس والقمر لا يصلحون للألوهية لكونهم يتنقلون، أليس ذكر الله عن إبراهيم أنه قال: أي أن الذي يتنقل من حال إالى حال لايصلح أن يكون ربا خالقًا.

وكان خلق الأرض في اليومين الأولين وهما الأحد والأثنين، ثم خلق الله السموات السبع في اليومين التاليين وهما الثلاثاء والأربعاء، وأما في اليومين الأخيرين وهما الخميس والجمعة فقد خلق الله تبارك وتعالى مرافق الأرض التي يعيش فيها الإنسان من جبال وأنهار ووديان وأشجار وما أشبه ذلك، ولقد خلق الملائكة في تلك الأيام الستة وكذلك خلق أبليس اللعين الذي هو أبو الجن، وأما سيدنا ءادم الذي هو أبو البشر وأول الأنبياء فقد خلقه الله تبارك وتعالى في ءاخر اليوم السادس وهو يوم الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع فكان ءادم ءاخر أنواع العوالم التي خلقها الله تبارك وتعالى، روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه  خلق الله ءادم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها))، ويعني ذلك أن تمام خلق ءادم كان في الجنة لأن بدءه التربة التي نقلت من الأرض إلى الجنة فعجنت هذه التربة بماء الجنة ثم مكث طيناً أربعين يوماً ثم جعله صلصالا كالفخار ثم حوله عظمًا ولحماً ودماً ثم نفخ فيه الروح الطيبة الكريمة عند الله، وهذا معنى قول الله تعالى : أي الروح التي هي ملك لي ومشرفة عندي.

ومما يدل على ما قدمناه قوله تعالى:                                     

 فالله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الايات أنه خلق الأرض أولاً في يومين لأن الأرض كالأساس، ثم خلق بعد ذلك السموات في يومين وهي كالسقف بالنسبة للأرض قال الله تعالى: ،

وقال الله تبارك وتعالى:  

وخلق الله الشمس والقمر وسائر النجوم قال تعالى: .

أما دحو الأرض فكان بعد خلق السموات وكان ذلك في اليومين الأخيرين من تلك الأيام الستة قال الله جلت قدرته: .

ومعنى دحاها أي وسعها وجعلها صالحة للسكن بأن أجرى فيها الأنهار والوديان والينابيع وجعل الله الجبال رواسي فسبحان الله المتفضل المنعم.

 

فائدة:

الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام مع أن الله جلت قدرته قادر على خلقها في أقل من ذلك تعليم الناس التأني في الأمور والتروي وعدم الاستعجال. وأما قوله تعالى:

{سورة يس}، فليس معناه أن الله خلق الخلق في لحظة، إنما معناه يخلق العالم بدون تعب ومشقة وبدون ممانع يمانعه وبدون تأخر عن الوقت الذي أراد وجودهُ فيه، وليس معنى أنه كلما  أراد أن يوجد شيئاً من مخلوقاته يقول له كن فيكون أي بهذه الكلمة المركبة من كاف ونون وهذا غير معقول لأن الله يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر فكيف يعقل أنه ينطق بعدد كل ما يخلق بهذة الكلمة كن باللغة العربية والله تعالى كان قبل اللغات، إنما هذا عبارة عن إجاده تعالى الأشياء بدون تعب كما أن الإنسان يكون أسهل شىء عليه التلفظ بكن لا يعاني منه مشقة، فالله تعالى ذكر هذا تفهيماً للمعنى لإفهام الخلق، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه :((القرءان أمثال ومواعظ)) أي كل القرءان على ظواهره.