رسالة الحسن البصري

رسالة الحسن البصري

التعريف بالراسل :
ابن أبي الحسن يسار أبو سعيد ، مولى زيد بن ثابت الأنصاري . ولد عام 21هـ في المدينة في خلافة عمر - رضي الله عنه - كان سيد أهل زمانه علما ، وعملا ، وكان يلقى دروسه في مسجد البصرة حيث كان إماماً لأهل السنة ، وكان - رحمه الله - يتكلم بكلام كأنه الدُّرُّ ، فصيحا ، مهيباً ، زاهداً ، عابداً ، شجاعاً ، شديدا على المشركين في القتال .
- توفي - رحمه الله - في أول رجب ، سنة 110 للهجرة عن عمر يقارب التسعين عاماً.

 لمعرفة المزيد عن الحسن البصري اضغط هنا

التعريف بالمرسل إليه :
هو عمر بن عبد العزيز من حكام بني أمية حيث ولد في مصر سنة 60هـ ويعتبر من خير خلفاء بني أمية فقد تولى الخلافة سنة 99هـ وعدّه المؤرخون خامس الخلفاء الراشدين ؛ وذلك للشبه الكبير بينه وبين جده لأمه عمر بن الخطاب في العدل و العدالة ، وتوفى سنة 101هـ .
س : ما سبب هذه الرسالة التي أرسلها الحسن البصري للخليفة عمر ؟
جـ : سبب هذه الرسالة : أنه لما وليَ عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى الحسن البصريّ يسأله أن يصفَ له الإمام (الخليفة) العادل، فكتب إليه الحسن البصري تلك الرسالة التي تعد وصية جامعة تصلح دستوراً وبياناً وطريقاً لكل من تولى أمراً من أمور المسلمين .
الفقـرة الأولى
*  (اعلمْ يا أميرَ المؤمنين، أن اللهَ جعل الإمامَ العادل قِوامَ كلَّ مائلٍ ، وقَصْدَ كلَّ جائرٍ ، وصلاحَ كلَّ فاسدٍ ، وقُوَّةَ كل َّ ضعيفٍ ، ونِصْفَةَ كلِّ مظلومٍ ) .
اللغويـات :
قوام : أساس ، عماد ، سند - مائل : منحرف ، معوج × قويم - قصد : استقامة - جائـر : منحرف ، ظالـم ، متجبّر × عـادل - نصفة : إنصاف × ظلم .
س 1: ما المقصود بقوله : " قصد كل جائر"؟
جـ : أي أنه السبيل الوحيد للوصول لطريق الحق والاستقامة .
الشرح :
س1 : بم ذكر الإمام الخليفة عمر بن عبد العزيز ؟ ولماذا ؟
        أو الأمة تحتاج إلى الإمام العادل . وضح من خلال فهمك للفقرة السابقة .
جـ : ذكره بحاجة الأمة إليه ؛ كي يصلح حال الإنسان المائل والمنحرف والفاسد وليحمى الضعيف وينصف المظلوم .
التـذوق :
*  (
اعلم) : أسلوب إنشائي / أمر الغرض منه : التذكير والنصح .
*  (
يا أمير المؤمنين) : أسلوب نداء للتعظيم .
*  (
قوام - مائل) ، (قصد - جائر) ، (صلاح - فاسد) ، (قوة - ضعيف) ، (نصفة - مظلوم) : طباق  يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد .
*  (
قصد - جائر) : ألفاظ تعبر عن تأثُّر الشاعر بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى : (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ) .
الفقرة الثانية
*  (والإمامُ العادلُ - يا أميرَ المؤمنين - كالراعي الشفيقِ على إبلِهِ الرفيق بها الذي يرتادُ لها أطْيبَ المراعى ، ويذودهُا عن مراتع الهَلَكة ، ويحميها من السِّباع ِ ) .
اللغويـات :
الراعي : هو الذي يرعى الماشية ج رعاة ، رعيان ، رعاء - الشفيق : كثير الشفقة والرحمة ج شفقاء × القاسي - الإبل : الجمال ج آبال - الرفيـق : الرحيم ج رفقاء × القاسي - يرتاد : يختار ويفضل - المراعى : م المرعى وهو مكان الرَّعْي ، المرتع ، المرج - يذودها : يدفعها ويمنعها - مراتـع : م مرتع وهو المرعى - أطيب : أفضل وأحسن × أسوأ - السباع : الوحوش المفترسة م سبع - الهلكة : الهلاك ×النجاة ج هلَك و هَلَكَات.
الشرح :
س1 : بم شبه الإمام الحاكم العادل ؟
جـ : شبهه بالراعي الرحيم العطوف على إبله .
س2 : ما واجب الراعي نحو إبله كما فهمت من الفقرة ؟
جـ : واجب الراعي نحو إبله :
    1 - أن يكون شفيقاً عليها .
    2 - يختار لها أطيب المراعى .
    3 - يمنعها عن المراعى الضارة .
    4 - يحميها من الذئاب .
التذوق :
*  (
الإمام العادل ،كالراعي) : شبه الإمام العادل بالراعي الرحيم على إبله .
*  (
الشفيق على إبله ، الرفيق به ، الذي يرتاد) : علاقتها بما قبلها تفصيل بعد إجمال .
*  (أطيب المراعى - مراتع الهلكة) : محسن بديعي / طباق يوضح المعنى .
الفقرة الثالثة
*  (والإمامُ العادلُ - يا أمير المؤمنين - كالأبِ الحاني على ولَدِهِ، يسعى لهم صغاراً، ويعلِّمُهمْ كبارا، ويكتسبُ لهم في حياتِهِ، ويدّخر لهم بعدَ مماتهِ ).
اللغويـات :
الحاني : العطوف ×القاسي - ولد : ج أولاد ، وِلْدَة تطلق على المذكر والمؤنث - يسعى : يعمل ويكسب - يكتسب : يطلب الرزق (يسترزق) - يدخر : يوفر .
الشـرح :
س1 : بم شبه الإمام الحاكم العادل في الفقرة السابقة ؟
جـ : شبهه بالأب الحاني على أولاده .
س2 : كيف يكون الأب عطوفاً على أولاده ؟
جـ : بأن يعمل ويتعب من أجلهم ؛ لينفق عليهم ويوجههم في الكبر ويدخر لهم من المال ما ينفعهم بعد مماته، فلا يتركهم فقراء يسألون الناس .
التذوق :
*  (
الإمام العادل .. كالأب الحاني) : شبه الإمام العادل بالأب الحاني وهو تعبير يوحي بقوة العلاقة والترابط بين الطرفين .
*  (
يسعى لهم صغاراً ، يعلمهم كباراً) : علاقتها بما قبلها تفصيل بعد إجمال
*  (
صغار - كبار) ، (حياته - مماته) : محسن بديعي / طباق يوضح المعنى كما بينهما سجع يعطى نغمة موسيقية .
*  (الإمام الحسن البصري في هذا الجزء متأثر بحديث رسول الله -
- الذي يقول فيه : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
الفقرة الرابعة
*  (الإمام العادل كالأم الشفيقة البرة بولدها ، حملته كرهاً ووضعته كرهاً وربته طفلاً ، تسهر بسهره ، وتسكن بسكونه ترضعه تارة ، أخرى ، تفرح بعافيته وتغتم بشكايته) .
اللغويات :
البـرة : المحسنة ج برات ، مذكرها: بر - كرهـاً : تعبـاً ، مشقة - تسكن : تهدأ × تتعب- تـارة : مدة ج تير - تفطمه : تقطع عنه الرضاعة × ترضعه - عافيته : صحته - تغتـم : تحزن - شكايته : شكواه (مرضه وألمه) .
الشرح :
س1 : بم شبه الإمام الحاكم العادل في الفقرة السابقة ؟
جـ : شبهه بالأم الحانية على أطفالها التي تعبت في حملهم وولادتهم وتربيتهم ، هي التي تسهر لسهرهم ، وتسعد لسعادتهم ، وتشقى لشقائهم .
التذوق :
*  (
الإمام العادل ... كالأم الشفيقة) : تشبيه يوحى بمدى العطف والحنان .
*  (
حملته كرهاً ، ووضعته كرهاً) : علاقتها بما قبلها تفصيل بعد إجمال .
*  (
ترضعه ، تفطمه) : محسن بديعي / طباق يوضح المعنى ويبرزه .
*  (
تفرح بعافيته ، تغتم بشكايته) : محسن بديعي / مقابلة توضح المعنى وتبرزه .
*  (
حملته كرهاً ووضعته كرهاً) : تعبير يدل على تأثر الكاتب بالقرآن الكريم .
*  (
عافيته - شكايته) : سجع يعطى نغمة موسيقية .
س1 : ما الذي دفع الإمام الحسن البصري لكتابة هذه الرسالة ؟
جـ : لأنه يؤمن بأن الدين النصيحة ، لذلك فهو يسدي نصائحه للخليفة ، ويذكِّره بما ينبغي أن يكون عليه الحاكم مع رعيته (شعبه) ، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)
س2 : ماذا أفاد تكرار عبارة (أمير المؤمنين) في الرسالة ؟ وعلام يدل ذلك ؟
جـ : تكرار عبارة يا أمير المؤمنين ؛ ليشعر الخليفة بعظمة مسئوليته وشرفها عند الله .
- ويدل ذلك على أدب الحسن البصري ، واعترافه بإمارة عمر بن عبد العزيز .
س3 : شبَّه الإمام الحسن البصري الخليفة بالراعي - بالأب - بالأم . فبم توحي تلك التشبيهات ؟
جـ : التشبيه بالراعي يوحي بالخبرة و القيادة .
- التشبيه بالأب يوحي بأن الأب هو المربي والمسئول والحريص على النفع .
- التشبيه بالأم يوحي بالعطف والحنان والرعاية الدائمة المتدفقة .
التعليق :
س1: ما نوع الرسالة ؟ وما الهدف منها ؟ وبم تميز أسلوبها ؟
جـ : نوع الرسالة : من فن الرسالة العامة .
-
الهدف منها : النصح والموعظة .
-
تميز أسلوبها بالسهولة والوضوح والتفصيل والاعتماد على التشبيه باستخدام بعض المحسنات .
س2: بم تميز أسلوب ومعاني الحسن البصري ؟
جـ : وأسلوب الحسن البصري في كل وصاياه يتميز بصدق اللهجة ، وحرارة العاطفة ، وعذوبة اللفظ ، واستعمال التشبيه لتقريب المعنى .
- أما
معاني الحسن البصري فهي قبس من أنوار الكتاب والسُّنة .
س3 : ما ملامح شخصية الحسن البصري ؟
جـ : ملامح شخصية الراسل (حسن البصري) عالم مفكر مصلح حريص على أداء واجبه في تقديم النصح للخليفة .
س4 : تأثر الإمام بمعجمين مختلفتين . وضح .
جـ : بالفعل تأثر الإمام بمعجمين مختلفتين هما القرآن والحديث .
س5 : ما أثر البيئة في هذا النص ؟
جـ : أثر البيئة في الرسالة يتضح في استقرار مبادئ الدين والعدل والرحمة ، كما يتضح في تشبيه الإمام العادل بالراعي .
أسئلة للمناقشة
1 - (والإمامُ العادلُ - يا أمير المؤمنين - كالأبِ الحاني على ولَدِهِ، يسعى لهم صغاراً ، ويعلِّمُهمْ كباراً ، ويكتسبُ لهم في حياتِهِ ، ويدّخر لهم بعدَ مماتهِ ).
( أ ) - تخير الصحيح لما يأتي مما بين الأقواس :
    1 - مضاد (
العادل) : (الظالم - المعوج - الفاسد) .
    2 - مرادف (
الحاني) : (الكريم - الرحيم - المحب) .
    3 - (
يكتسب ويدخر) كلمتان : (متجانستان - متضادتان - مترادفتان)
    4 - جمع (
الإمام) : (أئمة - أمم - كلاهما صواب) .
(ب) - الإمام العادل كالأب الحاني على ولده ... وضح ذلك .
(جـ) - استخرج صورة بيانية ومحسناً بديعياً وبين نوع كل وسر جماله .
( د) - عين في الفقرة : أسلوباً إنشائياً وبين نوعه والغرض البلاغي منه .
(هـ) - اذكر أثر البيئة في الرسالة .
(و) - ما أهمية الإمام العادل في إسعاد المجتمع ؟

الرسالة كاملة


كتب عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة إلى الحسن ابن أبي الحسن البصري أن يكتب له صفة الإمام العادل ؛ فكتب إليه الحسن : اعلم يا أمير المؤمنين ، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ونصفة كل مظلوم ، ومفزع كل ملهوف .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي ، ويذودها عن مراتع الهلكة ، ويحميها من السباع ، ويكنفها من أذى الحر والقر .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده ، يسعى لهم صغاراً ، ويعلمهم كباراً ، يكسب لهم في حياته ، ويدخر لهم بعد وفاته .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة الرفيقة بولدها ، حملته كرها ، ووضعته كرها ، وربته طفلا ، تسهر لسهره وتسكن لسكونه ، وترضعه تارة وتفطمه أخرى ، وتفرح بعافيته ، وتغتم بشكايته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى ، وخازن المساكين ، يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وعباده ، يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم.
فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله ، فبددّ المال وشرّد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده ، وقلّة أشياعك عنده وأنصارك عليه ، فتزود له وما بعده من الفزع الأكبر.
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت به ، يطول فيه ثواؤك ، ويفارقك أحباؤك ، ويسلمونك في قعره فريداً وحيداً ؛ فتزود له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه .
واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ؛ فالأسرار ظاهرة ، والكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ؛ فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل ، قبل حلول الأجل ، وانقطاع الأمل ؛ لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين ، فإنهم لا يرقبون في مؤمنٍ غلاًّ ولا ذمةً ، فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك ، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك .
ولا يغرنّك الذين ينعمون بما فيه بؤسك ، ويأكلون الطيبات من دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.
ولا تنظرنّ إلى قدرك اليوم ، ولكن انظر إلى قدرك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت ، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع الملائكة والمرسلين ، وقد عنت الوجوه للحيّ القيوم .
إني يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ في عظتي ما بلغه أولو النهي قبلي ، فلم آلك شفقةً ونصحا ؛ فأنزل كتابي هذا إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريمة لما يرجو له بذلك من العافية والصحة.
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
                                                              
 (من كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب)

 

عودة إلى الصفحة السابقة

عودة إلى صفحة البداية