أنس الله (اللات) بن سعد العشيرة بن مذحج

(ومنهم بني وقشة بن عبد يغوث)

أولاً : نسب أنس الله بن سعد العشيرة , ومنهم بني وقشة بن عبد يغوث.

قال ابن الكلبي([1]) في نسب أنس الله بن سعد العشيرة

وَوَلَدَ أَنَسُ اللَهُ بن سَعْد العَشِيرَةِ:زُهَيْراً، وملائماً، وبلالاً، وزفراً، "وعَليّاً([2])".

فَوَلَدَ ملائم بن أَنَسُ اللَهُ:عَبْدَ يَغُوث بن مُلائماً.فَوَلَدَ عَبْدَ يَغُوث:وَقْشَةَ.فَوَلَدَ وَقْشَةَ بن عَبْدَ يَغُوث:كَعْباً.فَوَلَدَ كَعْب بن وَقْشَةَ:جَسْراًومُعَاوِيَةَ.وَوَلَدَ عَليُّ بن مُلَائم:النَّابِغَةُ.فَوَلَدَ النَّابِغَةُ بن عَليّ:ذُبَاباً، وصَخْرُاً، وبُرغُوثاً.فَوَلَدَ ذُبَابُ بن النَّابِغَةُ:صَوَاباً.وَوَلَدَ بِلاَلُ بن أَنَسُ اللَهُ:رَبَيعَةَ.فَوَلَدَ رَبَيعَةَ بن بِلاَلُ:الحَارِثَ.فَوَلَدَ الحَارِثَ بن رَبَيعَةَ:مُعَاوِيَةَ.فَوَلَدَ مُعَاوِيَةَ بن الحَارِثَ:عَمْراً.فَوَلَدَ عَمْرو بن مُعَاوِيَةَ:عَبْدَ يَغُوث والحَارِثَ.فَوَلَدَ عَبْدَ يَغُوث بن عَمْرو:طَلْقَاً.فَوَلَدَ الحَارِثَ بن عَبْدَيَغُوث:مَطَراً، وذُبَاباً.فَوَلَد ذُبَابُ بن الحَارِثَ:عَبْدَ اللَهُ، شَهِدَ صِفَّين مَعَ عَليّ بن أبي طَالِب عَلَيهِ السَلام.مِنْ وَلَدِه:عَبْدَ العَزِيز بن ثَابِت بن عَبْدَ اللَهُ بن ذُبَاب، بالرَّيَّ لَهُم عَدَدٌ وجَمَاعَةٌ.

ثانياً :ديار قبيلة بني وقشة:

 

ذكر الهمداني المتوفى عام 334 هـ في كتابه صفة جزيرة العرب واصفاً بلاد جنب:

(بلد جنب وهو ما بين منقطع سراة خولان بحذاء بلد وادعة إلى جرش وفيه قرى ومساكن ومزارع وهو يشبه بالعارض من أرض اليمامة,ومن بلد جنب راحة ومحلاة واديان يصبّان من الجبل الأسود إلى نجد شرقاً وله أودية تهامة ونجدية منها جوف الخزيميين وهو جوف مرزوق وعاش ثمانية وثلاثين ومئة سنة ولقيته ابن خمس وثلاثين ومئة سنة وقريتا جنب الكبيبة لبني وقشة والقريحا حذاءها لبني عبيدة) ([3])‏‏

وعند حديث الهمداني عن السروات تكلم عن جبال السروات حتى قال:

)ثم يتلوها سراة جنب وبلد العرّعرّ المعصور وقرية جنب في هذا السراة الكبيبة وقال رجل جنبيِّ وقد جنّه الليل في بلد بني شاور‏:‏



نظرت وقد أمسى المعيَّل دوننا

 

فعيَّان أمست دوننا فطمامها


إلى ضوء نار الكبيبة أوقدت

 

إذا ما خبت عادت فشب ضرامها

توقدها كحل العيون خرائد

 

حبيب إلينا رأيها وكلامها


غدا بيننا عرض الفلاة وطولها

 

فداري يمانيها ودارك شامها

فإن أك قد بدلت أرضاً بموطني

 

يمانية غرباً أريضاً مقامها


فقد اغتدي والبهدل النكس نائم

 

بعيد الكرى عيناً قريراً منامها

وأقطع مخشيَّ البلاد بفتية

 

كأسد الشَّرى بيض جعاد جمامها


 

ومن خلال ما ذكره الهمداني فإن أكثر الأسماء الواردة مازالت محتفظة بأسمائها إلى وقتنا الحاضر(منذ ما يقارب 1100عام) وما يهمنا قوله (وقريتا جنب الكبيبة لبني وقشة والقريحا حذاءها لبني عبيدة) ,ومن المعلوم أن بني وقشة ما زالوا يحتفظون بهذا الاسم منذ ذلك الوقت , والقريحاء لا تزال معروفة بهذا الاسم وهي في عبيدة وتحد بني وقشة من جهة الشرق, أما الكبيبة أو قرية الكبيبة لبني وقشة فإن هذا الاسم قد اندثر ولكنه لا يخرج عن قرى وقشة الحالية أو بقربها وذلك أنه ذكر محاذاتها للقريحاء المعروفة اليوم ولعل الكبيبة كانت تطلق على جبل ظلم أو المنطقة المحيطة به لتوسطه قرى وقشة ولكونه معلم بارز ومميز من الصعب إغفاله عند ذكر القرى القريبة منه بالإضافة إلى وجود آثار لبرج تم إزالته من قبل البلدية, فربما كان يستعمل لسدانة الأصنام والعبادة في العصر الجاهلي قبل دخول بني وقشة في الإسلام  أو ربما كان يستخدم لإيقاد النار التي ذكرها شاعرنا الجنبي عندما قال:

إلى ضوء نار الكبيبة أوقدت

 

إذا ما خبت عادت فشب ضرامها


والراجح أن جبل ظلم كان يستخدم لإيقاد النار عند الحروب لارتفاعه وهو يعتبر من أعلى الجبال في شبه الجزيرة العربية أما الكبيبة فأتوقع أنها كانت تقع على تل صغير يشبه القرن بالقرب من هذا الجبل العملاق وهو ما يعرف اليوم بقرن وقشة.

ولعل الكبيبة([4]) كانت من أكبر المواقع والتجمعات السكانية في سراة جنب ويدل على ذلك أن اليعقوبي (292هـ) عدها أحد مخاليف اليمن عندما قال: (واليمن أربعة وثمانون مخلافا وهي شبيه بالكور والمدن وذكر منها: مأرب، وجرش, والكبيبة، وتبالة...) ([5]).

فأبناء وقشة بن عبد يغوث بن ملائم بن أنس الله بن سعد العشيرة بن مالك(مذحج) بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ كانوا ولا زالوا مستقرين في ما يعرف قديما سراة جنب مجاورين لأخوانهم من قبائل جنب إلى يومنا هذا ,على الرغم من انتفاء مسمى (جنب ) في وقتا الحاضر على بني وقشة وهم كانوا في هذا الحلف صليبة .

 

 

 

 

 

 

 


ثالثاً: قصة إسلام سعد العشيرة ومنهم أنس الله بن سعد العشيرة وقصة الصحابي الجليل ذباب بن الحارث مع السادن ابن وقشة:

جاء في كتاب الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي([6]) تحت عنوان : (إِسْلَام سَادِن الصَّنَم)

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن، عَن الْعَبَّاس ابْن هِشَام، عَنْ أَبِيه، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو كبران الْمُرادي، عَنْ يحيى بْن هاني بْن عُرْوَة، عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي سُبْرَة الْجعْفِيّ، قَالَ: كَانَ لسعد الْعَشِيرَة صنم يُقَالُ لَهُ فراس وَكَانُوا يعظمونه، وَكَانَ سادنه رَجُلا من بني أنس اللَّه بْن سَعْد الْعَشِيرَة، يُقَالُ لَهُ ابْن وقشة، قَالَ عَبْد الرَّحْمَن: فَحَدثني رَجُل من بني أنس اللَّه يُقَالُ لَهُ ذُبَاب، قَالَ: كَانَ لِابْنِ وقشة رَئِيٌّ من الجنّ يُخبرهُ بِمَا يكون، قَالَ: فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمَ وَأَنا عِنْدَهُ فَأخْبرهُ بِشَيْء فَنظر إليَّ وَقَالَ لي: يَا ذُبَاب، اسْمَع الْعجب العجاب، بعث اللَّه أَحْمَد بِالْكتاب، يَدْعُو بِمَكَّة فَلا يُجاب، قَالَ: فَقلت مَا تَقول؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي هَكَذَا قَالَ لي، فَلم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى سمعنَا بِظُهُور النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فثُرت إِلَى الصَّنَم فحطمته، ثُمَّ أتيتُ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقلت:

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت فَرَّاسًا بدار هَوَانِ


شَدَدْتُ عَلَيْهِ شَدَّةً فتركتُهُ

 

كَأَن لَمْ يكن والدهر ذُو حَدَثَانِ

فَلَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني


فأصبحتُ لِلْإِسْلَامِ مَا عشتُ ناصرًا

 

وألقيتُ فِيهِ كَلْكَلِي وجِراني

فَمن مُبلغٍ سَعْد الْعَشِيرَة أنّنِي

 

شَرِيتُ الَّذِي يَبْقَى بآخَرَ فَانِ


وقال ابن حجر العسقلاني([7]) في باب حرف الدال بعدها الباء الحديث التالي:

الدال بعدها الباء : ذباب بموحدتين الأولى خفيفة وضم أوله بن الحارث بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ربيعة بن بلال بن أنس الله بن سعد العشيرة المذحجي روى بن شاهين من طريق بن الكلبي حدثنا الحسن بن كثير حدثني يحيى بن هانئ بن عروة عن أبي خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة قال كان لسعد العشيرة صنم يقال له قراص يعظمونه وكان سادنه رجلا منهم يقال له بن وقشة قال عبد الرحمن فحدثني ذباب بن الحارث قال كان لابن وقشة رئي من الجن يخبره بما يكون فأتاه ذات يوم فأخبره بشئ فنظر إلى فقال يا ذباب يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب قال فقلت له ما هذا قال لا أدري كذا قيل لي فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وثرت إلى الصنم فكسرته ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وقال ذباب في ذلك :

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت فَرَّاسًا بدار هَوَانِ


ولَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني


وأخرجه بن منده في دلائل النبوة له من هذا الوجه وأغفله في الصحابة فاستدركه أبو موسى قلت ورواه المعافى في الجليس عن بن دريد بإسناد آخر قال حدثنا السكن بن سعيد عن عباس بن هشام بن الكلبي عن أبيه وذكره البيهقي في الدلائل معلقا وروى بن سعد عن بن الكلبي عن أبيه عن سلمة بن عبد الله بن شريك النخعي عن أبيه قال كان عبد الله بن ذباب الانسي([8]) مع علي بصفين وكان له غناء). انتهى

ومن هنا  يتضح أن أبناء سعد العشيرة كانت بينهم علاقات اجتماعية مختلفة وكان من أهمها العلاقات الدينية من خلال عبادة الأصنام في ذلك العصر الجاهلي,حيث كان لسعد العشيرة صنمهم المسمى قراص وكان سادنه هو ابن وقشة وهذا يعني أن هذا الصنم كان في ديار وقرى بني وقشة الحالية فسادنه من أبناء وقشة , المستقرين في ديارهم منذ العصر الجاهلي ويتضح ذلك من خلال حديث الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب عن قرية جنب الكبيبة والشعر الذي أورده على لسان شاعرهم.

وفي رواية أخرى ذكرها الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(المتوفى: 852هـ) في كتابه الإصابة‏ في تمييز الصحابة في حرف الذال المعجمة:

أبو ذباب المذحجي([9])

من سعد العشيرة قال أبو عمر له في إسلامه خبر ظريف حسن وكان شاعرًا وهو والد عبد الله بن أبي ذباب وذكره أبو موسى في الذيل فقال ذكره الحسن بن أحمد السمرقندي في الصحابة وقال أبو ذباب السعدي([10]) لم يزد وأورد أبو موسى من طريق عمارة بن زيد حدثني بكر بن خارجة حدثني أبي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي ذباب عن أبيه قال كنت امرأ مولعا بالصيد فذكر قصة إلى أن قال وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته يوم جمعة فكنت أستقبل منبره فصعد يخطب فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه إني لرسول الله إليكم بالآيات البينات وإن أسفل منبري هذا لرجل من سعد العشيرة قدم يريد الإسلام ولم أره قط ولم يرني إلا في ساعتي هذه وسيحدثكم بعد أن أصلي عجبًا قال فصلى وقد مليت منه عجبًا فلما صلى قال لي ادن يا أخا سعد العشيرة حدثنا خبرك وخبر صافي وقراط يعني كلبه وصنمه قال فقمت على قدمي فحدثته حديثي حتى أتيت على آخره فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه للسرور مذهب فدعاني إلى الإسلام وقرأ علي القرآن فأسلمت الحديث وكذا أخرجه أبو سعد النيسابوري في شرف المصطفى مطولًا وفي آخره ثم استأذنته في القدوم على قومي فأتيتهم ورغبتهم في الإسلام فأسلموا فأتيت بهم النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك أقول‏:‏

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت قراطا بدار هَوَانِ


فَمن مُبلغٍ سَعْد الْعَشِيرَة أنّنِي

 

شَرِيتُ الَّذِي يَبْقَى بآخَرَ فَانِ


...انتهى([11])
وجاء في كتاب سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد([12])(روى ابن شاهين عن أبي خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: كان لسعد العشيرة صنم يقال له قراض([13]) يعظمونه وكان سادنه رجلا منهم يقال له ابن وقشة قال عبد الرحمن فحدثني ذباب بن الحارث قال: كان لابن وقشة رئي من الجن يخبر بما يكون فأتاه ذات ليلة فأخبره بشيء فنظر إلي فقال: يا ذباب اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب. فقلت له ما هذا؟ قال: لا أدري كذا قيل لي. فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وثرت إلى الصنم فكسرته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وقلت في ذلك:

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت قراضا بدار هَوَانِ


ولَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني


 

وهنا حديث آخر له علاقة بالحديث السابق حيث ورد ضمن بعض المراجع عند الحديث عن أسماء الصحابة :


حرف الذال - أبو ذباب السعدي([14])

ب س أبو ذباب السعدي، من سَعدِ العشيرة‏.‏ والد عبد اللهَ بن أَبي ذُبَاب‏.‏ روى عاصم بن عمر ابن قتادة، عن عبد الله بن أَبي ذباب، عن أَبيه قال‏:‏ كنت امرأَ مولعاً بالصيد‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر القصة إِلى أَن قال‏:‏ وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته يوم جمعة، فكنت أَسفل منبره، فصعد‏!‏ يخطب فقال بعد أَن حمد الله وأَثنى عليه، ثم قال ‏:‏ ‏"‏إِن أسفل منبري هذا رجل من ‏"‏سعد العشيرة‏"‏ قدم يريد الإسلام، لم أره قط ولم يرني، إلا في ساعتي هذه، ولم أكلمه ولم يكلمني، وسيخبركم بعد أن يصلي عجباً‏"‏ ‏.‏ قال ‏:‏ فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ملِئت منه عَجَباً، فلما صلى قال لي ‏:‏ ادنه يا أَخا سعد العشيرة ، ‏.‏وحَدثنا خَبَرك وخبر حياض وقراط - يعني كلبه وصنمه - ما رأَيت وما سمعت? قال‏:‏ فقصت فحدثته والمسلمين، فرأَيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه للسرور مدهنه، فدعاني إِلى الإِسلام، وتلى علي القران، فأسلمت‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر ما في الحديث‏.‏ أَخرجه أَبو عمر، وأَبو موسى([15])‏.‏

وفي هذا الحديث معجزة , حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم علِم بمقدم ذباب )رضي الله عنه(  قبل أن يراه أو يكلمه , ولقد تعجب ذباب من ذلك الأمر ويتضح ذلك من قوله (وقد مُلئت منه عجبا), ولعل ذلك نتيجة صدقه وبحثه عن الحقيقة ومن ثم رحلته الطويلة من ديار وقشه إلى مدينة المصطفى وكسره للصنم قراص (قراط أو فراص([16])‏). ومن الملاحظ أنه رجع الى قومه في بلاد جنب ودعاهم إلى الإسلام ثم أتى بهم إلى النبي ومن المعلوم كما ذكرنا سابقا أنه استقر في المدينة ومن أولاده من رحل إلى العراق ومنهم من شارك مع علي رضي الله عنه في معاركه ومن ثم استقر أحفاده في العراق كما سيأتي معنا.

حيث أن ذباب صحابي جليل وكان له عقب حيث ذكر ابن حزم في كتاب جمهرة انساب العرب حديث مطول عن أبناء سعد العشيرة وذكر منهم أنس الله ثم ذكر التالي:

(ومن ولد أنس الله بن سعد العشيرة "بطون، منهم: عبد العزيز بن ثابت بن عبد الله بن ذباب بن" الحارث بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ربيعة بن بلال بن أنس الله بن سعد العشيرة، لهم بالري عدد).

وهنا رواية ذات صلة بالموضوع فلقد ذكر ابن سعد (المتوفى عام 230هـ) في طبقاته الرواية التالية في مجمل حديثه عن قدوم الوفود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قدوم وفد سعد العشيرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

روى ابن سعد, عن عبد الرَّحمن بن أبي سبرة الجعفي, قال: لما سمعوا بخروج النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وثب ذباب, رجل من بني أنس الله ابن سعد العشيرة, إلى صنم كان لسعد العشيرة, يقال له فَرّاض فحطّمه, ثم وفد إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم([17])‏ وقال أبيات الشعر السابقة.وجاء في الطبقات أيضا:

وَفْدُ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو كِبْرَانَ الْمُرَادِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: لَمَّا سَمِعُوا بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وَثَبَ ذُبَابٌ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَنَسِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ إِلَى صَنَمٍ كَانَ لِسَعْدِ الْعَشِيرَةِ يُقَالُ لَهُ: فَرَّاضٌ فَحَطَّمَهُ، ثُمَّ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ، وَقَالَ:

[البحر الطويل]

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت فَرَّاسًا بدار هَوَانِ


شَدَدْتُ عَلَيْهِ شَدَّةً فتركتُهُ

 

كَأَن لَمْ يكن والدهر ذُو حَدَثَانِ

فَلَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني


فأصبحتُ لِلْإِسْلَامِ مَا عشتُ ناصرًا

 

وألقيتُ فِيهِ كَلْكَلِي وجِراني

فَمن مُبلغٍ سَعْد الْعَشِيرَة أنّنِي

 

شَرِيتُ الَّذِي يَبْقَى بآخَرَ فَانِ


 

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذُبَابٍ الْأَنَسِيُّ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِصِفِّينَ فَكَانَ لَهُ غِنَاءٌ»([18])

وجاء عند النويري([19]) :( روى عن قتادة عن عبد الله بن أبي ذباب عن أبيه ، أنه قال : كنت مولعاً بالصيد ، وكان لنا صنم اسمه فراض ، كنت كثيرا ما أذبح له ، ولم أكن أتخذ جارحاً للصيد إلا رمى بآفة ، فلما أدخل الحي صيداً حياً ، لأني كنت لا أدركه إلا وقد أشفى على الهلاك ، فلما طال بي ذلك أتيت فراضاً ، فعترت له عتيرة ، ولطخته من دمها ، وقلت :

فراض أشكو نكد الجوارح

 

من طائرٍ ذي مخلبٍ ونابح

وأنت للأمر الشديدي الفادح

 

فافتح فقد أسهلت المفاتح

فأجابني مجيبٌ من الصنم ؛ فقال :

دونك كلباً جارحاً مباركاً

 

أعد للوحوش سلاحاً شابكا

يفر حزون الأرض والد كادكا

 

...............................

قال : فانقلبت إلى خبائي ، فوجدت به كلباً خلاسياً بهيما عظيما ؛ أهرت الشدقين ، شابك الأنياب ، شئن البراثن ، أشعر مهول المنظر ، فصفرت به فأتاني ، فلاذ بي وبصبص ، فسميته حياضا ، فاتخذت له مربطا بإزاء فراشي وأكرمته ، ثم خرجت به إلى الصيد ، فإذا هو أبصر بالصيد مني ، وكان لا يثبت له شيء من الوحش ، فقلت فيه :

حياض إنك مأمولٌ منافعه

 

وقد جعلتك موقوفاً لفراض

وكنت أعتر لفراض من صيده ، وأقرى الضيف ، فلم أزل به من أوسع العرب رحلا ، وأكثرها ضيفا ، إلى أن ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فنزل بي ضيفٌ كان زار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وسمع منه القرآن ، فحدثني عنه ، ورأيت حياضاً كأنه ينصت لحديثه ، ثم إني غدوت أقتنص بحياض ، فجعل يجاذبني ، ويأبى أن يتبعني فأجذبه وأمسحه ، إلى أن عن لي تولب - يعني جحشا من حمير الوحش - قال : فأرسلته عليه فقصده ، حتى إذا قلت قد أخذه حاد عنه ، فساءني ذلك ، ثم أرسلته على رألٍ - يعني فرخ نعامة -

فصنع مثل ذلك ، ثم أرسلته على بقرة ، ثم على خشف ، كل ذلك لا يأتي بخير ، فقلت :

ألا ما بحياضٍ يحيد كأنما

 

رأى الصيد ممنوعاً بزرق اللهاذم

قال : فأجابني هاتف لا أراه :

يجيد لأمرٍ لو بدا لك عينه

 

لكنت صفوحاً عاذلاً غير لائم

قال : فأخذت الكلب وانكفأت راجعاً ، فإذا شخص إنسانٍ عظيم الخلق ، قد ركب حمارا وحشيا ، فتربع على ظهره ، وهو يساير شخصاً مثله راكباً على قرهب ، وخلفهما عبد أسود يقود كلباً عظيما بساجورٍ ، فأشار أحد الراكبين إلى حياض وأنشد :

 

ويلك يا حياض لم تصيد

 

اخنس وحد عما حوته البيد

الله أعلى وله التوحيد
سحقاً لفراضٍ وما يكيد

 

وعبده محمد السديد
قد ظل لا يبدى ولا يعيد

قال : فملئت رعباً ، وذل الكلب فما يرفع رأسا ، وأتيت أهلي مغموماً كاسف البال ، فبت أتململ على فراشي ، ثم خفت من آخر الليل فإذا نغمة ، ففتحت عيني فرأيت الكلب الذي كان الأسود يقوده ، وإذا حياض يقول له : أحسب صاحبي يقظان ، قال : فتناومت ، ثم قصدني فتأملني ورجع إليه ، فقال : قد نام ، فلا عينٌ ولا سمعٌ ، قال : أرأيت العفريتين ؟ وسمعت ما قالا ، قال حياض : نعم ، قال : إنهما قد أسلما واتبعا محمدا ، وقد سلطا على شياطين الأوثان ، فما يتركان لوثن شيطانا . وقد عذباني عذاباً شديداً ، وأخذا علي موثقا ألا أقرب وثنى ، وأنا خارج إلى جزائر الهند ، فما رأيك لنفسك ؟ قال حياض : ما أمرنا إلا واحد ، وذهبا ، فقمت أنظر فلا عين ولا أثر ، فلما أصبحت أخبرت قومي بما رأيت وسمعت ، وقلت لهم : تخيروا من ينطلق معي إلى هذا النبي من حلمائكم وخطبائكم ؛ فقالوا لي : أترغب عن دين آبائك ؟ فقلت لهم : إذا كرهتم شيئاً كرهته ، فما أنا إلا واحد منكم ، ثم انسللت منهم فكسرت الصنم ، ثم قصدت المدينة فأتيتها ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب ، فجلست بإزاء منبره فعقب خطبته بأن قال : " بإزاء منبري رجلٌ من سعد العشيرة ، قدم علينا راغباً في الإسلام ، لم يرني ولم أره إلا ساعتي هذه ، ولم أكلمه ولم يكلمني قط ، وسيخبركم خبرا عجيبا " ونزل فصلى ، ثم قال : " أدن يا أخا سعد العشيرة " فدنوت فقال : " أخبرنا عن حياض وفراض وما رأيت وما سمعت " قال : فقمت على قدمي وقصصت القصة ، والمسلمون يسمعون ، فسر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ودعاني إلى الإسلام ، وتلا علىّ القرآن فأسلمت ، وقلت في ذلك :

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت فَرَّاضًا بدار هَوَانِ

شَدَدْتُ عَلَيْهِ شَدَّةً فتركتُهُ

 

كَأَن لَمْ يكن والدهر ذُو حَدَثَانِ

رأيت له كلباً يقوم بأمره

 

فهدد بالتنكيل والرجفان

ولَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني

فأصبحتُ لِلْإِسْلَامِ مَا عشتُ ناصرًا

 

وألقيتُ فِيهِ كَلْكَلِي وجِراني

فَمن مُبلغٍ سَعْد الْعَشِيرَة أنّنِي

 

شَرِيتُ الَّذِي يَبْقَى بما هوَ فَانِي


وقد تقدم في خبر وفد سعد العشيرة ذكر هذه الأبيات ، وأنه لذبابٍ ، وأنه الذي كسر الصنم ، إلا أنه لم يذكر البيت الذي فيه ذكر الكلب ، والله تعالى أعلم .

 

 

 

 

 


جبل ظلم علم مشهور يتوسط ديار بني وقشة

 


    

 

 

 

 

ثاني أعلى مخروط بركاني في المملكة

 

 

جمع وإعداد الباحث/ أحمد بن علي مطوان



([1])  نسب معد واليمن الكبير ص 72.

([2])  جاء في مختلف القبائل  ومؤتلفها (أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية البغدادي (المتوفى: 245هـ)) وفي سعد العشيرة: علي بن أنس الله بن سعد العشيرة بن مالك ابن أدد..

([3])  صفة جزيرة العرب.

([4])  الكُبَيْبَةُ:قال  الهمداني: قرية جنب في سراتهم باليمن الكبيبة معجم البلدان ج4  ص435.

([5])  البلدان ج1 ص 155.

([6])  أبو الفرج  المعافى (المتوفى: 390هـ)ج1,ص181.

([7])  الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص 335.

([8])  الأنسي : نسبة إلى أنس الله بن سعد العشيرة.

([9])  نسبة إلى مذحج. وجاء في الاستيعاب في معرفة الأصحاب (بن عبدالبر بن عاصم  النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ))أبو ذباب،والد عبد الله بْن أبي ذباب له فِي إسلامه خبر ظريف حسن.وَكَانَ شاعرا.

([10])  نسبة إلى سعد العشيرة.

([11])  الإصابة في تمييز الصحابة ج7 ,ص 104

([12])  محمد بن يوسف الصالحي الشامي  ج2.ص 211.

([13])  فراض، صنم كان بأرض سعد العشيرة. وقد حطمه رجل منهم اسمه "ذباب"،وهو من "بني أنس الله بن سعد العشيرة". حطمه. ثم وفد إلى النبي فأسلم،وقال شعرًا في ذلك،أشار فيه على هدمه ذلك الصنم. وكانوايذبحونلهويلطخونهبالدم5.(المفصل في التاريخ جواد علي ج 11 ص287 ).

([14])  أسد الغابة في معرفة الصحابة  ج6ص 96.

([15])  نسبة إلى سعد العشيرة.

([16])  فَراص: صنم كان في بلاد سعد العشيرة عن أبي الفتح الاسكندري. معجم البلدان –شهاب الدين أبو عبدالله  ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي (المتوفى: 626هـ)ج4ص234.

([17])  جاء في كتاب سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد،وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد (محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ) (ج2 ص 211) النص التالي: (وروى ابن شاهين عن أبي خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: كان لسعد العشيرة صنم يقال له قراض يعظمونه وكان سادنه رجلا منهم يقال له ابن وقشة قال عبد الرحمن فحدثني ذباب بن الحارث قال: كان لابن وقشة رئي من الجن يخبر بما يكون فأتاه ذات ليلة فأخبره بشيء فنظر إلي فقال: يا ذباب اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب. فقلت له ما هذا؟ قال: لا أدري كذا قيل لي. فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وثرت إلى الصنم فكسرته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وقلت في ذلك:

تَبِعْتُ رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى

 

وخَلّفْت قراضا بدار هَوَانِ


ولَمّا رَأَيْت اللَّه أظهر دينَهُ

 

أجبتُ رَسُول الله حِين دَعَاني


 

([18])  الطبقات الكبرى, ابن سعد (المتوفى: 230هـ), ج1,ص 342.

([19])  نهاية الأرب في فنون الأدب, النويري ((المتوفى: 733هـ)),ج18    ص  150.